عرض مشاركة واحدة

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : راجية العفو المنتدى : قسـم المحرمـات والمنهيات
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-06-2015 الساعة : 07:25 AM



الجواب :


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً : طريقة أهل العِلْم الراسخين تحرِّي الحق واتِّبَاع الدليل ، والتجرّد عند البحث والمناقشة ، لا أن يدخل الداخل إلى مسألة ما بِخَلْفِية مُعينة ، أو حُكم مُسْبَق ، أو يبحث مسألة ما وهو يَنتصر لِقول مُعيّن !
ولا أن يُؤخذ بعض قول العالِم ويُتْرَك بعضه !

ثانيا : ما استُدِلّ به على عدم وُجوب تغطية المرأة لوجهها ليس فيه مُستمسك ، ولا يصحّ الاستدلال به لأربعة أسباب :
الأول : أن مِن أدلة الحجاب ما كان قبْل نُزول الحجاب ، فلا يصحّ الاستدلال به على ما بعد نُزول آيات الحجاب .
والثاني : أن مِنه ما هو فَهْم للكاتِب - كما سيأتي بيانه - ، والأصل الاحتكام إلى الكتاب والسنة بِفَهْم أهل العِلْم الراسخين .
الثالث : أنه أهْمَل الأدلة الموجبة لِتغطية المرأة لِوجهها .
الرابع : أن طريقة أهل العِلْم حَمْل الدليل الْمُحْتَمَل على الدليل الصريح ، كما سيأتي بيانه في الرد .

ثالثا : بيان ما استَدَلّ به على النحو التالي :

1 – قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ، حيث اسْتَدَلّ به على : (إن وجوه النساء مكشوفة فلو كانت الوجوه كلها مستورة وكان كل النساء منقبات . فما وجه الحث على غض الأبصار ؟)
والجواب عنه مِن وجهين :
الوجه الأول : أن مِن النساء مَن لا يُؤمَرن بِتغطية وُجوههن ، مثل : الجواري ( الإماء ) ونساء الكفار ، ومَن لا يَلْتزمن بالحجاب الشرعي ، والصغيرات ممن تلفت الأنظار ، وإن كانت دون البلوغ .

قال الإمام البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نِساء العَجَم يَكْشِفْن صُدورهن ورؤوسهن . قال : اصْرِف بَصَرَك عنهن ، يقول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) .
قال قتادة : عما لا يحل لهم .
( خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ) من النظر إلى ما نَهى عنه ، وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تَحِض من النساء ، لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه ، وإن كانت صغيرة ، وكَرِه عطاء النظر إلى الجواري التي يُبَعْن بمكة إلاَّ أن يُريد أن يشتري . اهـ .
وهذا مِن فَهْم السلف للآية ، ولِمعنى غضّ البصر .
وقوله : " إن نساء العجم يكشِفْن صُدورهن ورؤوسهن " فيه دليل على أن نساء العرب لم يَكن ذلك مِن شأنهن .

الوجه الثاني : أن النظر إلى مفاتِن المرأة منْهِيّ عنه ، وإن كانت مُحجّبة حجابا كاملا لا يُرى منها شيء ؛ وقد تُعْرَف المرأة مِن جسمها ، ويوجد مِن الرجال من يفتتن بِالنظر إلى جِسْم المرأة ، ولو كانت مُحجبة ، خاصة إذا كانت المرأة ممتلئة الجسم .
قال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فَزَيّنها لمن يَنْظُر ، فإذا أدْبَرَت جَلَس على عَجْزها فَزَيّنها لمن يَنظر .

وبهذا يُقضَى على أكثر مِن دليل اسْتَدَلّ به ، كما في ( 6 ) ، ( 7 ) ، ( 9 ) مِن أدلته فيما يتعلّق بِغض البصر .

2 – قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
حيث قال : (فمن أين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرِؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟)
وهذا اسْتِدلال ضعيف لِسببين :
الأول : لأن حُسْن المرأة قد يُعرَف بالوَصْف ، كأن تَصِفه النساء ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا تُبَاشِر المرأة المرأة فَتَنْعَتها لِزوجها كأنه ينظر إليها . رواه البخاري .
أي لا تَصِفُها لِزَوجها فتقع مِن قلبه موقعا فيُفتن بها .
ومِن هذا الباب مَنْع النبي صلى الله عليه وسلم الْمُخنَّث مِن الدخول على النساء .
فقد روى البخاري ومسلم مِن حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ : إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ .
نَقل ابن بطّال عن المهلّب قوله : لَمَّا سَمِع النبي صلى الله عليه وسلم وَصْف الْمُخَنَّث للمرأة بهذه الصفة التي تَهِيم نفوس الناس ، مَنَع أن يَدْخل عليهن ؛ لئلا يَصِفهن للرِّجال فيسقط معنى الحجاب . قال غيره : وفيه مِن الفِقه أنه لا ينبغي أن يَدْخُل على النساء مِن المؤنثين مَن يَفْطن لِمَحَاسِنهن ويُحْسِن وَصْفهن . اهـ .
الثاني : لأن حُسْن المرأة قد يُعْرَض على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجوز للنساء عَرْض أنفسهن على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وعلى الرجل الصالح ، كما بوّب الإمام البخاري : باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح
ثم روى بإسناده إلى ثابت البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنةٌ له . قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعْرِض عليه نفسها ، قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها . واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رَغِبَت في النبي صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عليه نفسها .
قال ابن حجر : جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه ، فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه .
وقال عن هذا الحديث وحديث سهل بن سعد : وفي الحديثين جواز عَرْض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه ، وأن لا غضاضة عليها في ذلك ، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار ، لكن لا ينبغي أن يُصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت . وقال المهلب : فيه أن على الرجل أن لا ينكحها إلاَّ إذا وَجَد في نفسه رَغبة فيها . اهـ .
وقال الإمام النووي : وفيه استحباب عَرْض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها . اهـ .

وقال ابن كثير : وقوله : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) يعني : لِصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهنّ مِن كلامهن الرخيم ، وتعطفهن في المشية وحَركاتهن ، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يَفهم ذلك ، فلا بأس بِدُخوله على النساء . فأما إن كان مُرَاهِقا أو قَريبا منه ، بحيث يَعْرِف ذلك ويَدْرِيه ، ويُفَرِّق بين الشوهاء والحسناء ، فلا يُمَكّن مِن الدخول على النساء . اهـ .

3 – قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) .
وقوله : (يستثنى الحق سبحانه وتعالى زينه المرأة الظاهرة وهي وجهها وكفيها وذلك بإجماع جمهور المفسرين)
وهذا تدليس على القُرّاء ، فإن هذا ليس هو قول جمهور المفسِّرين ، فضلا عن أن يكون إجماعا .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره : وقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) يقول تعالى ذِكْرُه : ولا يُظهرن للناس الذين لَيسُوا لهن بِمَحْرَم زينتهنّ ، وهما زينتان :
إحداهما : ما خَفِي ، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد .
والأخرى : ما ظَهر منها ، وذلك مُخْتَلَف في المعنيّ منه بهذه الآية ، فكان بعضهم يقول : زينة الثياب الظاهرة .
ثم روى ابن جرير بإسناده إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الزينة زينتان : فالظاهرة منها الثياب ، وما خَفِي : الخَلْخَالان والقرطان والسواران .
وروى بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : والزينة الظاهرة : الوجه ، وكحل العين ، وخِضَاب الكفّ ، والخاتم ؛ فهذه تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها .
يعني مِن النساء ومِن محارمها .

وقال البغوي في تفسيره : قوله تعالى : (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أراد به الزينة الظاهرة . واخْتَلَف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى : قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي : هو الوجه والكفان . وقال ابن مسعود : هي الثياب ، بدليل قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، وأراد بها الثياب . اهـ .

وقال ابن كثير : وقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: لا يُظهرْنَ شيئا من الزينة للأجانب ، إلاَّ ما لا يمكن إخفاؤه .
وقال ابن مسعود : كالرِّداء والثياب . يعني : على ما كان يتعاطاه نساء العرب ، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها ، وما يَبدو مِن أسافل الثياب فلا حَرج عليها فيه ؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زِيّ النساء ما يَظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه . وقال بقول ابن مسعود : الحسن ، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغيرهم . اهـ .

فهل قال جمهور المفسِّرين بِما قاله صاحب الاستدلال ؟!

وقول ابن عباس رضي الله عنهما محمول على احد أمْرَين :
الأول : تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها . كما رواه عنه ابن جرير ، وقد تقدَّم .
والثاني : في أمْن الفتنة .
قال القرطبي في تفسيره : وقد قال ابن خويز منداد مِن علمائنا : إن المرأة إذا كانت جميلة وخِيف مِن وجهها وكَفيها الفتنة فَعليها سَتر ذلك ، وإن كانت عجوزا أو مُقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها . اهـ .
ونقل الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على مَنْع النساء أن يَخْرُجْن سَافِرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق .


وقوله : (فالزينة الظاهرة هي الوجه والكفين لان المستثنى لا بد أن يكون من جنس المستثنى منه)
أقول : هذا قول ضعيف ، ولا أعلم أحدا قال به قبله !
فإن في اللغة : الاستثناء الْمُنْقَطِع ، وهو أن يكون المستثنى ليس مِن مَعْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْه . ويُمَثِّل لَه أهْل اللغَة بِقَولِهم : " جَاء القَوم إلاَّ حِمَارًا " ، كما قال ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك .

4 – الاستدلال بالآية السابقة على معنى الْخِمار ، وهو لم يأتِ بِفَهْم السلف ، بل بِفهمه هو للخمار !
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : و " الْجِلْبَابُ " هُوَ الْمُلاءَةُ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ : الرِّدَاءَ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ : الإِزَارَ ، وَهُوَ الإِزَارُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُغَطِّي رَأْسَهَا وَسَائِرَ بَدَنِهَا . اهـ .
وقال الشوكاني : الْجِلْبَابُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِتَكْرَارِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللامِ ، قِيلَ : هُوَ الإِزَارُ وَالرِّدَاءُ . وَقِيلَ : الْمِلْحَفَةُ . وَقِيلَ : الْمِقْنَعَةُ ، تُغَطِّي بِهَا الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا . وَقِيلَ : هُوَ الْخِمَار . اهـ .
ويجب على المرأة أن تلبس ما يسترها ستْرًا كاملا عند الخروج ، وهو ما يكون في معنى الجلباب ، وقد سألتْ امْرَأَةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ : قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا . رواه البخاري ومسلم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه إن الحرة تحتجب ، والأمَة تبرُز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة مختمرة ضربها ، وقال : أتتشبهين بالحرائر ! أيْ لكاع . فَيَظْهَر من الأمَة رأسها ويداها ووجهها …
وكذلك الأمَة إذا كان يُخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ، ووجب غض البصر عنها ومنها ، وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر … فإذا كان في ظهور الأمَة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك ، وهكذا الرجل مع الرجال ، والمرأة مع النساء : لو كان في المرأة فتنة للنساء ، وفى الرجل فِتنة للرِّجال لَكَانَ الأمر بالغضّ للناظر من بَصَرِهِ متوجِّها كما يتوجَّه إليه الأمر بِحِفْظِ فَرْجِه . انتهى كلامه رحمه الله .
وقول عمر هذا . قال عنه الألباني : هذا ثابت من قول عمر رضي الله عنه .وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه من أقوى الأدلة على اختصاص الحرائر بالحجاب - الخمار ، وهو غطاء الوجه - دون الإماء ، وأن من كشفت وجهها فقد تشبّهت بالإماء !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء . اهـ .
قال ابن منظور في لسان العرب : والْمِقْنَعةُ : ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها . اهـ .
والخمار ما يُلفّ على الرأس ويُغطّى به الوَجه ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فشققن مُروطَهن فاخْتَمَرْنَ بها . رواه البخاري .
ومِنه قوله عليه الصلاة والسلام : خَمِّرُوا الآنِيَةَ . رواه البخاري ومسلم . والمقصود به : التغطية .
ومِنه سُمِّيت الْخَمْر خمْرًا ؛ لأنها تُخامِر وتُغطِّي العقل .

قال ابن حجر : قوله : " فاخْتَمَرْن " ، أي : غَطّين وُجُوههن ؛ وصِفة ذلك أن تَضَع الخمار على رأسها وتَرْمِيه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع ، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قُدّامها، فأمِرْن بالاستتار . اهـ .

ومِن أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة إذا كانت بِحضرة رجال أجانب قول الله عَزّ وَجلّ في حقّ القواعد من النساء : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) .
قال ابن مسعود : إنما أُبِيح لهن وَضْع الجلباب الذي فوق الخمار والرداء .
قال ابن كثير : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يقول : فليس عليهنّ حرج ولا إثم أن يَضعن ثيابهنّ ، يعني جلابيبهنّ ، وهي القِناع الذي يكون فَوق الخمار ، والرداء الذي يكون فوق الثياب ، لا حرج عليهن أن يَضعن ذلك عند المحارِم مِن الرجال ، وغير المحارم مِن الغرباء ، غير متبرجات بزينة . اهـ .
فإذا كان هذا في حقّ النساء الكبيرات ، فكيف بِحقّ غيرهن من الشابات ؟!
ولا شك أن ما أُذِن للكبيرات في وضْعِه لا يُؤذَن للشابات في وضعه .

5 – الاستدلال بِحديث : " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا " لا يُسلَّم له به لأمرين :
الأول : ضَعْف الحديث ؛ فقد ضَعّفه غير واحد .
قال ابن كثير : قال أبو داود وأبو حاتم الرازي : هذا مُرْسَل ؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة . اهـ . والْمُرْسَل مِن أقسام الحديث الضعيف عند جمهور الْمُحدِّثين .
وقال ابن التركماني : في سَنَده الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير ، والوليد مدلس ، وابن بشير ، قال يحيى : ليس بشيء ، زاد ابن نمير : منكر الحديث وضعفه النسائي ، وقال ابن حبان فاحش الخطاء ، ورواه ابن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة . اهـ .
بل ضعّفه الشيخ مصطفى العدوي في رسالة " الحجاب " مِن سبعة أوْجُه .
الثاني : احتِمال أن يكون في أول الأمر ، وقبل نُزول الحجاب .

6 ، 7 – في غض البصر ، وسبق الجواب عنها ، إلاّ أن قوله : (ومعلوم أن غض البصر يكون عند مطالعه الوجه بداهة)أقول : ليس هذا مِن المعلوم بِداهة ! لأن المؤمن يُؤمَر بِغضّ بصَره عن الجواري وعن نساء الكفار وعمّن لم تلتزِم بالحجاب الشرعي ، كما يُؤمَر بِغضّ بصَرِه عن الأجسام الفاتنة . وقد تقدّم القول في الرد الأول ، ونَقْل قول البخاري وما ساقه مِن أقوال السلف في هذا الباب .

8 – الاستدلال بِحديث جابر ، وفيه : إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل .
واستدلاله ضعيف مِن وجهين :
الوجه الأول : معلوم أن ما يدعو الرجل إلى نكاح المرأة ليس هو النظر إلى الوَجْه فَحَسْب ، ولذا قال جابر رضي الله عنه : فخطبت امرأة من بني سليم فكنت أتخبأ لها في أصول النخل ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . رواه أبو داود والحاكم وقال : هذا حديث صحيح .
وروى ابن ماجه عن محمد بن سلمة قال : خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها ، فقيل له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ألقى الله في قَلب امرئ خِطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها .
والوجه الثاني : أن نساء الصحابة لو كُنّ سافرات عن وُجوههن في كل طريق ، وفي كل ذهاب ومجيء ، لم يكن أحد منهم بِحاجة إلى أن ينظر إلى مَن خَطبها ، ولا أن يتخبأ لها لينظر إليها !

وهذا الحديث مما استدلّ به الذين قالوا بِوجوب تغطية وجه المرأة ، إذا كانت بحضرة رِجال أجانب ، فمن عَجَب أن يُسْتَدَلّ به على جواز كشْف الوجه !

9 – الاستدلال بحديث " لا تتبع النظرة النظرة " استدلال ضعيف ، وقد تقدّم في الرد الأول تضعيف استدلاله بالأمر بِغضّ البصر ، على أن غضّ البصر يكون عن الوجوه .
وأزيد هنا :
أن الإنسان قد ينظر إلى امرأة لم تعلَم بِوجوده بِقربها أصلا ، فَنُهِي عن إتباع النظرة النظرة .
كما أن المؤمن يُنهَى عن النظر إلى الأمرد .
قال ابن كثير : قال كثير من السلف : إنهم كانوا يَنْهَون أن يُحِدَّ الرجل بَصَره إلى الأمْرَد . وقد شَدَّد كثير مِن أئمة الصوفية في ذلك ، وحَرَّمه طائفة مِن أهل العِلم ، لِمَا فيه من الافتتان ، وشَدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًا . اهـ .

10 – الاستدلال بحديث " إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله "
وقوله : (قال الامام الجصاص فى تفسيره احكام القرآن : ( ولا يعجبه حسنهن الا بعد رؤيه وجوههن ))
وهذا تلبيس على القراء ، فإن الجصاص إنما قال : (قَوْلُهُ : (لا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ) وَلا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلاَّ بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ) .

ولا يصح الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله " على كون النساء سافرات الوجوه ، لسببين :
الأول : أن في الحديث نفسه : إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ . رواه مسلم .
ومعلوم أن الإدبار ليس فيه نَظَر للوجوه إطلاقا ! فلو رأى الإنسان امرأة مُدبِرة ، ووقع في نفسه شيء ، فهو مأمور بأن يأتِ أهله .
الثاني – وهو تابِع للأول – أنه تقدّم أن الإنسان قد يُفتَن بالنظر إلى بدن المرأة .
ولذا قال زيد بن حارثة رضي الله عنه عن زينب رضي الله عنها : فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي . رواه مسلم .
ومِن هذا أمْر نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام للمرأة التي جاءته تمشي على استحياء .
روى ابن جرير في تفسيره عن ابن إسحاق أنه قال : فقال لها [ يعني موسى ]: امشي خَلْفي ، وانْعَتِي لي الطريق ، وأنا أمشي أمامك ، فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء !

11 – الاستدلال بقصة المرأة الخثعمية التي وُصِفَت بأنها وضيئة .
لا يصحّ الاستدلال به لِعدة وجوه :
الأول : أن الوضاءة ليست مُختصة بالوجه .
والوضاءة تكون في الجسم ، وقد عَرَف عُمر رضي الله عنه سودة رضي الله عنها في الظلام !
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً ، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ : أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحِجَابَ .

الثاني : أنه جاء في رواية أن أباها كان يَعْرِضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذا صَرَف النبي صلى الله عليه وسلم وَجْه الفضل عنها .
رواه أبو يعلى عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء ، فجعل يَعْرِضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها . قال : فجعلت ألْتَفِتْ إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه .
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
ولا يُعارضه قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرًا لا يثبت على الراحلة . فإن الأب يُطلق على الْجَدّ أيضا .

الثالث : احتمال كشْف الوجه في الإحرام .
وأما قوله : ( ولا حجه فى الحديث ان المرأه كانت محرمه فى الحج لان الواقعه كانت بعد النحر اى بعد التحلل من الاحرام )فهو غير صحيح ، ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما في صِفة حجّة النبي صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ .. الحديث . رواه مسلم .
فهذا صريح في أن إرداف النبي صلى الله عليه وسلم للفضل كان مِن مُزدلفة وقبل رَمي الجمرة وقبل التحلل .

الرابع : أن صَرْف النبي صلى الله عليه وسلم لِبصَر الفضل إنما كان عن عموم النظر ، ففي الحديث السابق : " فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ " ، ومعلوم أن جَرْي الإبل مَدْعَاة لانكشاف النساء .
قال القاضي عياض : فيه سُنّة غضّ البصر خوف الفتنة ، وأن ذلك في حق النساء والرجال جميعا بعضهم لبعض ، ألا تراه كيف قال في الفضل : " وكان أبيض وَسِيمًا حَسَن الشَّعْر يخاف فتنة الظعن به ، وفتنته بهن " ؟ . اهـ .

12 – الاستدلال بقصة الرجل الذي نَظَر إلى امرأة .. وقوله : (فدل هذا الحديث على ان النساء كن سافرات الوجوه وكان منهن من تلفت بحسنها انظار الرجال)
أقول هذا قول ضعيف مِن عدّة وُجوه :
الوجه الأول : احتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب .
الوجه الثاني : أنه – إن صحّ الحديث – فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعْتبَر نَظَر الرجل إلى المرأة ذَنْبًا عُجِّلَتْ له عقوبته . فلو كان كشف وجْه المرأة جائزا والنظر إليه جائزا ، لَمَا كان الناظر مُستحِقّا للعقوبة !
الوجه الثالث : أنه قد يكون نَظَر إلى امرأة لا تَعْلَم بِوُجُودِه ، وقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي قال : بينا أنا في حائط من حيطان المدينة إذ بَصُرت بامرأة ، فلم يكن لي هم غيرها حتى حاذتني ، ثم أتبعتها بصري حتى حاذيت الحائط ، فالتفت فأصاب وجهي الحائط فأدماني .
فإذا كان ذلك كذلك ، فإنه يُرجِّح أن الرجل في الحائط والمرأة خارجه ، ويُحتَمل أنها لم تكن تعلم بِه .
والاحتمال الثاني أنها امرأة ليست مِن نساء المسلمين ، وهذا الاحتمال وارِد ، إذ كان اليهود يُخالِطون المسلمين في المدينة ، وكانت نساء اليهود يَدْخُلْن على عائشة رضي الله عنها ، كما ثبت ذلك في غير حديث .
وفي نساء اليهود جَمَال لا يُنْكَر ، ومِن ذلك ما ذُكِر لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فَتْح خيبر مِن جَمَال صفية رضي الله عنها ، حتى اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لِنفسه .

الوجه الرابع : أن المسألة لم تكن لِمُجرّد النظر .
فقد جاء في رواية لإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن مغفل : أن رَجُلا لَقِي امرأة كانت بَغِيًّا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها ، فقالت المرأة : مه ، فإن الله عز وجل قد ذَهب بالشرك - وقال عفان مرة : ذَهب بالجاهلية - وجاءنا بالإسلام ، فَوَلّى الرجل ، فأصاب وجهه الحائط فَشَجّه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت عَبْد أرَاد الله بك خَيرا . إذا أراد الله عز وجل بِعَبْدٍ خَيرا عَجّل له عقوبة ذَنْبه ، وإذا أراد بِعَبْدٍ شَرًّا أمْسك عليه بذنبه حتى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة كَأَنَّهُ عَيْر . قال الحافظ العراقي : رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح من رواية الحسن عن عبد الله بن مُغَفّل مَرفوعا ومُتَّصِلاً . اهـ . وقال شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : صحيح لغيره ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة ، فمن رِجال مسلم . اهـ .

الوجه الخامس : أن الرجل عدّ فِعله ذلك ذَنْبًا . ففي رواية الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : هَلَكْت .
فهو يعتبره هلاكًا ، إذ لو كان يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها ، ويجوز للرجل أن ينظر إليه ، لَمَا كان ذلك يُعدّ عقوبة !

13 – الاستدلال بِما رواه ابن جرير وأوْرَده السيوطى فى الدر المنثور ، وفيه : " إذا عَرَكَت المرأة لم يَحِلّ لها أن تُظْهر إلاّ وجهها وإلاَّ ما دون هذا ... " .
وهذا ضعيف ، فإن ابن جرير أوْرَده بلا إسناد ، قال ابن جرير : قالت عائشة: دَخَلَتْ عليّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنةً ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأعرض .. الحديث .
فلا حُجّة فيه .
وعلى من يستدلّ أن يُثبِت الدليل قبل استدلاله .

14 ، 15 – الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : لا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ ، وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ . رواه البخاري .
وبِقول عائشة رضي الله عنها : لا تَلَثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ وَلا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلا زَعْفَرَانٍ . علّقه البخاري .

وهذا ليس فيه دليل على كَشْف الوجه مِن وُجوه :
الأول : أن النهي عن البرقع والنقاب ليس نهيًا عن تغطية الوجه ، ففي رواية البيهقي لقول عائشة رضي الله عنها : ولا تتبرقع ولا تَلَثّم وتُسْدِل الثوب على وجهها إن شاءت .
قال ابن حجر : وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : تُسْدِل المرأة جلبابها مِن فوق رأسها على وجهها .

الثاني : أن النهي عن تَغْطِية الوجه إنما هو بِما يُفَصَّل على قَدْره ، ولذلك قُرِن النهي عن النقاب بالنهي عن القفاز .
قال ابن القيم : وَجْه المرأة كَبَدَن الرجل ، يَحْرُم سَتره بالْمُفَصَّل على قَدْره ، كَالنقاب والبرقع ، بل ويَدَها يَحْرُم سَترها بِالْمُفَصّل على قَدْر اليد ، كَالقُفّاز ، وأما سَترها بِالْكُمّ وسَتْر الوَجه بالملاءة والخمار والثوب فلم يُـنْهَ عنه ألبته . اهـ .

الثالث : أنه لم يَقُل أحد إن المرأة الْمُحْرِمَة لا تلبس الثياب لأنها نُهِيت عن لبس ما فيه وَرْس أو زَعْفَرَان .
قال ابن القيم :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَشْرع لها كَشْف الوَجه في الإحرام ولا غيره ، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصّة ، كما جاء بالنهي عن القفازين ، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل ، ومعلوم أن نَهْيَه عن لُبس هذه الأشياء لم يُرِد أنها تكون مكشوفة لا تُسْتَر البتة ، بل قد أجمع الناس على أن الْمُحْرِمة تَسْتُر بَدَنها بقميصها ودِرعها ، وأن الرَّجل يَستر بَدنه بالرداء وأسَافِله بالإزار ، مع أن مَخْرَج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحِد . وكيف يُزاد على موجب النص ويُفْهَم منه أنه شَرَع لها كَشْف وجهها بين الملأ جِهارا ؟ فأي نص اقتضى هذا ، أو مفهوم ، أو عموم ، أو قياس ، أو مصلحة ؟ . اهـ .

الرابع : أن نساء السلف فَهِمْن أن النهي إنما هو عن لبس النقاب والبرقع ، ولم يَفْهَمْن أنه لا يجوز لهنّ تغطية وُجوههن حال الإحرام .
قالت عائشة رضي الله عنها : كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سَدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه .
وهذا عام في أمهات المؤمنين وغيرهن .
ومن ادّعى خصوصية أمهات المؤمنين بهذا الأمر فقد غلِط ، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أفْتَتْ نساء المؤمنين بذلك .
فقد روى إسماعيل بن أبي خالد عن أمه قالت : كنا ندخل على أم المؤمنين يوم التروية فقلت لها : يا أم المؤمنين هنا امرأة تَأبى أن تُغَطِّي وَجهها . فَرَفَعَتْ عائشة خمارها مِن صدرها فَغَطَّت به وجهها . رواه ابن أبي خيثمة .
وكان عليه العمل عند غير أمهات المؤمنين . كَما رَوت ذلك فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جَدّتها . روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نُخَمِّر وجوهنا ونحن مُحْرِمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .

16 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي الفجر ، فيشهدُ معه نساءٌ من المؤمنات متلفعاتٌ بِمُرُوطِهنّ ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ، ما يَعرفُهُنّ أحدٌ من الغَلَسِ . رواه البخاري ومسلم .
وليس في الحديث ما يدلّ على جواز كَشْف الوَجه ، إذ يُرد الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم .
وقد تظافرت أدلة الوحيين على وُجُوب تغطية المرأة لِوَجْهها .
وأما الأحاديث التي قد يُفهم منها كَشْف الوجه كهذا الحديث فليست صريحة في الدلالة .
وغاية ما في هذا الحديث نَفْي الْمَعْرِفة ، وهو مُحْتَمِل لِوُجُوه :
الأول : إما نفي معرفة أعيانهن من قِبل النساء أنفسهن .
الثاني : أن ذلك قبل نزول الحجاب ، كما قاله الباجي ، فيما نقله عنه ابن الملقّن .
الثالث : إن مِن عادة النساء في ذلك الزَّمَن أنهن يَنْصَرِفْن قبل الرِّجَال .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تَسليمه ، ويمكث هو في مقامه يَسيرًا قبل أن يقوم . قالت : نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يُدْرِكهن أحَدٌ مِن الرجال . رواه البخاري .
بمعنى أنهن لو كشفن وجوههن مع الغَلَس وانصرافهن قبل الرجال لم يكن فيه مِن حَرج ، كما أنه ليس فيه مستمسك للقول بجواز كشف المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ؛ لأنهن يَنْصَرِفن قبل الرجال .

17 – الاستدلال بقصة المرأة التي جاءت تعرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : (ولو لم تكن سافرة الوجه فما معنى نظره صلى الله عليه و آله اليها؟)
والجواب :
أنها جاءت تَعْرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن العَرْض بِخلاف غيره مِن الأحوال المعتادة .
ومِن جِهة أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلة الْمَحْرَم للنساء ، فيجوز له ما لا يجوز لِغيره مِن النظر ، واستدلّ العلماء لذلك بأدلة ، منها :
قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
وفي قراءة تفسيرية : وهو أبٌ لهم .
قال الشنقيطي : وفي قراءة أُبَيّ بن كعب : (وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم) ورُوي نحوها عن ابن عباس ، وبهذا القول قال كثير مِن العلماء . اهـ .
ما رواه البخاري من طريق خَالِد بن ذَكْوَان عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي .
قال ابن حجر : وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا ، وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانَ فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلا زَوْجِيَّة . اهـ .

وما رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَال : عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ . قَالَ عُمَرُ : فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ، ثُمَّ قَال : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ! أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَ : نَعَمْ ! أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وغيرها من الأدلة .

18 – الاستدلال بـ (سفعاء الخدين) وهو استدلال ضعيف لوجهين :
الأول : أن يكون ذلك قبْل الحجاب . والأمر بالحجاب متأخّر عن الأمر بِصلاة العيد .
قال ابن الْمُلَقِّن رحمه الله : أول عيد صَلاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الفِطر مِن السَّنة الثانية مِن الهجرة . اهـ .

الثاني : أن تكون امرأة كبيرة .
قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : لكن حُذّاق شُيوخنا زَعَموا : أن هذا الحرف مُغَيَّر في كتاب مسلم ، وأن صَوابه : " من سفلة النساء " ، ويؤيِّده : قول مَن رَواه : " ليست من عِلْيَةِ النساء " ، ويعضده أيضًا قوله بعد : " سفعاء الْخَدَّين" ، والسُّفعة : شُحوب بسواد . اهـ .


19 – الاستدلال بقصة سبيعه الأسلمية رضي الله عنها ، وقوله : (فدل هذا الحديث على ان سبيعه ظهرت متجملة امام ابى السنابل)
وهذا مُحْتَمَل لأمرين :
الأول : أن التجمّل أعمّ مِن أن يكون في الوَجْه ؛ لأن المرأة الْمُحِدّ على زوجها مأمورة باجتناب زينة اللباس وزينة الوَجه والطيب .
الثاني : أن أبا السنابل كان مِن ضِمّن الْخُطّاب . ويدلّ عليه ما في رواية النسائي في الكبرى : فَخَطَبها أبو السنابل بن بَعْكَك فأبَت أن تنكحه ، فقال : ما يصلح لك أن تنكحي حتى تَعْتَدّي آخِر الأجلين !

20 – الاستدلال بِقَول أم خلاّد : (ان أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائى)
لا يصح لوجهين :
الأول : أن الحديث ضعيف . فقد رواه أبو داود ، وفي إسناده ضعيفان :
عَبْد الخبير بن ثابت بن قَيْس . قال ابن حجر في التقريب : مجهول الحال .
و فَرَج بن فضالة . قال ابن حجر في التقريب : ضعيف .

والثاني : لو صحّ لَكان حُجّة عليهم ؛ لأنها مُنتقبة مع عِظَم المصيبة !

21 – قوله : (قال بن عباس ( فرأيتهن يهوين بأيدهن يقذفنه فى ثوب بلال )
ودلاله هذا الحديث ان ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله يرى ايديهن فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة)

وهذا ضعيف أيضا لوجوه :
الأول : احتمال كونه قبل الحجاب ، وتقدّم أن أول صلاة عيد صلاّها رسول الله كانت في السنة الثانية مِن الهجرة .
الثاني : أنه ليس فيه التصريح بأن أيديهن كانت مكشوفة ، فليس فيها وَصْف خِضَاب أو خواتم ونحو ذلك .
الثالث : التعسّف في إقحام ذِكْر الوجه ! حيث قال في قول ابن عباس : (فرأيتهن يهوين بأيدهن) : (فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة) فمن أين له ذِكْر الوجه ؟!
الرابع : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا ، فإنه كان قد ناهز الاحتلام عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : أنه كان آنذاك دون البلوغ ، هذا لو كان رأى شيئا !
الخامس : أنه يصحّ أن تقول : مدّت المرأة يدها ، وأنت لا تُريد بذلك أنها مدّت يدًا مكشوفة .
بل لو كانت مدّت يدها وهي تلبس القفازين ، فإنك تقول : مدّت يدها .

22 ، 23 – تقدّم القول في النظر إلى المخطوبة ، وأنه أعمّ مِن أن يكون في النظر إلى الوجه .
وتَعَسّف بقوله : (والحديث فيه دلاله على كون المرأة غير منتقبه)
فمن أين له ذلك القول ؟ ومَن قال به قَبْلَه ؟!

24 – قوله : (ما ورد ان كرائم الصحابيات يكشفن وجوههن)
وأضعف ما رأيت قوله : (ودلاله الحديث فى انه لولا ان عامة النساء كن سافرات الوجوه ويتعرف عليهن الرجال تبعا لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله من هما ولما تعرف عليها بلال وقال امرأة عبد الله)
فهل معرفة اسم المرأة يلزم مِنه كشْف وجهها ؟!
فإن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسم : أي الزيانب ؟!
وهُنّ مَن أخبرنه منهن ، ففي رواية لمسلم ، قالت زينب : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ : أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا ؟ وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ .

25 – استدلاله بـ (فزار سلمان ابا الدرداء فرأى ام الدرداء متبذله)
ثم قال مِن عنده : (فكانت معرفه سلمان انها متبذله دليل على رؤيته لوجهها)

أوّل مرّة أعرف أن التبذّل يكون في الوَجْه !!

قال القاضي عياض : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة بِذْلة ثيابها ، وهو ما يُمْتَهَن منها في الخدمة والشغل غير متزينة . اهـ .
وقال ابن الأثير : التَّبَذُّلُ : ترك التزيُّن والتَّهيُّئ بالهيئة الحسَنة الجميلة على جِهة التواضع . اهـ .
وقال ابن حجر : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة ثِياب البِذْلة ، وهي الْمِهْنَة وَزْنًا ومَعْنًى ، والمراد أنها تَارِكة لِلِبْس ثِياب الزِّينة . اهـ .

ولو كان سلمان رضي الله عنه رأى وجه أم الدرداء رضي الله عنها لَمَا كان فيه استدلال ، لوجهين :
الأول : أن يُحمَل ذلك على ما قبل الحجاب .
الثاني : ما كان بينهما مِن أخوّة الإسلام ، التي كانت في أوّل الأمْر بين المهاجرين والأنصار .

إلى هنا أقِف ، وما ساقَه مِن أقوال الصحابة رضي الله عنهم لا يُسلّم له به ؛ لأن الصحابة قد اخْتَلفوا ، وإن كان الكاتب غير أمين في النقل ؛ لأنه يُوهِم القُرّاء أن ذلك القول الذي قاله هو قول جمهور المفسِّرين ! أو يُلبّس على القراء بِفَهْمه هو دون فَهْم السلف ، أو يأتي بِما لم يأتِ به الأوائل !
أو يستدلّ بِما لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مع تهويله في العنوان ( خمسون دليلا .. ) مع أنه لا يُسلَّم له بِدليل واحد !

بل قد دلّت الأدلة على وُجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب .

وسبق بيان بعض أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة أمام الرجال الأجانب هنا :
الحجاب عادة !
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1888

وأما قوله في نهاية مقاله : (وقد تشدد المسلمون فى العصور الماضيه تحت عنوان سد الذريعه إلى الفتنه فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد .. )
فهذا ليس تشددا .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : قلت لِعَمْرَة : أو مُنِعْن ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لِمَا أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيبِ وحسنِ الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن المبارك : أكْرَه اليوم الخروج للنساء في العيدين ، فإن أبَت المرأة إلاّ أن تَخْرُج فليأذن لها زوجها أن تَخْرُج في أطهارها ولا تَتزين ، فإن أبَتْ أن تَخْرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك .

تنبيه :
نقل فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مَنْع النقاب ، والشيخ رحمه الله إنما مَنَع ذلك لتوسّع النساء فيه ، وليس لأنه لا يجوز ، بل الشيخ رحمه الله يرى وُجوب تَغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب .
وهذه فتوى من فتاوى الشيخ رحمه الله :
http://binothaimeen.net/content/10126

والله تعالى أعلم .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

رد مع اقتباس