هل يجوز أخذ العِلم عن المبتدع أو أخذ الفقه عن المقلد المتعصب ؟
بتاريخ : 28-03-2016 الساعة : 08:16 PM
السلام عليكم شيخنا الفاضل أحسن الله إليكم! السائلة تسئل:
"هل يجوز أخذ علم تجويد القرآن عن المبتدع؟
و هل يجوز أخذ الفقه عن المقلد المتعصب في مذهب ما؟ " انتهى
شيخنا الكريم أضيف إلى سؤالها:
متى يجوز و متى يمنع أخذ العلم الشرعي عن المنحرف؟ و ما هي حدود؟ و كذا عند الحاجة؟
جزاكم الله عنا خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
يجوز أخذ علم تجويد القرآن والقراءات عن الْمُبْتَدِع ؛ إذا لم يُوجَد غيره ، ولم يكن للأخذ عنه تأثير على المتلقِّي . وأقصد بالْمُبْتَدِع : مَن لم تُخرِجه بِدعته مِن الإسلام ، أما مَن أخرجته بِدعته مِن الإسلام ؛ فلا يُؤخذ عنه ، ولا كَرامة .
ويجوز أخذ الفقه عن المقلِّد المتعصّب ؛ إذا لم يُوجَد غيره ، ولم يكن للأخذ عنه تأثير على المتلقِّي ، بحيث يُورِثه التعصّب للأقوال دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ، أو يُورِثه الوقيعة في أهل العِلْم مِن المخالِفين .
لأن طالب العِلْم قد لا يجد شيخا يطلب على يديه العِلْم في الفقه مثلا أو في التجويد ، أو في اللغة إلاّ مَن تلبّس ببِدعة ؛ فيُنظر حينها إلى المصالِح والمفاسِد ، فتُرتكب أخفّ المفسدتين في سبيل دفع أكبر المفسدتين ، وتحقيق المصلحة في طلب العِلْم ونشر العِلم .
وهذا هو سبيل أهل العِلْم : يأخذون مِن المبتَدِع ما وافق فيه الحق ، ويَطْرَحُون ما خَالَف فيه الكتاب والسنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومَن أمْكَنه الْهُدى مِن غير انتساب إلى شيخ مُعين ، فلا حاجة به إلى ذلك ، ولا يُستحب له ذلك بل يُكره له . وأما إن كان لا يُمكنه أن يَعبد الله بما أمَرَه إلاّ بذلك ، مثل : أن يكون في مكان يَضعف فيه الْهُدى والعِلْم والإيمان والدِّين - يُعَلّمونه ويُؤدّبِونه ، لا يَبذلون له ذلك إلاّ بانتساب إلى شيخهم ، أو يكون انتسابه إلى شيخ يَزيد في دينه وعِلمه ، فإنه يفعل الأصلح لِدِينِه . وهذا لا يكون في الغالب إلاّ لِتفرِيطه ، وإلاّ فلو طلب الْهُدى على وَجهه لَوَجَده . فأما الانتساب الذي يُفرِّق بين المسلمين ، وفيه خُروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة وسُلوك طريق الابتداع ومُفارَقة السُّنة والاتّباع ؛ فهذا مما يُنهى عنه ، ويأثم فاعله ، ويَخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . اهـ .
ولأن أمر الفقه العَمَلِي أيسر مِن أمر العقيدة .
وأما العقيدة فلا تُؤخذ إلاّ عن مَن عُرِف بِصَفاء المعتقَد ، وسلامَة المنهج في الاستدلال وغيره .
ومع ذلك يُوصَى طالب العِلْم بأن لا يقتصر في طلب العِلْم بالأخذ عن شيخ واحد ، ولا بأن يَقبل القَول في مسائل العِلْم دون الرجوع إلى الأدلة ، ودون النظر في كلام أهل العِلْم ؛ لأنه لا يَتبيّن خطأ العالِم إلاّ بِالاطّلاع على أقوال المخالِفين ومناقَشاتِهم للأقوال والمسائل .
وربما تأتي إلى تقرير عالِم لمسألة مِن المسائل ، فيُقرّر أن هذا هو الراجح ، وقد يأتي بعدّة أدلّة ، ثم تقرأ للمخالِف له مِن المذاهب الأخرى ، فتجد أنه ردّ ذلك القَول وضعّفه ، ورجّح غيره بِمُرجّحات أكثر ، قد تكون أضعاف ما قرّره الأول !
واليوم توفّرت وسائل طلب العِلْم ، والسماع مِن العلماء شرقا وغربا ، حتى بعد وفاتهم عن طريق التسجيل ، وانتشار الكتب الإلكترونية .
ولو تركنا النظر في أقوال كل متعصّب لِمَذهبه ؛ لَفَاتَنا عِلْم كثير .
وإن كان الاطّلاع على كُتب المنصفين وغير المتعصّبين للمذاهب ؛ يُربّى في النفس سَعة الأُفق ، واحتمال المخالف في الفقه .
ومِن أمثل ما رأيت : الاستذكار لابن عبد البر ، والمغني لابن قدامة ، والمجموع للنووي – لو تَمّ – .
فَمِثْل هذه الكُتب تُربّي في طالب العِلْم القدرة على الاستنباط ، والأدب مع المخالِف ، وسَعة الأفق في احتمال المخالِف ، ولُزم جادّة أهل العِلْم في مُناقشة المسائل والترجيح .
والتقليد مذموم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : التَّقْلِيد الْمُحَرَّم بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ : أَنْ يُعَارِضَ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ . اهـ .