الموضوع:
لا جِـدال
عرض مشاركة واحدة
نسمات الفجر
الهيئـة الإداريـة
رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا
مشاركة رقم :
1
المنتدى :
قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
لا جِـدال
بتاريخ : 15-04-2015 الساعة : 01:55 AM
مَن دروس العبادات : حَسْم مادة الْخِلاف ، ومِن ذلك : قَطْع الجدال ..
وفي السيرة في خَبَر غزوة بني المصطلق : أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا بَلَغَتْه مَقَالَة المنافقين مَشَى بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى ، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ ، ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ .
وفي الحج قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
قال ابن كثير : وقوله : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
فيه قولان :
أحدهما :
لا مُجَادَلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بَيّنه الله أتَمّ بيان ، ووضحه أكْمَل إيضاح. كما قال وَكِيع عن العلاء بن عبد الكريم : سمعت مجاهدًا يقول : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قد بَيَّن الله أشهر الحَج ، فليس فيه جِدال بَيْن الناس .
وقال ابن أبي نَجِيح عن مجاهد : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قال : لا شهر يُنْسَأ ، ولا جدال في الحج ، قد تَبَيَّن ، ثم ذَكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذَمّهم الله به ...
وقد اختار ابن جرير مضمونَ هذه الأقوال ، وهو قطع التنازع في مناسك الحج .
والقول الثاني :
أن المراد بالجدال هاهنا : الْمُخَاصَمَة . اهـ .
وروى ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا : الجدال أن يُمَارِي صاحِبه ويُخَاصِمه حتى يُغْضِبه .
وفي الصيام جاء النهي عن كل ما يَخْدش الصيام ، مِن السَّبّ والشتم والصّخب ، والجهل والجدال .
ففي الحديث :
إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّى صَائِمٌ ، إِنِّي صَائِمٌ .
رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري :
الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ ، وَلاَ يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ ، أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ
مَرَّتَيْنِ .
وفي رواية : فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ .
قال ابن حجر : ولِسعيد بن منصور مِن طَريق سُهيل بن أبي صالح عن أبيه :
فلا يَرْفُث ولا يُجَادِل .
ونَقَل ابن حجر عن القرطبي قوله : لا يُفْهَم مِن هذا أن غير الصوم يُبَاح فيه ما ذُكِر ، وإنما المراد أن المنع مِن ذلك يَتَأكّد بِالصَّوم . اهـ .
وجاء الضمان بِبَيت في الجنة لِمَن ترك الجدال ، وإن كان مُحِقًّا .
ففي الحديث : أنا زَعيم بِبَيت في رَبَض الجنة لمن تَرَك المراء وإن كان مُحِقًّا ، وبِبَيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّن خُلُقه . رواه أبو داود . وحسّنه الألباني .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ثلاث مَن كُنّ فيه يَجِد بهن حلاوة الإيمان : تَرْك الْمِرَاء في الحق ، والكذب في المزاحة ، ويَعْلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .
فإذا كان الحديث جاء في الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا ، فهو آكَد في النهي عن المراء والجدال لِمَن لم يَكن مُحِقًّا .
وإنما جاء الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا رعاية لِحَقّ أخيه الذي يُجادِله ؛ لأنه إذا كان أحدهما مُحِقّا ، كان الآخر مُبْطِلا ، فهو يَتْرُك المراء لئلا يتمادى صاحبه في اللجاج بالباطل .
وجاء ذمّ الجدل تحذيرا منه ، وتنفيرا عنه ..
ففي الـتَّنْزِيل : (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا)
قال ابن كثير : أي : لا تُجْهِد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلاَّ رَجْم الغيب . فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تَستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن تُـنَبِّه على الصحيح منها ، وتُبْطِل الباطل، وتَذكر فائدة الخلاف وثمرته ؛ لئلا يطول الـنِّزَاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتشتغل به عن الأهم فالأهم . اهـ .
وقال ابن جُزيّ : لا تمارِ : مِن المراء وهو الجدال والمخالفة والاحتجاج . اهـ .
وفي الحديث : مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ , إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ , ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وفي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ .
قال الصنعاني : أي : الشديد المراء ، أي : الذي يَحُجّ صاحبه ، وحقيقة المراء طَعْنك في كلام غيرك لإظهار خَلل فيه لِغير غَرض سِوى تَحقير قائله ، وإظهار مَزِيّتك عليه .
والجدال هو ما يَتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها ، والخصومة لِجَاج في الكلام لِيستوفى به أو غيره . ويكون تارة ابتداء ، وتارة اعتراضا ، والمراء لا يكون إلاَّ اعتراضا ، والكل قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه ، وإدحاض الباطل وهدم أركانه .
وأما مُنَاظَرة أهل العلم للفائدة - وإن لم تَخْلُ عن الجدال - فليست داخلة في النهي .
وقد قال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقد أجمع عليه المسلمون سَلَفًا وخَلَفا . اهـ .
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما ليلاً ، فقال : أَلا تُصَلِّيَانِ ؟ فقال عليّ رضي الله عنه : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا . قال : فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) . رواه البخاري ومسلم .
وما ذلك إلاّ لِقِلّة نَفْع المراء ..
يُرْوَى أن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قال لابنه :
يا بني إياك والمراء فإن نَفْعه قليل
، وهو يُهيج العداوة بين الإخوان .
وقال بِلال بن سعد : اذا رأيت الرجل
لَجُوجًا مُمَارِيا
مُعْجَبا بِرأيه فقد تَمَّتْ خَسَارته .
وقال الأَوْزَاعِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا فَتْحَ عَلَيْهِمُ
الْجَدَلَ
وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ .
وقال مَعْرُوف الْكَرْخِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ ، وَ
أَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ
، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ .
وقال ذو النون : ثلاثة من أعمال الكِياسة :
ترك المراء والجدال في الدِّين
، والإقبال على العَمل بِيسير العِلْم ، والاشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلا عن عيوب الناس .
نسأل الله أن نكون ممن شُغِل بإصلاح عيوب نفسه ، لا مُمَارِيًا ولا مُرَائيًا .
30/ رمضان / 1431 هـ
كتبه الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
نسمات الفجر
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى نسمات الفجر
البحث عن المشاركات التي كتبها نسمات الفجر
البحث عن جميع مواضيع نسمات الفجر