نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جمعة عن .. (الاحتفاء بالكفار)
قديم بتاريخ : 29-05-2016 الساعة : 07:11 AM

الْحَمدُ للهِ الذيْ أعزَّ دِينَهُ وأظْهَرَهُ ، وأذلَّ الكُفرَ وخَذَلَهُ .
والصلاةُ والسَّلامُ على عبدِهِ ومُصطفاهُ ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ وَالاه .

كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَهُمُّ بالخروجِ مِنَ المسجدِ ، فجاءَ رجُلٌ فسألَهُ : مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا. قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ . قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ . رَوَاهُ البُخاريُّ ومُسْلِمٌ .
وفي روايةٍ قَالَ : فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ .

لِذَا يَجِبُ أنْ يَكُونَ حُبُّنا حُبًّا شرعيا ، والبواعثُ عليه بواعث شَرعيةٍ ، وليستْ عاطفيِّةً .
فإنَّ مَنْ أحبَّ قومُا حُشِرَ مَعَهُم .
قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لا يُحِبُّ رَجُلٌ قومًا إلاَّ حُشِرَ مَعَهُم . قَالَ الْمُنْذِريُّ : رَوَاهُ الطبرانيُّ في الصغيرِ والأوسطِ بإسنادٍ جيدٍ . وقَالَ الألبانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

وإنَّ مِمَّا بُلِيَتْ به الأمَّةُ في زمانِنَا هذا : مَحَبَّةَ الكفَّارِ والإعجابَ بِهِمْ ، بَلْ وتحسينُ صورةِ الكافِرِ
وهذا مُنكَرٌ عَظِيمٌ يَجِبُ أنْ يتنادى العقلاءُ لإزالَتِهِ ، وبيانِ حالِ الكافرِ ومَنْزِلَتِهِ ، يهوديّا كانَ أو نصرانيّا ، أو غيرَهُما مِن أهلِ الأوثانِ .

وبيانُ ذلِكَ في مسائِلَ :

المسألةُ الأولى : أنَّ اليهودَ والنصارى كُفّارٌ مَشرِكونَ . وهُم أنجاسٌ أرجاسٌ !
قَالَ الله عزّ وَجَلَّ : قَالَ تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) .
قَالَ البغويُّ في تفسيرِهِ : وَأَرَادَ بِهِ نَجَاسَةَ الْحُكْمِ لا نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، سُمُّوا نَجَسًا عَلَى الذَّمِّ . اهـ .
ومَنْ كانَ كَذلِكَ ، فليسَ بِأهْلٍ للتكريمِ ، ولا تَجُوزُ مَحبَّتُهُ ، ولا الإعجابُ بِهِ .
ورَفْعُ الوَضِيعِ ! مِن علاماتِ الساعةِ ، حينما يتكلَّمُ الرُّويبضةُ !
والذيْ يُريدُ أنْ يرفعَ مِنْ شَأنِ السَّفلةِ والساقطينَ يَنْطَبِقُ عَليهِ قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وقَدْ أتاهُ أعرابيٌّ عليه جُبةٌ مِنْ طيالسةٍ مَكْفوفةٍ بديباجٍ ، أو مزرورةٍ بديباجٍ ، فقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إنَّ صاحِبَكُم هذا يُريدُ أنْ يَرْفَعَ كُلَّ رَاعٍ ابنِ رَاعٍ ، ويَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابنٍ فارِس . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ ، وقَالَ الشيخُ شعيبُ الأرنؤوط : إسنادُهُ صحيحٌ .

المسألةُ الثانيةُ : أنَّ الكفارَ يَقولونَ على اللهِ قولاً عظيمًا .
قَالَ سُبحانَهُ عنِ اليهودِ : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالَوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) ، وغيرَ ذلِكَ مِنْ شنيعِ الأقوالِ وقبيحِ الاعتقادِ عندَ اليهودِ .
وقَالَ عنِ النَّصارى : (وَقَالَوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) .

ولذا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ . رَوَاهُ مسلمٌ .
قَالَ الإمامُ مسلمٌ : وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ : إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ ، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
لأنَّ في هذا إظهارًا لِعِزّةِ المسلمِ وذِلّةِ الكافِرِ وصَغارِهِ ، وهذا كما قَالَ تعالى في إذلالِ الكُفَّارِ : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وذلِكَ لأنَّ الكُفرَ ذِلّةٌ ومَهانةٌ ، ويُرادُ إيصالُ تلْكَ الرِّسالةِ إلى الكافِرِ ، لِيحمِلَهُ ذلِكَ على طلَبِ العِزّةِ ، ونَبْذِ الذِّلَّةِ والصغارِ .

