عرض مشاركة واحدة

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : تزكية النفس وما يتعلق بها
افتراضي كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟
قديم بتاريخ : 05-02-2016 الساعة : 10:57 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا شيخي الفاضل
كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟
هل من الممكن أن تساعدوني عن الكيفية والوسائل
بارك الله فيكم

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .

يُحاسِب الإنسان نفسه بأن يَقِف مع نفسه في أفعاله وأقواله وأخلاقه وتصرّفاته : هل هي التي أمَرَ الله بها ، أوْ لا ؟ هل هي مما يَرضاه الله عزَّ وجَلّ أو لا ؟
فإن مَن حاسَب نفسه هان عليه الحساب يوم القيامة ، كما قال عمر رضي الله عنه : حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا ، وتَزَيّنوا ، وإنما يَخفّ الحساب يوم القيامة على مَن حاسَب نفسه في الدنيا .
وفي رواية أنه قال : حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا ، وزِنُوا أنفسكم قبل أن تُوزَنوا ، وتَزَيّنوا يوم تُعْرَضون لا يَخْفَى مِنكم خافية .

وكما قال ميمونُ بنُ مِهران : الْمُتَّقِي أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريكِ الشحيحِ لِشريكه .

ومَن حاسَب نفسه هَذَّب أخلاقه ، وأطَرَ نفسه على الْحَقّ أطْرًا ، وقَسَرها على صلاحها قسْرًا .
ومَن ترك نفسه وَهَوَاها فقد سَعَى في رَدَاها .

ومَن حاسَب نفسه أصْلَح عيوبها ، وسَدّ خَللها .

وذلك أن عيوب النفس ربما تَخْفَى ، وقَلّ مَن ينتبه لها ويُصلحها ، أما العيوب الظاهرة فَكلّ يَراها ، وذلك مثل : أمراض البَدَن ، وأمراض القلب الْمَعْنَوِيّة ، فأمراض البَدَن كُلّ يشعر بها ، وأمراض القلب الْمَعْنَوِيّة قَلّ مَن ينتَبِه لها ، وذلك مثل : الغِلّ والحسد والبغضاء واحتقار الناس ، وغير ذلك مِن أمراض القلوب .

ولذلك كان إصلاح القلوب وتصحيح أعمال القلوب أحبّ إلى الله مِن أعمال الظاهِر ؛ لأن قبول الأعمال مَبْنيّ على صلاح القلوب التي هي مَحَلّ نَظَر الرّب ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَفِي رِوايَةٍ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ .

وإذا عَلِم الإنسان أنه موقوف بين يديّ الله عزَّ وجَلّ وَمَسئول عَمّا خَوّله الله وَحَبَاه ، اجتهَد في محاسبة نفسه وتزكيتها .

قال ابن القيم : قال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)
قال محمد بن جرير : يَقول الله تعالى : ثم لَيَسْألَنّكم الله عَزّ وجَلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عَمِلْتُم فيه ؟ مِن أين دَخلتم إليه ؟ وفِيمَ أصَبْتُمُوه ؟ وماذا عملتم به ؟
وقال قتادة : إن الله سائل كل عبدٍ عمّا استودَعه مِن نِعْمَته وحَقّه .
والنعيم المسئول عنه نوعان :
نوع أُخِذَ مِن حِلّه وصُرِف في حَقّه ، فيُسْأل عن شُكْرِه .
ونوع أُخِذَ بِغير حِلّه وصُرِف في غير حَقّه ، فيُسْأل عن مُسْتَخْرَجِه ومَصْرِفه .
فإذا كان العبد مَسئولا ومُحَاسَبا على كل شيء ، حتى على سَمْعِه وبَصَره وقَلْبه ، كما قال تعالى : (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) .
فهو حَقيق أن يُحَاسِب نَفسه قبل أن يُنَاقَش الْحِسَاب .
وقد دَلّ على وجوب مُحَاسَبة النفس قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) .
يقول تعالى : لِينظر أحدكم ما قَدَّم لِيَوم القيامة مِن الأعمال : أمِن الصالحات التي تُنْجِيه ، أم مِن السيئات التي تُوبِقه ؟
قال قتادة : ما زَال رَبّكم يُقرب الساعة حتى جَعَلها كَغَد .
والمقصود أن صلاح القلب بِمُحاسَبة النفس ، وفساده بإهْمَالِها والاسْتِرْسَال معها .

وقال ابن القيم :
وفى مُحَاسَبة النفس عدة مصالح ، منها :
الاطّلاع على عيوبها ، ومَن لم يَطّلع على عَيب نفسه لم يُمْكِنه إزالته ، فإذا اطّلع على عيبها مَقَتَها في ذات الله تعالى ...
فالنَّفْس دَاعِية إلى الْمَهَالِك ، مُعِينة للأعداء ، طَامِحَة إلى كُلّ قَبِيح ، مُتّبِعَة لِكُلّ سُوء ؛ فهي تَجْرِي بِطَبْعِها في مَيْدَان الْمُخَالَفَة .
وقال :
مِن أنفع ما للقَلْب : النظر في حقّ الله على العبد . فإن ذلك يُورِثه مَقْت نفسه ، والإزراء عليها ، ويُخلّصه مِن العُجب ورُؤية العَمل ، ويَفتح له باب الخضوع والذلّ والانكسار بين يَدي الله ، واليأس مِن نفسه ، وأن النجاة لا تَحصل له إلاّ بِعَفو الله ومَغفرته ورَحمته ، فإن مِن حَقّه أن يُطاع ولا يُعصَى ، وأن يُذكر فلا يُنْسَى ، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر .
فَمَن نَظَر في هذا الْحَقّ الذي لِرَبّه عليه عَلِم عِلْم اليقين أنه غير مُؤدّ له كَما يَنبغي ، وأنه لا يَسَعه إلاّ العَفو والمغفرة ، وأنه إن أُحِيل على عَمَله هَلَك .
فهذا مَحَلّ نَظر أهل المعرفة بالله تعالى وبِنُفُوسِهم ، وهذا الذي أيْأسَهم مِن أنْفُسِهم ، وعَلّق رَجاءَهم كُلّه بِعَفْو الله ورحمته .
وإذا تأمَّلت حال أكثر الناس وَجَدتّهم بِضِدّ ذلك ؛ يَنظرون في حَقّهم على الله ، ولا يَنْظُرون في حَقّ الله عَليهم . ومِن هاهنا انْقَطَعوا عن الله ، وحُجِبَت قُلوبهم عن مَعْرِفته ومَحبته ، والشّوق إلى لِقائه ، والتَّنَعّم بِذِكْرِه ، وهذا غاية جهل الإنسان بِرَبّه وبِنَفسِه .
فَمُحَاسَبة النفس : هو نَظَر العَبد في حَقّ الله عليه أوّلاً ، ثم نَظَره : هل قام به كَمَا يَنْبَغِي ثانيًا ؟
ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه :

أن لا يتركه ذلك يُدِلُّ بِعَمَل أصلا كائنا ما كان ، ومَن أدلَّ بِعَمَله لم يَصعد إلى الله تعالى . اهـ .

وكان السَّلف يَتّهِمون أنفسهم مع فَضلهم ، ويَتّهمون أنفسهم بالتقصير رَغم جلالة أعمالهم .
لَمّا ولي أبو بكر الخلافة خَطب الناس فقال : إني قَد وُلِّيتُ عَليكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُم . فلمّا بَلَغ الحسن البصري قوله ، قال : هو والله خَيْرُهم غَير مُدَافَع ، ولكن الْمُؤمِن يَهْضِم نَفْسَه . رواه البيهقي في السنن الكبرى.

وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة كان يُسَبِّح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة ، يقول : أُسَبِّح بِقَدْرِ ذَنْبِي . ذَكَره ابن حجر في الإصابة .

هذا ، وهُم مَن هُم في صلاحشهم وعباداتهم ووَرَعِهم ؟!

ومَن عَلِم أنه موقوف بين يدي الله ، ومسئول عن كل صغير وكبير ؛ أعدّ لِكلّ سؤال جوابا ، ومِن أسئلة يوم القيامة :
عن مَالِه :
مِن أين اكتسبه ؟
وفيمَ أنفقه ؟

وقد نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَن إضاعة المال .
قال عليه الصلاة والسلام : إن الله كَرِه لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : إِضَاعَةُ الْمَالِ إِنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مِنَ الْبَاطِلِ وَالإِسْرَافِ وَالْمَعَاصِي . اهـ .

ويُسأل كل إنسان :
عن عُمُره فيمَ أفناه ؟
وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟


مِن أجل ذلك اشْتَدّت مُحاسَبة السَّلَف لأنفسهم ، وحرِصوا على أوْقَاتهم ، وضَنّوا بها أن تذْهَب سُدى ، وأن تَضيع الأعمار هَبَاء .

كان عامر بن عبد قيس يقول : والله لأجتهدن ، ثم والله لأجتهدن ، فإن نَجوت فَبِرَحمة الله ، وإلاّ لَمْ ألُم نفسي .

وكان زياد مولى ابن عيّاش يقول لابن المنكَدِر ولِصَفوان بن سُليم : الجد الجد ، والحذر الحذر ، فإن يكن الأمر على ما نرجو كان ما عَمِلتما فَضلا ، وإلاّ لم تَلُوما أنفسكما .

وكان مُطَرِّف بن عبد الله يقول : اجتهدوا في العمل ، فإن يكن الأمر كما نرجو مِن رحمة الله وعَفوه ، كانت لنا دَرجات في الجنة ، وإن يكن الأمر شديدا كما نَخاف ونُحاذر ، لم نَقُل : (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، نقول : قد عملنا فلم ينفعنا ذلك .

ومِمّا يَعين على مُحَاسَبَة النفس : أن يَنظر الإنسان في سِيَر السَّلَف ، وكيف كانوا ؟

قال حَمْدُون القصّار : مَن نَظر فِي سِيَر السَّلَف عَرَف تَقْصِيره وتَخَلّفَه عَن دَرَجَات الرِّجَال .

ومَن حاسَب نفسه تَخَلّص مِن حقوق الْخَلْق ؛ لأن حقوق العباد مبناها على القصاص في القيامة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن كانت له مَظْلَمَة لأحَد مِن عِرْضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا دِرهم ، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بِقَدْرِ مَظْلَمَته ، وإن لم تكن له حسنات أُخِذ مِن سيئات صاحِبه فَحُمِلَ عليه . رواه البخاري .
ولِقوله عليه الصلاة والسلام : لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ . رواه مسلم .

وهنا :
ما حكم احتقار العاصية لأوامر الله وحكم لعنها ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22361

كيف نبدأ تزكية النفس ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7135

تنظُر إلى عبادتها بأنها أفضل مِن غيرها ، فهل حَبط عملها بهذا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11224

نصيحة للمغتابين والنمامين وكثيري اللغو ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7909

كيف أعاقب نفسي وأحاسبها بعد أن أخطأت
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5910

ومَقالات :
تزكية النفس ..
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7933

أقرب للتقوى
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13165

أنـت مَـلـك ...
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1895

مَـهَـانَـةُ نَـفْـس !
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6307

ما الذي بالله غرّك ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6118

خُطبة عن (آفاتٍ في النفوس)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13051

خُطبة جُمعة عن .. (اتهام النفس)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16902

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم



رد مع اقتباس