نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جمعة عن .. (اتِّباع الهوى)
قديم بتاريخ : 24-12-2014 الساعة : 11:06 PM

الْحَمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ ، الْمَلِكِ العلاّمِ ، والصلاةُ والسلامُ الأتَمّانِ الأكْمَلانِ على مَنْ بَعَثَهُ رَبُّهُ بالْهُدى والبيانِ .

أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ مَنِ اتّبَعَ الْهَوى هَوَى ، ومَنْ أتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا سَعَى في رَدَاها .
وقَدْ نَهَى اللهُ عنِ اتِّبَاعِ الهَوَى ؛ فَقَالَ عزَّ وَجَلّ : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى) .
قَالَ طَاووسُ: مَا ذَكَرَ اللهُ هَوًى فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ ذَمَّـه .
وقَالَ ابْنُ جُريجٍ : كلُّ هَوًى ضَلالَةٌ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : إِنَّمَا سُمِّيَ هَوًى ؛ لأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ .

ولَمّا كان الْهَوَى مذمُومًا فقد نَفَاه اللهُ عزَّ وَجَلّ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) .
قال ابنُ عاشُور : وَاعْلَمْ أَنَّ تَنْزِيهَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى ، يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَحْكُمَ عَنْ هَوًى ؛ لأَنَّ التَّنَزُّهَ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى أَعْظَمُ مَرَاتِبِ الْحِكْمَةِ . اهـ .

ونَهَى اللهُ عزَّ وَجَلّ نبيَّه عن اتِّبَاع الهوى ، فقال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) .
قال السِّعدِيُّ : (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي: صارَ تَبَعًا لِهَوَاه ، حيثُ ما اشْتَهَتْ نَفْسُهُ فَعَلَهُ، وَسَعَى في إدْرَاكِه، ولو كان فِيه هلاكُه وخُسْرَانُه، فهو قد اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاه . اهـ .

وجَعَلَ اللهُ اتِّبَاعَ الهوَى مِنْ أسبابِ الردّى .
ففي مُخاطَبَةِ موسى عليه الصلاة والسلام : (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) .
وفي الكِتابِ العَزِيز : (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) ، ويُؤكِّدُ هَذَا أنَّهُ أّعْقَبَهُ بِقولِهِ : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) .
قَالَ ابنُ عطيّةَ : والْهَوَى: هُوَ شهواتُ النَّفْسِ وَمَا جَرى مَجْرَاها، وأكثرُ استعمالِهِ إنَّما هُوَ في غيرِ الْمَحْمُودِ .
وقَالَ بعضُ الحكماءِ: إذا أردتَ الصوابَ فَانْظُرْ هَوَاكَ فَخَالِفْهُ .
وقَالَ الفُضَيْلُ: أَفْضَلُ الأعمالِ خِلافُ الْهَوى .
وصَدَق رَحِمَهُ اللهُ ، فإنَّ مَنْ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى صَارَ إلى جَنَّةِ الْمَأْوَى .

واتِّبَاعُ الْهَوَى مُضادٌّ للقيامِ بِالقِسْطِ والعَدْلِ .
قَالَ اللهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) .
قَالَ القُرْطُبِيُّ في تفسيرِهِ : قولُهُ تَعَالَى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى) نَهْيٌ ؛ فإنَّ اتِّبَاعَ الْهَوى مُرْدٍ ، أي : مُهْلِكٌ ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يَحْمِلُ عَلَى الشهادةِ بِغَيرِ الْحَقِّ ، وَعَلَى الْجَوْرِ في الْحُكْمِ ، إلى غيرِ ذلِكَ . اهـ .
وقَالَ الشاطبيُّ : جَعلَ اللهُ اتِّباعَ الْهَوَى مُضَادًّا للحقِّ وعَدَّهُ قَسِيمًا له ، كَمَا في قولِهِ تَعالَى : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، فَقَدْ حَصَرَ الأمْرَ في شيئينِ : الوَحيُ ، وَهَوَ الشريعةُ ، والْهَوَى ، فَلا ثالِثَ لَهُمَا ، وإذا كَانَ كَذلِكَ فَهُمَا مُتَضَادّانِ ، وحِينَ تَعيّنَ الحقُ في الوَحِي ، تَوَجَّهَ لِلهَوَى ضِدُّهُ ، فاتِّبَاعُ الْهَوَى مُضَادٌّ للحَقِّ . اهـ .

وَقَدْ ذَمَّ اللهُ الذينَ يَتّبعونَ الْهَوَى ، فقَالَ عزَّ وَجَلَّ عنِ المشرِكينَ : (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) .
قَالَ السمعانيُّ : وَقَولُهُ : (وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ) ، أَيْ: مَا تَدْعُو إِلَيْهِ النَّفسُ .
وقَالَ ابنُ الجوزيِّ : (وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ) ، هُوَ مَا زيَّنَ لَهُمُ الشيطانُ . (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) وَهُوَ البيانُ بالكتابِ والرَّسولِ، وهَذَا تَعجيبٌ مِنْ حَالِهم إذْ لَمْ يَتْرُكُوا عِبادَتَهَا بَعْدَ وُضوحِ البيانِ . اهـ .

كَمَا ذمَّ اللهُ مَنْ أخْلَدَ إلى الأرضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ ، فقَالَ عزَّ مِنْ قائلٍ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
قَالَ الإمامُ السمعانيُّ في تفسيرِهِ : (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) هَذِهِ أَشدُّ آيَةٍ فِي حَقِّ الْعلمَاءِ ، وقَلَّمَا يَخْلُو عَنْ أحَدِ هذَيْنِ عَالِمٌ : مِنَ الرُّكُونِ إلَى الدُّنْيَا ، وَمُتابَعَةِ الْهَوى . اهـ .

وقد أخبرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ أقوامًا سَيُوغِلُونَ في الْهَوَى والأهواءِ ، ويُسارِعونَ فيها كَمَا يَتَسارَعُ داءُ السُّعَارِ في دَمِ الْمسْعُورِ .
فقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ. رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ وأبو داودَ.وَهُوَ حَدَيثٌ حَسَنٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَلَبُ : هُوَ دَاءٌ يَعْرِضُ لِلإِنْسَانِ مِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ .
وقَالَ ابنُ رَجَب : الْبِدَعُ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ الْهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ . وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي، إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ تَقْدِيمِ الْهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ . اهـ .

واتِّبَاعُ الْهَوَى هَوَى بأصحابِهِ ، وَزَحْزَحَهُمْ عَنِ السُّنَّـةِ ، وَأوقَعَهم في البِدْعَةِ .
قَالَ أَبو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ : مَنْ أمَـرَّ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَولا وفِعْلا ؛ نَطَقَ بالحكمةِ، ومَن أمَرَّ الْهَوَى على نَفْسِه ؛ نَطَقَ بِالبدعَةِ .
وقِيلَ فِي الْمَثَلِ: الْعَقْلُ وَزِيرٌ نَاصِحٌ ، وَالْهَوَى وَكِيلٌ فَاضِحٌ .
وَلَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ حَالَ الْهَوَى وَمَا يُقَارِنُهُ مِنْ مِحَنِ الدُّنْيَا فَقَالَ : الْهَوَى مَطِيَّةُ الْفِتْنَةِ ، وَالدُّنْيَا دَارُ الْمِحْنَةِ ، فَانْزِلْ عَنِ الْهَوَى تَسْلَمْ ، وَأعْرِضْ عَنْ الدُّنْيَا تَغْنَمْ ، وَلا يَغُرَّنَّكَ هَوَاك بِطَيِّبِ الْمَلاهِي وَلا تَفْتِنُك دُنْيَاك بِحُسْنِ الْعَوَارِيّ .
فَمُدَّةُ اللَّهْوِ تَنْقَطِعُ ، وَعَارِيَّةُ الدَّهْرِ تُرْتَجَعُ ، وَيَبْقَى عَلَيْكَ مَا تَرْتَكِبُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَتَكْتَسِبُهُ مِنْ الْمَآثِمِ

وقَدْ حذَّرَ السَّلَفُ مِن اتِّباعِ الهَوَى .
خَطَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ طُولُ الأَمَلِ ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى ؛ فَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ ، وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ .
وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ وَهْبُ بنُ مُنبِّهٍ : أَعْوَنُ الأَخْلاقِ عَلَى الدِّينِ: الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا ، وأوْشَكُها رَدًى : اتِّبَاعُ الْهَوَى . وَمِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى حُبُّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ ، وَمِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ تُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ ، وَمِنَ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ يَغْضَبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَغَضَبُ اللهِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ ، إلاَّ رضوانُ اللهِ ، ورِضوانُ اللهِ الدواءُ الذي لا يَضُرُّ مَعَهُ دَاءٌ ، ومَنْ يُرِيد أنْ يَرْضَى رَبُّهُ يُسخِطُ نَفْسَهُ ، ومَن لا يُسْخِطُ نَفْسَهُ لا يُرضَي رَبَّهُ ، إنْ كَانَ كُلَّمَا ثَقُلَ عَلَى الإنسانِ شيءٌ مِنْ أمْرِ دِينِهِ تَرَكَهُ أوْشَكَ أنْ لا يَبْقَى مَعَهُ شيءٌ .
وكَانَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ يَدْعُو فيَقُولُ : اللهُمَّ اعْصِمْنِي بِكِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ مِنَ اخْتِلافٍ فِي الْحَقِّ ، وَمِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى بِغَيْرِ هُدًى مِنْكَ ، وَمِنْ سُبُلِ الضَّلالَةِ ، وَمِنْ شُبُهَاتِ الأُمُورِ ، وَمِنَ الزَّيْغِ وَاللُّبْسِ وَالْخُصُومَاتِ .

والعقلُ لِجَامُ الْهَوَى
قَالَ ابنُ عبدِ البرِّ : وَأَمَّا تَبْدِأَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى الْهَوَى ، فَهُوَ النُّورُ وَالْهُدَى ، وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى ، فَمَنْ عَلا عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا .
وقَالَ ابنُ الجوزيِّ : وَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَرَّنَ عَلَى دَفْعِ الْهَوَى الْمَأْمُونِ الْعَوَاقِبِ لِيَسْتَمِرَّ بِذَلِكَ عَلَى تَرْكِ مَا تُؤْذِي غَايَتُهُ ..
أَلا تَرَى أَنَّ الطِّفْلَ يُؤْثِرُ مَا يَهْوَى ، وَإِنْ أَدَّاهُ إِلَى التَّلَفِ ؟ فَيَفْضُلُ الْعَاقِلُ عَلَيْهِ بِمَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَقَعُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْمَيْلِ بِالْهَوَى .
وَبِهَذَا الْقَدْرِ فُضِّلَ الآدَمِيُّ عَلَى الْبَهَائِمِ ، أَعْنِي مَلَكَةَ الإِرَادَةِ ؛ لأَنَّ الْبَهَائِمَ وَاقِفَةٌ مَعَ طِبَاعِهَا لا نَظَرَ لَهَا إِلَى عَاقِبَةٍ وَلا فِكْرَ فِي مَآلٍ .
وقَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَوَى يَسْرِي بِصَاحِبِهِ فِي فُنُونٍ ، وَيُخْرِجُهُ مِنْ دَارِ الْعَقْلِ إِلَى دَائِرَةِ الْجُنُونِ . اهـ .
قَالَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ :
وَتَرْكُ الْهَوَى لِلْمَرْءِ فَاعْلَمْ سَعَادَةً *** وَطَاعَتُهُ رَيْنٌ عَلَى الْقَلْبِ رَائِنٌ
وقالَ آخَر :
وَلا يَزَعُ النَّفْسَ اللَّجُوجَ عَنِ الْهَوَى *** مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَافِرُ الْعَقْلِ كَامِلُهُ

أيُّها المؤمِنونَ
مِنْ مَراكِبِ الهَوَى وشَهَوَاتِ النَّفْسِ الخفيّةِ : طَلَبُ الشُّهْرَةِ ، والْحِرْصُ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ .
وفي الحديثِ : مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ أَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والدارميُّ والترمذيُّ ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ بَاتَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِّ ابْنِ آدَمَ الشَّرَفَ وَالْمَالَ .
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : فَهَذَا مَثَلٌ عَظَيمٌ جِدًا ضَرَبَه النبيُّ لِفسادِ دِينِ المؤمِنِ بِالْحِرْصِ عَلَى المالِ والشَّرَفِ فِي الدُّنيا، وأنَّ فَسَادَ الدِّينَ بِذَلِكَ لَيْسَ بِدُونِ فَسَادِ الْغَنَمِ بِذئبينِ ضَاريينِ بَاتا في الغَنَمِ قَدْ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُها لَيلاً، فَهُمَا يَأكُلانِ في الغَنَمِ ويَفْتَرِسَانِ فِيهَا.
وَمعْلُومٌ أنَّهُ لا يَنْجُو مِنَ الْغَنَمِ مِنْ إفسادِ الذئبينِ الْمَذكورينِ وَالْحَالةُ هَذِهِ إلاّ قَلَيلٌ . فَأخْبَرَ النبيُّ  أنَّ حِرْصَ الْمَرءِ عَلَى المالِ وَالشَّرَفِ لَيْسَ إفسادُهُ لِدينِهِ بِأقَلِّ مِنْ إفسادِ الذئبيْنِ لِهَذِهِ الغَنَمِ، بَلْ إمَّا أنْ يَكُونَ مُساويًا وإمَّا أَكْثَرُ، يُشِيرُ إلى أنَّهُ لا يَسْلَمُ مِنْ دِينِ الْمَرْءِ المسلمِ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الْمَالِ والشَّرَفِ في الدُّنْيا إلا القليلُ ، كَمَا أنَّهُ لا يَسْلَمُ مِنَ الغَنَمِ مَعَ إفسادِ الذئبيْنِ الْمَذكوريْنِ إلا القليل .
فَهَذَا الْمَثَلُ العَظيمُ يَتَضَمَّنُ غايةَ التحذيرِ مِنْ شَرِّ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي الدُّنْيا . اهـ .

وحُبُّ الشُّهرَةِ لا يَجْتَمِعُ مَعَ صِدْقٍ وإخلاصٍ .
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : لَمْ يُصْدِقِ اللهَ مَنْ أَحَبَ الشُّهْرَةَ .

وَكَذلِكَ حُبُّ الْمَالِ واللَّهَثُ وَرَاءَ جَمْعِهِ ، وَتَقْديمُهِ والانشغالُ بِهِ .
ولِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .
قَالَ أبو العباسِ القرطبيُّ : و" إشرافُ النَّفْسِ " : هُوَ حِرْصُهَا وتشوُّفُهَا .
وقولُهُ : " لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ " ، أيْ : لا يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُهُ ؛ إذْ لا يَجِدُ لذَّةَ نَفَقَتِهِ ، ولا ثوابَ صَدَقَتِهِ، بَلْ يَتْعَبُ بِجمْعِهِ ، ويُذمُّ بِمَنْعِهِ ، ولا يَصِلُ إلى شيءٍ مِنْ نَفْعِهِ . وَلا شَكَّ في أنَّ الْحِرْصَ على الْمَالِ وَعَلَى الحياةِ الدُّنيا مَذمومٌ ، مُفْسِدٌ للدِّينِ . اهـ .

وَكَانَ السَّلفُ يَفِرّونَ مِنَ الشُّهْرَةِ ، ويَقُولونَ : فِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ ، مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ .
روى الإمامُ الدارميُّ مِنْ طَريقِ سُلَيْمِ بنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : أَتَيْنَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لِنَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا قَامَ قُمْنَا، وَنَحْنُ نَمْشِي خَلْفَهُ، فَرَهَقَنَا عُمَرُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَتَبِعَهُ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ. قَالَ: فَاتَّقَاهُ بِذِرَاعَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا نَصْنَعُ ؟ قَالَ : أَوَ مَا تَرَى؟ فِتْنَةً لِلْمَتْبُوعِ، مَذَلَّةً لِلتَّابِعِ؟
وَرَوَى مِنْ طَريقِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، أَنَّهُ رَأَى أُنَاسًا يَتْبَعُونَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ : فَأُرَاهُ قَالَ : نَهَاهُمْ . وَقَالَ : إِنَّ صَنِيعَكُمْ هَذَا - أَوْ مَشْيَكُمْ هَذَا - مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ ، وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ .
وكذلِكَ كَانَ الْحَارِثُ بنُ قَيْسٍ الْجُعْفِيُّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ - فَكَانَ يَجْلِسُ إليه الرَّجُلُ والرَّجُلانِ ، فَيُحَدِّثُهُمَا، فَإذَا كَثُرُوا، قَامَ وَتَرَكَهُمْ . رَوَاهُ الدَّارميُّ .

وَفـرَّ أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ مِنَ الشُّهْرَةِ .
فَقَدْ حَرِصَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى لِقَاءِ أُويسٍ ، فلَمّا لَقِيَهُ قَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ : لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَـرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ ، قَالَ : أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ .
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ، فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَالَ ابنُ القيِّمِ : فَالنَّفْسُ داعيةٌ إلى الْمَهالِكِ ، مُعينةٌ للأعداءِ ، طَامِحَةٌ إلى كُلِّ قَبيحٍ ، مُتَّبِعَةٌ لِكُلِّ سُوءٍ ؛ فَهِيَ تَجْرِي بِطَبْعِهَا في مَيْدَانِ الْمُخَالَفَةِ .
فَالنِّعْمَةُ التي لا خَطَرَ لَهَا : الخروجُ مِنْهَا، والتَّخَلُّصُ مِنْ رِقِّهَا، فَإنَّها أَعْظَمُ حِجَابٍ بيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالى . وأعرفُ النَّاسِ بِهَا أَشَدُّهُمْ إزراءً عَلَيْهَا، وَمَقْتًا لَهَا . اهـ .
استغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الْحيَّ القيوم وأتوبُ إليه ، فاستغفِرُوه ، إنه هو الغفورُ الرحيم .


الثانية :
وَمِنْ أَوْضَحِ مَسَالِكِ الْهَوَى : اتباعُ رغباتِ النَّفْسِ في الفَتْوَى والأخْذُ بِأقَوَالِ العلماءِ تَشَهِّيًا .
وهَذَا قَدْ جَعَلَهُ اللهُ عِبادةً للهَوَى ، فقال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا)

وهُوَ مِن أَمَاراتِ النِّفَاقِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) قَالَ: لا يَهْوَى شَيْئا إِلاَّ تَبِعَه .
وقَالَ قَتادةُ فِي قَوْلِهِ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) قَالَ: كُلْمَا هَوَى شَيْئا رَكِبَهُ ، وَكُلَّمَا اشْتهى شَيْئا أَتَاهُ ، لا يَحَجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلا تَقَوَى .
فَتَجِدُ أنَّ مِن الناس مَن يأخذُ بِقَوْلِ ذلِكَ العالِمِ في تلْكَ الْمَسْألَةِ ، لا لِثَقَتِهِ بِالْعَالِمِ ، ولا لقناعَتِهِ بِالْحُجَّةِ والْبُرهَانِ ، ولا اتّباعًا للدليلِ ؛ وإنَّما هُوَ لِحَاجَةٍ في نَفْسِهِ حَيْثُ وَافَقَتْ تِلْكَ الفَتْوَى هَوًى في نَفْسِهِ !
في حينِ أنَّهُ يَرُدُّ قَولا آخَرَ لَنْفْسِ العَالِمِ لِمُخالفَتِهِ لِهَوَاهُ ، بِحُجَّةِ أنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَؤَخَذُ مِنْ قَولِهِ ويُترَكُ!
فَلَمْ تَعُدِ الْمَسألَةُ سِوَى كَونِها تَشَهِّيا وتَنقُّلا بَينَ الأقوالِ بَحْثًا عَنْ الرُّخَصِ تَارَةً ، وَعَمَّا يُوافِقُ الْهَوَى تَارَةً أُخْرَى ..

أيُّها الْمُؤمِنونَ :
إنَّ مِمَّا يَزجُرُ عنِ اتِّبَاعِ الهَوَى ما يَلِي :
أولاً : التَّفَكُّرُ فِي أَنَّ الإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْهَوَى ، وَإِنَّمَا هُيِّئَ لِلنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ ، وَالْعَمَلِ لِلآجِلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُصِيبُ مِنْ لَذَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ والْمَنْكَحِ مَا لا يَنَالُهُ الإِنْسَانُ مَعَ عَيْشٍ هَنِيٍّ خَالٍ عَنْ فِكْرٍ وَهَمٍّ .
وَلِهَذَا تُسَاقُ إِلَى مَنْحَرِهَا وَهِيَ مُنْهَمِكَةٌ عَلَى شَهَوَاتِهَا لِفُقْدَانِ الْعِلْمِ بِالْعَوَاقِبِ .

ثانيا : أَنَّ يُفَكِّرَ فِي عَوَاقِبِ الْهَوَى
فَكَمْ قَدْ أَفَاتَ مِنْ فَضِيلَةٍ ، وَكَمْ قَدْ أَوْقَعَ فِي رَذِيلَةٍ وَكَمْ مِنْ مَطْعَمٍ قَدْ أَوْقَعَ فِي مَرَضٍ ، وَكَمْ مِنْ زَلَّةٍ أَوْجَبَتِ انْكِسَارَ جَاهٍ ، وَقُبْحَ ذِكْرٍ مَعَ إِثْمٍ .
غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى لا يَرَى إِلا الْهَوَى .

ثالِثا : أَنْ يَتَصَوَّرَ الْعَاقِلُ انْقِضَاءَ غَرَضِهِ مِنْ هَوَاهُ ، ثُمَّ يَتَصَوَّرَ الأَذَى الْحَاصِلَ عُقَيْبَ اللَّذَّةِ فَإِنَّهُ يَرَاهُ يَرْبَى عَلَى الْهَوَى أَضْعَافًا ، وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ:
وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ سَبَبًا ***حَتَّى يُمَيِّزَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُهُ

رابِعا : أَنْ يَتَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، ثُمَّ يَتَلَمَّحَ عَاقِبَتَهُ بِفِكْرِهِ ؛ فَإِنَّهُ سَيَرَى مَا يَعْلَمُ بِهِ عَيْبَهُ إِذَا وَقَفَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ .

خَامِسا : أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ اللَّذَّاتِ ، فَإِنَّهُ سَيُخْبِرُهُ الْعَقْلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا عَيْنُ الْهَوَى عَمْيَاءُ !

سادِسا : أَنْ يَتَدَبَّرَ عِزَّ الْغَلَبَةِ وَذُلَّ الْقَهْرِ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ غَلَبَ هَوَاهُ إِلاَّ أَحَسَّ بِقُوَّةِ عِزّ ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ غَلَبَهُ هَوَاهُ إِلاَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ ذُلَّ الْقَهْرِ .

سابِعا : أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي فَائِدَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْهَوَى مِنَ اكْتِسَابِ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فِي الدُّنْيَا ، وَسَلامَةِ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالأَجْرِ فِي الآخِرَةِ .
هَذِهِ الزَّواجِرُ خُلاصَةُ مَا ذَكَرَهُ ابنُ الجوزيِّ في كَتَابِهِ " ذمِّ الْهَوَى " .

أيها المؤمنون :
الْهَوَى مِن فِخَاخِ الشيطان ومَصَائدِه .
قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: إِنَّ لِلشَّيْطَانِ مَصَالِيَ وَفُخُوخًا، وَإِنَّ مَصَالِيَ الشَّيْطَانِ وَفُخُوخَهُ: الْبَطَرُ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ، وَالْفَخْرُ بِعَطَاءِ اللَّهِ ، وَالْكِبْرِيَاءُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ . رَوَاهُ البخاريُّ في " الأدبِ الْمُفرَد " .
والمَصَالِي شَبِيهَةٌ بالشَّرَك تُنْصَبُ للطَّيْرِ وَغَيْرِهَا .

قَالَ ابنُ الجوزيِّ :
فالبِدارَ البِدارَ في الصِّيانَةِ قَبْلَ تَلَفِ البَاقِي بِالصَّبَابَةِ ، فَكَمْ تَعَرْقَلَ في فخِّ الْهَوَى جَنَاحٌ حَازِمٌ .
فَهَذَا مَرْكَبُ الْهَوَى قَلَّ مَن رَكِبَه ثم نَجَى .
ومَنِ اتّبَعَ الْهَوَى تَعَثَّرَ وهَوَى .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جمعة عن .. (الاحتفاء بالكفار) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 29-05-2016 07:11 AM
خُطبة جمعة عن .. (التعرف على الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 13-05-2016 09:51 PM
خُطبة جمعة .. يا صاحب الهمّ نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 10-12-2015 02:42 AM
خُطبة جمعة عن .. (تعظيم السنة) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 28-11-2015 11:58 PM
خُطبة جمعة عن (التحذير من التدخين) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-11-2014 08:28 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 01:01 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى