عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : عبق المنتدى : إرشــاد الـصــلاة
افتراضي
قديم بتاريخ : 12-08-2015 الساعة : 03:44 PM

وقد وافَق عيد الفِطر في هذا العام 1436 هـ يوم جمعة ، وقرأت لبعض الفضلاء تضعيفا لهذا القول ، وعَلّل ذلك بـ :

أن الأصل الجمعة ، فلا تُترَك لِمَظنون !
ثبت موافقتهما زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقامهما وخطبهما معا ، ولم يثبت مرفوعا ترخيصه بِتركها ، فلا يصح حديث مرفوع بِتركها .
وقد رُوي عن ابن الزبير ، لكن لا يصح .
وأقواها أثر عثمان في البخاري ... ، فهو اجتهاد صحابي لا يُعارض به الأصل ...
أن العيد سنة والجمعة فَرْض ، والسنة لا تقوى على إسقاط الواجب ..

والجواب عنه مِن وُجوه :
أولا : قوله : (ولم يثبت مرفوعا ترخيصه بِتركها ، فلا يصح حديث مرفوع بِتركها)

وهذا مُتعقّب بأمرين :
الأول : أن معاوية بن أبي سفيان سأل زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فقال : أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ صَنَعَ ؟ قَالَ : صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ .
وهذا له حكم الرفع بالاتفاق ، وهو صحيح بِمجموع طُرٌقه ، وسيأتي تصحيحه .

والثاني : أنه لِمّا بلغ ذلك ابن عباس قال : أصاب السنة . وهذا له حُكم الرَّفع ؛ لأن المقصود بالسُّنّة ، سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : قوله : (وقد رُوي عن ابن الزبير ، لكن لا يصح) هذا مُتعقّب بأنه مُخرّج مِن وجوه صحيحة وثابتة .
وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، ولعل التصحيح لِمجموع الطُّرُق .
ولذلك قال ابن عبد البر : وقال علي بن المديني : في هذا الباب غير ما حديث عن النبي بإسناد جيّد ، وذَكَر هذا الحديث عن أبي داود الطيالسي عن إسرائيل بإسناده مثله . اهـ .
وصححه علي بن المديني فيما حكاه عنه الحافظ في " التلخيص " ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وله شواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم .

وذلك لاعْتِضَاد هذا الضَّعف اليسير بِعَمَل الصحابة رضي الله عنهم ، وسيأتي أن الضعف يَنجبر بالمرُسَل ، ويتقوّى بِعمل الصحابة وفتواهم .
ولذلك يُعوِّل الترمذي كثيرا على العمل ، فإذا رَوَى حديثا فيه ضعف ، قال : وعليه العمل ، ونحو هذه العبارة .

وقد صحّ عن غير واحد من الصحابة أنهم عَمِلوا به ، واقرّوه .


رَوَى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير ، في جَمْع ابن الزبير بينهما يوم جَمَع بينهما قال : سمعنا ذلك أن ابن عباس قال : أصاب عيدان اجتمعا في يوم واحد .
وهذا إسناد صحيح .

ورواه ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن وهب بن كيسان ، قال : اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فأخّر الخروج ، ثم خرج فخطب ، فأطال الخطبة ، ثم صلى ولم يخرج إلى الجمعة ، فَعَاب ذلك أناس عليه ، فبلغ ذلك عند ابن عباس فقال: أصاب السنة ، فبلغ ابن الزبير، فقال : شَهِدْت العيد مع عُمر ، فصنع كما صَنَعْتُ .
ووهب بن كيسان القرشى مولاهم ، أبو نعيم المدنى ، مولى آل الزبير بن العوام .
وهذا إسناد ثابِت .

ورواه ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان ، قال : اجتمع عيدان في يوم ، فخرج عبد الله بن الزبير فصلى العيد بعدما ارتفع النهار ، ثم دخل فلم يخرج حتى صلى العصر . قال هشام : فَذَكَرْتُ ذلك لِنَافع ، أو ذُكِر له فقال : ذُكِر ذلك لابن عمر ، فلم يُنْكِره .
وهذا إسناد صحيح .

ورواه النسائي عن محمد بن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني وهب بن كيسان ، فَذَكَر نحوه .
وهذا إسناد ثابِت .

ورواه ابن خزيمة بأكثر مِن طريق ، فَذَكَر نحوه .
ورَوى أبو داود عن يحيى بن خلفِ قال : حدثنا أبو عاصم عن ابن جُريج قال : قال عطاء : اجتَمَعَ يَومُ جُمُعة وَيومُ فِطْرِ على عَهْدِ ابن الزبير فقال : عِيَدان اجتَمَعا في يومِ واحدِ ، فجمعهما جميعا ، فصلاهما رَكعَتَينِ بُكرة ، لم يَزِد عليهما حتى صلَّى العصر .
وهذا إسناد ثابِت .

وجاء مِن مراسيل عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
رواه البيهقي في السنن الكبرى .

ومِن مراسيل ذكوان أبي صالح السمان :
رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عبد العزيز عن ذكوان قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطر وجمعة أو أضحى وجمعة قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم قد أصبتم ذكرا وخيرا وإنا مُجَمّعون من أراد يجمع فليجمع ، ومن أراد أن يجلس فليجلس .

والمرْسَل إذا اعتضد مِن وجه آخر تقوّى به الضعيف الذي ضعفه مُنْجَبِر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والْمُرْسَل إذا عَمِل به جمهور الصحابة يحتج به الشافعي وغيره . اهـ.
وقال ابن القيم : وَالْمُرْسَلُ إذَا اتّصَلَ بِهِ عَمل ، وَعَضَدَهُ قِيَاسٌ ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيّ ، أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ الرّوَايَةِ عَنْ الضّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي قُوّتَهُ ؛ عُمِلَ بِهِ . اهـ .

ولو لم يكن إلاّ مُراسيل قوية ، ووافقها عمل الصحابة رضي الله عنهم الثابت عنهم ؛ لَكَفى به حُجّة .
كيف وقد عضدته الأسانيد الصحيحة ؟ كما تقدَّم .

ثالثا : قوله : (وأقواها أثر عثمان في البخاري ... ، فهو اجتهاد صحابي لا يُعارض به الأصل)

وهذا مُتعقّب بأنه ثابِت عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ فقد ثَبت عن عمر وابنه ، وعن ابن الزبير وابن عباس - كما تقدَّم - ، وهو فِعل عثمان رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب .
فقد روَى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال : اجتمع عيدان في يوم ، فقال : مَن أراد أن يُجَمِّع فليُجَمِّع ، ومن أراد أن يجلس فليجلس . قال سفيان : يعني يجلس في بيته .
وهذا إسناد صحيح .

فَعَلَى هذا ، فهو فِعل ثلاثة مِن الخلفاء الراشدين المهديين ؛ فِعْل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .

مع موافقته للأصل ؛ لأننا أُمِرنا بالتمسّك بِسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين .

رابعا : قوله : (العيد سُنّة ، والجمعة فَرْض ، والسنة لا تقوى على إسقاط الواجب)
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أن تَرْك الجمعة في هذه الحالة رُخصة ، وفي الحديث : " صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ " ، والرُّخصة خلاف الأصل .
الثاني : أن الجمعة تسقط عن المسافر ، وسَفَره مُباح ، ومع ذلك يُسقِط الفَرْض . وتَسقط صلاة الجمعة عن الْحُجَّاج .
فيكون هذا مثله ، بل أوْلَى أن تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد لِورُود النص الخاص بها .
الثالث : أنه لا يُسلّم كون صلاة العيد سُنّة ؛ لِوجود الخلاف ، فقد رجّح شيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة العيد فَرْض ، وهذا الذي رجّحه شيخنا العثيمين رحمه الله .

ورجّح شيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة العيد أوْكَد مِن صلاة الجمعة ، حيث قال : لا بُدّ لكل مَن كان مِن أهل وجوب الصلاة أن يُصلي يوم الجمعة ، إما الجمعة وإما الظهر ، ولهذا كان النساء والمسافرون وغيرهم إذا لم يُصلّوا الجمعة صَلّوا ظهرا ، وأما يوم العيد فليس فيه صلاة مشروعة غير صلاة العيد ، وإنما تُشْرع مع الإمام ، فمن كان قادرا على صلاتها مع الإمام من النساء والمسافرين فعلوها معه ، وهم مشروع لهم ذلك بخلاف الجمعة ، فإنهم إن شاءوا صَلّوها مع الإمام وان شاءوا صَلّوها ظهرا بخلاف العيد ، فإنهم إذا فَوّتُوه فَوّتُوه إلى غير بدل ، فكان صلاة العيد للمسافر والمرأة أوكد مِن صلاة يوم الجمعة ، والجمعة لها بدل بخلاف العيد ، وكل من العيدين إنما يكون في العام مرة والجمعة تتكرر في العام خمسين جمعة وأكثر ، فلم يكن تفويت بعض الجمع كَتَفْويت العيد .
ومن يجعل العيد واجبا على الأعيان لم يبعد أن يُوجِبه على من كان في البلد من المسافرين والنساء ، كما كان ، فإن جميع المسلمين الرجال والنساء كانوا يشهدون العيد مع رسول الله ، والقول بوجوبه على الأعيان أقوى مِن القول بأنه فَرْض على الكفاية .
وضَعّف شيخ الإسلام ابن تيمية القول بأنها سُنّة ، فقال : وأما قَول مَن قال : إنه تطوع ؛ فهذا ضعيف جدا ؛ فإن هذا مما أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه هو وخلفاؤه والمسلمون بعده ، ولم يُعرَف قط دار إسلام يُتْرَك فيها صلاة العيد ، وهو من أعظم شعائر الإسلام . اهـ .

وبالله تعالى التوفيق .

رد مع اقتباس