نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. ( التحذير من نشر الأكاذيب)
قديم بتاريخ : 14-11-2015 الساعة : 11:57 AM

الْحمدُ للهِ ، أمَرَ بالصدقِ ورَفَعَ مكانتَهُ ، وذمَّ الكَذِبَ وَوَضَعَ مَنْزِلتَهُ ، القائلِ في مُحكمِ التنْزِيلِ : (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) .
والصلاةُ والسلامُ على مَنْ حثَّ على الصِّدْقِ ورغّبَ فِيهِ .

أيُّها المؤمنونَ :
لقدْ ذمَّ اللهُ الذينَ يَفتَرُونَ على اللهِ الكَذِبَ ، فَقَالَ : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) ، وَقَالَ عزَّ وَجَلَّ : (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، وقَالَ سُبحانَهُ : (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وقَالَ تباركَ وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) .
ويَعْظُمُ الكذبُ بِقَدْرِ ما يترتّبُ عليهِ ، فإذا كانَ الكَذِبُ في العقائدِ ، وفي التشريعِ ، في الحلالِ والحرامِ ؛ فَهُو أعظمُ الكذبِ ، قَالَ اللهُ تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

ومِنْ هذا البابِ كانَ العلماءُ يَتورَّعُونَ عنِ التحليلِ والتحريمِ فِيما لَيْسَ فِيه نصٌّ .
قَالَ الأَعْمَشُ: مَا سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ قَطُّ: حَلالٌ وَلا حَرَامٌ، إِنَّمَا كَانَ يَقُولُ: كَانُوا يتكْرهونَ، وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ .
قَالَ الإمامُ مَالِكٌ : لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حرامٌ، ولَكِنْ يقولونَ إِيَّاكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لأَصْنَعَ هَذَا.
قَالَ القرطبيُّ : وَمَعنى هذا : أنَّ التحليلَ والتحريمَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَوْ يُصَرِّحَ بِهَذَا فِي عَيْنٍ مِنَ الأعيانِ، إلاّ أنْ يَكُونَ الباري تَعَالَى يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الاجْتِهَادُ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ يَقُولُ: إِنِّي أَكْرَهُ كَذَا . وَكَذَلِكَ كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ اقْتِدَاءً بِمَنْ تقدمَ مِن أهلِ التقوى .

والْكَذِبُ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسَ كَالْكَذِبِ على غيرِهِ ؛ لأنَّ الكَذِبَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينٌ وتشريعٌ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . رَوَاهُ البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ .
ولذا عدَّ بَعضُ العلماءِ تعمّدَ الكذبِ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرَا .

ونَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ كثرةِ التحديثِ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنْ غَيرِ تثبُّتٍ ، فقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَدِيثِ عَنِّي ، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ، فَلْيَقُلْ حَقًّا أَوْ صِدْقًا ، وَمَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ مَاجه . وَحَسَّنه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
ومَنْ حدَّثَ بحديثٍ لا يتثبّتُ مِنهُ ، أو نَقَلَ حديثا غيرُ مُتثبِّتٍ مِنهُ ، فَهُوَ داخلٌ في الوعيدِ
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : مَنْ حدّثَ عني بحديثٍ ( يـرى ) أنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أحدُ الكاذِبينَ . رَوَاهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في مقدمةِ الصحيحِ .
وضُبِطتْ : يُرى ، وَ : يَرى
وضُبِطتْ : أحَدُ الكاذِبِينَ ، و : أحَدُ الكاذِبَيْنِ
وَمَعْنَى الحديثِ باختلافِ ضَبْطِ ألفاظِهِ :
على اللفظِ الأوَّلِ :
أنَّ مَنْ حَدَّثَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديثٍ يَرَاهُ هُوَ أو يَراه غَيرُهُ أنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكذّابينَ الذينَ يَكْذِبونَ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وعلى اللفظِ الثاني :
أنَّ مَنْ حَدَّثَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديثٍ يَرَى النَّاسُ أنَّهُ كَذِبٌ ، أو يَراه هُوَ كَذِبا ، فَهُوَ أحدُ الكاذِبَيْنِ اللَّذَيْنِ كَذَبا على رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فالكاذِبُ الأولُ : هُوَ مَن وَضَع الحديثَ .
والكاذِبُ الثاني : مَنْ نَقَلَ الحديثَ الموضوعَ المكذوبَ.

والعلماءُ يَعتبرونَ ذِكْرَ الأحاديثِ الموضوعةِ المكذوبةِ دونَ التنبيهِ عَليْها : ذَنْبًا تَجِبُ التوبةُ مِنهُ .
قَالَ الإمامُ الذهبيُّ في ترجمةِ " أبي نُعيمٍ الأصفهانيِّ " : وَمَا أبُو نُعيمٍ بِمُتَّهَمٍ ، بَلْ هُوَ صَدوقٌ عالِمٌ بهذا الفَنِّ . ما أعلمُ لَهُ ذَنْبًا - والله يَعْفُو عَنْه - أعْظمَ مِنْ روايتِهِ للأحاديثِ الموضوعةِ في تَوالِيفِهِ ، ثمَّ يَسْكُتُ عنْ تَوهيتِها . اهـ . أي : عن بيان ضَعفِها وسقوطِها .

ورَحِمَ اللهُ أصحابَ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَضِيَ اللهُ عَنْهُم إذْ كانوا يتحرَّجونَ مِنَ التحديثِ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ بِالاحتياطِ والتحرّي لِحديثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإذا حدَّثَ أحدُهُم بِحديثٍ وَشَكَّ في إبدالِ كِلمةٍ ونحوِ ذلِكَ قَالَ : أوْ كَما قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَفَرَغَ مِنْهُ , قَالَ : أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجه. وصَحَّحهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وقَالَ عَمْرِو بْنُ مَيْمُونٍ : مَا أَخْطَأَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ إِلاَّ أَتَيْتُهُ فِيهِ ، قَالَ : فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَنَكَسَ , قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مُحَلَّلَةً أَزْرَارُ قَمِيصِهِ ، قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ, قَالَ : أَوْ دُونَ ذَلِكَ ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجه. وصَحَّحهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وروى ابنُ ماجَه مِنْ طريقِ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ : يَا ابْنَ أَخِي ، إِذَا حَدَّثْتُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ، فَلاَ تَضْرِبْ لَهُ الأَمْثَالَ .

وقَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْيَأَهُ ، وَأَهْدَاهُ ، وَأَتْقَاهُ .

وروى الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجه مِنْ طريقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ : قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : كَبِرْنَا وَنَسِينَا ، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ . وصَحَّحهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وهكذا كَانَ علماءُ الأمةِ مِنْ بَعْدِهِم ؛ فإنَّهُم كانوا إذا أشكَلَ عَليهم الحديثُ لم ينسِبُوه إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكذلِكَ إذا كَانَ في إسنادِهِ راوٍ ضعيفٌ ، فإنَّهم لا يُصحّحُونَ نسبةَ الحديثِ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنْ كَانَ الراوي الضعيفُ قدْ يَضبِطُ حديثَهُ ، والكاذِبُ قدْ يَصدُقُ في بعضِ قولِهِ ، إلاّ أنَّ العلماءَ كانوا يحتاطونَ أشدَّ الاحتياطِ في حديثِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
بل شدّدوا في ضَبْطِ ألفاظِ الحديثِ النبويِّ .
قَالَ الأصمعيُّ: " أخْشى عليهِ إذا لَمْ يَعرِفْ العربيةَ أنْ يَدْخُلَ في قولِهِ : " مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فَليتبوَأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "، فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ "فَمَهْمَا رَوَيتَ عنْهُ ولَحَنْتَ فيه كَذَبْتَ عليه ".

أقول قولي هذ اوأستغفر الله لي ولكم ..


الثانية :
وإنَّ مِمَّا تَساهَلَ بِهِ بَعْضُ الناسِ اليومَ نَقْلَ الشائعاتِ والأكاذيبِ والأباطيلِ عَبَرَ وسائلِ التواصلِ وبرامجِ الْمُحادَثَةِ ، وَكَمْ تَشتَمِلُ تِلَكَ الرَّسائلُ على أحاديثَ مكذوبةٍ ، وأقوالٍ باطلةٍ ، وقِصَصٍ مُخْتلَقَةٍ ، فَتَبْلُغُ الكذبةُ الآفاقَ ، فيدخُلُ صاحِبُها تَحتَ الوعيدِ والعذابِ الذي رآه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رؤياه ورؤيا الأنبياءِ حقٌّ .
ففِي رؤيا النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ ، يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ ، قُلْتُ مَا هَذَا ؟
فَقِيلَ لَهُ : الرَّجُلُ الذي أتيتَ عليه يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاه ، ومِنْخَرُهِ إلى قفاه ، وعَينُهِ إلى قفاه ؛ فإنَّه الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بيتِهِ فَيكذِبُ الكَذْبةَ تَبلغُ الآفاقَ .
رَوَاهُ البخاريُّ .
وَحَذَّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التحديثِ بِما لَمْ يُسمَعْ مِنْ قَبْلُ ، فقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا بِهِ أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ ومُسلِمٌ في المقدِّمَةِ .

ومَنْ حدَّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ ، أوْ نَشَرَ كلَّ ما وَصَلَه دونَ تثبُّتٍ وتأكُّدٍ ؛ كَذَبَ ولا بُدّ ، ولِذا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. رَوَاهُ مسلمٌ في المقدِّمَة.
وقَالَ الإمامُ مَالِكٌ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ . رَوَاهُ مُسلمٌ في المقدِّمَة.

كما أنَّه لَيسَ كُلُّ ما يُعْلَمُ يُقَال ، ولا كُلُّ ما يُقَالُ يَصلُحُ أنْ يُقَالَ في كلِّ حينٍ وآنٍ .
فقدْ هَمَّ عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يتكلّمُ في الموسمِ الذي يَجمعُ رِعاعَ الناسِ وغوغاءهم ، فأشارَ عليه عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنْ لا يتكلَّمَ حتى يَقدُمَ المدينةَ ، دارَ الهجرةِ ، فأخَذَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بمشورةِ ابنِ عوفٍ فَلَمْ يَتكلَّمْ في موسِمِ الحجِّ ، بَلْ أمْهَلَ فما تكلَّمَ إلاَّ في دارِ الهجرةِ والسُّنَّةِ .

وعلى المسلِمِ أنْ يَتجنّبَ الغرائبَ والعجائبَ ، فلا يُحدِّثُ بها .
قَالَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : حَدِّثُوا الناسَ بما يَعْرِفونَ ، أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُهُ ؟ رَوَاهُ البخاريُّ .
وقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً. رَوَاهُ مسلمٌ في المقدِّمَة.

فكُن على حَذَرٍ مِنْ نشْرِ ما لَمْ تتأكَّدْ مِنْ صِحّتِهِ .
وربما قَالَ بعضُ النَّاسِ : إنَّه يَنشُرُ خيرا . وأيُّ خَيرٍ في نَشْرِ الأكاذيبِ ؟
قَالَ ابنُ الجوزي عنْ حديثٍ في فضْلِ " فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ مِنْ آلِ عمرَان ، وأنَّهُنّ مُعَلَّقَاتٌ بِالْعَرْشِ " قَالَ رَحِمَهُ اللهُ : قُلْتُ كنتُ قَدْ سَمِعتُ هَذَا الحَدِيثَ فِي زَمَنِ الصِّبَا فاستعملتُهُ نَحوا مِنْ ثَلاثِينَ سَنَةٍ لِحُسْنِ ظَنِّي بالرُّواةِ ، فَلَمَّا عَلِمْتُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ تركتُهُ ، فَقَالَ لي قَائِلٌ: أَلَيْسَ هُوَ اسْتِعْمَالُ خيرٍ؟ قُلتُ : اسْتِعْمَالُ الْخَيْرِ يَنْبَغِي أَنْ يكونَ مَشْرُوعا ، فَإِذا عَلِمْنَا أَنَّه كَذِبٌ خَرَجَ عَنِ المشروعيةِ . اهـ .

ورُبْما نَقَلَ الإنسانُ رَسائلَ تشتملُ على التضييقِ على عِبادِ اللهِ في عباداتِهم بسببِ الْجَهْلِ دونَ الرَّجوعِ إلى أهْلِ العِلْمِ .
وقدْ يَنشُرُ الإنسانُ ما فيه استهزاءٌ وسُخريةٌ بالدِّينِ أو بالْمُتديّنينَ .
قَالَ القرطبيُّ رَحِمَهُ اللهُ : ويَرْحَمُ اللهُ السلفَ الصالحَ فَلَقَدْ بالَغُوا في وصيةِ كُلِّ ذي عَقْلٍ رَاجِحٍ ، فقَالَوا : مَهما كنتَ لاعِبًا بشيءٍ فإياكَ أنْ تَلْعَبَ بِدِينِكَ . اهـ.

ورُبْما نُشِرَ ما فيه السُّخريةُ بالآخَرينَ ، وأعْظَمُ ذلِكَ : السخريةُ بِقَبِيلةٍ أو أهلِ بَلدٍ مِنَ المسلمينَ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إنَّ أعظمَ النَّاسِ جُرْمًا إنسانٌ شاعِرٌ يَهجو القبيلةَ مِنْ أسْرِها. رَوَاهُ البخاريُّ في " الأدبِ الْمُفْرَدِ " ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ .
ويَدْخُلُ في حُكمِ هذا مَن يَسْخَرُ مِنْ قبيلةٍ كَامِلةٍ ، أو مِنْ أهْلِ بَلَدٍ بأكملِهِ .

ومِمَّا يَجِبُ التحرّزُ مِنْهُ : أعراضُ عِبادِ اللهِ عامةً ، والعلماءِ خاصةً .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : مَن قَالَ في مُؤمنٍ ما لَيسَ فيه أسْكَنَهُ اللهُ رَدْغةَ الْخَبَالِ حتى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
قَالَ الإمامُ الشافعيُّ :
إذا تَكَلَّمْتَ فيما لا يَعنيك مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ ، ولَم تَمْلِكها .
وعلاجُ ذلِكَ كُلِّهِ : بالرجوعِ إلى أهلِ العِلْمِ الثقاتِ .

ووسائلُ التأكَّدِ اليومَ كثيرةٌ ، سَواءٌ عَنْ طَريقِ الهاتِفِ ، أو عَنْ طَريقِ الْمَواقعِ ومَواقِعِ التَّواصِلِ ، أو عَنْ طريقِ أرقامٍ خُصِّصَتْ لِذلِكَ .
وفي الحديثِ : إنَّما شِفَاءُ العِيِّ السؤالُ .
فإذا لَمْ يُمْكِنْ التأكَّدُ مِن صِحّةِ ما يُرادُ نَشرُهُ ؛ فلا يُنشَرْ ، طَلَبا للسلامةِ ، فإنَّ السلامةَ لا يَعدِلُها شيءٌ .
فَكَمْ مِنْ رَاغِبٍ في الخيرِ هابِطٌ في أوديةِ الإثمِ .
دَخَلَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على قومٍ يذكرونَ اللهَ في المسجدِ ويُسبِّحُونَ بالحصى ، وزعموا أنَّهم ما أرادوا إلاّ الخيرَ ، فقَالَ لَهُم ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كَمْ مِن مُرِيدٍ للخير لن يُصِيبَهُ . رَوَاهُ الدارميُّ وابنُ وضاحٍ في البِدَعِ والنَّهِيِ عَنها .

وأنْ يَعلَمَ الإنسانُ أنَّهُ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لديه رَقِيبٌ عَتيد .
وأنْ يَخشى أنْ يَدْخُلَ في زُمرةِ الكذابينَ ، أوْ أولئكَ الذينَ يُعذَّبُون في البرزَخِ بِسببِ نَشْرِ الأكاذيبِ ، فإنَّ الذي يُشْرَشْرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاه ، ومِنخرُه إلى قفاه ، وعينُهُ إلى قفاه – مِن عذابِ القَبْرِ .
قَالَ ابنُ حَجَرٍ : فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ : فَكَذُوبٌ يُحَدِّثُ بِالْكِذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعَ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
قَالَ ابنُ الْعَرَبِيِّ : شَرْشَرَةُ شِدْقِ الْكَاذِبِ إِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِمَحَلِّ الْمَعْصِيَةِ ، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْعُقُوبَةُ فِي الآخِرَةِ بِخِلافِ الدُّنْيَا . اهـ .

عبادَ الله :
أُوصِيكُم ونفْسِي بِتقوى الله ، والحرصِ على الأبناءِ في مثلِ هذهِ الأيام ، حتى لا يَقَعُوا فَرِيسَةً لأصدقاءِ السُّوء ، ولا يَلِجُوا بَوَّابَاتِ الفسادِ ، وسَرَادِيبَ الظَّلام .
فإن التفريطَ بِدايَتُه الألَم ، ونِهايَتُه الندم .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM
خُطبة جمعة عن (التحذير من التدخين) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-11-2014 08:28 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 12:13 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى