عرض مشاركة واحدة

ناصرة السنة

مشرفة عامة


رقم العضوية : 46
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 3,214
بمعدل : 0.62 يوميا

ناصرة السنة غير متواجد حالياً عرض البوم صور ناصرة السنة


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم الفتـاوى العامـة
افتراضي ما حكم إلقاء السلام على مجاهر بالمعصية ؟
قديم بتاريخ : 17-11-2012 الساعة : 10:07 PM


السؤال
فضيلة الشيخ حفظكم الله
ما حكم إلقاء السلام على مجاهر بالمعصية ، كأن أسير في الطريق فأمر على شاب يمشي مع فتاة أجنبية أو رجل يسير في الطريق مدخناً أو رجل يستمع الغناء بصوت جهوري فهل ألقي على أمثال هؤلاء السلام أم أنصرف من غير إلقاء ؟
وجزاكم الله خيراً




الجواب :
وجزاك الله خيرا ، وحفظك الله ورعاك .

أما إلقاء المرأة السلام على الرَّجُل الأجنبي عنها ؛ فقد فَرَّق العلماء بين المرأة الشابّة وبين المرأة الكبيرة في ردّ السلام والتشميت !
قال ابن مُفلح : قَالَ ابْنُ تَمِيم : لا يُشَمِّتُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ .
وَقَالَ السَّامِرِيُّ : يُكْرَهُ أَنْ يُشَمِّتَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ ، وَلا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعَجُوزِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعُبَّادِ ، فَعَطَسَتْ امْرَأَةُ أَحْمَدَ ، فَقَالَ لَهَا الْعَابِدُ : يَرْحَمُكِ اللَّهُ ! فَقَالَ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ : عَابِدٌ جَاهِل ! . اه .

فلا يُشرع للفتاة أن تُسلِّم على رجُل أجنبي عنها ؛ لأن الحي لا تُؤمَن عليه الفِتنة .

أما بالنسبة للرِّجَال ؛ فهل يُشْرَع إلقاء السلام على المجاهِر بالمعصية أو لا ؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الْهَجْرُ الشَّرْعِيُّ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : بِمَعْنَى التَّرْكِ لِلْمُنْكَرَاتِ .
وَالثَّانِي : بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا . فالنَّوْعُ الثَّانِي : الْهَجْرُ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ ، وَهُوَ هَجْرُ مَنْ يُظْهِرُ الْمُنْكَرَاتِ ، يُهْجَرُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا ، كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ : الثَّلاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ ، حِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَلَمْ يَهْجُرْ مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا ، فَهُنَا الْهَجْرُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ . وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ ...
وَهَذَا الْهَجْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْهَاجِرِينَ فِي قُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ ، وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زَجْرُ الْمَهْجُورِ وَتَأْدِيبُهُ ، وَرُجُوعُ الْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِ حَالِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ رَاجِحَةً بِحَيْثُ يُفْضِي هَجْرُهُ إلَى ضَعْفِ الشَّرِّ وَخِفْيَتِهِ كَانَ مَشْرُوعًا، وَإِنْ كَانَ لا الْمَهْجُورُ وَلا غَيْرُهُ يَرْتَدِعُ بِذَلِكَ بَلْ يُزِيدُ الشَّرَّ ، وَالْهَاجِرُ ضَعِيفٌ بِحَيْثُ يَكُونُ مَفْسَدَةُ ذَلِكَ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يَشْرَعْ الْهَجْرُ ؛ بَلْ يَكُونُ التَّأْلِيفُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعَ مِنْ الْهَجْرِ ، وَالْهَجْرُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعُ مِنْ التَّأْلِيفِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفُ قَوْمًا ، وَيَهْجُرُ آخَرِينَ . اه .

وقال ابن مفلح في " الفروع " : مَنْ جَهَرَ بِمَعْصِيَةٍ مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ إسْلامِهِ ؛ فَهَلْ يُسَنُّ هَجْرُهُ ، أَمْ يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ ، أَمْ مُطْلَقًا إلاَّ مِنْ السَّلامِ ، أَمْ تَرْكُ السَّلامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ ؟ فِيهِ أَوْجُه :
أَحَدُهَا : يُسَنُّ هَجْرُهُ ، أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَالَ : لا يَأْثَمُ إنْ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ ...
وَفِي آدَابِ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ قَالَ : وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِيَ سَنَةً .

وَقَالَ فِي الآدَابِ : وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ تَرْكُ الْكَلامِ وَالسَّلامِ مُطْلَقًا ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ . فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا عَرَفْت مِنْ أَحَدٍ نِفَاقًا فَلا تُكَلِّمُهُ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لا يُكَلِّمُوهُمْ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ مُثَنَّى وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ الْهَجْرِ وَتَرْكِ الْكَلامِ وَالسَّلامِ لِخَوْفِ الْمَعْصِيَةِ ، وَرِوَايَةُ الْمَيْمُونِيِّ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ...
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ ، وَالْمُتَظَاهِرِينَ بِالْمَعَاصِي وَتَرْكِ السَّلامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، مَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " التَّمَامِ " : لا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِ هِجْرَانِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَفُسَّاقِ الْمِلَّةِ . اه .

وسُئل شيخنا العثيمين عن " مَسألة إلْقاء السلام مِن عَدَمه على العاصِي الْمُجَاهِر حال عِصيانه ، كَشُرْب الدُّخَان ، هل مِن قاعدة تبين هذه المسألة وأمثالها ؟ "
فاجاب رحمه الله :
القاعدة: أولاً: الفُسوق لا يُخْرِج الإنسان مشن الإيمان ، ولا يجوز هَجْر المؤمن أكثر من ثلاثة أيام، لكن إذا كان الهجر دواء له ، بمعنى : أنه إذا رأى أن فلانا هَجَره ، أو أن الناس هَجَرُوه ، استقام وصَلحت حاله ، فحينئذٍ يكون الهجر محمودا .
الهجر قد يكون مُسْتَحَبًّا ، وقد يكون واجِبا بِحَسب ما يَتَرَتَّب عليه ، ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كَعب بن مالك وصاحِبيه ، وأمَر الناس بِهَجْرِهم لتخلفهم عن غزوة تبوك ، لكن هذا الهجر نفع ؛ لأنه زادهم لجوءا إلى الله عز وجل وقوة إيمان ... فالهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسِق فاهْجُره ، وإلاَّ لا تَهجره، لو مَرَرت بِشخصٍ يَشرب الدخان ، والدخان معصية وحرام ، والإصرار عليه يُنْزِل صاحبه مِن مرتبة العَدَالة إلى مَرتبة الفُسوق ، سَلِّم عليه ، إذا رأيت أن هجره لا يُفِيد ، ربما إذا سَلَّمْتَ عليه ووقفت معه وحدثته : بأن هذا حَرام ، وأنه لا يَلِيق بك، ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يَعود ، لكن لو أنك لم تُسَلِّم عليه كَبُر ذلك في نفسه وكَرِهك وكَرِه ما تأتي به من نصيحة .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد



رد مع اقتباس