عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 650  
كاتب الموضوع : عبد الرحمن السحيم المنتدى : منتـدى الحـوار العـام
افتراضي
قديم بتاريخ : 24-04-2018 الساعة : 12:28 AM

تنتشر رسالة تُنسب إلى الشيخ الشعراوي ، وفيها : أنه سُئل : لماذا جُعِل للكافرين عليكم سبيل ، رغم قوله تعالى : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ؟!
فأجابه : لأننا مسلمين ولسنا مؤمنين !! ثم ذَكَر الفرق بين المؤمنين والمسلمين ؟ واستدلّ بآيات على أن النصر والتأييد للمؤمنين وليس للمسلمين ... إلخ..

والصحيح : أن الإسلام والإيمان إذا اقْتَرَنا في الذِّكْر افْتَرَقَا في المعنى ، وإذا افْتَرَقَا في الذِّكر اتّفقا في المعنى .

وقد لَخّص ابن القيم حال المسلمين وضعفهم وتسليط الكافرين عليهم بِقَوله :
قوله سبحانه : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ، قال :
الآية على عُمومها وظاهرها ، وإنما المؤمنون يَصْدُر منهم مِن المعصية والمخالفة التى تُضادّ الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل بحسب تلك المخالفة ، فهم الذين تَسَبّبُوا إلى جعل السبيل عليهم كما تَسَبّبوا إليه يوم أُحُد بِمعصية الرسول ﷺ ومُخَالَفَته ، والله سبحانه لم يجعل للشيطان على العبد سُلْطَانا، حتى جَعَل له العبدُ سَبيلا إليه بِطَاعته والشّرْك به ، فَجَعَل الله حينئذ له عليه تَسَلّطا وقَهْرا ؛ فمَن وَجَد خيرا فليَحْمَد الله تعالى، ومَن وَجَد غير ذلك فلا يَلُومَنّ إلاّ نَفسَه .

وقال :

أكثر دِيَانَات الْخَلْق إنما هى عادات أخَذُوها عن آبائهم وأسلافهم، وقَلّدُوهم فيها : فى الإثبات والنفى، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة .

والله سبحانه إنما ضَمِن نَصْر دِينه وحِزبه وأوليائه بِدِينه عِلْما وعَمَلا، لم يَضْمن نَصْر الباطل، ولو اعتقد صاحبه أنه مُحِقّ .

وكذلك العِزّة والعُلو إنما هُمَا لأهل الإيمان الذى بَعَث الله به رُسُله، وأنزل به كُتُبه، وهو عِلم وعَمل وحَال، قال تعالى: (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .

فَلِلعَبْد مِن العُلُو بحسب ما معه مِن الإيمان، وقال تعالى: (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُوِلهِ وَلِلْمُؤْمِنِين) .

فَلَه مِن العِزّة بحسب ما معه مِن الإيمان وحقائقه، فإذا فَاتَه حَظّ مِن العُلُو والعِزّة، فَفِى مُقَابَلة ما فَاتَه مِن حقائق الإيمان، عِلما وعَملا ظاهرا وباطنا .

وكذلك الدّفع عن العبد هو بحسب إيمانه، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا) .
فإذا ضَعُف الدّفْع عنه فهو مِن نَقْص إيمانه .

وكذلك الكِفَاية والحَسْب هى بِقَدر الإيمان ، قال تعالى : (يأَيُّهَا النَّبى حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ) .
أي : الله حَسْبُك وحَسْب أتْبَاعِك، أي : كَافِيك وكَافِيهم، فَكِفَايته لهم بحسب اتّبَاعهم لِرَسُوله ﷺ ، وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله .

ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص .

وكذلك وِلاية الله تعالى لِعبده هى بحسب إيمانه قال تعالى: (وَاللهُ وَلِى المُؤْمِنِينَ) ، وقال الله تعالى: (اللهُ وَلِى الّذِينَ آمَنُوا) .

وكذلك مَعِيّته الخاصّة هي لأهل الإيمان، كما قال تعالى: (وَأَنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ) .

فإذا نَقَص الإيمان وضَعُف كان حَظّ العبد مِن وِلاية الله له ومَعِيّته الخاصة بِقَدر حَظّه مِن الإيمان.
وكذلك النصر والتأييد الكامل ، إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: (إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) ، وقال : (فَأَيَّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) .

فمن نَقَص إيمانه نَقَص نَصِيبه مِن النصر والتأييد، ولهذا إذا أُصِيب العبد بمصيبة فى نَفْسِه أو مَالِه، أو بِإدَالَة عَدُوّه عليه، فإنما هي بِذُنُوبه ؛ إمّا بِتَرْك وَاجِب، أو فِعْل مُحَرّم ، وهو مِن نَقْص إيمانه .
وبهذا يزول الإشكال الذى يُورِده كَثير مِن الناس على قوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) .

ويُجِيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا فى الآخرة ، ويُجِيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا فى الْحُجّة .

والتحقيق : أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السّبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضَعُف الإيمان صار لِعَدُوّهم عليهم مِن السبيل بحسب ما نَقَص مِن إيمانهم ، فَهُم جَعَلُوا لهم عليهم السبيل بما تَرَكُوا مِن طاعة الله تعالى .

فالمؤمن عزيزٌ غَالِبٌ مُؤيّد مَنْصور ، مَكْفِيّ ، مَدْفُوع عنه بِالذّات أين كان ، ولو اجتمع عليه مَن بِأقْطَارها ، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ، ظاهرا وباطنا .
وقد قال تعالى للمؤمنين : (وَلاَ تَهِنُوا وَلا تحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وقال تعالى : (فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمٌ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) .
فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم، التى هى جُنْدٌ مِن جُنُود الله ، يحفظهم بها ، ولا يُفْرِدها عنهم ويَقْتَطِعها عنهم، فيُبْطِلها عليهم ، كَمَا يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم إذ كانت لِغيره ولم تكن مُوَافِقَة لأمْرِه .
(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان – الجزء الأول / 101 ، الجزء الثاني / 182 ، 183)

وقوله : " كَمَا يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم " مِن الوَتْر ، وهو القَطْع أو مِن النّقص ، كما في قوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)
قال البغوي في قوله تعالى : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) لَنْ يَنْقُصَكُمْ شَيْئًا مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ ، يُقَالُ: وَتِرَهُ يَتِرُهُ وَتَرًا وَتِرَةً : إِذَا نَقَصَ حَقَّهُ .

رد مع اقتباس