نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : تزكية النفس وما يتعلق بها
افتراضي متى أعرف أن العمل دخل فيه عُجب ، وما هو علاج العُجب ، وهل العُجب يُحبط العمل ؟
قديم بتاريخ : 03-06-2017 الساعة : 09:18 PM


السلام عليكم يا شيخ عندي سؤال بخصوص العُجب :
متى أعرف أن العمل دخل فيه عُجب ، وما هو علاج العُجب ، وكيف أتخلّص مِن وساوسه؟
أريد أعرف كيف يدخَل العُجب في العبادة ؟
وهل إذا قلت هذا من فضل الله بلساني دون استحضار القلب ، هل هذا يعتبر عُجب ؟ وهل العجب يُحبِط العمل ؟
_____________________________________


الجواب :

العُجب بالنفس أو بالعَمل داء يَحمِل على التَّعالي والتَّعاظُم في النفس ، ويَجرّ إلى احتقار الآخَرِين .
وفي وصية لقمان لابنِه : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك ؛ العجب العجب . رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وحسنه الألباني .

قال ابن بطّال : وقد حَرّم الله تعالى عِرض المؤمن كَمَا حَرّم دَمه ومَاله ؛ فلا يَحِلّ الْهُزء والسّخرة بأحد ، وأصْل هذا إعجاب المرء بنفسه وازدراء غيره ، وكان يُقال : مِن العُجب أن تَرى لنفسك الفضل على الناس وتَمْقُتهم ولا تَمْقُت نفسك . اهـ .

وقد ذَكَر الإمام الذهبي قول إبراهيم بن أدهم : ما صَدَق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة .
ثم قال الإمام الذهبي : قلت : علامة المخلِص الذي قد يُحب شُهرة ، ولا يَشعر بها ، أنه إذا عُوتِب في ذلك ، لا يَحْرد ، ولا يبرئ نفسه ، بل يَعترف ، ويقول : رَحم الله مَن أهدى إليّ عيوبي ، ولا يكن مُعجَبا بنفسه ، لا يشعر بعيوبها ، بل لا يشعر أنه لا يشعر ! فإن هذا داء مُزْمِن .
وذَكَر الذهبي قول مُطرِّف بن عبد الله : لأن أبِيت نائما وأُصبح نادِما ، أحب إليّ مِن أن أبيت قائما وأصبح مُعْجَبا .
ثم قال الذهبي : قلت : لا أفلح - والله - مَن زَكَّى نفسه ، أو أعجبته . اهـ .

وفي سَيِّد الاستغفار : الاعتراف بِنِعمة الله على العبد ، والاعتراف بالذَّنْب .
قال عليه الصلاة والسلام : سَيّد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي فاغْفِرْ لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . رواه البخاري .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فَقَوْلُهُ : " أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ " اعْتِرَافٌ وَإِقْرَارٌ بِالنِّعْمَةِ ، وَقَوْلُهُ : "وَأَبُوءُ بِذَنْبِي " إقْرَارٌ بِالذَّنْبِ . وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : إنِّي أُصْبِحُ بَيْنَ نِعْمَةٍ وَذَنْبٍ ؛ فَأُرِيدُ أَنْ أُحْدِثَ لِلنِّعْمَةِ شُكْرًا ، وَلِلذَّنْبِ اسْتِغْفَارًا .
وقال : فَيُقِرُّ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْحَسَنَاتِ ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ هَدَاهُ وَيَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى ، وَيُقِرُّ بِذُنُوبِهِ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَيَتُوبُ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : أَطَعْتُك بِفَضْلِك وَالْمِنَّةُ لَك ، وَعَصَيْتُك بِعِلْمِك وَالْحُجَّةُ لَك ؛ فَأَسْأَلُك بِوُجُوبِ حُجَّتِك عَلَيَّ وَانْقِطَاعِ حُجَّتِي إلَّا غَفَرْت لِي . اهـ .

وقال ابن القيم : رِضا العبد بِطاعته دليل على حُسن ظنه بِنفسه ، وجهله بحقوق العبودية ، وعَدم عمله بما يستحقه الرب جل جلاله ويَليق أن يُعامَل به .
وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله ، وجهله بِرَبّه وحقوقه وما ينبغي أن يُعامَل به : يَتولّد منهما رضاه بِطاعته ، وإحسان ظَنّه بها ، ويَتولّد مِن ذلك مِن العجب والكبر والآفات ما هو أكبر مِن الكبائر الظاهرة من الزنا ، وشرب الخمر ، والفرار من الزحف ونحوها .
فالرضا بالطاعة مِن رُعونات النفس وحَمَاقَتها .
وأرباب العزائم والبصائر أشدّ ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات ، لشهودهم تقصيرهم فيها ، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه ، وأنه لولا الأمر لَمَا أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية ، ولا رَضِيها لِسَيِّدِه . اهـ .

وأما علاج العُجب ؛ فبِاسْتِحضَار ضَعْف النَّفس ، وأن الإنسان لو وُكِل إلى نفسِه لوُكِل إلى ضعف وعجز وعورة !
وأن يَستحضِر مِنّة الله عليه في كل ما يأتي وما يَذَر ، فلولا فضْل الله ومِنّته وتوفيقه لَمَا استطاع العبد أن يَنظِم خَيْطا في إبرة !
ومَن لَم يُوفّقه الله لم يَستطِع أن يُزيل شَوكة فما فوقها !
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الدرهم وعبد الدينار أن تتعسّر عليه أموره ، فقال : تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة ؛ إن أُعْطِي رضي ، وإن لم يُعْط سَخِط ، تَعِس وانْتَكَس ، وإذا شِيك فلا انْتَقَش . رواه البخاري .
ومِن هذا الباب : قول عائشة رضي الله عنها : سَلُوا الله التيسير في كل شيء ، حتى الشِّسْع في النعل ، فإنه إن لم يُيسره الله لم يتيسّر .
وقول أبي سليمان الداراني : مَن لا يسأل الله يَغضب عليه ، فأنا أسأله لِعيالي حتى الْمِلْح !

فالله وحده هو الْموفّق والِمُعِين .
قال ابن القيم رحمه الله : مَشْهَد الْمِنَّة ، وَهُوَ أَن يشْهد أَن الْمِنَّة لله سُبْحَانَهُ كَونه أَقَامَهُ فِي هَذَا الْمقَام وَأَهّلَه لَهُ ووفقه لقِيَام قلبه وبَدنه فِي خدمته ؛ فلولا الله سُبْحَانَهُ لم يكن شَيْء من ذَلِك ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَة يَحدُون بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ :
وَالله لَوْلا الله مَا اهتدينا ... وَلا تَصدّقنا وَلا صَلينَا
فالْمِنَّة لله وَحده فِي أَن جعل عَبده قَائِما بِطَاعَتِهِ ، وَكَانَ هَذَا مِن أعظم نِعَمِه عَليه ، وَقَالَ تَعَالَى : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) ، وَقَالَ : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) .
وَهَذَا المشهد مِن أعظم الْمشَاهد وأنفعها للْعَبد ، وَكلما كَانَ العَبْد أعظم توحيدا كَانَ حَظّه مِن هَذَا المشهد أتَمّ .
وَفِيه من الْفَوَائِد أَنه يَحول بَين الْقلب وَبَين الْعُجْب بِالْعَمَلِ ورؤيته ، فَإِنَّهُ إِذا شَهِد أَن الله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَانّ بِهِ الْمُوفق لَهُ الْهَادِي إِلَيْهِ شَغَله شُهُود ذَلِك عَن رُؤْيَته والإعجاب بِهِ . اهـ .
وقال في إحسان الْخُلُق مع الله :
تَحْسِينُ خُلُقِكَ مَعَ الْحَقِّ. وَتَحْسِينُهُ مِنْكَ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْتِي مِنْكَ يُوجِبُ عُذْرًا، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَأْتِي مِنَ الْحَقِّ يُوجِبُ شُكْرًا، وَأَنْ لَا تَرَى لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ بُدًّا.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ نَاقِصٌ. وَكُلُّ مَا يَأْتِي مِنَ النَّاقِصِ نَاقِصٌ. فَهُوَ يُوجِبُ اعْتِذَارَهُ مِنْهُ لا مَحَالَةَ. فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَذَّرَ إِلَى رَبِّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. أَمَّا الشَّرُّ: فَظَاهِرٌ . وَأَمَّا الْخَيْرُ: فَيَعْتَذِرُ مِنْ نُقْصَانِهِ. وَلا يَرَاهُ صَالِحًا لِرَبِّهِ .
فَهُوَ - مَعَ إِحْسَانِهِ - مُعْتَذِرٌ فِي إِحْسَانِهِ ...
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ : اسْتِعْظَامُ كُلِّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْكَ، وَالاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الشُّكْرَ عَلَيْكَ، وَأَنَّكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِهِ . اهـ .

وأن يتذكّر حال مَن اُعجِب بِنفسه ، وكيف خُذِل وظَهَر ضعفه وعجزه .
أُعجِب قارون بِمالِه ، فَخَسَف الله به وبِدارِه !
وأُعجِب فرعون بِملكه وأن الأنهار تجري مِن تحتِه ، فأجرى الله الماء مِن فَوقه وأغرقه فيه !

قال أحد العلماء : سَلُوني عَمّا دون العرش .
فقالوا : أين أمعاء النّمْلَة ؟
فسَكَت !
وسألُوه : لَمّا حَج آدم ، مَن حَلَق رأسه ؟
فقال : لا أدري !

ويُقابِل هذا : حال الأنبياء والصالحين الذين يَرَون الْمِنّة لله في كل شيء .
قال نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بعد أن حصل له زيادة فضْل على ما هو عليه مِن الملك العظيم : (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) .

ولَمّا نَصَر الله عزّ وَجَلّ نَبِيّه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ومكّنه مِن رِقابهم ، ودَخَل مكة فاتِحًا ، وهو أعظم فَتْح ، دَخَل عليه الصلاة والسلام مُتواضِعا مُتخشّعا .
قال ابن القيم عن فتح مكة ودخول البلد الأمين : دَخَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ ، مُنْحَنِيًا عَلَى فَرَسِهِ ، حَتَّى إِنَّ ذَقْنَهُ تَكَادُ تَمَسُّ سُرُجَهُ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ وَخُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ ، وَاسْتِكَانَةً لِعِزَّتِهِ ، أَنْ أَحَلَّ لَهُ حَرَمَهُ وَبَلَدَهُ ، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ . اهـ .

وأن يَنظر إلى أحوال العلماء الأفذاذ الكِبار ، وهُم يتواضَعون ، ويُكثِرون مِن قول " لا أدري !
قال الشاطبي عن الإمام مالك رحمه الله : والروايات عنه في " لا أدري " و " لا أُحْسِن " كثيرة ، حتى قيل : لو شاء رجل أن يملأ صحيفته مِن قول مَالِك " لا أدري " لَفَعل قبل أن يُجِيب في مسألة ، وقيل له : إذا قُلتَ أنت يا أبا عبد الله " لا أدري " ، فمن يَدري ؟ قال : وَيْحَك ! أعرفتني ومَن أنا ؟ وإيش مَنْزِلتي حتى أدري ما لا تدرون ؟ ثم أخذ يَحْتَجّ بِحديث ابن عمر ، وقال : هذا ابن عمر يقول " لا أدري " ، فمن أنا ؟ وإنما أهلك الناس العُجْب وطلب الرياسة . اهـ .

وكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رحمه الله إِذا خطب على الْمِنْبَر فخاف على نَفسه الْعجب قطعه ، وَإِذا كتب كتابا فخاف فِيهِ الْعجب مَزّقه ، وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ نَفسِي .

قال عتبة بن غزوان رضي الله عنه : أعُوذ بالله أن أكون في نَفْسِي عَظيما ، وعِند الله صَغيرا . رواه مسلم
وقال أبو عمرو بن العلاء : ما نحن فيمن مضى إلاَّ كَبَقْل في أصول نَخل طوال .
وقال رجل للإمام أحمد رحمه الله : بلغني أنك مِن العَرب ؟ فقال : نحن قوم مساكين .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يُكثر أن يقول : أنا الْمُكَدِّي وابن الْمُكَدِّي .. وهكذا كان أبي وجَدّي .

وأما دُخول العُجب على العَمل ؛ فإنه لا يُحبِط العَمَل ، ولكن يُضعف ويُنقِص أجره ؛ لأن المعجَب يَنسب الفَضل لِنفسه .
وهذا مذموم ، ولِذَا عَابَ اللهُ على مَنْ نسَبَ الخيرَ إلى نَفْسِهِ ، فقَالَ عزَّ وَجَلّ : (فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) .
فَكِلا الصِّنفينِ مَذْمُومٌ ؛ مَنْ قَالَ رَبِي أَكْرَمَنِ ، ومَنْ قَالَ ربي أهَانَنِ .
قَالَ ابنُ القيِّمِ عن الصِّنفِ الأول : فَهُوَ قَدِ اعْتَرَفَ بِأنَّ ربَّهُ هُوَ الذي آتَاه ذلِكَ ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لِكرامَتِهِ عَلَيْهِ ؛ فَالآيَةُ عَلَى التقديرِ الأوَّلِ تَتَضَمَّنُ ذَمَّ مَنْ أَضَافَ النِّعَمَ إلى نفسِهِ وعِلْمِهِ وقُوّتِهِ ، ولم يُضِفْها إلى فَضْلِ اللهِ وإحسانِهِ ، وذلِكَ مَحْضُ الكُفْرِ بها ، فإنَّ رَأسَ الشُّكْرِ : الاعترافُ بِالنِّعمَةِ ، وَأَنَّها مِنَ الْمُنْعِمِ وحْدَهُ ، فَإذَا أُضِيفتْ إلى غَيْرِهِ كَانَ جَحْدًا لها ، فإذا قَالَ أوتيتُهُ على ما عِنْدِي مِنَ العِلْمِ وَالْخِبْرَةِ التي حَصَّلْتُ بها ذَلِكَ ؛ فَقَدْ أضافَها إلى نفْسِهِ ، وأُعْجِبَ بِها ، كَمَا أضافَها إلى قُدْرِتِهِ الذين قَالَوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قوةً ؟ فَهؤلاءِ اغترُّوا بِقُوَّتِهم وَهَذَا اغترَّ بِعِلْمِهِ ، فما أغْنَى عَنْ هؤلاءِ قُوّتُهم ، ولا عَنْ هَذَا عِلْمُهُ .
وعلى التقديرِ الثَّاني : يَتضمَّنُ ذَمَّ مَنِ اعتقدَ أنَّ إنعامَ اللهِ عَليْهِ لِكَوْنِهِ أهلا وَمُستحِقًا لها ؛ فَقَدْ جَعَلَ سَبَبَ النِّعمةِ ما قَامَ بِهِ مِنَ الصفاتِ التي يَستَحِقُّ بها على اللهِ أنْ يُنعِمَ عليه ، وأنَّ تِلكَ النِّعْمَةَ جَزاءٌ لَهُ على إحسانِهِ وخيرِهِ ؛ فَقَدْ جَعَلَ سَبَبَهَا ما اتَّصَفَ بِهِ هُوَ ، لا مَا قَامَ بِرَبِّهِ مِنَ الجودِ والإحسانِ والفضْلِ والْمِنَّةِ ، وَلَمْ يعلَمْ أنَّ ذلِكَ ابتلاءٌ واختبَارٌ لَهُ : أيشْكُرُ أم يَكْفُرُ ؟ لَيْسَ ذلِكَ جَزاءً عَلَى ما هُوَ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ ذلِكَ جزاءً عَلَى عَمَلِهِ أو خيرٍ قَامَ به ، فاللهُ سُبحانَهُ هُوَ الْمُنْعِمُ عليه بذلِكَ السببِ ، فَهُوَ الْمُنْعِمُ بِالْمُسَبِّبِ والجزاءِ والكُلُّ مَحْضُ مِنّتِهِ وفضلِهِ وجودِهِ وَلَيْسَ للعبدِ مِنْ نفْسِهِ مثقَالُ ذرةٍ مِنَ الْخَيْرِ .
وعلى التَّقديريْنِ ؛ فَهُوَ لَمْ يُضِفِ النِّعْمَةِ إلى الرَّبِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وإنْ أَضَافَهَا إليه مِنْ وجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ هُوَ الْمُنْعِمُ مِنْ جَميعِ الوجوهِ على الحقيقةِ بِالنِّعَمِ وأَسْبَابِها. اهـ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم : كَثِيرًا مَا كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : تَوْفِيقٌ قَلِيلٌ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ كَثِيرٍ .

ويَعرِف الإنسان أن العُجب دَخَل عَمَله : إذا ظنّ أنه عَمِل ذلك العَمل بِجهده وقوّته ، أو ظنّ أنه أدرك ذلك بِذكائه وفِطنته ، ونحو ذلك ، أوْ لم يَستحضِر حَول الله وقوّته في ذلك العمل .
ولذا شُرِع لنا أن نُكثِر مِن قول : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ؛ فإن مَعناها : أن يَبرأ الإنسان مِن حَولِه وقوّته إلى حَول الله وقوّته .

وقد يُستَدرَج الإنسان بالتوفيق لأعمَال أو أقوال أو أحوال ؛ لا يُوفّق لها كثير مِن الناس ، ويكون ذلك اختبار له : هل يَظنّ أنه بِحوله وقوّته ، أو يَبرأ مِن حَولِه وقوّته إلى حَول الله وقوّته ، ويَنسب كل خير وتوفيق وفَضل إلى الْمُنعِم المتفَضّل سبحانه وتعالى .

وسبق الجواب عن :
تنظُر إلى عبادتها بأنها أفضل مِن غيرها . هل بهذا قد حَبط عملها ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11224

يُصيبني العُجب كلما شاركت بنصيحة في المنتديات ، فكيف أتخلّص مِن الرياء ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15641

خُطبة عن التوفيق
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13471

لن تَنَالُوا هَذا الأمْر بِالْمُغَالَبَة
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9259

كيف أعرف أني مخلصة لله في طلب العلم وفي جميع أعمالي ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14526

كيف أكون من المخلصين ، ولا يدخل في نفسي شيء مِن العُجب ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9683


والله تعالى أعلم .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يُصيبني العُجب كلما شاركت بنصيحة في المنتديات فكيف أتخلّص مِن الرياء ؟ نسمات الفجر تزكية النفس وما يتعلق بها 0 24-10-2016 11:31 PM
كيف أعرف أني مخلصة لله في طلب العلم وفي جميع أعمالي ؟ همة داعية قسـم العقـيدة والـتوحيد 1 27-05-2016 02:19 PM
كيف أكون من المخلصين ، ولا يدخل في نفسي شيء مِن العُجب ؟ نبض الدعوة قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 01-10-2012 06:53 AM
ادارة العمل قلصت ايام العمل فما حكم الراتب الذى احصل عليه ؟ ناصرة السنة قسـم الفتـاوى العامـة 0 24-02-2010 02:18 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:41 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى