[راجية العفو]

بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجوكم أن ترحموا غربتي وأن تتحملوا طول رسالتي فأنا أول مرة أتمكن من التواصل مع أهل السنة لأني أعيش في بلاد يغلب عليها شريعة الصوفية ولم أجد من يساعدني ولأول مرة أستخدم الانترنت.

أكتب إليكم سؤالي هذا و كلي أمل في أن تشعروا بمعاناتي ومقدار الحزن والأسى الذي أعيشه والذي لا أدري سببه أهو جهلي بأمور ديني لعدم توفر أهل السنة في بلادنا أم عدم ثقتي بحب ربنا لنا ورحمته بنا أم هو تكبر على تعاليم ديننا الحنيف ؟؟؟؟
إليكم قصتي:
أنا يا شيخنا فتاة أتمتع بسمعة حسنة وأدب وحسن خلق وجمال تقدم لخطبتي شاب قال أنه من أهل السنة وأنه يريد في شريكة حياته صفات الدين والأخلاق فوافقت عليه لأني وجدت في نفسي ما يريده فأنا بفضل الله أحفظ نصف القرآن و أقوم الليل ومعروفة بحسن الخلق والجمال ولا أزكي نفسي على الله , أخبرته أني أريد من شريك حياتي أن يكون من أهل السنة بجوهره لا بمظهره فقط واني أريد أنجب أبناءً أربيهم على منهج السنة وأن يكون الواحد منهم قد حفظ القرآن قبل أن يصل سن العاشرة كنت أتمنى أن أربيهم على حب الجهاد وأن أرضي ربي فيهم وكنت على استعداد لترك العمل أن لم نكن بحاجة إليه على الرغم من أني معيدة في الكلية ومعلمة في المدرسة ومتفوقة في دراستي وأخبرته كذلك باني أريد منه أن يسكن أمه معنا حتى لا أضيع أجرها ولأني لا أريد من أولادي أن يتركوني وحدي عندما أكبر..فرح بخطتي للمستقبل وقال أن هذا هو ما يبحث عنه وجا للبيت يا شيخ و يا ليته ما جاء (والله أني أكتب الآن ودموعي على خدي) فبعد أن ذهب إلى منزلهم أرسل إلي يقول : أنه لم يجد في الصفات التي يريدها لأني قصيرة بعض الشيء وأنه سيبحث عن فتاة أخرى وإن لم يجد فسوف يعود إلي وقال أن هذه هي السنة وهذه تعاليم نبينا صلى الله عليه وسلم وذهب وتزوج بفتاة أخرى لا تحفظ القرآن ولم يكن لديها ما لدي من طموح للمستقبل. والله يا شيخ أني مهما كتبت فلن أستطيع أن أعبر عن مقدار حزني وكسر خاطري مما فعل (ولا يعلم هذا إلا من جربه) تسبب لي بالإشاعات وشمت بي الشامتات فمنهم من قالت قال عنك قبيحة ومنهم من قالت هذا جزاءك لأنك رفضت الزواج بأخي والله ياشيخ أصبحت أسمع همساتهم وأرى شماتتهم في ومن اقرب الناس إلي وأنا أعاني من الهم ما الله به عليم يا شيخ والله مررت بفترة أصبحت أكره كل من له لحية ويدعي إتباع السنة أإلى هذا الحد مشاعر الناس ليست لها قيمة عندهم هل بنات الناس بالنسبة لهم ( فرجة) يأتي الخاطب ويتفرج على هذه وتلك ثم يختار من غير مراعاة للمشاعر والأحاسيس ؟؟ صرت أبكي ليل نهار ولم أجد لحيرتي جوابا ولا منفذا ولم أجد والله من يشفي غليلي ويريح نفسي دعوت الله في قيام الليل يفرج همي وأن لا تتعرض فتاة مسلمة لما تعرضت له وأن ييسر لي من أشكو إليه همي بعد الله ويشعر بحالي وما أنا فيه فكانت هذه رسالتي إليكم..
وسؤالي يا شيخ الذي حيرني منذ سنتين وأشعل نار الحزن في أعماقي وشككني برحمة الله بي (والعياذ بالله) أحق إذا كان رسول الله معنا كان يقره على ما فعل أحق أن رسول الله لم يكن ليأبه لمشاعري وكسر خاطري ..
هل كان السبب الذي قاله كافيا ليفعل ما فعل؟
ألم يكن عليه أن يخبرني بشروطه قبل أن يأتي ويكسر خاطري؟؟
أنا لم أأبه لشكله ومظهره وكل ما فكرت فيه دينه وخلقه على الرغم من أنه لا يتمتع بجمال الهيئة أيكون هذا جزائي؟؟؟
أرجوك يا شيخ أن تتفهم موقفي وأن تشعر بمعاناتي كل ما أريده أن أعرف رأي رسول الله فيه إن كان حيا معنا لأني شعوري بأن ما قاله حق وأن الله سبحانه لا يأبه بمشاعري قد أثقل كاهلي وأحزن قلبي فدلني يا شيخ للحق نفس الله كربتك وأقال عثرتك و جزاك عني خير الجزاء و ادعو لي يا شيخ بأن يعوضني الله خير منه....والسلام عليكم ورحمة الله




الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأعانك الله .
وعوضك خيرا منه .

يا ويح بني قومي إذ يتكلّمون بما لا يعلمون !
قولوا لبعض بني قومي : لا تفتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تُلصقوا أخطاءكم ومساويكم بِسُـنّة رسول الهدى ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم .

أمَا والله ما كان هذا من هديه صلى الله عليه وسلم !
بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ، وأبرّ الناس ، وأرحم الناس .
وكان عليه الصلاة والسلام يَكره أن يُواجِه الناس بِما يكرهون .
قال الإمام البخاري : بَاب مَنْ لَمْ يُوَاجِهْ النَّاسَ بِالْعِتَابِ .
ثم روى بإسناده إلى عَائِشَة رضي الله عنها أنها قَالَتْ : صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَال : مَا بَالُ أَقْوَام يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ ؟ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَة .

وفي حديث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ . رواه البخاري ومسلم .

وفي هذا الباب - وهو باب خِطبة النساء – ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُواجِه المرأة بِما تكره ، ولا يذكرها بسوء ، ففي حديث سَهْلِ بْنِ سَعْد أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي . قال : فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ... الحديث . رواه البخاري ومسلم .

هذا أدبه صلى الله عليه وسلم ، وهذا هديه .. لا يجرح المشاعر ، ولا يُواجِه الناس بِما يكرهون ، ولا يذكر الغائب بسوء !

فإن كان ما قيل عن ذلك الخاطب صحيحا فقد أخطأ ويُخشى عليه من الإثم ؛ لأنه وَاجَه الفتاة بِما تكره ، وذَكَر فيها أمرًا ليس لها فيه يَد ، وهو القِصَر – إن كان صحيحا – .
وذَكَر عنها أنها ليست جميلة ! ( إن صحّ هذا ) ..
ونسب فِعْله ذلك إلى سُـنّة النبي صلى الله عليه وسلم !

وما عليه أن ينصرف ولا يذكر شيئا ، بل يُرسل للمرأة أو لوليها أنه لم يُكتب بينهم شيء ، أو أنه صُرِف عنها .. إلى غير ذلك .
ولا يذكر المرأة بشيء .
ولا يجوز له أن يذكُر عنها شيئا من صفاتها ؛ لأنه مؤتمن على النظر إليها عند الخطبة ، وليس من الدِّين ولا من المروءة أن يُؤتمن على النظر إلى فتاة عند خِطبتها ثم يذهب يتكلّم عنها بما يسوء .

فَعَلى من نظر إلى فتاة – النظرة الشرعية – أن يتّقي الله فيها ، فلا يُواجهها بِما تكره ، ولا يكسر خاطرها ، ولا يذكر عنها شيئا ؛ لأنه قد يُصرف عنها ، ولأن مقاييس الجمال تختلف من إنسان لآخر ، ولأنه قد يراها غيره فيُقذف حبها في قلبه ، ويُؤدم بينهما ، كما قال عليه الصلاة والسلام .

وعلى الإنسان أن يقيس بمقاييس الشرع ، ويدع العاطفة .
والمقياس هنا قوله عليه الصلاة والسلام : من أحبّ أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأتِ إلى الناس الذي يُحِبّ أن يُؤتَى إليه . رواه مسلم .

فليُعامِل الناس كما يُحِبّ أن يُعامَل .
ماذا لو كانت المخطوبة أخته أو قريبة له ؟
هل كان يرضى أن تُواجَه بما واجه به تلك الفتاة التي تقدّم لخطبتها ؟
وهل كان يرضى أن يُقال عنها ما قاله هو عن تلك الفتاة ؟!

والله المستعان .



المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد