سمعت في إحدى الفتاوي الصوتية أن الشيخ أو طالب العلم إذا أكل في السوق (بإجماع العلماء) حكمه: "تسقط مروءته و تُرَد شهادته إلاّ في السفر" لكنه لم يعطي الدليل، فموضوع الفتوى الرئيسي كان مختلفآ.
هل هذا صحيح؟ لماذا ترد شهادته؟ لم أفهم!!؟؟
هلاّ وضحت؟ بارك الله فيك و جزاك عنا خير الجزاء.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الجواب/
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبورك فيك ، وجُزيتِ خير الجزاء
هذه المسألة تُعرف عند العلماء بـ " خوارم المروءة " .
وأما دعوى الإجماع فغير صحيحة ، لاختلاف ذلك باختلاف الزمان والمكان والعُرف .
فما يكون من خوارم المروءة في زمان معين لا يكون خارماً لها في زمان آخر
ومثله المكان والعُرف .
والفعل قد يكون مُستساغاً في زمان ولا يكون كذلك في زمان آخر .
أورد الإمام الذهبي في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - هذه الرواية :
روى سعيد بن عبد العزيز عن أبي عبد رب قال : رأيت معاوية يخضب بالصفرة ، كأن لحيته الذهب .
فعقّب عليه بقوله : كان ذلك لائقا في ذلك الزمان ، واليوم لو فُـعِـلَ لاستُهجِـن .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح تبويب البخاري - رحمه الله - : باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ، ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته ، وإلى متى تتبين توبة العاصي .
قال - رحمه الله - : وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ؛ ككثرة المزاح ، واللهو ، وفحش القول ، والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ، ونحو ذلك . انتهى .
ومسألة الأكل على وجه الخصوص قال فيها القرطبي - رحمه الله - في التفسير :
ولا يأكل فيها ( يعني الأسواق ) لأن ذلك إسقاط للمروءة ، وهدم للحشمة ، ومن الأحاديث الموضوعة : الأكل في السوق دناءة . انتهى .
فالصحيح أن ذلك يُرجع فيه إلى العُرف ، إذ المعرف عُرفاً كالمشروط شرطا ، كما هو مُقرر في أصول الفقه .
والعُرف يُرجع إليه في تقدير وتحديد كثير من الأمور التي جعل الشارع تحديدها إلى العُرف أو المعروف .
وعلى سبيل المثال :
لو وقف إنسان - اليوم - يبول في طرف الشارع لـعُـدّ هذا من خوارم المروءة .
ولو خرج إنسان - اليوم - إلى الأسواق مُفتح الأزارير لاستُهجن !
وفي الأول : قال حذيفة - رضي الله عنه - : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم ، فبال قائما ، فتنحّيت ، فقال : أدنه . فدنوت ، حتى قمت عند عقبيه . متفق عليه .
وفي الثاني : حدّث معاوية بن قرة عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه ، وإن قميصه لمطلق الأزرار . قال : فبايعته ، ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم . قال عروة بن عبد الله : فما رأيت معاوية ولا ابنه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حـرّ ، ولا يَزُرّران أزرارهما أبداً . رواه أبو داود ، وقال الألباني : صحيح .
والله أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض