نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (سلامة الصدر)
قديم بتاريخ : 15-01-2016 الساعة : 09:17 AM

الحمد لله الذي جَعَلَ القلوبَ أوعيَة ، وَجَعَل بَعْضَهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ .
وجَعَل قَلْبَ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ .
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ . رواه الإمامُ أحمدُ .

وتتعلَّقُ بالقلوبِ أمورٌ مِن الغفلةِ والإثمِ والغَمْرَةِ ، ويعلوها الرانُ .
قَالَ اللهُ عزّ وَجَلّ : (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا) ، أَيْ: فِي غَفْلَةٍ وَجَهَالَةٍ . كما قَالَ البغويّ .
وقَالَ تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا) ، وقَالَ سبحانه : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) ، وقَالَ جلّ شأنُه عن الشَّهَادَةِ : (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) .
وقَالَ جلّ جلاله : (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .

وتَمْرَضُ القلوبُ ويُصيبُها الْعَمَى .
قَالَ تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) .

والقلوبُ ثلاثة ؛ فَقَلْبٌ حَيٌّ ، وقَلْبٌ مَريضٌ ، وقَلْبٌ مَيِّتٌ .
فالقلبُ الميِّتُ ، هو قلبُ الكافِرِ ، ولذا قَالَ اللهُ عزّ وَجَلّ : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) .
والقلبُ المريضُ ، هو قلبُ المنافقِ . قَالَ اللهُ تباركَ وتعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)
وهذا القلبُ " لَه مَادَّتَان، تُمِدُّه هذه مَرّةً، وهذه أُخْرَى، وهو لِمَا غَلَبَ عليه مِنهُما "
والقلبُ الحيُّ ، هو قلبُ المؤمنِ ، وهو يتفاوتُ في حياتِه بحَسَبِ ما فيه مِنَ الإيمانِ .

ولا يَنْجو يومَ القيامةِ إلاّ صاحِبُ القلبِ السليمِ
قَالَ الله عزّ وَجَلّ : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
واْخْتُلِفَ في معنى " القلبِ السليم " فقيل : مِنَ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ ، فَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ . وهو قولُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: السَّلِيمُ الْخَالِصُ.
قَالَ القرطبيُّ : وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ شَتَاتَ الأَقْوَالِ بِعُمُومِهِ وَهُوَ حَسَنٌ ، أَيِ : الْخَالِصُ مِنَ الأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ، وَالْمُتَّصِفُ بِالأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ . اهـ .
وقَالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ عنْ خليلِهِ إبراهيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .

وعلى المؤمنِ تعاهُدُ قلبِهِ ، ومُداواتُه أشدُّ مِن مُداواةِ جَسَدِه .
وتصحيحُ أعمالِ القلوبِ أحبُّ إلى الله مِن كثيرٍ مِن الطاعات .
وذلك أنَّ القلوبَ أصلُ الأعمالِ .
قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ، إِذَا طَابَ أَعْلاهُ، طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلاهُ، خَبُثَ أَسْفَلُهُ . رواه الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجه ، وحسنَّهُ غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلم .
قَالَ ابنُ القيم : وَعَمَلُ الْقَلْبِ: كَالْمَحَبَّةِ لَهُ، وَالْتَوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْرَجَاءِ لَهُ، وَإِخْلاصِ الدِّينِ لَهُ، وَالْصَبْرِ عَلَى أَوَامِرِهِ، وَعَنْ نَوَاهِيهِ، وَعَلَى أَقْدَارِهِ، وَالْرِضَا بِهِ وَعَنْهُ، وَالْمُوَالاةِ فِيهِ، وَالْمُعَادَاةِ فِيهِ، وَالْذُلِّ لَهُ وَالْخُضُوعِ، وَالإِخْبَاتِ إِلَيْهِ، وَالْطُمَأْنِينَةِ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي فَرْضُهَا أَفْرَضُ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَمُسْتَحِبُّهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مُسْتَحِبِّهَا، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ بِدُونِهَا إِمَّا عَدِيمُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ قَلِيلُ الْمَنْفَعَةِ . اهـ .
وقَالَ ابنُ رجَبٍ : فَلا يَتَحَقَّقُ الْقَلْبُ بِالإِيمَانِ إِلاّ وَتَنْبَعِثُ الْجَوَارِحُ فِي أَعْمَالِ الإِسْلامِ . اهـ .

وقَلْبُ المؤمنِ هو القلبُ الذي ينتفعُ بالذكرى ، وتُؤثِّرُ فيه الموعظةُ .
قَالَ اللهُ عزّ وَجَلّ : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
" فالقلبُ الصحيحُ السليمُ ، ليس بينه وبينَ قبولِ الحقِّ ومَحَبَّتِه وإيثارِه سِوى إدراكِه، فهو صحيحُ الإدراكِ للحقِّ، تامُّ الانقيادِ والقبولِ له "

وصلاحُ القلبِ هو عِمَادُ صلاحِ الجسد .
قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ . رواه البخاريُّ ومسلِمٌ .
قَالَ ابنُ رجبٍ : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صَلاحَ حَرَكَاتِ الْعَبْدِ بِجَوَارِحِهِ، وَاجْتِنَابَهُ الْمُحَرَّمَاتِ وَاتِّقَاءَهُ لِلشُّبَهَاتِ بِحَسَبَ صَلاحِ حَرَكَةِ قَلْبِهِ . فَإِذَا كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا، لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَخَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِيمَا يَكْرَهُهُ، صَلَحَتْ حَرَكَاتُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا، وَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ كُلِّهَا، وَتَوَقٍّ لِلشُّبَهَاتِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ . اهـ .

ومتى ما صحَّ القلبُ سَلِم الصَّدْرُ ، وعاش صاحِبُه في أمْنٍ وسلامٍ وطُمأنينة

ومِن علاماتِ سلامةِ القلبِ :
أن لا يَكون فيه غِلٌّ للمؤمنين
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
ومِن آثارِ ذلك وثِمارِه :
أن لا يتتبعَ عورةَ مؤمِنٍ ، وأن لا يَكونَ في قلبِه بُغضٌ ولا عداوةٌ للمؤمنين .

قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ : إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ . رواه الإمام أحمد بإسناد حسن .
قَالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : مَعْنَاهُ لا يَكُونُ الْقَلْبُ عَلَيْهِنَّ وَمَعَهُنَّ غَلِيلا أَبَدًا ، يَعْنِي : لا يَقْوَى فِيهِ مَرَضٌ وَلا نِفَاقٌ إِذَا أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَلَزِمَ الْجَمَاعَةَ وَنَاصَحَ أُولِي الأَمْرِ . اهـ .
وقَالَ ابنُ رجبٍ : هذه الثلاثُ الخصالُ تنفِي الغِلَّ عن قلبِ المسلم . اهـ .

ومِن علاماتِ سلامةِ القلب :
أن يكون القلبُ نَقِيًّا مِن كلِّ إثم :
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لا إِثْمَ فِيهِ، وَلا بَغْيَ، وَلا غِلَّ، وَلا حَسَدَ . رواه ابن ماجه . وصححه الألباني .

ولذا لَمَا سَمَتْ وسَلِمَتْ قلوبُ الأنبياءِ دَعَوا لجميعِ المؤمنينَ والمؤمنات .
فقَالَ إبراهيمُ الخليل عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) .
وقَالَ نوحٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .
وقَالَ الله عزّ وَجَلّ لِنبيِّه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)
ولذا كان الأنبياءُ أطهرَ الناسِ قُلوبا ، وأشْرَحَهم صُدورا .
وهكذا ينبغي أن يكونَ المؤمنُ .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ .
وكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ أَكْثَرَ دُعَاءَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .

ومِن علاماتِ سلامةِ القلب :
أن لا يَحمِلَ الْحِقْدَ
فإذا فَعَلَ ذلك ارتاحَ وأراحَ ، على حدِّ قولِ الإمامِ الشافعيِّ :
لَمَّا عفوتُ ولم أحقدْ على أحدٍ *** أرحتُ نفسِي مِن همِّ العداواتِ

كان يقالُ: الحقدُ داءٌ دَوِيٌّ . ويُقَالَ : مَن كَثُرَ حِقْدُه دَوِي قَلْبُه .
ويُقال: حِلَّ عَقْدَ الْحِقد، يَنتظمُ لك عَقْدُ الوِدّ .

ومِن علاماتِ سلامةِ القلب :
أن لا يَحْسُدَ أحدا آتاه اللهُ مِن فضلِه ، مُجتنِبا أخلاقَ اليهود (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
بل تتسامَى نفسُه حتى يتمنّى الخيرَ لِجميعِ الناس ، ويفرَح لِمَا أصابَ الناسَ مِن الخير ، ويَدْعو بالبَركةِ إذا رأى ما يُعجِبُه .
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: لا تُعَادُوا نِعَمَ اللَّهِ . قِيلَ لَهُ : وَمَنْ يُعَادِي نِعَمَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .

صاحِبُ القلبِ السليم : يَحزَنُ لِمَا يُصيبُ المسلمين مِن مصائبَ ونَكبات .
ويترتَبُ على ذلك : أن لا يبحثَ الإنسانُ عَمّا خَفِي عنه ، ولا يتتبّعَ عورةَ مؤمن ، ولا يسألَ عن أحوالِ الناس فضولاً ليعرِفَ ماذا يَملِكون ، وكيف يعيشون وإلى أين يذهبون ؟

ومِن علاماتِ سلامةِ القلب :
أن لا يتكبّرَ الإنسانُ على الناسِ .
قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ . فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً . فقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ . رواه مسلمٌ .
قَالَ ابنُ رجبٍ : وَفِي رِوَايَةٍ: " وَغَمْصُ النَّاسِ " وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: " فَلا يَرَاهُمْ شَيْئًا " وَغَمْصُ النَّاسِ: الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ . اهـ .
فلا يسُرُّه أن يَرى أحدًا فوقَه أوْ أحسَنَ منه .

وقد أثبَتَ الأطباءُ العلاقةَ بين أمراضِ القلبِ المعنوية وبين أمراضه الْحِسِّـيَّة .
فَمن حسَد الناس وبَغى عليهم وانشغل بهم ، أثّرَ ذلك على قَلبِه ضِيقا وانقباضا وألَمًا .


الثانية :
مِن علاماتِ سُموِّ القلبِ وسلامَتِه :
الصفحُ والعفوُ وسُموُّ النفس
ففي صِفَةِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التوراة: وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ . رواه البخاريُّ مِن قولِ عبدِ الله بنِ عمرو رضي الله عنهما
وهكذا كانتِ النفوسُ الكبار ..
قَالَ صَالِحُ ابنُ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْمًا فَقُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ فَقَالَ لَهُ : اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ إذَا لَمْ أَقُمْ بِنُصْرَتِكَ ، فَقَالَ فَضْلٌ : لا جَعَلْتُ أَحَدًا فِي حِلٍّ . فَتَبَسَّمَ أَبِي وَسَكَتَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لِي : مَرَرْتُ بِهَذِهِ الآيَةِ : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ، فَنَظَرْتُ فِي تَفْسِيرِهَا فَإِذَا (فيه) : إذَا جَثَتْ الأُمَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُودُوا : لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلا يَقُومُ إلاَّ مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا . قَالَ أَبِي : فَجَعَلْتُ الْمَيِّتَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّايَ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ : وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لا يُعَذِّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِسَبَبِهِ أَحَدًا .

ورحم اللهُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية إذا كان يدعو لِخُصُومِه ولا يَدعو عليهم !
قَالَ ابنُ القيم عنه : وَجِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لَهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ . فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ . ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ ، وَلا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلاّ وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ . وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلامِ. فَسُّرُوا بِهِ وَدَعَوْا لَهُ . وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ . فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ . اهـ .

وقد عدّ ابنُ القيمِ مِن مراتِبِ الجود : الْجُودَ بِالْعِرْضِ، كَجُودِ أَبِي ضَمْضَمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا مَالَ لِي أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِمْ بِعِرْضِي، فَمَنْ شَتَمَنِي، أَوْ قَذَفَنِي: فَهُوَ فِي حِلٍّ ...
وَفِي هَذَا الْجُودِ مِنْ سَلامَةِ الصَّدْرِ، وَرَاحَةِ الْقَلْبِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ مُعَادَاةِ الْخَلْقِ مَا فِيهِ .

وعَدّ بعدَها : الْجُودَ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِمَالِ وَالإِغْضَاءِ . قَالَ : وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ شَرِيفَةٌ مِنْ مَرَاتِبِهِ . وَهِيَ أَنْفَعُ لِصَاحِبِهَا مِنَ الْجُودِ بِالْمَالِ، وَأَعَزُّ لَهُ وَأَنْصَرُ، وَأَمَلَكُ لِنَفْسِهِ، وَأَشْرَفُ لَهَا. وَلا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاّ النُّفُوسُ الْكِبَارُ.
فَمَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الْجُودُ بِمَالِهِ فَعَلَيْهِ بِهَذَا الْجُودِ. فَإِنَّهُ يَجْتَنِي ثَمَرَةَ عَوَاقِبِهِ الْحَمِيدَةِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ . اهـ .

ولا تكون سلامةُ الصدرِ وطهارةُ القلبِ إلاّ بالتعوّدِ على كَريمِ الأخلاق وجميلِ الخصال.
وفي الحديث : إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 12:41 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى