[عبد الرحمن السحيم]

السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
إحداهن تقول إنها كانت عاصية لأوامر الله ومرتكبة للمعاصي والكبائر والعلاقات المحرمة مع الرجال ، كانت رخيصة لم تكن تشعر بآدميتها كانت محتقرة من الناس والذين يعرفونها بالرغم أن الله كرم المرأة في الإسلام ، ولكن تابت لله ، ومشكلتها أن سمعتها السيئة لازالت تلاحقها في كل مكان والناس يذكرون ماضيها السيئ ، وهي متألمة تقول كيف أن الله يغفر الذنوب ويقبل التوبة والناس لا ينسون ويجرحونها بالكلام القاسي ويذكرونها بماضيها ، فماذا تفعل ؟
وفقكم الله

سمعتها السيئة تلاحقها في كل مكان رغم توبتها . فماذا تفعل ؟

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

لا يجوز تعيير أحد بِذنْب تاب مِنه ؛ لثلاثة أسباب :
الأول : أن تعييره بالذَّنْب عَون للشيطان عليه ، وأذى مُسلم قد تاب مِن الذَّنْب .
الثاني : ما في التعيير مِن التعالي وتزكية النفس .
الثالث : ما يُخشَى معه مِن رُجوع التعيير على صاحبه . قال ابن القيم : مَن ضَحِك من النَّاس ضُحِك مِنْهُ ، وَمن عَيَّر أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلا بُدّ . اهـ .

وكان السَّلَف يأمرُون العُصاة بالستر والاستتار .
قال أبو بكرِ الصدّيق رضي الله عنه لِماعِز الأسلمي رضي الله عنه : استَتر بِسِتر الله ، وتُب إلى الله ، فإن الناس يُعيّرون ولا يُغيّرون ، والله يَقبل التوبة عن عباده . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .

وقال ميمون بن مهران : مَن أساء سِرّا فليَتُب سِرّا ، ومَن أساء علانية فليَتُب علانية ، فإن الله يَغفر ولا يعير ، والناس يُعيّرون ولا يَغفرون !

قال الإمام البخاري : بَابٌ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْر.
ثم رَوَى بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بِسكران ، فأمَر بِضَرْبه ؛ فَمِنّا مَن يَضْربه بِيدِه ، ومِنّا مَن يَضْربه بِنَعْله ، ومِنّا مَن يَضْرِبه بِثَوبه ، فلما انصرف قال رجل : ما له أخزاه الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا عَون الشيطان على أخيكم .
قال ابن حجر في حُكم لعن شارِب الخمر : وَصَوَّبَ ابْنُ الْمُنِيِّر أَنَّ الْمَنْعَ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ ، وَالْجَوَازَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ؛ لأَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ زَجْرٌ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَفِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ أَذًى لَهُ وَسَبٌّ ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ . اهـ .

وقد يَكون هذا التعيير وما يُصيبها مِن ألَم تكفير لِسيئاتها ، ومغفرة لِذنوبها ؛ فإن المسلم مأجور على كل ما يُصيبه ، ومُكفَّر عنه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يُصيب المسلم مِن نَصب ولا وَصَب ، ولا هَمّ ولا حزن ، ولا أذى ولا غَم ، حتى الشوكة يُشاكها ، إلا كَفَّر الله بها من خطاياه . رواه البخاري ومسلم .

قال الإمام البخاري : باب ما جَاء في كَفَّارة الْمَرَض ، وقَول الله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) ، ثم رَوى حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مَا مِن مُصِيبَة تُصِيب الْمُسْلِم إلاَّ كَفّر الله بِهَا عنه حتى الشَّوكَة يُشَاكها .

ويُقال لِمَن يُعيِّرون العصاة بعد التوبة : لا تكونوا عَون الشيطان على أخيكم ، أوْ على أختِكم ، واحمدوا الله على العافية .

قال عمر الفاروق رضي الله عنه : إذا رأيتم أخاكُم زَلّ زلّة ، فقوِّموه وسَدِّدوه وادعوا الله أن يتوب عليه ، ويُراجع به إلى التوبة ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا رأيتم أخَاكُم قارَف ذَنبا فلا تكونوا أعوانا للشيطان عليه ، تقولوا : اللهم أخزِه ، اللهم الْعَنه ، ولكن سَلُوا الله العافية ، فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كُنّا لا نَقول في أحد شيئا حتى نعلم علامَ يَموت ، فإن خُتِم له بِخير عَلِمنا أنه قد أصاب خيرا ، وإن خُتِم له بِشرّ خِفْنا عليه . رواه أبو نُعيم في " حلية الأولياء " ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " .

وسبق الجواب عن :
سؤال في حكم مَن أطلق العنان لِلسانه أو يَده في قذف قاتلة الطفل أحمد
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11814

طلقها زوجها بسبب الخيانة وأبناؤها لا يحبونها ، فهل تُقبَل توبتها ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18858

هل الدعاء على المسلم من كبائر الذنوب ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9977

ما حُكم دعاء (اللهم إني استودعتك نفسي) بِنِيّة أن يحفظني الله مِن إساءة الناس ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11858

والله تعالى أعلم .