عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : نسمات الفجر المنتدى : قسـم الفتـاوى العامـة
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-12-2015 الساعة : 03:05 PM

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

هناك فَرْق كبير بين التواضع وبين الابتذال والإسفاف .
وهناك فَرْق كبير أيضا بين التجمّل في اللباس وبين الكِبْر والتعالي والترفّع عن الناس .
فالداعية شأنه شأن غيره في لبس اللباس المعتاد ، وإن تَجَمّل فلا يَخرج عن عُرْف أهل العِلْم في لباسهم .

قال الإمام مالك لبعض بني أخيه : إذا تَعلّمتم عِلما مِن طاعة الله فَليُرَ عليك أثره ، ولْيُرَ فيك سَمْته ، وتعلّم لذلك العِلم الذي عِلمته : السكينة والحلم والوقار .
وقال : حقّ على مَن طَلب العِلم أن يكون فيه وقار وسكينة وخشية ، وأن يكون مُتّبِعًا لآثار مَن مَضى ، وينبغي لأهل العِلم أن يُخلوا أنفسهم مِن المزاح ، وبخاصة إذا ذَكروا الله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وليس لأولياء الله شيء يَتَمَيَّزون به عن الناس في الظاهر مِن الأمور المباحات ؛ فلا يتميزون بِلِباس دون لِباس إذا كان كلاهما مباحا ، ولا بِحَلْق شَعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحا ، كما قيل: كَم مِن صِدّيق في قباء ، وكَم مِن زنديق في عباء . اهـ .

ورأيت كثيرا مِن أهل العِلْم سافروا شرقا وغربا ؛ فلم يُغيّروا مِن لباسهم ، ولا تَميّزوا بِلباس رفيع أو وَضِيع ؛ لأن هذا مِن لباس الشُّهْرة الذي جاء عليه الوعيد .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ لَبِسَ ثَوبَ شُهْرَةٍ في الدنيا ألْبَسَهُ اللهُ ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القيامة . رواه الإمامُ أحمدُ وأبو داود وابنُ ماجَه مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط . .
وِعِنْْدَ ابنِ ماجه مِن حَدِيثِ أبي ذرٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهْرَةٍ أعرضَ اللهُ عنه حتى يَضَعَه مَتى وَضَعَه . قال البوصيري : إسْنَادُه حَسَن .

قال ابن عبد البر : ليس مِن السنة ولا الشريعة ما خالَف النظافة وحُسن الهيئة في اللباس والزينة التي مِن شَكل الرجال للرجال ، ومن شَكل النساء للنساء .
ويدل على أن قوله عليه الصلاة والسلام : " البَذَاذَة مِن الإيمان " أراد به اطِّرَاح الشهرة في الملبس والإسراف فيه الداعي إلى التَّبَخْتُر والبَطَر . اهـ .

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : وتُكْرَهُ الشُّهْرَةُ مِن الثيابِ ، وهو المتَرَفِّعُ الخارجُ عن العادةِ ، والمتَخَفِّضُ الخارجُ عن العادةِ ، فإن السَّلَفَ كانوا يكرهون الشُّهْرَتَين : المتَرَفِّع والمتخَفِّض . اهـ .

وسافَر بعض الدعاة إلى بعض دول أوربا ، فَلَبِس اللباس الإفرنجي الرسمي ! ثم خَطَب به يوم الجمعة ، وصلّى بهم ؛ فاستهجنه الْمُصلُّون ، ولم يَقْبَلوه !
وسَمعت ذلك منهم بِنفسي حينما زرتهم بعد زيارة ذلك الداعية بِمُدّة !
وكنت ألبس ثيابي المعتادة ، وأمشي به في بلاد كثيرة ، وما رأيت – بِفضل الله - مُضايقة .
فالدَّاعية الذي يَلبس لِبَاسه المعتاد الموافِق للّباس الشرعي ؛ يكون مَحلّ حفاوة وتقدير مِن المسلمين في أي مكان .

وبعض أئمة الحرمين سافروا لِبلاد الأعاجم ، فحَضَروا بِلِباسِهم الذين يَلبسونه عند إمامة الناس ؛ فكانوا مَحل حفاوة وتقدير .
وأجزِم أن لو لَبِس بعضهم لباس الأعاجم لَكان مَحلّ استهجان .

وقد أدركنا مشايخنا الكبار لا يتبذّلون في ملابسهم ، ولا في هيئاتهم ، مع تواضعهم وقُربهم مِن الناس .


والعلماء يَنهَون عن لبس لِباس الأعاجم ، وإن لم يَكن مِن لباس الكُفّار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقال الفقهاء مِن أصحاب الإمام أحمد وغيره - منهم : القاضي أبو يعلى ، وابن عقيل ، والشيخ أبو محمد عبد القادر الْجَيلي وغيرهم - في أصناف اللباس وأقسامه : ومِن اللباس الْمَكْرُوه : ما خَالَف زِيّ العَرَب ، وأشْبَه زِيّ الأعاجم وعادتهم . ولفظ عبد القادر : ويُكْرَه كل ما خالَف زِيّ العَرب ، وشَابَه زِيّ الأعاجم . اهـ .

وفِعْل ما يُسْتَهجَن : مُسْتَهْجَن ! ويزيد الأمر سوءا إذا صَدَر الفِعْل الْمُستَهجَن ممن يُقتَدَى به ، أو يتصدّر لِتعليم ودعوة الناس .
ذَكَرَ الإمام الذهبي في ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه كان يخضب بالصُّفرة حتى كأن لِحيته الذَّهب . ثم قال الذهبي : كان ذلك لائقًا في ذلك الزمان ، واليوم لو فُعِل لاستُهجِن . اهـ .
والجناية في مثل هذا ، لا تَعود على الداعية بِنفسِه ، بل على دعوته ؛ فقد يكون فِعْله الْمُسْتَهجَن مِن أسباب الصدّ عن قبول قولِه ، وقد يستغلّه بعض الزنادقة والْمُغرِضِين في تَشويه سمعته ، والطعن في السُّنّة بسبب ذلك .

قال الشيخ بكر أبو زيد – وهو يُوصِي طالِب العِلْم - : فازْوَرّ عن زَيف الحضارة ، فإنه يُؤنِّث الطِّبَاع ، ويُرخي الأعصاب ، ويُقيّدك بِخَيط الأوهام ، ويَصِل الْمُجِدّون لغاياتهم وأنت لم تَبْرح مكانك ، مَشغول بالتأنّق في مَلْبَسِك ، وإن كان منها شِيَات ليست محرمة ولا مكروهة ، لكن ليست سَمْتا صالِحا ، والْحِلية في الظاهر – كَاللباس - عنوان على انتماء الشخص ، بل تحديد له ، وهل اللباس إلاّ وَسيلة التعبير عن الذات ؟!
فَكُن حَذرا في لباسك ، لأنه يُعَبِّر لِغَيرك عن تقويمك ، في الانتماء ، والتكوين ، والذّوق ، ولهذا قيل : الْحِلْيَة في الظاهر تدلّ على مَيْل في الباطِن ، والناس يُصَنِّفُونَك مِن لِبَاسِك ، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس مِن :
الرَّصانة والتعقّل .
أو التمشيخ والرهبنة .
أو التَّصَابِي وحب الظهور !
فَخُذْ مِن اللباس ما يَزينك ولا يَشينك ، ولا يجعل فيك مَقالاً لِقائل ، ولا لَمْزا لِلامِز ، وإذا تلاقَى مَلبسك وكيفية لُبْسك بما يَلتقي مع شَرف ما تَحمله مِن العلم الشرعي ؛ كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بِعِلمك ، بل بِحُسْن نِيّتك يكون قُرْبة ، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحقّ .
وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أحب إلِيّ أن أنظر القارئ أبيض الثياب .
أي : لِيَعظم في نفوس الناس ، فيَعظم في نفوسهم ما لَدَيه مِن الْحَقّ . اهـ .

والتواضع والتبسّط للناس لا يَعني أن يَتخلّى الرَّجُل عن وقاره ، فضلا عن طالب العِلْم
فالناس في هذا طَرَفان ووسَط :
فَطَرَف لا يتبسّط للناس ، بل ولا يبتسم ! وهذا خلاِف هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
وطَرَف يتبسّط حتى يَتبذّل .
والوَسَط : أن يتواضَع طالب العِلم والداعية والعالِم ، ويُخالِط الناس ، ولا يترفّع عليهم ، ولا يتبذّل ، لا في حديثٍ ، ولا في لباس .

وعلى الداعية أن يَدْفَع التّهمة والرِّيبة عن نفسه .
وعليه أن يُراعِي نَظَر الناس إليه ؛ لأنه مَحل اقتداء .


رأى عُمَر رضي الله عنه على طلحة ثوبًا مصبوغا ، وطلحة مُحْرِم ، فقال له عُمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة : يا أمير المؤمنين إنما هو مَدَر ، فقال عُمر : إنكم أيها الرهط أئمة يَقْتَدِي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب الْمُصَبَّغة في الإحرام ! فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا مِن هذه الثياب الْمُصَبَّغة. رواه الإمام مالك في الموطأ .
والْمَدَر هو الطّين .

وقال عليّ رضي الله عنه : تَعَلّموا العِلم ، فإذا عَلِمْتم فاكظموا عليه ، ولا تَشُوبُوه بضحك ولا بِلَعب فتَمُجّه القلوب . رواه الدارمي وأبو نُعيم في حلية الأولياء .

قال الأوزاعي : كنا نَضحك وَنَمْزَح ، فلمّا صِرنا يُقْتَدَى بنا خَشِيت أن لا يَسَعْنا التَّبَسّم . (تذكرة الحفاظ ، للذهبي)

قال ابن مُفلح : وإذا رأى العوام أحد العلماء مُتَرَخِّصًا في أمْرٍ هَانَ عندهم ، فالواجب عليه صيانة عِلمه ، وإقامة قَدر العِلم عندهم ، فقد قال بعض السلف : كُنا نَمْزح ونضحك فإذا صرنا يُقتدى بنا فما أراه يَسَعنا ، وقال سفيان : تعلَموا هذا العلم واكظِمُوا عليه ، ولا تخلِطوه بِهزل فتمُجّه القلوب . ا.هـ .

فمراعاة الناس لا ينبغي أن تُنكَر ، فقد قال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : لولا حدثان قومك بكفر لنقَضتُ الكعبة وجَعلت لها بَابَيْن .

وكان العلماء يَنهَون عن التَّصَابي في اللباس والهيئة .
قال الشيخ بكر أبو زيد : فإيّاك ثم إيّاك مِن لِباس التَّصَابِي ، أما اللباس الإفرنجي ، فغير خافٍ عليك حُكمه ، وليس معنى هذا أن تأتى بِلِباس مُشَوّه ، لكنه الاقتصاد في اللباس بِرَسْم الشَّرع ، تَحُفّه بالسَّمْت الصالح والْهَدي الْحَسن ...
وما زال أهل العِلم يُنَبِّهون على هذا في كُتب الرِّقاق والآداب واللباس . اهـ . (بتصرّف يسير) .

وسبق الجواب عن :
هل يجوز أن يُستضاف شيخ في برنامج تُقدِّمه مذيعة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9186

ما حُكم ممارسة طلبة العِلم للرياضة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12831

ما صحة الحديثين : " رحم الله امرءا جَبّ الغيبة عن نفسه " و " أنزلوا الناس منازلهم " ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13690

والله تعالى أعلم .

رد مع اقتباس