والكافِر مُكذِّب لله ولِرسوله صلى الله عليه وسلم ..
والصراني يَزعم أن لله زوجة وولَدا ، ويَزعم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كاذِب !!
قال القرافي : لَمّا أتَى الشيخ أبو الوليد الطرطوشي رحمه الله الخليفةَ بمصر ، وَجَد عنده وزيرا راهِبا وسَلّم إليه قياده ، وأخذ يَسمع رأيه ، ويُنفّذ كلماته المسمومة في المسلمين .
وكان هو ممن يَسمع قوله فيه ، فلما دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده :
يا أيها الملك الذي جُوده ... يطلبه القاصد والراغب
إن الذي شُرِّفت مِن أجله ... يَزعم هذا أنه كاذب
فاشتدّ غضب الخليفة عند سماع الأبيات ، وأمَر بالراهب فَسُحِب وضُرِب وقُتِل ، وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكرمه وعظّمه بعد عزمه على إيذائه . فلما استحضر الخليفة تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو سبب شَرَفِه وشَرَف آبائه وأهل السموات والأرضين - بَعَثَه ذلك على البعد عن السكون إليه ، والمودة له ، وأبعده عن منازل العزّ إلى ما يَليق به مِن الذل والصغار . اهـ .

المسألةُ الثالثةُ : أنَّ اللهَ أبْعَدَ مَنْ أشْرَكَ وكَفَرَ بِهِ ، فكيفَ يُقرَّبُ مَنْ أبعْدَهُ اللهُ ، وكيفَ يُؤتَمَنُ مَنْ خوّنَهُ اللهُ ، وكيفَ يُصدَّقُ مَنْ كذَّبَهُ اللهُ ؟!

حَدَّثَ
عِيَاضُ الأَشْعَرِىّ : أَنَّ أَبَا مُوسَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَدَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَعَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِىٌّ ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَأَى مِنْ حِفْظِهِ فَقَالَ : قُلْ لِكَاتِبِكَ يَقْرَأُ لَنَا كِتَابًا . قَالَ : إِنَّهُ نَصْرَانِىٌّ لاَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ! فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَمَّ بِهِ ! وَقَالَ : لاَ تُكْرِمُوهُمْ إِذْ أَهَانَهُمُ اللَّهُ ، وَلاَ تُدْنُوهُمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللَّهُ ، وَلاَ تَأْتَمِنُوهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . رواه البيهقي .
ولَمّا قيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : إنَّ هَاهُنَا غُلاَمًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ ، لَمْ يُرَ قَطُّ أَحْفَظُ مِنْهُ ، وَلاَ أَكْتُبُ مِنْهُ ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَتَّخِذَهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْك ، إذَا كَانَتْ لَكَ الْحَاجَةُ شَهِدَك . فَقَالَ عُمَرُ : قَدَ اتَّخَذْت إذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ . رواه ابن أبي شيبة .


قَالَ ابنُ حَجَرٍ : وَمِنْ طَرِيقِ عِيَاضِ الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ اِسْتَكْتَبَ نَصْرَانِيًّا فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ ، وَقَرَأَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) الآيَة . فَقَالَ أَبُو مُوسَى : وَاَللَّه مَا تَوَلَّيْتُهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ ! فَقَالَ : أَمَا وَجَدْتَ فِي أَهْلِ الإِسْلامِ مَنْ يَكْتُبُ؟ لا تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ ، وَلا تَأْتَمِنْهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ ، وَلا تُعِزَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ .

فالكافِر لا يُؤتَمن ، ولا يُحبّ مهما كان !
قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أتعلّم له كتابَ يهود ، وقال : إني والله ما آمن يهود على كتابي . قال زيد : فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له . قال : فلمّا تَعَلّمته كان إذا كَتَب إلى يهود كَتَبْتُ إليهم ، وإذا كَتَبُوا إليه قرأتُ له كتابهم . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني .

قال شيخنا العثيمين رحمه الله : موالاة الكفار تكون بِمُناصرتهم ومعاونتهم على ما هُم عليه من الكفر والضلال ، ومُوادتهم تكون بِفعل الأسباب التي تكون بها مودّتهم ، فتجده يوادّهم ، أي : يطلب ودّهم بكل طريق ، وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله ، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليه، وبغضه والبعد عنه .
وقال رحمه الله : ولا ينبغي أبدا أن يَثِق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح ، فإن الله تعالى يقول عنهم : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) .
وقال أيضا : الكفار أعداء الله ورسوله وأعداؤنا أيضا : لا نأمَنهم . اهـ .

المسألةُ الرابعةُ : أنَّهُ لا يَجوزُ إدخالُ اليهودِ والنَّصارى جزيرةَ العربِ ؛ لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لاَ أَدَعَ إِلاَّ مُسْلِمًا . رَوَاهُ مسلمٌ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ .
والنصرانيُّ كافِرٌ مُشْرِكٌ ، فيجِبُ إخراجُ النصارى مِن جزيرةِ العربِ مِنْ جهةِ أنَّهم نَصارى ، ومِنْ جِهَةِ أنَّهم مُشْرِكون .
قَالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ عَنِ النصارى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالَوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
قَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : لاَ أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ المَرْأَةُ : رَبُّهَا عِيسَى ، وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ . رَوَاهُ البخاريُّ .

وفي فتاوى اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميَّةِ والإفتاءِ في المملكةِ :
لا يَجوزُ للمسلمِ أنْ يستخدمَ كافِرا كَخَادِمٍ أو سائقٍ أو غيرِ ذلِكَ في الجزيرةِ العربيةِ ؛ لأنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أوْصَى بإخراجِ المشركينَ مِن هذه الجزيرةِ، ولِمَا في ذلِكَ مِنْ تقريبِ مَنْ أبْعدَهُ اللهُ، وائتمانِ مَنْ خَوَّنه اللهُ ، ولِمَا يترَتَّبُ على الاستخدامِ مِنْ المفَاسِدِ الكثيرةِ . اهـ .
وقَالَ شيخُنا العلامةُ الشيخُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ عنْ استقدامِ الكُفارِ مِنْ أجلِ العَملِ : فهذا أمْرٌ لا يَجوزُ، لِمَا في ذلِكَ مِن تقريبِ مَنْ أبعدَهُ اللهُ ، وائتمانِ مَنْ خَوَّنَهُ اللهُ . اهـ .

وذَكَر شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله ما يدلّ على عداوة الكفّار للمسلمين ، ثم قال : والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل دلالة صريحة على وجوب بُغض الكفار من اليهود والنصارى وسائر المشركين ، وعلى وجوب مُعاداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده ، وتدل أيضا على تحريم مَودّتهم وموالاتهم ، وذلك يعني بُغضهم والحذَر مِن مكائدهم ، وما ذاك إلاّ لِكفرهم بالله ، وعدائهم لدينه ، ومعاداتهم لأوليائه وكيدهم للإسلام وأهله . اهـ .

المسألةُ الخامسةُ : لا يَجوزُ مَدْحُ الكُفّارِ وإنْ وُجِدتْ عندَهم بعضُ الصِّفَاتِ الجميلةِ ، وذلك لِعِدّةِ اعتباراتٍ :

الاعتبارُ الأولُ : أنَّ ما عِندَهُم مِنَ السوءِ يَغْلُبُ على ما عِنْدَهُم مِنَ الْحُسْنِ . وسأذْكُرُ لذلِكَ أمْثِلَةً :
- ما عِنْدَهُمْ مِنْ ارتكابِ الفواحشِ ، مِمَّا لا يُعَدُّ ولا يُحصى .
- ما عِنْدَهُمْ مِنَ الاعتداءِ البدنيِّ والجنسيِّ !
- ما عِنْدَهُمْ مِنَ التقاطُعِ ، حتى أصبحَ الوفاءُ عِندَهُم عُملةً نادرةً ! ولا أدلُّ على ذلِكَ مِنَ انتشارِ صُحبةِ الكلابِ ، لِمَا تتميّزُ بِهِ مِنْ وفاءٍ ! فُقِدَ في المجتمعاتِ الغربيَّةِ !
- ما عِنْدَ الكُفارِ اليومَ مِنْ حوادثِ الانتحارِ التي أصبحتْ تَضْرِبُ أرقاما خياليَّة .
- ما عِنْدَهُمْ مِنْ ظُلْمٍ لِغَيْرِهِم ، سواءً كَانَ ذلِكَ في داخِلِ مُجْتعماتِهم – كالتفرقةِ العنصريَّةِ – أو لِغيرِهِم ، مِمَّا هُوَ مُشاهَدٌ لا يُنكرِهُ الأصمُّ ولا الأعْمى !
- واليهودُ والنَّصارى مِنْ أقْذَرِ الناسِ ! فإنَّهُ لا يَختَتِنُونَ ، ولا يَتَنَزَّهُونَ عَنْ بَولٍ ، ويأكْلُونَ الخنْزِيرَ والْمَيْتةَ !


ولذا نَهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ التَشبُّهِ باليهودِ في جَمْعِ الأقذارِ داخِلِ البيوتِ ، فقَالَ : نظفوا أفنيتِكِم ولا تشَبَّهوا باليهودِ تَجمعُ الأكباءَ في دورِها . رَوَاهُ الترمذيُّ وغيرُهُ ، وحَسَّنَه الألبانيُّ .

قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رَحِمَهُ اللهُ : النصارى لا يُوجِبُونَ الطهارةَ مِنَ الجنابةِ ، ولا الوضوءَ للصلاةِ ، ولا اجتنابَ النجاسةِ في الصلاةِ ، بل يَعُدُّ كثيرٌ مِنْ عُبَّادِهِم مباشرةَ النجاساتِ مِنْ أنواعِ القُرَبِ والطاعاتِ ! حَتى يُقَالَ في فضائلِ الراهبِ : له أربعونَ سَنةً ما مَسَّ الْمَاءَ ! ولهذا تَرَكوا الْخِتانَ ، مع أنَّهُ شَرْعُ إبراهيمَ الخليلِ عليه السَّلامُ وأتْبَاعِهِ ... والنصارى ليسَ عِندَهُم شيءٌ نَجِسٌ يَحْرُمُ أكْلُهُ ، أو تَحْرُمُ الصلاةُ مَعَهُ . اهـ .

والنّصارَى اليوم ممن يُزعَم أنهم أهل التطوّر والحضارة : يَبول أحدهم كما يبول الكلب ، ولا يَتطهّر مِن نجاسة ! وهذا مُشاهَد حتى في الأماكن العامة !
يَستحلّون الخمر والخنِزير ، ويأكلون الميتة ! فأي فَرْق بين غربيّ وجاهِليّ مِن أهل الجاهلية الأولى ؟!
بل والله إن لدى أهل الجاهلية الأولى مِن الأخلاق والأعراف والقِيَم ما ليس لدى الغرب في زماننا هذا !!

وقَد زَعَمَ قومٌ أن عند النصارى بقيّة أخلاق ، وهذا مردود مِن وجهين :
الأول : أن أهل الجاهلية كان عندهم بقية أخلاق ، مِن حِفْظ الجِوار ، وتعظيم الْحَرَم ، وحفظ العهد والذمّة ، وغيرها مِن الأخلاق ، ومع ذلك ذمّهم الله عزّ وجَلّ .
الثاني : أنه لا يُسلَّم بِوجود تلك الأخلاق حقيقة ، ولو وُجِدَتْ ، فإنه يُقابِلها مِن الأخلاق المذمومة أضعاف أضعاف تلك الأخلاق !

قَالَ شيخُنَا الشيخُ ناصِرُ العَقْلُ حَفِظَهُ اللهُ : لا نُسلِّمُ بأنْ تِلَكَ الأخلاقَ الحميدةَ تُوجَدُ فعلا بينَ الكُفّارِ ، كما يُصوِّرُها المعجَبُونَ ! لَكِنَّها مَظاهِرٌ تُوجَدُ في حالاتٍ ، وفي أفرادٍ، وما يَشْهَدُ الواقِعُ بِهَ أنَّ الكُفّارَ الآن عامةُ أخلاقِهِمِ فاسدةً وخبيثةً ، ويكْثُرُ بينَهُم الحسدُ والغَدْرُ والخيانةُ ، والبغيُ والفسادُ ، والكَذِبُ والفجورُ ، وغيرُها مِنَ الرَّذائلِ والفسادِ الأخلاقيِّ ، الذي يتذمّرونَ مِنْهُ هُمْ ! ويُقلِقُ مُفكِّريهم وعُقلاءَهُم ومُلصحيهِم . اهـ .

الاعتبارُ الثاني : أنَّ مَادِحَ الكفّارِ يَغفَلُ عَنْ سُوءِ بَواطِنِهِم التي ذمَّها اللهُ في كِتابِهِ . قَالَ الشيخُ الشنقيطيُّ رَحِمَهُ اللهُ : وبَصائرُ الكُفارِ والمنافقينَ في غايةِ الضَّعفِ . فَشِدّةُ ضَوءِ النورِ تزيدُها عَمًى ، وقد صَرّحَ تعالى بهذا العَمَى في قولِهِ : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعْمَى) ، وقولِهِ : (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِير) ، إلى غيرِ ذلِكَ مِنَ الآياتِ . اهـ .

ومَا عِنْدَ المسلمينَ مِنْ خَيرٍ وتراحمٍ وتعاطفٍ وتكاتفٍ ، لا يُنكرُهُ إلاّ مُعانِدٌ ، وإنْ وُجِدَ عِنْدَهُمْ بعضُ التخاصُمِ ، أو التخلّفِ عنْ رَكْبِ الحضارةِ الماديَّةِ ، إلاّ أنَّ أخلاقَ المسلمينَ في هذا أرفعُ مقاما وأعلى شأنا ، وهذا ما يَعْتَرِفُ به عُقلاءُ ومُنصِفُو الغربِ ، حتى تمنّى كثيرٌ مِنْهُم أنْ لَو وُلِدَ في بلادِ الإسلامِ !
وهذا الأمرُ قديمٌ فِيهِم .
قَالَ الأميرُ أسامةُ بنُ مُنقذٍ - وكان مِمَنْ عاصَر الصليبينَ أثناءَ الحروبِ الصليبيَّةِ - :
والإفرنجُ - خذلَهُم اللهُ – ما فيهِمْ فضيلةٌ مِنْ فضائلِ الناسِ سِوى الشجاعةِ .
وذَكَر قِصصا مِن غَدْرِهِم وخيانَتِهم .

الاعتبارُ الثالثُ : أنَّ مادِحَ الكُفارِ اليومَ كَمَادِحِ أبي جَهلٍ وكُفارِ قريشٍ ! فإنَّ القومَ كانَ لديهِم بقيةُ أخلاقٍ حميدةٍ ، مِثلُ : الوفاءِ بالعهدِ ، وحِفظِ الجِوارِ والذِّممِ ، وتعظيمِ الْحَرَمِ ... إلى غيرِ ذلِكَ ، إلاّ أنَّ تلكَ الخِصالَ الحميدةَ لا تُقابِلُ ما عِندَ القومِ مِن ظُلمٍ وجَوْرٍ وكُفرٍ !

الاعتبارُ الرابعُ : أنَّ الْمَدْحَ لا يأتي مِن فراغٍ ، وإنَّما يأتي مِنْ إعجابٍ كامِنٍ في نفوسِ المادِحينَ الْمُعجَبِينَ بالغربِ ، وهذا نتيجةُ الانبهارِ بالحضارةِ الغربيَّةِ ، وَصَدَقَ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ إذْ يقولُ : وهذِهِ العقولُ الضِّعافُ إذا صادَفَها الباطِلُ جَالَتْ فيه وصَالتْ ونَطَقتْ وقَالَتْ ، كما أنَّ الخفّاشَ إذا صادَفَه ظلامُ الليلِ طارَ وسارَ !

الاعتبارُ الخامِسُ : أنَّ قائلَ ذلِكَ القولِ قد شَابَهَ اليهودَ في قولِهِ ، كما أخبرَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ عنهُمْ بِقولِهِ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) .

والثناءُ على الكُفارِ مَزْلَقٌ خطيرٌ .
فإنَّه لا يُثني على الكُفارِ إلاّ مَن أُعجِبَ بِهِم ، ولا يُعجَبُ بِهم إلاّ ضعيفُ العقلِ والدِّينِ.
قَالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ عنِ المنافقينَ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) .
قَالَ شيخُنا العلامةُ الشيخُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ : ومَن أثنى عليهِم [يعني: الكُفَّارَ] ومَدَحَهُم وفَضَّلَهم ُعلى المسلمينَ في العَمَلِ وغيرِهِ ؛ فإنَّهُ قد أتى إثْمًا عَظيما ، وأساءَ الظنَّ بإخوانِهِ المسلمينَ . اهـ .

المسألةُ السادسةُ : أنَّ الإعجابَ بالكافِرِ لاعِبًا كانَ أو غيرَهُ ، إنَّما هو إعجابٌ بشخصِهِ لا بِلعبِهِ ، لا كما يَزعُمُ بَعضُهُم !
وكَذَبَ مَنْ يَقولُ : إنِّي مُعجَبٌ بِلَعِبِ اللاعبِ ، لا بِشَخْصِهِ ؛ بِدليلِ : أنهم يَحمِلونَ صُوَرَ اللاعبِ ، ويُعلِّقونَها ، ويَلْبَسُونَ ملابِسَ فيها اسْمُهُ وَرَقمُهُ الرياضيّ ، ويأتونَ بِها حتى في المساجدِ ، وهذا وَلاءٌ ومَحَبةٌ وإعجابٌ قادَ إلى التَّشبُّهِ !
قَالَ الإمامُ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ :
فكيفَ تطيبُ نَفْسُكَ بالتَّشَبِّهِ بقومٍ هذه صِفتُهُم ، وهُمْ حَطَبُ جَهَنَّمٍ ؟! وأنتَ تَتَشبَّهُ بأقْلَفٍ ! عابدِ صليبٍ ! اهـ .
والأقلفُ هُوَ الذي لم يُخْتَنْ .

وقد سُئلَ علماؤنا في اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميَّةِ والإفتاءِ هذا السؤالَ :
ما حُكمُ لِبسِ الملابسِ الرياضيةِ التي تَحمِلُ شِعاراتٍ خاصَّةٍ بِالكُفارِ ، مثلُ الفنايلِ الرياضيَّةِ التي عليها شعاراتُ إيطاليا أو ألمانيا أو أمريكا ، أو التي مكتوبٌ عليها أسماءَ بعضِ اللاعبينَ الكُفَّارِ ؟
فأجابَ علماؤنا :
الملابِسُ التي تَحْمِلُ شعاراتِ الكفارِ فيها تفصيلٌ كما يلي :
1 - إنْ كانتْ هذِهِ الشِّعاراتُ تَرمزُ إلى دياناتِ الكُفَّارِ كالصَّليبِ ، وَنَحوِهُ ، ففي هذِهِ الحالةِ لا يَجوزُ استيرادُ هذه الملابِسِ ولا بيعُها ولا لِبسُها .
2 - إنْ كانتْ هذِهِ الشِّعاراتُ ترمزُ إلى تعظيمِ أحدٍ مِنَ الكُفارِ بِوَضْعِ صورتِهِ أو كِتابَةِ اسمِهِ ونَحو ذلِكَ فَهِي أيضا حَرامٌ .
3 - إذا كانتْ هذِهِ الشِّعاراتُ لا تَرمُزُ إلى عبادةٍ ولا تَعظيمِ شَخْصٍ ، وإنَّما هِيَ علاماتٌ تِجاريَّةٌ مُباحةٌ ، وَهِيَ ما يُسْمَّى بالماركاتِ فلا بَأسَ بِهَا . اهـ .

وَينبَغِي التفريقُ بينَ ذِكْرِ ما عِندَهُم مِنْ جَميلِ صِفاتٍ مِنْ بابِ الإنصافِ ، وبينَ مَدحِهِم بَسبَبِ ذلِكَ والإعجابِ بِهِم ؛ فالأولُّ مَطلوبٌ ؛ لأنَّ الْمُسلِمَ يَجَبُ أنْ يكونَ مُنصِفا حتى مَعَ أعدائهِ ، كَمَا قَالَ تعالى : (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
كَمَا يَنبغي التفريقُ بينَ حُسْنِ الْمُعاملةِ معَ الكافرِ غيرِ المْحُارِبِ ، وبينَ الولاءِ والْمَحَبَّةِ والإعجابِ ؛ فإنَّ حُسْنَ الْمَعاملةِ إنَّما يكونُ بالجوارحِ ، والولاءُ والمحبَّةُ والإعجابُ نابِعٌ مِنَ القلبِ .
والنوعُ الأولُ هوَ الذي قَالَ اللهُ فيهِ : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)
والنوعُ الثاني هوَ الذي قَالَ اللهُ فيهِ : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وقَالَ فِيهِ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) وغيرَها مِنَ الآياتِ .

وقَدْ استدَلَّ بَعضُهُم على الإعجابِ بِلعبِ اللاعبِ الأجنبيِّ بِمشاهدةِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا للأحباشِ وَهُم يَلعبونَ في المسجدِ
وهذا استدلالٌ ضعيفٌ بَلْ باطِلٌ ، لأنَّ لَعِبَ الأحباشِ في المسجِدِ ، إنَّما كانَ في يومِ عِيدِ، ولم يكونوا كُفارا ، إذ كيفَ يَحتَفِلُ الكافرُ بِعيدِ المسلمينَ ؟!

ثمَّ لوِ افترَضْنا ذلِكَ : فإنَّ واقِعَ الرياضةِ اليومَ ليس مِثْلُ الفُرْجَةِ في وقتٍ قَصيرٍ على قَومٍ لَعِبوا بأدواتِ الْحَرْبِ والقتالِ !
فأولئكَ الأحباشُ قومٌ لَعِبوا بأدواتِ القِتالِ في يومِ عيدٍ ! ولم يلعبوا كُرَةً طيلةَ العامِ !
ولا صُرِفَتْ عليهِم ومِنْ أجلِهِم الأموالُ الطائلةُ !
قَالَ الإمامُ النوويُّ : وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى : " يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ" فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِالسِّلاحِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلاتِ الْحَرْبِ فِي الْمَسْجِدِ، ويلتحقُ بِهِ ما في مَعْنَاهُ مِنَ الأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْجِهَادِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ . اهـ .

الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ الذي جَعَلنا مِن أهلِ الإسلامِ ، لا نَعبدُ الأشخاصَ ولا نطوفُ بالأصنامِ .
والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَن جاءَ بِالحكمةِ والقُرآنِ .
وعلى آلِهِ وأصْحابِهِ والتَّابعينَ لَهُم بإحسانٍ .

أيُّها الكِرامُ :
إنَّ اللاعِبَ الأجنبيَّ الكافِرَ لو أُقِيمَ في سُوقِ الإسلامِ ، ووُزِنَ بِمِيزانِ الشَّريعَةِ ؛ لَمَا سَاوَى الحذاءَ الذي يَلْبَسُهُ !
فكيف تُصْرَفُ عَليهِ وعلى أشباهِهِِ الأموالُ الطائلةُ في الوقْتِ الذي لا يَجِدُ بَعْضُ فقراءِ المسلمينَ ما يَسُدُّ جوعَتَهُم ، أو يَكسو عُريَّهَم ، ولا يَجِدُ المقاتِلونَ ثمنَ السلاحِ لِيدفعوا عنْ أنْفُسِهِم الظلمَ والقَتْلَ .
والإنسانُ ليسَ حُرَّ التَّصرفِ في مالِهِ كما يَشاءُ .
وقدْ توعَّدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الذين يتخوّضونَ في مالِ اللهِ بِغيرِ حقٍّ ، فقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِنَّ رِجَالا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ . رَوَاهُ البخاريُّ .
وذلِكَ لأنَّ المالَ مالُ اللهِ عزَّ وَجَلّ .
قَالَ اللهُ تباركَ وتعالى : (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) فَنَسَبَ المالَ إلى نفسِهِ تبارَكَ وتعالى .
والنَّاسُ مُسْتَخْلَفونَ فيما في أيديهِم مِنْ أموالٍ .
قَالَ اللهُ تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) . قَالَ القُرطِبيُّ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالِكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا أَنْتُمْ فِيهَا إِلاّ بِمَنْزِلَةِ النُّوَّابِ وَالْوُكَلاءِ، فَاغْتَنِمُوا الْفُرْصَةَ فِيهَا بِإِقَامَةِ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تُزَالَ عَنْكُمْ إِلَى مَنْ بَعْدَكُمْ . اهـ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ . رَوَاهُ مسلمٌ .

فَالْمالُ في الحقيقةِ مالُ اللهِ عزَّ وَجَلّ ، ولِذلِكَ يُحْجَرُ على الإنسانِ إذا أساءَ التَّصرفَ في المالِ .
وفي مثلِ ذلِكَ البذلُ للأموالِ على اللاعبِ الكافِرِ وعلى استقدامِ الأنديةِ الكافِرَةِ ، وبَذْلِ الأموالِ الطائلةِ على اللاعبينَ والمدرِّبينَ عموما ؛ إنَّما هُوَ سَـفَـهٌ !

والفقهاءُ يُوجِبونَ الْحَجَرَ على السَّفِيهِ الذي يتصرّفُ في مالِهِ بِغيرِ وَجْهِ حَقّ
قَالَ البُهُوتيُّ في " شرحِ منتهى الإراداتِ " : ويُعْتَبَرُ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لا فَائِدَةَ فِيهِ ، كَحَرْقِ نِفْطٍ يَشْتَرِيهِ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ صَرْفِهِ فِي حَرَامٍ كَقِمَارٍ وَغِنَاءٍ ، وَشِرَاءِ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ ، كَآلَةِ لَهْوٍ وَخَمْرٍ ؛ لأَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ سَفِيهًا مُبَذِّرًا ، وَقَدْ يُعَدُّ الشَّخْصُ سَفِيهًا بِصَرْفِهِ مَالَهُ فِي الْمُبَاحِ، فَفِي الْحَرَامِ أَوْلَى . اهـ .
وإن العاقِلَ ليَوْجَلُ ويَخافُ مِنْ مثلِ ذلك التبذيرِ ، أن تَحِلَّ بِنا عُقوبةُ كُفرانِ النِّعَمِ .

عبادَ اللهِ :
قدْ يقولُ قائلٌ : إنَّ النصارى اليومَ ليسوا نصارى على الحقيقةِ ، بل هُمْ أقربُ إلى الإلحادِ .
فأقولُ : هذا غيرُ صحيحٍ ، فإنَّ الغَالِبَ فيهِم اعتقادُ عقائدِ النصارى في التثليثِ ، وصَلْبِ المسيحِ ، وغيرِها مِنَ العقائدِ الفاسِدَةِ ، التي جَاء ذِكْرُها في القرآنِ ، كقولِهِ تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالَوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) ، وقولِه : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالَوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) والنَّصارى الموجودون اليومَ هُم امتدادٌ للنصارى الذينَ نَزَلَ القُرآنُ بتكفيرِهِم .
ولذا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ . رَوَاهُ مسلمٌ .

وشتّانَ بينَ موقفينِ :
مَوقِفُ فئامٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ استقبالِ الكفارِ والفرحِ بالتصويرِ معهم ، واستضافتِهِم وتكريمِهِم ، والإغداقِ عليهم ، مَعَ موقِفِ علماءِ نَجْدٍ قبلَ تسعينَ عاما حينما قَدِمَ "فلبي" ولَمْ يَكُنْ مَحَلَّ تكريمٍ ولا بُذِلتْ لَهُ الأموالُ ، ولا وَجَدَ حفاوةً ، إلاّ أنَّهُ أُسْكِنَ في بيتٍ أرفَعُ مِنْ بيوتِ المسلمينَ التي حولَهُ ، فكانَ الشيخُ سَعدُ بنُ عتيقٍ يُذَكِّرُ الناسَ في السوقِ ، ثمَّ قامَ على قَدميهِ وَرفَعَ صوتَهُ وهُوَ يَبكِي فقَالَ: يُنْزَل النصرانيُّ في بيتٍ أرفَعُ مِنْ بيوتِ المسلمينَ التي حولَهُ؟! وأزعجَ الناسَ .
كَانَ ذلِكَ في عَصْرٍ وُصِفَ – كما في الدُّرَرِ السَّنِيَّة - بأنَّ " الغيرةَ الدينيةَ ضَعُفَتْ مِنَ الأكثرِ، بِسببِ القادمينَ مِن بلادِ الخارجِ، والتابعينَ لَهُم، فجاؤوا إلى شجرةِ لا إلَهَ إلا اللهُ، التي جاء بِها وغَذَاها الْمُصْلِح، وأيَّدَها بِسَيْفِهِ الناصِرِ للدِّينِ، ليقتلِعُوها مِنْ وَطَنٍ ازدهرتْ فيه بُرهةٌ مِنَ الزَّمنِ " . فاللهُ المستعان .
ربَّنا لا تؤاخِذْنا بِما فَعَلَ السُّفهاءُ مِنَّا .

أُلْقِيَت في محرم 1434 هـ

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جمعة عن .. (التعرف على الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 13-05-2016 09:51 PM
خُطبة جمعة .. يا صاحب الهمّ نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 10-12-2015 02:42 AM
خُطبة جمعة عن .. (تعظيم السنة) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 28-11-2015 11:58 PM
خُطبة جمعة عن .. (اتِّباع الهوى) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-12-2014 11:06 PM
خُطبة جمعة عن (التحذير من التدخين) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-11-2014 08:28 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 07:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى