عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 649  
كاتب الموضوع : عبد الرحمن السحيم المنتدى : منتـدى الحـوار العـام
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-04-2018 الساعة : 12:47 AM

مِن أعجب صَبْر الأئمة
إمام صابر شاكِر
قال عنه الإمام الذهبي : الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ .

حَدَّث الأوزاعي عن عبد الله بن محمد قال : خَرَجْتُ إلى ساحل البحر مُرَابِطا ، وكان رِبَاطنا يومئذ عَرِيش مِصر ، قال : فلما انْتَهيتُ إلى السّاحِل ، فإذا أنا بِخَيمة فيها رَجُل قد ذَهَب يَدَاه ورِجْلاه وثَقُل سَمعه وَبصره وما له من جارحة تنفعه إلاّ لِسَانه ، وهو يقول : اللهم أوْزِعْنِي أن أحمدَك حَمْدًا أُكافىء به شُكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وفضلتني على كثير ممن خَلَقْتَ تفضيلا .
قال الأوزاعي : قال عبد الله : قلت : والله لآتين هذا الرَّجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام ؛ فَهْم أم عِلْم أم إلْهَام أُلْهِم ؟ فأَتَيت الرّجُل فسَلّمتُ عليه ، فقلت : سَمِعْتُك وأنت تقول : اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافىء به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي وفضلتني على كثير من خلقت تفضيلا . فأيّ نِعْمة مِن نِعم الله عليك تحمده عليها ، وأيّ فضيلة تَفَضّل بها عليك تَشْكره عليها ؟
قال : وما تَرى ما صَنع ربي ، والله لو أرسل السماء عليّ نارا فأحرقتني ، وأمَر الجبال فَدَمّرتني وأمَر البِحار فغَرّقتني ، وأمر الأرض فَبَلَعَتني ؛ ما ازددت لِرَبي إلاّ شُكرا لِمَا أنْعَم عليّ مِن لِسَاني هذا .
ولكن يا عبد الله إْذ أتَيْتَني لي إليك حاجة ، قد تَراني على أي حالة أنا ، أنا لَستُ أقدر لِنَفسي على ضرّ ولا نفع ، ولقد كان معي بُنَيّ لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيُوضّيني ، وإذا جِعْتُ أطعمني ، وإذا عَطِشت سَقَاني ، ولقد فَقَدته منذ ثلاثة أيام فتَحَسّسه لي رحمك الله .
فقلتُ : والله ما مَشَى خَلْق في حاجَة خَلْق كان أعظم عند الله أجْرا ممن يَمشي في حاجة مثلك .
فَمَضيت في طَلَب الغلام ، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كُثبان مِن الرَّمْل ، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سَبُع وأكل لحمه ، فاسْتَرْجَعتُ ، وقلت : أنّى لي َوجه رقيق آتي به الرَّجُل ، فبينما أنا مُقْبِل نحوه إذ خَطَر على قلبي ذِكْر أيوب النبي ﷺ ، فلما أتيته سَلّمت عليه ، فَرَدّ عليّ السلام .
فقال : ألستَ بِصاحبي ؟
قلت : بلى .
قال : ما فَعلتَ في حاجتي ؟
فقلتُ : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي ﷺ ؟
قال : بل أيوب النبي ﷺ .
قلتُ : هل علمت ما صنع به ربه ، أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده ؟
قال : بلى .
قلت : فكيف وَجَده ؟
قال : وجده صابرا شاكِرا حَامِدا .
قلت : لم يَرْضَ منه ذلك حتى أوْحَش مِن أقربائه وأحبائه .
قال : نعم .
قلت فكيف وجده ربه ؟
قال : وَجَده صابرا شاكرا حامدا .
قلت : فلم يَرْضَ منه بذلك حتى صَيّره عَرَضا لِمَارّ الطريق .
قلت : هل عَلِمت ؟ قال : نعم .
قلت : فكيف وجده ربه ؟
قال : صابرا شاكرا حامدا ، أوْجِز رحمك الله .
قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طَلَبه وَجَدته بين كُثبان الرَّمْل وقد افترسه سَبُع فأكَل لَحمه ، فأعْظَم الله لك الأجر ، وألْهَمَك الصَبر .
فقال الْمُبْتَلَى : الحمد لله الذي لم يَخْلُق مِن ذُرّيتي خَلْقا يَعصِيه ، فيُعذّبه بالنار ، ثم استرجع ، وشَهق شَهقَة فمات .
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عَظُمت مُصِيبتي ؛ رَجُل مثل هذا إن تَركته أكَلَته السّباع ، وإن قَعدتُ لم أقدر على ضر ولا نفع ، فسَجّيته بِشَمْلة كانت عليه ، وقعدت عند رأسه باكيا ، فبينما أنا قاعد إذ تَهَجّم عليّ أربعة رجال ، فقالوا : يا عبد الله ، ما حالك وما قصتك ؟
فقَصَصت عليهم قِصّتي وقِصّته .
فقالوا لي : اكشِف لنا عن وَجهه فَعَسى أن نَعرفه ، فكشفت عن وَجهه فانْكَبّ القَوم عليه يُقَبّلون عينيه مَرّة ، ويَدَيه أُخْرى ، ويَقولون : بِأبِي عَينٌ طال ما غَضّت عن مَحاِرم الله ، وبِأِبي طال ما كنتَ ساجدا والناس نِيام .
فقلت : مَن هذا يرحمكم الله ؟
فقالوا : هذا أبو قلابة الْجَرْمِيّ ، صاحب ابن عباس ؛ لقد كان شديد الحب لله وللنبي ﷺ ، فَغَسّلناه وكَفّناه ، وصَلّينا عليه ودفناه ، فانْصَرف القوم وانصرفت إلى رِبَاِطي ، فلما أن جَنّ عليّ الليل وَضَعتُ رأسي ، فرأيته فيما يرى النائم في روضة مِن رياض الجنة ، وعليه حُلّتَان مِن حُلل الجنة ، وهو يَتْلُو الوَحي : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) .
فقلتُ : ألَسْتَ بِصَاحِبي ؟ قال : بلى .
قلت : أنّى لك هذا؟
قال : إن لله درجات لا تُنَال إلاّ بِالصبر عند البلاء ، والّشكر عند الرخاء ، مع خشية الله عز وجل في السّرّ والعلانية .
(كِتاب الثّقات ، لابن حبّان)

رد مع اقتباس