نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (الاعتراف بالذنب)
قديم بتاريخ : 17-09-2015 الساعة : 05:40 PM

الحمدُ للهِ غافرِ الذنبِ وقابلِ التوبِ شديدِ العقابِ ، ذي الطولِ لا إلهَ إلا هُوَ إليه المصيرُ .

أيها الناسُ :
كمْ بينَ آدمَ وإبليسٍ ؟
كمْ بَينهما مِنْ فَرْقٍ أمامَ الذَّنبِ ؟
آدمُ عَصى ربَّه فتابَ وأنابَ واعترفَ بالذّنبِ ، فقَالَ وَزَوْجُهُ : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
فكانتِ النتيجةُ : (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) .
قَالَ ابنُ القيِّمِ : فَكَمْ بينَ حَالِـهِ ( يَعني آدمَ ) وَقَدْ قِيلَ لَهُ : (إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى )، وَبينَ قولِهِ : (اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) .
فَالحَالُ الأولى حَالُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَتمتُّعٍ ، والحالُ الأخرى حالُ اجتباءٍ واصطفاءٍ وهدايةٍ ، فيا بُعْدَ ما بينهِما . اهـ .
كَمْ بَين آدمَ حالَ اعترافِهِ بالذّنبِ وانكسارِ قلبِهِ وانطراحِهِ بين يدي مولاهُ ، وبينَ إبليسٍ الذي عَصى ربَّه واستكبرَ وأبى .
هذا حَالُ النَّاسِ على مـرِّ الأيامِ .
فريقٌ إذا وَقَعَ في المعصيةِ أقـرَّ بالذّنبِ واعترفَ بالخطيئةِ وَسَألَ ربَّه العفوَ والمغفرةَ .
وفريقٌ إذا وَقَعَ في السيئاتِ وَهَلَكَ في الموبقاتِ عَانَدَ وَكابرَ ، أو احتقَرَ الذّنبَ وَجَاهَرَ بالمعصيةِ .

والاعترافُ بالذنبِ مِنْ سِمَاتِ الأنبياءِ والصالحينَ .

فهذا نبيُّ اللهِ نوحُ يَقولُ بلسانِ العبدِ الفقيرِ: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .

وذاك نبيُّ اللهِ يونسُ يَخْرجُ غاضبا فيَجِدُ نفسَهُ في ظلماتٍ بَعضُها فوقَ بَعضٍ ، فـيُـناجي ربَّهُ بلسانِ المعترفِ بِذَنبِهِ المقـرِّ بِخطيئتِهِ : (لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .
فاستجابَ اللهُ لَهُ ، وَجَاءَ الجوابُ : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) وزيادةً (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) .
وكانتْ دعوتُهُ نِبراسًا للمؤمنينَ ، يَدعونَ ربَّهُم مُقرِّينَ بِالخطيئةِ معترفينَ بالذنبِ منكسري القلوبِ بينَ يدي علامِ الغيوبِ .
ولذا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ - : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وغيرُه ، وَهُوَ حَديثٌ صحيحٌ .
قَالَ الألبيريُّ :
ونادِ إذا سَجَدتَّ له اعترافا ** بِما نادَاه ذو النونِ بِن متّى

وذاك نبيُّ الله القويُّ الأمينُ ( موسى ) يَقولُ بَعَدَ أنْ وَقَعَ في الخطيئةِ :
(رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) .
فَكَانَ الجوابُ : (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .

وذَاكَ نبيُّ اللهِ داودُ الذي اسْتَغْفَرَ (رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) قَالَ اللهُ جلَّ جلالُهُ : (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) وزيادةً (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) .

وَذاكَ ابنُهُ سليمانُ الذي تابَ وأنابَ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) .
فَوَهَبَ لَهُ ربُّـه مُلكا عظيما وَسخَّرَ لَهُ الريحَ والجِنَّ والطيرَ .
إذا تأملتُم هذا
فتأمَّلُوا مُناجاةَ النبيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَهُوَ يُناجي ربَّهُ في دُجى الليلِ السَّاكِنِ .
فَقَدْ كَانَ مِنْ دعائهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إذا قَامَ يَتهجّدُ مِنَ الليلِ أنْ يقولَ – بَعْدَ أنْ يُثنيَ على اللهِ عزَّ وجلَّ بِما هُو أهلُه – :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ , وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ , لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. رَوَاهُ البخاريُّ وَمسلمٌ .
ثُمَّ تأمَّلوا هذا الدعاءَ مِنْ أدعيتِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَهُوَ يَقُولُ :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي ، وَخَطَئِي وَعَمْدِي ، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي. رَوَاهُ البُخاريُّ ومسلمٌ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقولُ في سجودِهِ :
اللهُمَّ اغفرْ لي ذنبي كُلَّهُ ، دِقَّـهُ وجِلَّهُ ، وأوَّلَهُ وآخِرَهُ وعلانيتَه وَسِرَّه . رَوَاهُ مسلمٌ .

وَلَمَّا سألَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فقَالَ : يا رَسُولَ اللّهِ عَلِّمْنِي دُعاءً أَدعو بِهِ في صلاتي قَالَ : قُلْ :
اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي , إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ
فَإذا كَانَ هَذا القولُ يُقَالُ لخيرِ الأمَّةِ بَعدَ نبيِّها ، فَماذا يُقَالُ لَنا ؟؟

والاعترافُ بالذنبِ مِنْ صِفَاتِ المتقينَ .
قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ عَنِ الْمُتَّقِينَ : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .
وقَالَ سبحانَه : (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أولئكَ هُمْ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) .
فَهذا توسّـلٌ بالإيمانِ ، واعترافٌ بالذنبِ ، وخَتْمـُهُ بالدعاءِ بالنجاةِ مِنْ عَذابِ النارِ .
وإنّما كانَ سيدُ الاستغفارِ سيدًا لتضمُّنِهِ الإقرارَ بالذنبِ والاعترافَ بالخطيئةِ مَعَ العِلْمِ يقينا بأنَّه لا يَغفِرُ الذّنوبَ إلا اللهُ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : سيِّدُ الاستغفارِ أنْ تقولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ . قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. رَوَاهُ البخاريُّ .

قَالَ ابنُ القيِّمِ : فلا يرَى نَفْسَهُ (يَعني العَبْدَ) إلاَّ مُقصِّرا مُذنبا ، ولا يَرى ربَّه إلا مُحْسِنا . اهـ.
أي : فَلا يَرى العبدُ نَفْسَهُ إلا مُقصِّرا في حقِّ ربِّه وسيِّدِه وَمَولاهُ جَلَّ جَلالُه .

وكلّما وَقَعْتَ في الذّنبِ فَتُبْ واستغفِرِ الرحمنَ غفَّارَ الذنوبِ .
وإلى متى ؟
حتى يَكونَ الشيطانُ هُوَ المحسورُ الذي يُهلِكُهُ الاستغفارُ .
وَقَدْ ثَبَتَ في الصحيحينِ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ . ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ .
فقولُه : اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.
وَهَذا يَدلُّ عَلى أنَّ اللهَ لا يَزالُ يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ كُلما استغفرَ ما لَم يُصرَّ عَلى معصيتِهِ أو يَمُتْ على الشِّرْكِ، طَالما أنَّهُ مُوقِنٌ أنَّ لَهُ ربّا يأخذُ بالذنبِ ويَغفرُهُ
كَمَا في قولِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ ، لا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ . فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي وَجَلالِي ، وَارْتِفَاعِ مَكَانِي ، لا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي. رَوَاهُ الحَاكِمُ وغيرُهُ وَهُوَ حديثٌ صَحيحٌ .

فالاعترافُ بالذّنبِ إنَّما يُفيدُ صَاحِبَه إذا دَفَـعَهُ وحَمَلَهُ على الاستغفارِ وَطَلَبِ عَفْوِ ربِّه وَمَرْضاتِه .
قَالَ اللهُ في الحديثِ القدسيِّ : يا عِبادي إنَّكُم تُخْطئونَ بالليلِ والنهارِ وأنَا أَغْفِـرُ الذنوبَ جَميعا فاستغْفِرُوني أَغْفِرُ لَكُم . رَوَاهُ مُسلمٌ .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إنَّ العَبْدَ إذا اعتَرَفَ بِذنبٍ ثُمَّ تَابَ ، تَابَ اللهُ عَليهِ . رَوَاهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ .

ولا يَعني هذا أنْ يَتمادى العَبْدُ في المعاصي ، فَقَدْ تَكونُ الذُّنوبُ سببا في خّذلانِ صَاحِبِها .
قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : يَا عَائِشَةُ , إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ طَالِبًا . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ مَاجه وابنُ حِبّانَ ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
قَالَ ابنُ رجَبٍ : دَسائِسُ السُّوء الخفيَّةِ تُوجِبُ سُوءَ الخاتمةِ . اهـ .

وَحَذارِ مِنَ التمادي والإصرارِ على الذَّنبِ فَيكونَ الاعترافُ بالذّنبِ ساعةَ لا ينفعُ النَّدمُ ولا تُجدي الحسراتُ .
استمِعْ إلى ما حَكَاهُ اللهُ عَنْ أَهْلِ النَّارِ : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
واستمِعْ إلى اعترافِهِم بَعْدَ فواتِ الأوانِ : (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) فيأتيهِمُ الجوابُ (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) .
وَاستَمِعْ إلى جوابِ أهلِ النَّارِ وَقَدْ سُئلوا : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ؟
(قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) فَمَا تُجدِي الحسراتُ ، ولا تَنفعُ العَـبَراتُ ، ولا الشَّفاعَاتُ (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)
وَهَاهُمْ يَقولونَ بِألَمٍ وحَسْرَةٍ : (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ثُمَّ يُلْقُونَ باللائِمَةِ والتّبَعَةِ عَلى غيرِهِمْ (وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) وَقَدْ أيقنوا أنَّهُ لا نَجاةَ ولا مَفَـرَّ ، وَقَدْ تصرّمتِ الأواصرُ ، وتقطّعتِ الأنسابُ (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ).
فما يُجدي البكاءُ ولا العويلُ ، ولا ينفعُ الاعترافُ بالذّنبِ فَقَدْ مَضَى زَمَـنُ الإمهالِ ، وَقُبولِ التوبةِ .
لا تَنفعُهُم المعذرةُ ولا تُقبَلُ اْلْمَعاذيرُ : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ )
يا وَيلَهُم ما لَهم ؟
يأتيهِم اْلْجَوابُ :
(ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) وَلَيسَ هَذَا فَحَسْبُ بَلْ (وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)
فَمَا جَزاؤهُم ؟ (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) ..


الثانية :
أيُّها الكِرامُ :
البِدارَ البِدَارَ بالاعترافِ والاعتذارِ . فبالاعترافِ تُغْفَرُ الزلاّتُ ، وتُقَالُ العثراتُ .
فإنَّ كِرامَ الرِّجالِ إذا أسَاءَ إليهم مُسيءٌ ثم اعتذرَ قَبِلوا عُذرَهُ وَصَفَحُوا عَنْهُ
كَمَا قَالَ الإمامُ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ :
قِيلَ لي قَـدْ أَسـاءَ إليكَ فُلانٌ*****وَمَقَامُ الفَتى على الذُّلِّ عَارُ
قُلتُ قَد جَاءنِي وَأَحْدَثَ عُذْرا*****دِيَةُ الذَّنْبِ عِنْدنـا الاعتذارُ

واللهُ عزَّ وجَلَّ هُوَ أَكْرَمُ الأكرمينَ وَأَجْوَدُ الأجودينَ
فَانطرِحُوا بَينَ يَدي مولاكُم واعترِفُوا بذنوبِكُم واطلبوه اْلْمَغْفِرَةَ .
نادِ مَولاكَ مُعترِفـا :
يا ربُّ إنْ عَظُمَتْ ذُنونيَ كَثْرَةً *** فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأنَّ عَفْوَكَ أَعْظَـمُ
إنْ كَانَ لا يَرجُوكَ إلاَّ مُحْسِنٌ *** فَمَنْ ذا الذي يَدْعو وَيَرجو اْلْمُجرِمُ
مالي إليكَ وسيلةٌ إلاَّ الرَّجـا *** وَجَميلُ عَـفْـوِكَ ثُمَّ إنِّي مُسْلِمُ

وناجُوه مُنَاجَاةَ الْمُعترِفِ ، وِنَداءَ المقْتَرِفِ :
يا ربِّ عَفوَكَ لا تَأخذْ بزلّتِنَا *** وَاغْفِرْ أيَا رَبِّ ذَنبا قَد جَنينَاهُ

ولا يأتِكَ اليائِسُ فيُعظِّمَ لَك َالذَّنْبَ فتَيأَسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ ، فَاللهُ القَائلُ عَنْ نَفْسِهِ :
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) .
وَهُوَ سُبحانَهُ الذي نَادَاكَ كَمَا في الحديثِ القُدْسِي :
يَا ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ , لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. رَوَاهُ التِّرمذيُّ.

فيا مَنْ عَدَى ثُمَّ اَعْتدَى ثُمَّ اقترفْ = ثُمَّ ارْعَوى ثُمَّ انتهى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَولِ اللهِ فِي آياتِـهِ : = (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف)


(رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) .. اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنا

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى