عرض مشاركة واحدة

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. ( أسباب رِقّة القلب وصلاحه)
قديم بتاريخ : 02-12-2015 الساعة : 06:44 PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ أَطْوَارًا، وَصَرَّفَهُمْ فِي أَطْوَارِ التَّخْلِيقِ كَيْف شَاءَ عِزَّةً وَاقْتِدَارًا، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ إلَى الْمُكَلَّفِينَ إعْذَارًا مِنْهُ وَإِنْذَارًا، فَأَتَمَّ بِهِمْ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ سَبِيلَهُمْ نِعْمَتَهُ السَّابِغَةَ، وَأَقَامَ بِهِمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَنَاهِجَهُمْ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ، فَنَصَبَ الدَّلِيلَ، وَأَنَارَ السَّبِيلَ، وَأَزَاحَ الْعِلَلَ، وَقَطَعَ الْمَعَاذِيرَ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ الْمَحَجَّةَ .

أما بَعْدُ :
فَكَمَا أنَّ للقلوبِ حياةً وموتا ومَرَضا .. فإنَّها تَلينُ وتَقْسُو ..
تَلِينُ حتى تَكُونَ أرَقَّ مِنْ أفئدةِ الطيرِ ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ . رَوَاهُ مسلِمٌ.
قَالَ النوويُّ : قِيلَ مِثْلُهَا فِي رِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا .. وَقِيلَ : فِي الْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ . وَالطَّيْرُ أَكْثَرُ الْحَيَوَانِ خَوْفًا وَفَزَعًا .. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ : قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ كَمَا جَاءَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ فِي شِدَّةِ خَوْفِهِمْ . اهـ .

وتَقْسُو القلوبُ حَتَّى تَهْزَأَ بالصَّخْرِ قَساوةً وفي أخْبَارِ بَنِي إسرائيلَ: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) .
قَالَ ابنُ عطيّةَ : والقَسْوَةُ غِلَظُ القَلْبِ ونُبُوُّهُ عَنِ الرِّقَّةِ وَالْمَوعِظَةِ ، وَصَلابَتُهُ حَتَّى لا يَنْفَعِلَ لِخَيْرٍ . اهـ .

وإنَّ أعْظَمَ مُصِيبَةٍ يُصابُ بِهَا الإنسانُ هِيَ مصيبةُ الإنسانِ في قَلْبِهِ .
وَقَدِ اسْتَعَاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَيْنٍ لا تَدْمَعُ ، ومِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ .. كَمَا في صَحِيحِ مسلِمٍ .
قَالَ العَينيُّ : وَالْقَلْبُ الذِيْ لا يَخْشَعُ : قَلْبٌ قَاسٍ لا يَنْقَادُ للطَّاعَةِ، ولا لأُمُورِ الشَّريعَةِ . اهـ .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ في "الزُّهْدِ" .

اعْلَمُوا رَحِمَكُم اللهُ : إنَّ لِرِقّةِ القَلْبِ أَسْبَابا ، وَلِقَسْوتِهِ أسبَابٌ :
ومَنْ أَحَسَّ بِقَسْوةٍ في قَلْبِهِ أوْ قَحْطٍ في عَينِهِ فَعَلَيْهِ بِأمورٍ :
الأوَّلُ : قَسْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ ، خَاصَّةً قراءةَ القُرآنِ ، والتَّضَّرُّعَ والدُّعَاءَ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوّاصُ : دَوَاءُ الْقَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءٍ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُرِ ، وَخَلاءُ الْبَطْنِ ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ .
وقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي . قَالَ : أَذِبْهُ بِالذِّكْرِ .
وَشَكَا رَجُلٌ قَسوةَ قَلْبِهِ إِلَى مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ : أَدِمَنَ الصِّيَامَ ، فَإِنْ وَجَدْتَ قَسْوَةً فَأَطِلِ الْقِيَامَ ، فَإِنْ وَجَدْتَ قَسْوَةً فَأَقِلَّ الطَّعَامَ .

الثاني : مَسْحُ رأسِ اليتيمِ ، لِمَا رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ عَنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلا شَكا إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوةَ قَلْبِهِ ، فقَالَ : امْسَحْ رَأسَ اليتيمِ ، وَأَطْعِمِ المسكينَ . قَالَ ابنُ حَجَرٍ : وَسَنَدُهُ حَسَنٌ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : أتُحِبُّ أنْ يَلينَ قَلْبُكَ وتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ اليتيمَ ، وَامْسَحْ رَأسَهُ ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ ، وتُدْرِكْ حَاجَتَكَ . رَوَاهُ الطبرانيُّ وغَيرُهُ ، وقَالَ الألبانيُّ : حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

الثالِثُ : أَكْلُ الحلالِ ، وَعَدَمُ الإكثَارِ مِنَ الأكْلِ ؛ وَذَلِكَ لأنَّ البِطْنَةَ تُذْهِبُ الفِطْنَةَ ، بَلَ وتُذهِبُ الخشوعَ .

الرَّابِعُ : كَثْرَةُ الاستغفارِ والتوبةُ إلى اللهِ ، فإنَّ الإنْسَانَ إنَّمَا يُؤتَى مِنْ قِبَلِ ذُنُوبِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) .

الْخَامِسُ : الإكثارُ مِنْ ذِكْرِ الموتِ . قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : أكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللذاتِ . يَعني الْمَوتَ . رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ والتِّرمذِيُّ والنَّسائيُّ وابنُ مَاجَه . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .

السادِسُ : زيارَةُ القُبُورِ . قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : زُورُوا الْقُبُورَ ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ . رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : زوروا القُبُورَ ، فِإنَّهَا تُذَكِّرُكُم الآخِرَةَ . رَوَاهُ ابنُ مَاجَه والنَّسَائيُّ .
والْمَرأةُ شَقِيقَةُ الرَّجُلِ إلاَّ أَنَّهَا لا تُكْثِرُ مِنْ زِيَارَةِ القُبورِ إذا أدّى ذلِكَ إلى النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : لَعَنَ اللهُ زَوَّاراتِ القبورِ .
وَكَانَ عُثمَانُ بِنُ عَفَّانَ إذا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبِلَّ لِحْيَتَهُ ، فَيُقَالَ لَهُ : تَذْكُرُ الجنَّةَ والنَّارَ فَلا تَبْكِي ، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فإنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشّدُّ مِنْهُ . قَالَ : وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا رَأيْتُ مَنْظَرا إلاَّ والقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ . رَوَاهُ الإمَامُ أَحمدُ والترمذيُّ وابنُ مَاجَه والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عَائِشَةَ : مَا دَوَاءُ قَسْوَةِ الْقَلْبِ ؟ فَأَمَرَتْهُ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى ، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ ، وَتَوَقُّعِ الْمَوْتِ .

السَّابِعُ : حُضورُ الْمُحتَضَرِينَ ، أَوْ حُضُورُ تَجهيزِ الْمَوْتَى .
قَالَ القُرطبيُّ : قَالَ العلماءُ : يَنبغِي لِمَنْ أَرَادَ عِلاجَ قَلْبِهِ وانقيادَهُ بِسَلاسِلِ الْقَهْرِ إلى طَاعَةِ رَبِّهِ أنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَّاتِ ، ومُفَرِّقِ الْجَمَاعَاتِ ، وَمُوتِمِ البنينَ والبَنَاتِ ، ويُواظِبَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُحْتَضَرينَ ، وزيارَةِ قبورِ أمواتِ الْمُسلِمِينَ ؛ فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أُمُورٍ , يَنْبَغِي لِمَنْ قَسَا قَلْبُهُ , وَلَزِمَهُ ذَنْبُهُ , أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى دَوَاءِ دَائِهِ ، وَيَسْتَصْرِخَ بِهَا عَلَى فِتَنِ الشَّيْطَانِ وَأَعْوَانِهِ; فَإِنْ اِنْتَفَعَ بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ , وَانْجَلَتْ بِهِ قَسَاوَةُ قَلْبِهِ فَذَاكَ , وَإِنْ عَظُمَ عَلَيْهِ رَانُ قَلْبِهِ , وَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِ دَوَاعِي الذَّنْبِ ; فَإِنَّ مُشَاهَدَةَ الْمُحْتَضَرِينَ, وَزِيَارَةَ قُبُورِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ تَبْلُغُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ مَا لا يَبْلُغُهُ الأَوَّلُ ؛ لأَنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ إِخْبَارٌ لِلْقَلْبِ بِمَا إِلَيْهِ الْمَصِيرُ , وَقَائِمٌ لَهُ مَقَامَ التَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ . وَفِي مُشَاهَدَةِ مَنْ اُحْتُضِرَ , وَزِيَارَةِ قَبْرِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُعَايَنَةً وَمُشَاهَدَةً ; فَلِذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ مِنَ الأَوَّلِ... فَأَمَّا الاعْتِبَارُ بِحَالِ الْمُحْتَضَرِينَ , فَغَيْرُ مُمْكِنٍ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ ، وَقَدْ لا يَتَّفِقُ لِمَنْ أَرَادَ عِلاجَ قَلْبِهِ فِي سَاعَةٍ مِنْ السَّاعَاتِ . وَأَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَوُجُودُهَا أَسْرَعُ , وَالانْتِفَاعُ بِهَا أَلْيَقُ وَأَجْدَرُ ؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى الزِّيَارَةِ , أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِهَا , وَيُحْضِرَ قَلْبَهُ فِي إِتْيَانِهَا , وَلا يَكُونَ حَظُّهُ مِنْهَا التَّطْوَافَ عَلَى الأَجْدَاثِ فَقَطْ ; فَإِنَّ هَذِهِ حَالَةٌ تُشَارِكُهُ فِيهَا بَهِيمَةٌ . وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ يَقْصِدُ بِزِيَارَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِصْلاحَ فَسَادِ قَلْبِهِ ...ثُمَّ يَعْتَبِرُ بِمَنْ صَارَ تَحْتَ التُّرَابِ , وَانْقَطَعَ عَنِ الأَهْلِ وَالأَحْبَابِ ، بَعْدَ أَنْ قَادَ الْجُيُوشَ وَالْعَسَاكِرَ , وَنَافَسَ الأَصْحَابَ وَالْعَشَائِرَ , وَجَمَعَ الأَمْوَالَ وَالذَّخَائِرَ ; فَجَاءَهُ الْمَوْتُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَحْتَسِبْهُ ، وهَوْلٍ لم يَرْتَقِبْهُ ، فَلْيَتَأَمَّلْ الزَّائِرُ حَالَ مَنْ مَضَى مِنْ إِخْوَانِهِ , وَدَرَجَ مِنْ أَقْرَانِهِ الَّذِينَ بَلَغُوا الآمَالَ , وَجَمَعُوا الأَمْوَالَ ; كَيْفَ اِنْقَطَعَتْ آمَالُهُمْ , وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ , وَمَحَا التُّرَابُ مَحَاسِنَ وُجُوهِهِمْ , وَافْتَرَقَتْ فِي الْقُبُورِ أَجْزَاؤُهُمْ , وَتَرَمَّلَ مِنْ بَعْدِهِمْ نِسَاؤُهُمْ , وَشَمِلَ ذُلُّ الْيُتْمِ أَوْلادَهُمْ , وَاقْتَسَمَ غَيْرُهُمْ طَرِيفَهُمْ وَتِلادَهُمْ . وَلْيَتَذَكَّرْ تَرَدُّدَهُمْ فِي الْمَآرِبِ , وَحِرْصَهُمْ عَلَى نَيْلِ الْمَطَالِبِ , وَانْخِدَاعَهُمْ لِمُوَاتَاةِ الأَسْبَابِ , وَرُكُونَهُمْ إِلَى الصِّحَّةِ وَالشَّبَابِ . وَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَيْلَهُ إِلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ كَمَيْلِهِمْ , وَغَفْلَتَهُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الْفَظِيعِ , وَالْهَلاكِ السَّرِيعِ كَغَفْلَتِهِمْ , وَأَنَّهُ لا بُدَّ صَائِرٌ إِلَى مَصِيرِهِمْ , وَلْيُحْضِرْ بِقَلْبِهِ ذِكْرَ مَنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي أَغْرَاضِهِ , وَكَيْفَ تَهَدَّمَتْ رِجْلاهُ . وَكَانَ يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا خُوِّلَهُ وَقَدْ سَالَتْ عَيْنَاهُ , وَيَصُولُ بِبَلاغَةِ نُطْقِهِ وَقَدْ أَكَلَ الدُّودُ لِسَانَهُ , وَيَضْحَكُ لِمُوَاتَاةِ دَهْرِهِ وَقَدْ أَبْلَى التُّرَابُ أَسْنَانَهُ , وَلْيَتَحَقَّقْ أَنَّ حَالَهُ كَحَالِهِ , وَمَآلَهُ كَمَآلِهِ . وَعِنْدَ هَذَا التَّذَكُّرِ وَالاعْتِبَارِ تَزُولُ عَنْهُ جَمِيعُ الأَغْيَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ , وَيُقْبِلُ عَلَى الأَعْمَالِ الأُخْرَوِيَّةِ , فَيَزْهَدُ فِي دُنْيَاهُ , وَيُقْبِلُ عَلَى طَاعَةِ مَوْلاهُ , وَيَلِينُ قَلْبُهُ , وَتَخْشَعُ جَوَارِحُهُ. اهـ .

الثامِنُ : الابتْعَادُ عَنْ أسبَابِ قَسْوَةِ القَلْبِ مِنَ الْمَعاصِي وأسبَابِ الغَفْلَةِ ، ومِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ الْحَرامُ والاستماعُ إلى الحَرَامِ ، وَأَكْلُ الحرَامِ.

التاسِعُ : سؤالُ اللهَ قَلْبا سليما ، وأنْ يَستعيذَ بِاللهِ مِنْ قسوةِ القَلْبِ ومِنَ الغفْلَةِ.
فَقَدْ جَاءَ في الْحَدِيثِ : اللَّهُمَّ , إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْغَفْلَةِ وَالْعَيْلَةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفُسُوقِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ ، وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ . رَوَاهُ الطبرانيُّ والْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : فَالْقَلْبُ السَّلِيمُ : هُوَ السَّالِمُ مِنَ الآفَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقَلْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سِوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ، وَخَشْيَةِ اللَّهِ ، وَخَشْيَةِ مَا يُبَاعِدُ مِنْهُ . اهـ .
وقَالَ الشَّوكانِيُّ في قولِه : " وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْقَسْوَةِ ": أَي : قَسْوَةِ الْقلْبِ ، وَهِيَ غِلْظَتُهُ حَتَّى لا يَقْبَلَ الْمَوعِظَةَ ، وَلا يخَافَ الْعقُوبَةَ ، وَلا يرحمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ . اهـ .
العَاشِرُ : قِلّةُ مُخالَطَةِ النَّاسِ بِغيرِ حَاجَةٍ ، فإنَّ مَجَالِسَ النَّاسِ لا تَخْلُو عَادَةً مِنْ غِيبَةٍ وَنَميمَةٍ وَوَقِيعَةٍ وَرُبْمَا فُحْشٌ في الْقَوْلِ .
سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : مَا دَوَاءُ الْقَلْبِ ؟ فَقَالَ : قِلَّةُ الْمُلاقَاةِ . أي : قِلّةُ مُخالَطَةِ النَّاسِ بِغيرِ حَاجَةٍ .

الثانية :
الحمدُ للهِ المبدِئِ المعيدِ ، العزيزِ الحميدِ ، ذي العرشِ المجيدِ .

أما بعد :
فأوصِيكُم ونَفْسي بَتقْوى اللهِ في السِّرِّ والعَلَن .

أيُّها المؤمِنونَ
تَفَقَّدُوا قُلوبَكُم ..

قَالَ الحسنُ : تَفَقَّدُوا الْحَلاوَةَ فِي ثَلاثٍ : فِي الصَّلاةِ ، وَفَي الْقُرْآنِ ، وَفَي الذِّكْرِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا فَامْضُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهَا فَاعْلَمْ أَنَّ بَابَكَ مُغْلَقٌ .
وقَالَ ابنُ القيِّمِ : اطلْبْ قَلْبَكَ في ثَلاثةِ مَواطِنَ : عِنْدَ سَمَاعِ القُرآنِ ، وفي مَجَالِسِ الذِّكْرِ ، وفي أوقَاتِ الْخَلْوَةِ ؛ فَإنَّ لم تَجِدْهُ في هَذِهِ الْمَواطِنِ فَسَلِ اللهَ أنْ يَمُنَّ عَليْكَ بِقَلْبٍ ، فَإنَّهُ لا قَلْبَ لَكَ .

رد مع اقتباس