نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (فضول الأشياء)
قديم بتاريخ : 10-11-2015 الساعة : 09:07 AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ ، وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، الَّذِي لا فَوْزَ إِلاّ فِي طَاعَتِهِ ، وَلا عِزَّ إِلاَّ فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ ، وَلا غِنًى إِلاّ فِي الافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ ، وَلا هُدًى إِلاَّ فِي الاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ ، وَلا حَيَاةَ إِلاَّ فِي رِضَاهُ ، وَلا نَعِيمَ إِلاَّ فِي قُرْبِهِ ، وَلا صَلاحَ لِلْقَلْبِ وَلا فَلاحَ إِلاّ فِي الإِخْلاصِ لَهُ وَتَوْحِيدِ حُبِّهِ ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ .

أمَّا بَعْدُ :
فـ " إنَّ فضولَ الْمُخالطَةِ هِيَ الدَّاءُ العُضالُ الجالِبُ لكُلِّ شَرٍّ ، وكَمْ سَلَبَتْ المخالَطَةُ والمعَاشَرَةُ مِنْ نِعمَةٍ ، وكمْ زَرعَتْ مِنْ عَدَاوةٍ ، وَكَمْ غَرَسَتْ في القلْبِ مِنْ حَزَازَاتٍ تَزُولُ الجِبَالُ الرَّاسياتُ وهِيَ في القُلُوبِ لا تزولُ . فَفُضُولُ الْمُخالطَةِ فيه خَسَارةُ الدنيا والآخِرَةِ ، وإنما يَنبغِي للعَبْدِ أنْ يَأخْذَ مِنَ الْمُخالَطَةِ بِمِقْدَارِ الحَاجَةِ " .

أيها المؤمنون :
قَسْوةُ القَلْبِ إنما تَنشأُ مِن الفضُولِ ، والاشتغالِ بِما زادَ عنِ الحاجة .

قَالَ العلماءُ : قسوةُ القَلْبِ في أربَعَةِ أشياءٍ إذا جَاوَزَتْ قَدْرَ الحَاجَةِ : الأكلُ والنومُ والكلامُ والمخالَطَةُ .
ومِن هُنا : جاءَ النهيُ عن فضولِ النَّظَرِ ، كما قال تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) قال البغويُّ: وَالإِعْجَابُ هُوَ السُّرُورُ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ ، يَقُولُ: لا تَسْتَحْسِنْ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ، لأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مِنَ اللَّهِ فِي اسْتِدْرَاجٍ كَثَّرَ اللَّهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ . اهـ .

وقَالَ تَعَالَى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
قَالَ الشيخُ السَّعْدِيُّ : أيْ : وَلا تَمُدَّ عَيْنيَكَ مُعْجَبًا ، ولا تُكَرِّرِ النظرَ مُستحْسِنًا إلى أحوالِ الدُّنيا والْمُمَـتَّعينَ بِها مِنَ المآكِلِ والمشارِبِ اللذيذةِ ، والملابِسِ الفاخِرَةِ ، والبيوتِ الْمُزخْرَفَةِ ، والنِّساءِ الْمُجمَّلَةِ ؛ فإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زَهَرَةُ الْحياةِ الدُّنيا تَبتهِجُ بِهَا نفوسُ الْمُغْتَرِّينَ ، وتَأْخُذُ إعجَابًا بِأبصارِ الْمُعرِضِينَ ، ويَتَمَتَّعُ بِهَا - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الآخِرَةِ- القومُ الظَّالِمُونَ ، ثُمَّ تَذْهَبُ سريعًا وَتَمْضِيْ جميعًا ، وَتَقْتُلُ مُحِبِّيها وعُشَّاقَهَا فَينْدَمُونَ حَيثُ لا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ ، ويَعَلَمُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ إذا قَامُوا يومَ القَيامَةِ ، وإنّمَا جَعَلَهَا اللهُ فِتْنَةً واخْتِبَارًا لِيَعْلَمَ مَنْ يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَغَتَّرُ بِهَا ، وَمَنْ هُوَ أَحْسَنُ عَمَلاً . اهـ .
قَالَ أبو الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَا بُنَيَّ لا تَتَبَعْ بَصَرَكَ كُلَّ مَا تَرَى في النَّاسِ ؛ فَإنَّهُ مَنْ يَتْبَعْ بَصَرَهُ كُلَّ مَا يَرىَ مِنَ النَّاسِ يَطُلْ تَحَزُّنُهُ ولا يَشْفِ غَيْظَهُ ، ومَنْ لا يَعْرِفُ نِعْمَةَ اللهِ إلاَّ في مَطْعَمِهِ أَوْ مَشرَبِهِ فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ وحَضَرَ عَذَابُهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكْنْ غَنيًا مِنَ الدُّنيا فَلا دُنيا لَه .

وقَالَ إبراهيمُ النُّخعَيُّ : إنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ فضولُ الكلامِ وفضولُ المالِ .
وقَالَ الفُضَيْلُ بِنُ عِياضٍ : شَيْئانِ يُقَسِّيَانِ القَلْبَ : كَثْرَةُ الْكَلامِ وَكَثْرَةُ الأكْلِ .
وقَالَ الإمامُ مَالِكٌ : كُلُّ شَيءٍ يُنْتَفَعُ بِفَضْلِهِ إلاَّ الكَلامُ ؛ فِإنَّ فَضْلَهُ يَضُرُّ .
وقَالَ ابنُ الجوزيِّ: فَأمَّا التوسُّعُ في المطاعِمِ فَإنَّهُ سَبَبُ النَّومِ ، والشِّبَعُ يُعْمِي القَلْبَ ويُهْزِلُ البَدَنَ ويُضْعِفُهُ . اهـ .

أيها المؤمنون :
كَمَا جَاءَ النهيُ عن فضولِ النظرِ ، فقد جاء النهيُ عن فضولِ الكلامِ .
فقد وَرَدَ في حديثِ بِلالِ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ يَقولُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عّزَّ وَجَلَّ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ وأنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ . فَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقَولُ : كَمْ مِنْ كلامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَديثُ بِلالِ بنِ الْحَارِثِ . رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ .
قَالَ عُمَرُ بِنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : رَحِمَ اللهُ امْرؤًا أَمْسَكَ فَضْلَ القولِ ، وَقَدَّمَ فَضْلَ العَمَلِ .
وقَالَ ابنُ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إيَّاكُمْ وفضولَ الكَلامِ ، حَسْبُ امْرِئٍ مَا بَلَغَ حَاجَتَهُ .
قَالَ الإمامُ مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَقُولُ: لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ، فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وفي نفائسِ أقوالِ إبراهيمَ بنِ أدْهَمَ : مَنْ ضَبَطَ بَطْنَهُ ضَبَطَ دِينَهُ ، وَمَنْ مَلَكَ جُوعَهُ مَلَكَ الأخلاقَ الصَّالِحَةَ . وإنَّ مَعصيةَ اللهِ بعيدَةٌ مِنَ الجَائعِ قَريبَةٌ مِنَ الشَّبعانِ ، والشِّبَعُ يُميتُ القلَبَ ، ومِنْهُ يَكونُ الفَرَحُ والْمَرحُ والضَّحِكُ .

وَقَدْ حذَّر النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَفْلَةِ ، والاشتغالِ بِما لا يَعني الإنسانَ .

لَمَّا رَأَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَتْبَعُ حمامةً ، فقَالَ : شيطانٌ يَتْبَعُ شيطانةً . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ وابنُ مَاجَه ، وحسَّنَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
قَالَ الْمُنَاويُّ:" شيطانٌ يَتْبَعُ شيطانةً "، أيْ : يَقْفُوْ أَثَرَهَا لاعِبًا بِهَا ، وإنمَّا سَمّاهُ شَيْطَانا لِمُبَاعَدَتِهِ عَنِ الحقِّ ، وإعراضِهِ عَنِ العِبادةِ ، واشتغالِهِ بمَا لا يَعنيهِ ، وسَمّاهَا شيَطانَةً لأنَّها أغفلَتْهُ عَنْ ذِكْرِ الحَقِّ ، وشَغَلَتْهُ عَمَّا يَهمُّهُ مِنْ صَلاحِ الدارَينِ . اهـ .

وإنَّ مِنْ عَلامَةِ توفيقِ اللهِ للعبْدِ ، أنْ يَجْعَلَ شُغلَهُ بِنَفْسِهِ ، مُعْرِضا عَمّا لا يَعنيه .
ولذا كَانَ مِنْ دُعاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللهمَّ اِهْدِ قلبي وَسَدِّدْ لِسَاني .
قال الْمُبَارَكْفُورِيُّ : " وَسَدِّدْ لِسَاني " ، أيّ صَوِّبْه وقَوِّمْه حتى لا ينطقَ إلاَّ بالصِّدْقِ ولا يَتَكَلَّمَ إلاَّ بالْحَقِّ . اهـ .

وَصَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : مَنْ كَانَ يؤمِنُ بِاللهِ واليومِ الآخِرِ فَلَيَقُلْ خيرًا أوْ لِيَصْمُتْ . رَوَاهُ البُخاريُّ ومُسْلِمٌ .
قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَهَذَا مِنْ جَوامِعِ الكَلِمِ ؛ لأنَّ القَوْلَ كُلَّهُ إمَّا خَيْرٌ وإمَّا شَرٌّ ، وإمَّا آيلٌ إلى أحدِهِمَا ؛ فَدَخَلَ في الخيرِ كُلُّ مَطلوبٍ مِنَ الأقوالِ فَرْضِهَا وَنَدْبِـهَا ، فأذِنَ فِيهِ عَلَى اختلافِ أنواعِهِ، وَدَخَلَ فيهِ مَا يُؤَوَّلُ إليْهِ. وَمَا عَدَا ذلِكَ مِمَّا هُوَ شَرٌّ أو يُؤَوَّلُ إلى الشَّرِّ ، فَأمَرَ عِنْدَ إرادَةِ الخَوْضِ فِيهِ لُزومَ الصَّمْتِ . اهـ .
قَالَ وَبْرَةُ بنُ عبدِ الرَّحَمَنِ : أوصَانِي ابنُ عَبَّاسٍ بِكَلِمَاتٍ لَهُنَّ أَحْسَنُ مِنَ الدُّهْمِ الْمُوقَفَةِ . قَالَ لي : يا وبَرَةُ لا تُعَرِّضْ فيما لا يَعنيكَ فإنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ ، ولا آمَنُ عَليكَ الوِزْرَ ، ودَعْ كثيرا مِمَّا يَعنيكَ حَتَّى تَرَى لَهُ مَوْضِعا ، فَرُبَّ مُتكلِّفٍ قَدْ تَكَلَّمَ في الأمْرِ يَعينهِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ ... وَاذْكُرْ أَخَاكَ إِذَا تَوَارَى عَنْكَ بِكُلِّ مَا تُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ بِهِ إِذَا تَوَارَيْتَ عَنْهُ ، وَدَعْهُ مِنْ كُلِّ مَا تُحِبُّ أَنْ يَدَعَكَ مِنْهُ ، وَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَجْزِيٌّ بِالْحَسَنَاتِ مَأْخُوذٌ بِالسَّيِّئاتِ. رَوَاهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ .
وقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ : قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: ذَرْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ، وَلا تَنْطِقْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ ، وَاخْزِنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزِنُ دَرَاهِمَكَ . رَوَاهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ .

وكثْرَةُ الكلامِ مظِنَّةُ الزَّلَلِ .
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ مِزَاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ ، وَمَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ . رَوَاهُ البيهقيُّ في شُعبِ الإيمانِ .

وقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَتْ خَطَايَاهُ.

وقَالَ الحسنُ البَصَريُّ : مِنْ عَلامَةِ إعراضِ اللهِ تَعَالى عَنِ العَبْدِ أنْ يجعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لا يَعْنِيهِ خُذْلانًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ : سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ عَنِ الْعِبَادَةِ، فَقَالَ: رَأْسُ الْعِبَادَةِ التَّفَكُّرُ وَالصَّمْتُ إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي حَرْفٌ عَنْ لُقْمَانَ قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا لُقْمَانُ مَا بَلَغَ مِنْ حِكْمَتِكَ ؟ قَالَ: لا أَسْأَلُ عَمَّا قَدْ كُفِيتُ ، وَلا أَتَكَلَّفُ مَا لا يَعْنِينِي ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ بَشَّارٍ ، إِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَصْمُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مَوْعِظَةٍ أَوْ تَنْبِيهٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ تَحْذِيرٍ . رَوَاهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ .
قَالَ رَجُلٌ لِلأَحْنَفِ : بِمَ سُدْتَ ؟ - وَأَرَادَ أَنْ يَعِيْبَهُ - فقَالَ الأَحْنَفُ: بِتَرْكِي مَا لاَ يَعْنِيْنِي كَمَا عَنَاكَ مِنْ أَمْرِي مَا لاَ يَعْنِيْكَ .

قَالَ ابنُ رَجَبٍ: وَكَانَ السَّلَفُ كَثِيرًا يَمْدَحُونَ الصَّمْتَ عَنِ الشَّرِّ ، وَعَمَّا لا يَعْنِي لِشِدَّتِهِ عَلَى النَّفْسِ ، وَذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ كَثِيرًا ، فَكَانُوا يُعَالِجُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَيُجَاهِدُونَهَا عَلَى السُّكُوتِ عَمَّا لا يَعْنِيهِمْ . اهـ .

أيُّها المبارَكُ :
أنْتَ مَالِكُ الكَلِمَةِ قَبْلَ قوْلِهَا ، وَهِيَ مالِكَتُكَ بَعْدَ القولِ .
قَالَ الإمامُ الشافعيُّ : إذا تَكَلَّمْتَ فِيمَا لا يَعنيكَ مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ ، ولَم تَمْلِكْهَا .
وَقَالَ شُمَيْطُ بْنُ عَجْلانَ : يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا سَكَتَّ ، فَأَنْتَ سَالِمٌ ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ ، فَخُذْ حِذْرَكَ ؛ إِمَّا لَكَ وَإِمَّا عَلَيْكَ .

قَالَ ابنُ حِبَّانَ : وإنَّ مِنْ أعظَمِ الخَلَلِ الْمُفْسِدِ لِصِحَّةِ السرائرِ والْمُذْهِبِ لصلاحِ الضَّمَائرِ : الإكثارَ مِنَ الكلامِ وإنْ أُبيحَ لَهُ كَثْرَةُ النُّطْقِ . وَلا سبيلَ للمَرْءِ إلى رِعَايَةِ الصَّمْتِ إلاَّ بِتَرْكِ مَا أُبيحَ لَهُ مِنَ النُّطْقِ . اهـ .
ومَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لا يَعنيهِ ، لَقِيَ مَا يُعَنِّيهِ .
روى الطبرانيُّ في الأوْسَطِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ كَعبَ بنَ عُجرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقَالَ : ما فَعل كَعْبٌ ؟ قَالَوا : مَريضٌ ، فَخَرَجَ يمشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، فقَالَ لَهُ : أبْشِر يا كَعْبُ ، فقَالَت أمُّهُ : هَنيئا لَكَ الجنَّةُ يا كَعْبُ ، فقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ هَذَهِ المتألِّيَةُ عَلَى اللهِ ؟ قَالَ : هِيَ أُمِّي يا رسولَ اللهِ . قَالَ : ما يُدْريكِ يا أُمَّ كَعْبٍ ؟ لَعَلَّ كَعْبًا قَالَ ما لا يَنْفَعُهُ ، أو مَنَعَ مَا لا يُغْنيِهِ . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .

أيُّها المؤمِنونَ :
العَاقِلُ يَزِنُ كَلامَهُ ؛ فِإنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَكَلَّمَ ، وإلاّ سَكَتَ ؛ لأنَّ السلامَةَ غَنيمَةٌ .
قَالَ عَطَاءٌ: كَانُوا – أيْ السَّلَفُ – يَكْرَهونَ فضولَ الكلامِ ، وَكَانُوا يَعُدُّونَ فضولَ الكلامِ مَا عَدَا كِتابَ اللهِ أنْ تَقْرَأهُ ، أوْ أَمْرًا بِالْمَعروفِ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنكَرٍ ، أوْ أنْ تَنْطِقَ في معيشتِكَ بِمَا لا بُدَّ لَكَ مِنْهُ .

قَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ : أَمْرٌ أَنَا فِي طَلَبِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ وَلَسْتُ بِتَارِكٍ طَلَبَهُ أَبَدًا . قَالَوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْمُعْتَمِرِ ؟ قَالَ: الصَّمْتُ عَمَّا لا يَعْنِينِي .


الثانية :
الحمدُ للهِ وَحْدَه ، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَّ بعْدَه .
فإنَّ مَا قَلَّ وكَفَى خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى .

قَالَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحَمَهُ اللهُ تَعَالى: إيَّاكُمْ وَمَا شَغَلَ مِنَ الدُّنْيَا ؛ فَإنَّ الدُّنْيَا كَثيرةُ الاشتغَالِ ، لا يَفْتَحُ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ شُغْلٍ إلاَّ أَوْشَكَ ذلِكَ البابُ أنْ يَفتحَ عَلَيْهِ عَشَرةَ أبوابٍ .
وقَالَ ابنُ الجوزيِّ : واعْلَمْ أنَّ فَتْحَ بَابِ الْمُباحَاتِ رُبَّمَا جَرَّ أذىً كثيرًا في الدِّينِ ؛ فَأَوْثِقْ السَّكْرَ قَبْلَ فَتْحِ الْمَاءِ ، واَلْبَسْ الدِّرْعَ قَبْلَ لِقَاءِ الْحَرْبِ ، وتَلَمَّحْ عَواقِبَ مَا تَجْنِي قَبْلَ تَحْرِيكِ اليَدِ ، واستَظْهِرْ في الْحَذَرِ بِاجْتِنَابِ مَا يُخافُ مِنْهُ وإنْ لَمْ يُتيقَّنْ . اهـ

ومِنْ فَوائِدِ حِفْظِ النَّفْسِ عَنْ فُضُولِ الْمُباحَاتِ ، صِحّةُ الفَرَاسَةِ .

قَالَ شُجَاعُ الكَرْمَانيُّ : مَنْ عَمَرَ ظاهِرَهُ بِاتَّبِاعِ السُّنَّةِ ، وباطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، وَأَكَلَ مِنَ الْحَلالِ لَمْ تُخْطِئْ فَرَاسَتُهُ . وَكَانَ شُجَاعٌ لا تُخْطِئُ لَهْ فَرَاسَةٌ .

أيُّها الكِرامُ :
تَرْكُ الفُضُولِ سَلامَةٌ وَغَنيمَةٌ ، وَهُوَ مِنْ أرْجَى الأعْمَالِ عِنْدَ السَّلَفِ .
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيْضٌ ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ .
فَقِيْلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ ؟
فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنِ اثْنَتَيْنِ : كُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنِي ، وَالأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْمًا .

أيُّها المؤمنون :
امْتَدَحَ السَّلَفُ العُزْلَةَ إلاّ في حَقِّ مَنْ كَانَ لَهُ أثَرٌ عَلَى النَّاسِ .
فَفِي الْحَدِيثِ : الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
قَالَ الصَّنعانيُّ : فِيهِ أَفْضَلِيَّةُ مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ مُخَالَطَةً يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيُحْسِنُ مُعَامَلَتَهُمْ ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَعْتَزِلُهُمْ وَلا يَصْبِرُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ. وَالأَحْوَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ ، وَلِكُلِّ حَالٍ مَقَالَ . اهـ .

قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ : الْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ ، وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ .
وقَالَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيةَ: وَلا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أوْقَاتٍ يَنْفَرِدُ بِهَا بِنَفْسِهِ في دُعَائِهِ وذِكْرِهِ وَصَلاتِهِ وَتَفُكِّرِهِ وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وإصلاحِ قَلْبِهِ . اهـ .

وقَالَ ابنُ القَيَّمِ : الاجْتِمَاعُ بِالإخْوَانِ قِسْمَانِ:
أَحَدُهَمَا : اجتماعٌ عَلَى مُؤانَسَةِ الطَّبْعِ وَشَغْلِ الوَقْتِ ؛ فَهَذَا مَضَرَّتُهُ أَرْجَحُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أنَّه يُفْسِدُ القَلْبَ ويُضَيَّعُ الْوَقْتَ.
الثاني : الاجتماعُ بِهِمْ عَلَى التَّعَاوُنِ عَلَى أَسْبَابِ النَّجَاةِ والتَّوَاصِي بِالْحَقِّ والصَّبْرِ؛ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الغَنِيمَةِ وَأَنْفَعِهَا، وَلَكِنْ فِيهِ ثلاثُ آفَاتٍ:
إحْدَاهَا : تَزيُّنُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ .
الثَّانِيَةُ : الكلامُ والْخُلْطَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْحَاجَةِ .
الثَّالِثَةُ : أنْ يَصِيرَ ذلِكَ شَهْوَةً وَعَادَةً يَنْقَطِعُ بِهَا عَنِ الْمَقْصُودِ . اهـ .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 02:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى