عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة وقفات مع انقضاء رمضان
قديم بتاريخ : 14-07-2015 الساعة : 07:27 PM

الحمدُ للهِ الذي يسَّرَ لِعبادِه مواسِمَ الخيرات ، ووفَّقَ مَن شاء لاغتنامِ الأوقاتِ بالأعمالِ الصالحات .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
قال ابنُ جرير : وَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَا قَدَّمَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ مِن الأعمالِ ؛ أمِن الصالحاتِ التي تُنْجِيه ، أم مِن السيئاتِ التي تُوبِقُه .
عباد الله :
هذه وقفاتٌ مع نهايةِ هذا الموسِمِ العظيم .

الوقفةُ الأوُلى :

وقفةُ محاسَبةٍ ومراجعةٌ للنَّفسِ : ها هُوَ شهرُ رمضانَ شهرُ الخيراتِ والبركاتِ والعِتقِ مِنَ النيرانِ ، ها هُوَ قد تَوَلّى وانْصَرَمَ ، وحَرِيٌّ بِكُلِّ عاقِلٍ يَهُمُّهُ مُستقبلَهُ أنْ يَقِفَ وَقْفَةَ مُحَاسَبةٍ : ماذا أوْدَعَ رمضانَ ؟ وماذا استودعَهُ مِنْ أعمالٍ ؟
مَن رَبِحَ فيِهِ وغَنِمَ ، ومَن غُبِنَ فيهِ وخَسِرَ ؟

قَالَ ابنُ رجبٍ رحِمَهُ اللهُ : رُويَ عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُنادي في آخِرِ ليلةٍ مِنْ شهرِ رمضانَ : يا ليتَ شِعري ! مَنْ هذا المقبولُ فَنُهَنّيه ، ومَنْ هذا المحرومُ فَنُعَزّيه .

وعنْ ابنِ مسعودٍ أنَّهُ كَانَ يقولُ : مَن هذا المقبولُ مِنّا فَنُهَنّيه ، ومَنْ هذا المحرومُ مِنّا فَنُعَزّيه .
أيُّها المقبولُ هنيئا لكَ ، أيُّها المردودُ جبرَ اللهُ مُصيبتَكَ .

ليتَ شِعري مَن فيهِ يُقْبَلُ مِنا ... فيُهَنّأ ، يا خيبةَ المردودِ .

عبدَ الله :
ما يَسرُّك في القيامة أن تَرَاه فاعْمَلْه ، وما يَسُوءُك فَدَعْه واتْرُكه .
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِسَلَمَةَ بنِ دينارٍ : عِظْنِي يَا أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: اضْطَجِعْ ثُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ عِنْدَ رَأْسِكَ، ثُمَّ انْظُرْ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ تِلْكَ السَّاعَةَ فَخُذْ فِيهِ الْآنَ، وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِيكَ تِلْكَ السَّاعَةَ فَدَعْهُ الآنَ .
أيها المبارَك :
عَمَلُك هو زادُك ..

دَخَلَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ : عِظْنِي يَا سَابِقُ وَأَوْجِزْ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْلُغُ إِنْ شَاءَ اللهُ . قَالَ: هَاتِ، فَأَنْشَدَهُ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ الْتَقَى ... وَوَافَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَـزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لا تَكُونَ شَرَكْتَهُ ... وَأَرْصَدْتَ قَبْلَ الْمَوْتِ مَا كَانَ أَرْصَدَا
فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ .

أيُّها المفرِّطُ دونَكَ الخواتيمُ ؛ فأحْسِنْ ، فالعِبْرَةُ بالخواتيمِ .

قَالَ الفُضيلُ بنُ عياضٍ لِرَجُلٍ : كم أتتْ عليكَ ؟ ( يعني كم مضى مِنْ عُمُرِكَ )
قَالَ : ستونَ سنةٍ .
قَالَ : فأنتَ مُنذُ ستين سنةٍ تسيرُ إلى ربِّكَ . توشِكُ أنْ تبْلُغَ .
فقَالَ الرَّجُلُ : يا أبا عليٍّ إنا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعون .
قَالَ الفُضيلُ : تَعْلَمُ ما تَفْسيرُه ؟
قَالَ الرَّجُلُ : فسِّرْهُ لي يا أبا عليّ .
قَالَ : قولُكَ إنَّا للهِ تقولُ أنَا للهِ عبدٌ وأنا إلى اللهِ راجِعٌ . فمَنْ عَلِمَ أنَّهُ عبدُ اللهِ وأنَّهُ إليهِ راجِعٌ ، فَلْيَعْلَمْ بِأنَّهُ موقوفٌ ، ومَنْ عَلِمَ بأنَّهُ موقوفٌ فَلْيَعْلَمْ بِأنَّهُ مسئولٌ ، ومَن عَلِمَ أنَّهُ مسئولٌ فَلْيُعِدَّ للسؤالِ جوابا .
فقَالَ الرجل : فما الحيلةُ ؟
قَالَ : يسيرةٌ .
قَالَ : ما هيَ ؟
قَالَ تُحسِنُ فيما بَقِي يُغفرُ لك ما مضى وما بَقيَ . فإنكَ إنْ أسأتَ فيما بَقيَ أُخِذتَ بما مضى وما بَقِي .

واعلموا إخواني أنَّكُم اليومَ في دارِ عَمَلٍ ، وأنَّ بابَ التوبةِ مَفتوحٌ .. فأحْسِنوا يُحْسِنِ اللهُ إليكُم ؛ لأنَّ الجزاءَ مِنْ جِنسِ العملِ ، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

الوقفةُ الثانيةُ :

مَنْ وُفِّقَ للعَمَلِ فليَعْلَمْ أنَّ ما يَتْبَعُ العَملَ لا يقلُّ أهميةً عنْ العَمَلِ ، وهُما أمْرانِ :
الأمْرُ الأوّلُ : قبولُ العملِ ، وهذا مِمَّا أهمَّ سَلَفُ هذه الأمةِ وأقضَّ مضاجِعَ الصالحينَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ : " لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ .
وفي روايةٍ : وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ . رواهُ الترمذيُّ وابنُ ماجَه وصحَّحَهُ الألبانيُّ .

وخليلُ اللهِ إبراهيمُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمَّا بنى الكعبةَ أهمَّهُ قُبُولُ عَمَلِهِ فَدَعا بالقَبُولِ : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) .

قَالَ ابنُ عبدُ البَرِّ : الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ أَشَدُّ خَوْفًا لِلَّهِ وَأَكْثَرُ إِشْفَاقًا وَوَجَلا . اهـ .

وقَالَ ابنُ حَجَرٍ : وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَبِي عُثْمَانَ الْجِيزِيِّ : مِنْ عَلامَةِ السَّعَادَةِ أَنْ تُطِيعَ وَتَخَافَ أَنْ لا تُقْبَلَ ، وَمِنْ عَلامَةِ الشَّقَاءِ أَنْ تَعْصِيَ وترجوَ أَنْ تنجو . اهـ .

الأمْرُ الثاني : المحافظةُ على حسناتِ العَمَلِ ، فالعبرةُ بالمحافظةِ على حسناتِ العمَلِ أكبرُ مِنَ العِبْرةِ بالعَمَلِ ، فقدْ قيلَ للنَّبيِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنَّ فُلانةً تَصُومُ النَّهارَ ، وتَقُومُ الليلَ ، وتَفعلُ ، وتَتصَّدَّقُ ، وتُؤذي جِيرانَها بِلِسَانِها . فقَالَ : لا خَيرَ فيها ، هِيَ في النَّارِ . قيلَ : فإنَّ فَلانةً تُصَلِّي المكتوبةَ ، وتَصومُ رمضانَ ، وتَتَصَدَّقُ بأثْوارٍ مِن أقِطٍ ، ولا تؤذي أحَدًا بِلِسَانِها . قَالَ : هِيَ في الجَنَّةِ . رواهُ الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ في " الأدبِ الْمُفْرَدِ " والحاكِمُ – وصحَّحَهُ .

أيها المؤمنون :
علامةُ قبولِ الحسنةِ إتْبَاعُها بِحسنةٍ مِثلِها .
ولَمّا كَانَ صيامُ رمضانَ حَسنةٌ عظيمةٌ أُتْبِعَ بِحسناتٍ أُخرى ، وهي صَدَقةُ الفِطْرِ ، ثمَّ أُتْبِع بِحسنةٍ أخْرى ، وهي التكبيرُ ..
قَالَ اللهُ تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
ثم أُتْبِعتْ تِلكَ الحسناتُ بِصيامِ سِتةِ أيامٍ مِن شوّالٍ ، ليَكْمُلَ الأجْرُ وتَتِّمَ الفضائلُ وتَعظُمَ الأُجور .
قَالَ ابنُ القيِّمِ : وَعَلامَةُ قَبُولِ عَمَلِكَ : احْتِقَارُهُ وَاسْتِقْلالُهُ، وَصِغَرُهُ فِي قَلْبِكَ . اهـ .
وقَالَ ابنُ رَجَبٍ : علامةُ قبولِ الطَّاعةِ أنْ تُوصَلَ بطاعةٍ بَعدَها ، وعلامةُ ردِّها أنْ تُوصَلَ بِمعصيةٍ . ما أحْسَنَ الحسنةَ بعدَ الحسنةِ ، وأقبحَ السيئةَ بعدَ الحَسَنَةِ . اهـ .

عبادَ اللهِ :
مَن ذاقَ حلاوةَ الصِّيامِ والقِيامِ ، فعليهِ أنْ يحذَرَ مِن مرارةِ الحرمان .. فقدْ كَانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يستعيذُ باللهِ مِن الرُّجوعِ على الأعقابِ ، فَكَانَ يتعوَّذُ مِنْ الْحَوْرِ بعدَ الكَونِ . رواهُ مُسْلِمُ .
وفي بعضِ الرواياتِ : ومِنْ الْحَوْرِ بعد الكَوْرِ .
قَالَ الترمذيُّ : هو الرُّجوعُ مِنَ الإيمانِ إلى الكُفْرِ ، أوْ مِنَ الطاعةِ إلى المعصيةِ ، إنَّمَا يعني : الرُّجوعُ مِن شيءٍ إلى شيءٍ مِنَ الشَّرِّ . اهـ .

أيها الكِرام :
تابِعُوا الأعمالَ الصالحةَ .
قَالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إنَّ في الجَنَّةِ غُرُفا يُرى ظُهورُها مِنْ بُطونِها وبُطونُها مِنْ ظُهورِها . فقامَ أعرابيٌّ فقَالَ : لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أطابَ الكلامَ ، وأطْعَمَ الطَّعامَ ، وأدَامَ الصِّيامَ ، وصلَّى للهِ بالليلِ والنَّاسُ نيامُ . رَواهُ أحمدُ والتِّرمذيُّ وأبو يعلى . وهُوَ حديثٌ حَسَنٌ .
فَلئنْ تقضّى شَهْرُ الصيامِ ، فقد بَقِيَ الصِّيامُ
وإنِ انقضى شَهْرُ القيامِ ، فإنَّ القيامَ باقٍ .
واعلموا أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ كَثيرةٌ مَيسورةٌ لِمَنْ يسَّرها اللهُ عليه ، يَنْهَلُ مِنْها الموفَّقُ .
قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : يَا أيُّها النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ؛ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلامٍ . رواهُ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ وابنُ ماجَه ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوط .

الوقفةُ الثالثةُ :

شَهرُ رمضانَ شَهرُ البَذْلِ والإحْسَانِ .
اعلموا أنَّ الزكاةَ والصَّدقةَ بَرَكَةٌ في المالِ والعُمُرِ والوَلَدِ .
والإنفاقُ أعَمُّ مِنْ أنْ يكَونَ في المالِ وحْدَه ، فقدْ كَانَ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم إذا لم يَجِدْ أحدُهُم ما يتصدَّقُ به تصدَّقَ على مَنْ ظلَمَهُ بالعَفُوِ عَنْه .
قَالَ قَتَادَةُ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمٍ ، كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ . رواهُ أبو داودَ .
وكَانَ الصحابةُ يُنفِقُونَ بِحسَبِ وُسْعِهِم .
بل كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورَضِيَ اللهُ عَنْهُم إذا لم يِجِدْ ما يتصدَّقُ به تصدّقَ بِعِرْضِهِ ، وحَلَّلَ مَنْ وَقَعَ في عِرْضِهِ بِغِيبةٍ أو بُهتانٍ .
وجاءَ في سيرةِ عُلبةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ خَرَجَ مِنَ الليلِ فصلَّى وبَكى ، وقَالَ : اللهمَّ إنَّكَ قد أمَرْتَ بالجهادِ ، ورغّبتَ فيه ، ولم تَجْعلْ عندي ما أتقوّى به معَ رسولِكَ ، وإنِّي أتصدقُ على كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلَمَةٍ أصَابَني بها في جَسَدٍ أو عِرْضٍ .

الوقفة الرابعة :

أبوابُ الصَّدَقَةِ مُشْرَعَةٌ مَيْسورةٌ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ . رواه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي وابن حبان ، وصححه الألباني .

الخطبة الثانية :

الحمد لله الذي بلَّغَنا شَهْرَ رمضان ، وأعان على الصيام.
ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بالقبولِ والغُفْرَان . أما بعد :
فإن اللهَ عزَّ وَجَلَّ شَرَعَ لِعِبادِهِ زكاةَ الفِطْرِ مِنَ رمضانَ .

الوقفة الخامسة :

أن صَدَقَةُ الفِطْرِ صاعٌ مِن طَعَامٍ مِنْ قُوتِ البَلَدِ .
ففي حَديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ . رواه البخاريُّ ومُسْلِمٌ .
وفي حديث أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ . رواه البخاريُّ ومُسْلِمٌ .
وتَجِبُ زَكاةُ الفِطْرِ على مَنْ يَجِدُ زيادةً عَنْ قُوتِ يومِه.
قَالَ ابنُ قُدامةَ : وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ عِيَالِهِ ، إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ . اهـ
ويُستَحَبُّ أنْ تُخرَجَ عنِ الجنينِ ، ولا تَجِبُ عَنْهُ .

ويَرى العلماءُ أنَّ زكاةَ الفِطْرِ تابعةٌ للبَدَن ، فتُخرَجُ حيثُ يَكونُ الشَّخْصُ ، ويجوزُ إخراجُها في غَيْرِ بَلَدِ الشَّخْصِ ، إذا دَعَتِ الحاجةُ ، أو سافَرَ وَوَكَّلَ غَيرَهُ .

ولا يُجزئُ دَفْعُ الْمَالِ بَدَلا عن الطعام في زَكَاةِ الفِطْرِ

قَالَ أَبو طَالِبٍ ، قَالَ لِي أَحْمَدُ [يعني : ابن حنبل] : لا يُعْطِي قِيمَتَهُ . قِيلَ لَهُ : قَوْمٌ يَقُولُونَ ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ ؟ قَالَ : يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَيَقُولُونَ قَالَ فُلانٌ ! قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) .
وَقَالَ : قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ : قَالَ فُلانٌ ، قَالَ فُلانٌ .

ويَبْدأُ وقتُ جَوازِ إخراجِ زكاةِ الفِطْرِ قبْلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ ، والأفضلُ أنْ تكونَ يومَ العيدِ قَبْلَ الخُرُوجِ لصلاةِ العِيدِ . ويَنتهي وقتُ إخراجِها بانتهاءِ صلاةِ العيدِ .

قَالَ نافع : وكَانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما يُعْطِيها الذين يَقبلونَها ، وكَانَوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيومٍ أو يومينِ . رواهُ البخاريُّ .

ومَنْ أخّرَها فَعَليهِ إخراجُها ، وهُوَ آثِمٌ بِتَأخِيرِها عَنْ وقتِها إذا أخَّرَها لغيرِ عُذْرٍ .

ففي فتاوى اللجنةِ الدَّائمةِ : إذا أخَّـرَ الشَّخصُ زكاةَ الفِطْرِ عَنْ وقْتِها وهُوَ ذاكِرٌ لها أثِمَ وعليه التوبةُ إلى اللهِ والقضاءُ ؛ لأنَّها عبادةٌ فَلَمْ تَسقُطْ بِخروجِ الوقتِ كالصلاةِ . اهـ .
ولا يُعطَى الكافِرُ مِنْ زكاةِ الفِطْرِ ولا مِنْ زكاةِ المالِ إلاّ إذا كَانَ مِنَ المؤلَّفَةِ قلوبِهِم فيُعطَى مِنْ زكاةِ الْمَالِ .
قَالَ ابنُ قُدامةَ : وَلا يُعْطَى الْكَافِرُ مِنْ الزَّكَاةِ ، إلاَّ لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا .
وقَالَ شيخُنا الجبرينُ : لا يُعْطَى الكافِرُ مِنْ زكاةِ الفِطْرِ ، ولا مِنْ زكاةِ المالِ . اهـ .

وتفاوَتَ تقديرُ زكاةِ الفِطْرِ بين عُلمائنا ، والأحوطُ فيها أن تُخرجِ ثلاث كيلو مِن قُوتِ البلد .
ففي فتاوى اللجنَةِ الدَّائمةِ :
مقدارُ زكاةِ الفِطْرِ عنِ الفَردِ ثلاثةُ كيلوات تقريبا منَ الأرُزِّ أو غيرِهِ مِنْ قوتِ البَلَدِ
وقال شيخنا الجبرين رحمه الله :
الصاع معروف، وهو أربعة أمداد ، والْمُدّ من البر ملء الكفين المتوسطين مجموعتين ، وقُدِّر الصاع بأنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي، والصاع معروف في هذه البلاد ، وهو مع العلاوة يقارب ثلاث كيلو ، وبدون علاوة نحو كيلوين ونصف، والاحتياط إكمال الثلاثة . اهـ .

الوقفة السادسة والأخيرة :

احرِصوا على شُهودِ صلاةِ العيدِ ، فإنها سُنَّةٌ مُؤكَّدَةٌ ، وقَدْ قَالَ بِوُجُوبِها بعضُ عُلمائنا .
ولا تُشْرَعُ الصَّلاةُ قَبلَها ولا بَعدَها إذا صُلِّيَتْ صَلاةُ العيدِ في المصلَّى .
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا . رواه البخاريُّ ومُسلِمٌ .
وفي روايةِ ابنِ ماجَه : خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا .

وقَدْ أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِحضورِ صلاةِ العيدِ فقَالَ : يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ، وَالحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى رواه البخاريُّ ومُسلِمٌ .

والسُّنَّةُ أنْ يأكُلَ تَمَرَاتٍ وِتْرا قَبْلَ خروجِهِ إلى الصلاةِ .
ففي حديثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ . وفي روايةٍ : وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا .

ويَذْهبُ مِنْ طريقٍ ويَرجِعُ مِنْ أُخْرى .
ففي حديثِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ . رواه البخاري .

وتَتَصَافَى النفوس قبل ان تَتَصَافَح الأيدي ..
ما أجمل أن تشتمل الأجسام المتّشحة بالبياض على قلوب بيضاء ..
فيجتمع بياض القلوب مع صلاة العيد ؛ يُختم بها العمل الصالح ..

رمضان 1433 هـ

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وقفات مع الصائمات طالبة علم منتـدى الحـوار العـام 0 05-06-2016 06:28 PM
وقفات رجبيَّة طالبة علم منتـدى الحـوار العـام 0 15-04-2016 07:46 PM
ما حكم عمل وليمة للمرأة المتوفى عنها زوجها بعد انقضاء عدتها ؟ راجية العفو إرشـاد المـرأة 0 30-09-2012 09:19 PM
تسأل هل يجوز لها الزواج بعد انقضاء عدة طلاقها ؟ نسمات الفجر قسـم الفقه العـام 0 18-02-2010 04:47 AM
ما صِحة خُطبة الرسول ﷺ في استقبال رمضان ؟ نسمات الفجر قسـم السنـة النبويـة 0 14-02-2010 05:39 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 01:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى