عرض مشاركة واحدة

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : محب السلف المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي
قديم بتاريخ : 04-10-2015 الساعة : 06:25 PM

وأما قول الرافضي :
( فما هو سبب خروجها على إمام زمانها الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصاالمسلمين ؟ )
أقول : هي لم تَخرَج عليه ، بل خَرَجتْ رجاء أن يُصلح الله بها بين فئتين .
فقد أرسلت عائشة إلى عليّ تُعْلِمه أنها إنما جاءت للصُّلْح . كما في كُتب التواريخ .
وقد تقدّم أنها أثَنَتْ على عليّ رضي الله عنه ، وأثنى عليها .
كما أنها ندِمت في خروجها ذلك لِمَا كان فيه ، مع أنها لم تخرج أصلا إلاّ للإصلاح .
قالت عائشة لابن عمر : ما منعك أن تنهاني عن مَسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد استولى على أمرك ، وظننت أنك لن تخالفيه . يعني ابن الزبير قالت : أما أنك لو نَهيتني ما خَرَجْتُ .

ثم إن الذي أنشب الحرب هم أهل الفتنة ودُعاتها والذين تَسَتّروا بِحُبّ عليّ رضي الله عنه .
وهم الذين كانوا يُخالِفون عليا ، إن أمَرهم لم يأتَمِرُوا ، وإن نهاهم لم ينتهوا .
وهذا هو شأن أدعياء المحبة في كل زمان ومكان .
وهل ما قاله الصفّار مِن دعوى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه هو الذي قاد الثورة ضد عثمان رضي الله عنه ينطبق عليه قولك هنا في حق عائشة رضي الله عنها ؟
مع أننا نُبرئ عمار بن ياسر وعائشة من ذلك .
وأنتم تُثبتونه !
فأجيبوا عما أثبتموه في ضوء ما قررته من قولك : (الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصاالمسلمين ؟) .

قال الرافضي :
السؤالالسادس :
قال رسول الله (ص) في حق علي ما نصه :"من كنت مولاه فعلي مولاه" .
"علي منيوأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي" .
"إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " .
"علي معالحق والحق مع علي " .
"من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله" .
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التيتطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعلي مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيدأن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمنبعدي ؟
طالما أن هذا القول دليل محبة فقط ؟

الـردّ :

حديث : " من كنت مولاه فعلي مولاه " رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
وحديث : " عليًّا مِنّي وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو صحيح .
وصحّ عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى . رواه البخاري ومسلم .
ويوضِّح هذا ويُبيِّنه ما جاء في سبب هذه الرواية ، وهو ما رواه البخاري ومسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا ، فقال : أتُخَلّفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مِنِّي بِمَنْزِلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس نبي بعدي .
وموسى عليه الصلاة والسلام قد خَلَفه هارون عليه الصلاة والسلام عندما ذهب موسى لميقات ربِّـه .
ولم يَخلفه في النبوة ، لأنه مات قبله .
قال الإمام القرطبي :
لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، وما كان خليفة بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " الخلافة ، لقال : أنت مِنّي بِمَنْزِلة يوشع من موسى ، فلما لم يَقُل هذا دل على أنه لم يُرِد هذا ، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه . اهـ .

وقد أجاب أبو إسحاق المروزي رحمه الله بجواب على وجهين مُجْمَلَين :
أحدهما : أن هارون كان خليفة موسى في حياته ، ولم يكن عليّ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وإذا جاز أن يتأخّر عليّ عن خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته على حسبما كان هارون خليفة موسى في حياته ؛ جاز أن يتأخّر بعد موته زمانا ، ويكون غيره مُقَدّما عليه ، ويكون معنى الحديث القصد إلى إثبات الخلافة له ، كما ثَبَتَت لهارون ، لا أنه استحق تعجيلها في الوقت الذي تَعَجّلها هارون من موسى عليه السلام .
والوجه الآخر : أن هذا الكلام إنما خرج من النبي عليه السلام في تفضيل عليّ ومعرفة حقه لا في الإمامة ، لأنه ليس كل مَن وَجب حَقّه وصَار مُفَضّلاًَ اسْتَحَقّ الإمامة ؛ لأن هارون مات قبل موسى بِزَمَان ، فاسْتَخْلَف موسى بعده يوشع بن نون ، فهَارُون إنما كان خليفة لموسى في حياته ، وقد عُلِم أن عَلِيًّا لم يكن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، ولم يكن هارون خليفة لموسى بعد موته ، فيكون ذلك دليلا على أن عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته . اهـ .

قال ابن عبد البر : كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين استخلفه على المدينة في وقت خروجه غازيا غزوة تبوك ، وهذا استخلاف منه في حياته ، وقد شَرَكه في مثل هذا الاستخلاف غيره ، مَن لا يَدّعي له أحد خِلافة ؛ جَمَاعة قد ذكرهم أهل السنة ، وليس في استخلافه حين قال له ذلك القول دليل على أنه خليفة بعد موته ، والله أعلم . اهـ .

وقال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : فيه إثبات فضيلة لعلي ، ولا تعرّض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله ، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ، ويؤيد هذا أن هارون الْمُشَبَّه به لم يكن خليفة بعد موسى ، بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص . قالوا : وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة . والله اعلم . اهـ .

ثم إن هذا مُنْتَقِض بِما كان مِن استخلافه عليه الصلاة والسلام لِغير واحد من الصحابة في غير غزوة ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم على المدينة إذا خَرَج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مغازيه .
فَلِم لا تقول الرافضة : إنه أحقّ بالخلافة ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلَفَه على المدينة أكثر من مرّة ؟!

وصح عند أهل السنة قول عليّ رضي الله عنه :
والذي فلق الحبة وبَرأ النَّسَمَة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يُحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يُبغضني إلاّ منافق . رواه مسلم .

أما حديث : " إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " فهو حديث موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولو صح ما كان لأحد أن يُخالِفه ، وما كان لعليّ رضي الله عنه أن يسكت ، ولا يُنفِّذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحسبك منقصة لِعليّ أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَره بأمْر ولم يُنفِّذه .
سأل حفص بن قيس عبدَ الله بن الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المسح على الخفّين . فقال : امسَح ، فقد مَسَح عُمر بن الخطاب رضي الله عنه . قال : فقلت : إنما أسألك أنت تمسح ؟
قال : ذاك أعجز لك ! أُخبِرك عن عُمر وتَسألني عن رأيي . فَعُمَر كان خيرًا مِنِّي ومِن ملء الأرض . فقلت : يا أبا محمد ، فإن ناسا يَزعمون أن هذا منكم تقيّة !
قال : فقال لي - ونحن بين القَبر والمنبر - : اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية ، فلا تسمعنّ عَلَيَّ قول أحد بعدي . ثم قال : مَن هذا الذي يَزعم أن عليا رضي الله عنه كان مقهورا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَه بأمر ولم يُنفذه ؟ وكفى بإزراء على عليّ ومَنقَصَة أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَره بأمر ولم يُنفِذه .

وكذلك حديث : " "علي معالحق والحق مع علي " .
وحديث : "من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله "
هذه لا تثبت ولا تصح عند أهل العلم ، وفيما صحّ في فضائل أبي الحسن غُنية وكفاية .
وسبق لي التفصيل في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه ، والتفصيل هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/146.htm

وقول الرافضي :
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التيتطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟

الـردّ :
أقول لو كانت هذه الأحاديث - ما صحّ منها - تدلّ على خلافة عليّ وأحقّيته بالخلافة أكان يجوز لأبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه مع شجاعته وإمامته في الدِّين - أكان يجوز له السكوت ؟
أكان يجوز له ترك تنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم ؟
إنكم حينما تطعنون في خلافة الخلفاء الثلاثة تطعنون في عليّ رضي الله عنه من حيث لا تشعرون
كيف ذلك ؟
تطعنون في عليّ رضي الله عنه أنه قصّر في تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمّه ووالد زوجته وجدّ أولاده !

ومما يؤكِّد أنه عليه الصلاة والسلام لم يُوصِ وصية صريحة لأحد من آل بيته ما رواه البخاري مِن طريق عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خَرَج مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وَجَعه الذي تُوفِّي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارِئا . فأخذ بِيدِه عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يُتَوَفّى مِن وَجَعه هذا ، إني لأعرف وُجُوه بني عبد المطلب عند الموت . اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر . إن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا عَلِمْنَاه فأوْصَى بنا . فقال عليّ : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاها لا يُعْطِيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلو كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يَفْهَم مِن تلك النصوص أنه وصيّ النبي صلى الله عليه وسلم أكان يقول : إنا والله لئن سَألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاها لا يُعْطِيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وروى البخاري ومسلم من طريق إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال : ذَكَرُوا عند عائشة أن عَلِيًّا كان وَصِيًّا . فقالت : مَتى أَوْصَى إليه ؟ فقد كنت مُسْنِدَته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطّست ، فلقد انْخَنَث في حجري وما شَعرت أنه مات ، فمتى أَوْصَى إليه ؟

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوْصَى بالخلافة لِعليّ رضي الله عنه فلماذا اختلف علماء الرافضة قبل غيرهم في الوصية ؟
فعلماء الرافضة قد اختلفوا فيما بينهم : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعليّ أو لم يُوصِ ؟
وسمعت مرّة رافضيا وقِحًا يقول : أخطأت يا رسول الله إذ لم تُوصِ .
قبّحه الله من خطيب وقبّحه الله مِن مَذهب يُخطّئ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا هو التناقض بِعينه !
ففريق يزعمون أنه أوصى لِعليّ وفريق يُخطِّئونه لأنه لم يُوصِ .

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء لمن بُويع أوّلاً ، فقال : ستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فالذي بُويع له أوّلاً هو أبو بكر رضي الله عنه ، وقد بايعه عليّ رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها .

فقول الرافضي :
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعليّ مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيدأن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمنبعدي ؟

فـ
الـردّ :
أما محبته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر فظاهره ، وأبو بكر رضي الله عنه زكّاه الله تعالى ، وَزكّاه رسوله صلى الله عليه وسلم .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا ) .
والذي كان معه صلى الله عليه وسلم في الغار هو أبو بكر رضي الله عنه .
فمن خاطَرَ بنفسه وماله غير أبي بكر في الهجرة ؟
قالت أسماء : لَمّا خَرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَرَج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله مَعه ، خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه . قالت : فدخل علينا جدي أبو قُحافة ، وقد ذَهب بَصَره ، فقال : والله إني لأراه قد فَجَعَكم بِمَالِه مع نَفْسه ! قالت : قلت : كلاّ يا أبت ، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرا . قالت : فأخذتُ أحجارًا فوضعتها في كُوّة في البيت كان أبي يَضع فيها مَاله ، ثم وَضَعْت عليها ثَوبا ، ثم أخذت بِيده فقلت : ضَع يدك يا أبتِ على هذا المال . فَوضَع يَده فقال : لا بأس إن كان تَرك لكم هذا ، فقد أحْسَن ، ففي هذا لكم بلاغ . قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك . رواه ابن إسحاق في السيرة ، وأورده أصحاب التواريخ ، وقال د . الصلابي : وإسناده صحيح .

وقوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
فإنه جاء في تفسير هذه الآية : والذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به : أبو بكر رضي الله عنه .

وأما الأحاديث التي تدل على محبته صلى الله عليه وسلم وتزكيته للخلفاء الراشدين ، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم :
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم .
وقوله صلى الله عليه وسلم في حق الشيخين : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .

بل هناك ما هو أصرح في النصّ على خلافة الصدّيق رضي الله عنه ، فمن ذلك :
روى البخاري ومسلم من طريق عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه . قالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال صلى الله عليه وسلم : إن لم تجديني فأتي أبا بكر .
وقال صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي . رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
فهذا صريح في إثبات الأخوّة والصُّحبة لأبي بكر رضي الله عنه ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال عن أبي بكر : أخي وصاحبي .
ومن ذلك أيضا :
ما روه البخاري عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بِخِرْقَـة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
ومما فيه النص الصحيح الصريح على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى مُتَمَنّ ويقول قائل : أنا أولى . ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .

قال ابن أبي العز الحنفي :
ولو كتب عهداً [ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ] لَكَتَبَه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه وقال : يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر . فكان هذا أبلغ مِن مُجَرّد العَهد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر ، وأرشدهم إليه بأمور متعددة مِن أقواله وأفعاله ، وأخبر بِخلافته إخْبَار رَاض بذلك حامِد له ، وعَزَم على أن يكتب بذلك عهدا ثم عَلِم أن المسلمين يجتمعون عليه ، فَتَرَك الكِتَاب اكتفاء بذلك . اهـ .

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لَمّا مَرِض مرضه الذي مات فيه وحَضَرت الصلاة فأذن ، فقال : مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، فقيل له : إن أبا بكر رجل أسِيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يُصلي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة : مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر فصلى ، فَوَجَد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفّـة فخرج يُهادَي بين رجلين ، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أُتِيَ به حتى جلس إلى جنبه . رواه البخاري ومسلم .

ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة لم يُقْتَل قتلاً ولم يَمُتْ فجأة ، مَرِض ليالي وأياما يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، وهو يَرى مَكاني فيقول : ائت أبا بكر فليُصَلِّ بالناس ، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَظَرتُ في أمري فإذا الصلاة عظم الإسلام وقِوَام الدين ، فرضينا لدنيانا مَن رَضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، بايَعنا أبا بكر . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عبد البر في التمهيد وابن عساكر في تاريخ دمشق .
وفي رواية : لقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُصَلّي بالناس وإني لَشَاهِد ما أنا بغائب ، ولا في مَرض ، فَرَضِينا لِدُنْيَانَا ما رَضِي به النبي صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
فنحن نرضى بمن رضي به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
- وسيأتي أن عليا رضي الله عنه بايَع أبا بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها -
ومما يدلّ على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي قبل حجة الوداع وأمّره عليها يؤذن في الناس : ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
فَنَبَذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحجّ عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مُشرِك .
وفي رواية للبخاري : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى : لا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .
وفي رواية للبخاري عن حُميد بن عبد الرحمن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّـرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
وفي رواية له : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ ، وَأَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .

وهذا كله يدلّ على أن عليا رضي الله عنه كان تحت إمرة أبي بكر في تلك الحجّة التي قَبْل حجّة الوداع . ولا يصح أن " النبي صلى الله عليه و سلم بعث ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يُبَلّغ هذا إلاّ رجل مِن أهلي ، فَدَعا عَلِيًّا فأعطاه إياه " ؛ لأنه مِن رواية سِماك بن حرب ، وقد اخْتَلَط ، وما في الصحيحين أصحّ .
قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " : وهذا ضعيف الإسناد ، ومَتْنُه فِيه نَكارَة .
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لِنَكَارة مَتْنِه ، وسماك بن حرب ليس بذاك القوي .

وفيما سبق أحاديث صحيحة صريحة في إثبات أخوة أبي بكر وصُحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل وفي النصّ على خلافته ، وتقديمه في إمامة الناس في الصلاة على سائر الصحابة .

وعليّ رضي الله عنه أثبت خلافة أبي بكر بَقَولِه وفِعْلِه .
أما قوله فقد تقدّم قوله : فَرَضِينا لِدُنْيَانَا مَا رَضِي به النبي صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
وأما فِعله فـ :
عَدم مُنازعة أبي بكر في أمْر الخلافة .
وقبوله لأحكام أبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان عليّ رضي الله عنه يَرى أن أبا بكر ليس هو الخليفة ، أو يَرى أنه غاصب لِحَقّ آل محمد - كما تقول الرافضة - لم يُمْضِ أحكامه .
ومن أظهر الأحكام التي أمضاها عليّ رضي الله عنه قَبَوله لِسَبي أبي بكر ، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ جارية مِن سَبي بني حنيفة في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، فإن أم محمد بن الحنفية مِن سَبْي بني حنيفة ، ومحمد بن علي يُنسب إلى أمِّـه ، فيُقال : محمد بن الحنفية .
فلو كان عليا رضي الله عنه لا يَرى خلافة أبي بكر أكان يأخذ سبيّة مِن سَبايا حَرب سيّرها وأمَر بها الصدِّيق رضي الله عنه ؟
ولَمّا قَدِم خالد بن سعيد بن العاص بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر وعليه جُبّة ديباج فَلَقِي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، فصاح عُمر بِمَن يَليه : مَزِّقُوا عليه جُبته ، أيَلبس الحرير ؟ فَمَزَّقوا جُبته . فقال خالد لِعليّ : يا أبا الحسن ، يا بني عبد مناف أغُلبتم عليها ؟ فقال عليّ رضي الله عنه : أمُغالبة ترى أم خلافة ؟ قال : لا يُغالب على هذا الأمْر أوْلى منكم يا بني عبد مناف . وقال عُمر لخالد : فضّ الله فاك ، والله لا يزال كاذِب يخوض فيما قُلْتَ ، ثم لا يضرّ إلاّ نفسه . ذَكَره ابن جرير الطبري في تاريخه وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .

وفضائل أبي بكر شهد بها أئمة آل البيت رضي الله عنهم ، فمن ذلك :
ما أخرجه الدارقطني في الأفْراد مِن طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى قال : لا أحصي كم سمعت عليا يقول على المنبر : إن الله عز وجل سَمَّى أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صِدِّيقا . ذكره ابن حجر في الإصابة .
قال : وأخرج البغوي بِسَنَد جَيِّد عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال : وَلِينا أبو بكر فَخَير خَليفة ؛ أرْحَم بِنا ، وأحْنَاهُ علينا .

وقول الإمام جعفر الصادق رحمه الله ورضي الله عنه : أوْلَدَني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يَفتخر بهذه النسبة إلى جّـدِّه .. ثم يأتي مَن يدّعي اتِّباعهويَلْعَن جـَدَّ إمـامـه.
وقول جعفر الصادق لِسَالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يـا سَالم تولَّهُما ، وابْرَأ مِن عَدُوّهما ، فإنهما كانا إماميهُدى ، ثم قال جعفر :يا سالم أيَسُبُّ الرجل جَــدّه ؟أبوبكر جَدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتَوَلاّهما ، وأبْرَأ مِن عدوهما .
وروى جعفر بن محمد - وهو جعفر الصادق - عن أبيه - وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي - يعنيعلي بن الحسين ، المعروف والمشهور بِزين العابدين - فقال : أخبرنيعن أبي بكر ؟قال : عن الصديق تَسأل ؟قال:وتُسَمِّيه الصِّديق ؟
قال : ثكلتك أمك ، قد سَمّاه صِدِّيقًا مَن هو خير مني؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسَمِّـه صِدِّيقًا ، فلا صَدَّق الله قَوله ، اذهب فأحِبّ أبا بكر وعُمر وتَوَلّهما ، فما كان مِن أمـْر فَفِي عُنُقِي .
ولَمّا قَدِم قَوم مِن العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فَذَكروا أبا بكر وعمرفَسَبّوهما ، ثم ابْتَـرَكُوا في عثمان ابْتِـرَاكًا ، شَتَمَهم زين العابدين .
وابتركوا : يعني وقعوا فيهوقوعا شديدا .

وما ذلك إلاّ لعلمهم بِمَكَانة وَزِيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانةِ صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .

وهل يُصاحب الخيّرإلا الأخيار ؟
وهل يُنبتّ الخَطّيُّ إلاّ وَشِيجه *** وهل تَنبت إلاّ فيمَنابتها الشجر
فإذا انتقص أحدٌ أبا بكر أو انتقص عمر - رضي الله عنهما - فإنه في الحقيقة منتقصٌ لمن اتّخذهما صديقين وصَاحبين .
ومُنتقِص لمنتولاّهما ولمن كان له بهما صِلة نَسَب وقَرابة .
فمن سبّ أبا بكر فقد سبّالإمام جعفر الصادق وأسَاء إليه.

وإذا كان الصديق رضي الله عنه وعُمر غَصَبا آل محمد حقّهم - كما تزعم الرافضة - أكانوا يُناكِحونهم ، فيَتزوّجون منهم ويُزوّجونهم ؟
إن هذا غير مُتصوّر في وجود عداوة .
وهذا خلاف ما تزعمه الرافضة ، فإن الإمام عليّ زوّج عُمر ابنته أم كلثوم .
ومحمد بن علي بن الحسين بن علي - المعروف بـ (الباقر) تزوّج فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم .
وجدّة جعفر الصادق هي : أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم .

وعُمر رضي الله عنه تزوّج أم كلثوم بنت عليّ كما تقدّم .
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الزبير بن بكار قال في تَسمية ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأم كلثوم بنت عليّ خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب وقال : زوجني يا أبا الحسن ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري . فَزَوّجه إياها ، فَوَلَدت لِعُمَر زيدا ورقية . تزوج رُقية بنت عُمر إبراهيم بن نُعيم فَماتت عنده ، ولم يترك ولدا ، وقُتِلَ زيد بن عمر ، قَتَلَه خالد بن أسلم مولى آل عمر بن الخطاب خطأ ، ولم يترك ولدا ، ولم يَبْقَ لعمر بن الخطاب وَلَدٌ مِن أم كلثوم بنت علي .

والرافضة نتيجة بُغْضهم لِعُمَر يُنكرون هذه الرواية ، وهي ثابتة صحيحة .

فهذه أحاديث في إثبات محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر .
وهذه أحاديث في النص على خلافة أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه آثار عن بعض أئمة آل البيت في إثبات إمامة أبي بكر وعُمر .
وهذه المعقولات والمنقولات لمن كان له عقل ، ولمن كان له قلب .
قال سالم بن أبي الجعد : قلت لمحمد بن الحنفية لأي شيء قُدِّم أبو بكر حتى لا يُذكر فيهم غيره ؟ قال : لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم ، فلم يَزَل كذلك حتى قبضه الله .
ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه .

قال الرافضي :
السؤال السابع :
تبعا لمبدأ العقلانية يُفترض بأي فرقتان تتقاتلان أن تكون إحداهما على حق والأخرى على الباطل ، أوأن الاثنتين على الباطل؟ فطبقوا نفس السؤال على معارك الجمل وصفين.

الـردّ :
قوله : (يُفترض بأي فرقتان) يحتاج إلى تصحيح لغوي !

ونقول : تبعا لمبدأ العقلانية : ألا يُمكن أن يكون الفريقان على حقّ ؟
الجواب : بلى .
وقد أثبت الله وَصْف الإيمان للمُقْتَتِلِين ، فقال تبارك وتعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَافَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
أما أهل الجَمَل فتمّ الإصلاح بينهما كما تقدّم ، وأكْرَم عليٌّ رضي الله عنه أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولا يُظنّ بأبي الحسن غير ذلك .
وأما أهل صِفِّين فتم الاصطلاح على أمر التحكيم .
فلا نعلم أن فريقا بَغَى على الآخر .
وقد قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
فالله أثبت الإيمان لكلا الطائفتين ، فهل تستطيع أنت أن تنفي الإيمان عن إحدى الطائفتين ؟
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن المختَلِفِين من المسلمين ، فقال : ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يُصْلِح به بين فئتين من المسلمين . رواه البخاري .
فكلا الطائفتين والفِئتين مِن المسلمين .
ولهذا كان أهل السنة لا يَخُوضُون في ما وَقع بين الصحابة ؛ لأن هذا مما يُوغِر الصّدور ، ولأننا قد نُهينا عن الخوض في ذلك ، وأُمِرنا بالسكوت إذا ذُكِر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إذا ذُكر أصحابي فأمْسِكُوا ، وإذا ذُكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذُكر القَدَر فأمسكوا . رواه الطبراني في الكبير واللالكائي في الاعتقاد . وصححه الألباني .
ولا نَسُبّ أحدًا مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام حينما قال :
لا تسبوا أصحابي . لا تسبوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذَهَبًا مَا أدرك مُـدّ أحدهم ولا نَصِيفـه . رواه البخاري ومسلم .

ونحن نُثبت قوله عليه الصلاة والسلام لعمّار بن ياسر رضي الله عنه : ويح عَمّار تقتله الفئة الباغية . رواه البخاري ومسلم .
قال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن هذا ، فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وَكَرِه أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا .

قال الرافضي :
السؤالالثامن :
أن الخارجين على علي بن أبي طالب هم عندكم متأولين مجتهدين ولا يضرّ خروجهمعليه بدخولهم الجنة ؟
فهل ستطبقون نفس المعايير إذا ما خرج أحد ضد غير عليّ منالخلفاء ؟
لماذا سميتم من خرج على أبي بكر بأهل الردة ؟ مع أن الروايات الموجودة فيالبداية والنهاية وتاريخ الطبري تفيد بأن هؤلاء من أهل الإسلام .

الـردّ :
مَن خَرَج على أبي بكر لم يَخْرُج ضد الحاكم والخليفة ، وإنما هو ضد الإسلام كَكُلّ .
وبين الحالتين كما بين المشرق والمغرب !
فالذي يخرج على حاكم قد يكون مُتأوِّلاً ، والذي يرفض الإسلام أو بعض شعائره لا يُمكن اعتباره مُتأوِّلاً .
فالذين سُمُّوا بالمرتدِّين هم طوائف ، منهم مَن مَنَع أداء الزكاة ، ومنهم من ارتدّ عن الإسلام بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ولسنا نحن الذين سمّيناهم بذلك ، بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم سمّوهم كذلك .

قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لَمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّت العرب ، قال عمر : يا أبا بكر كيف تُقَاتِل العرب ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، ويُقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة . والله لو منعوني عناقا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . قال عمر رضي الله عنه : فلما رأيت رأي أبي بكر قد شرح علمت أنه الحق . رواه النسائي بهذا اللفظ ، وأصله في الصحيحين .

أما الذين خَرَجوا على عثمان رضي الله عنه فلَم يُسَمَّوا مُرْتَدِّين ، وكذلك الذين خَرَجوا على عليّ رضي الله عنه .
لتعلم أن أهل السنة أهل إنصاف وعَدْل .
فالذين خَرَجوا على عثمان وقَتَلوا صَاحِب القرآن وصِهْر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه ، هم دُعاة فِتْنة ، تَسَتَّرُوا بِحُجَج داحضة ، وكَتَبوا كُتُباً وزوّروها على ألسنة بعض الصحابة - كما تقدّم - يقودهم ابن سبأ اليهودي المتستّر بالرّفض !
والذين خَرجوا على عليّ رضي الله عنه سُمُّوا خَوارِج .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا بهؤلاء ، وبِعلاماتهم ، فمن ذلك :
ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن أبي رافع - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن الحرورية [ الخوارج ] لَمّا خَرَجَتْ على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا : لا حُكم إلا لله ! قال عليّ : كلمة حَق أُريد بها باطل ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - مِنْ أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طُـبْـيُ شاة أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثا - ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه .
(طُـبْـيُ شاة ) ضرع شاة .
وبين الفريقين فَرْق كبير وبَون شاسِع ، وذلك أن الذي يرفض بعض شعائر الإسلام يُسمى مُرْتَدا.
والذي يَخْرُج على الحاكم لشُبهة أو لهوى يُسمى باغيا .
والتفريق بينهما جاء في القرآن .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
وقوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الآية .

وقال في شأن الباغي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلا عَاد فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وقال في شأن الخصمين : ( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ) .
وهذا يُبيِّن أصل التفريق ، فإن مَن بَغَى على غيره وَجَب الْحُكم بينهما أو الإصلاح بينهما .
فإن كان في حال قِتال وَجَب الإصلاح بينهما ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
فالطائفة التي تُقاتِل بعد الإصلاح ولا تَقْبَل به تُعتبر باغية ولا تُسمى مُرْتَدّة .

فهذا أصل التفريق بين اللفظين وبين الْحُكمَين .
فلو خَرَج خارج على أبي بكر لَقِيل في حقِّه باغ أو خارجي ، أما أن يَخرج عن الإسلام كله أو بعضه فهذا مُرْتد لا بَاغ .

قال الرافضي :
السؤالالتاسع :
أن أهل السنة عندهم أربعة مصادر للتشريع .. القرآن السنة القياس والاجتهاد .. فهل أخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بنيساعدة ؟

الـردّ :
الاجتهاد مُختَلَف فيه ، وليس مِن الأدلة المتفق عليها ، وأما الأدلة المتفق عليها بين أهل السنة فهي :
القرآن ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .

وأما قول الرافضي :
فهل أُخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بنيساعدة ؟
فالجواب عنه : نعم أُخِذتْ بِعين الاعتبار ، والأدلة على ذلك :
أن القرآن فيه مَدح أبي بكر رضي الله عنه ، كما تقدّم ، فَتَمّ تقديمه لأجل ذلك .
والسنة فيها النصّ على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، فَتمّ تقديمه . وقد سَبَقت أدلة السنة في النص على خلافة أبي بكر ، وعدم النص على خلافة غيره ، وبهذا نَطَقتْ كُتب الرافضة قبل كُتب السنة ، أعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنصّ على عليّ رضي الله عنه ، وقد تقدّمت الأدلة في ذلك .
والإجماع قد أُخِذ به في سقيفة بني ساعدة ، فإنهم بايَعوا أبا بكر بالإجماع بعد وُقوع الخلاف ، والإجماع مُنعقد على بَيعة أبي بكر ، بما في ذلك قبول عليّ رضي الله عنه كما تقدّم بِقَوله وفِعْله .

وأما القياس فإن الذي قاسَ في هذا الموضع هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال :
فَرَضِينا لِدُنْيانا مَن رَضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
فهذا قياس جَليّ .
فإن شأن الدِّين أعظم ، وقد قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة - التي هي عَمود الدِّين - ، والدُّنيا تأتي تَبَعًا للدِّين ، فقَدَّم الصحابة أبا بكر في أمور دنياهم ، وهي الخلافة .
فاجتمعت أدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس على خلافة أبي بكر رضي الله عنه .

وإمامة أبي بكر ثابتة بالنص - كما تقدّم - وهي لازِمـة للرافضة !
كيف ؟
جَلَسْتُ يوما في المسجد النبوي إلى جوار مُعمّم إيراني ! وكان يقرأ القرآن ، فسألته : ماذا تقرأ ؟
قال : هذا - وأشار إلى المصحف - مُستغرِبا السؤال ؟
قلت : نعم
قال : هذا كلام ربي .
قلت : وهل تؤمن به ؟!
قال : طبعا .
قلت له : مَن جَمَعَ هذا القرآن ؟
فسكت ، ثم قال : الصحابة .
قلت : بالتحديد مَنْ ؟
قال : أبو بكر .
قلت : ومن ؟
قال : وعثمان .
قلت : هذا يعني أن الخلفاء الثلاثة هم من جَمَع هذا القرآن .
قال : نعم
قلت : إذا يَلزمك أحد أمرين :
إما الاعتراف بإمامتهم ، وقبول هذا القرآن .
أو ردّ إمامتهم وَرَدّ القرآن .
قال - متمحِّلاً - : هذا ليس بِلازِم !
قلت : بلى ، وبينهما تلازم .
فلو جَمَع اليهود كتابا ، وقالوا لنا : هذا قرآن ، فهل نقبَـلـه ؟
قال : لا
قلت : ولو جاءك كتاب قيل : هذا مِن الخميني . هل تقبله ؟
قال : نعم
قلت : هذا التفريق يلزم منه أحد الأمرين .

وهذا لازم لكل رافضي
إما أن يَقبَل القرآن ويقول بإمامة من جَمَعوه .
وإما أن يَدّعي تحريف القرآن ، ويردّ إمامة من جَمَعوه .

فالمصاحف تُعرف إلى اليوم بالمصاحف العثمانية ، والرسم يُعرف بالرسم العثماني ، نسبة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه .

قال الرافضي :
السؤال العاشر:
إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز عن وجود منافقين من أهل المدينة مَردوا على النفاق وإن الله يعلمهم .. في أي معسكر كان هؤلاء بعد وفاة النبي (ص) يوم انقسم المسلمين إلى حزبين حزب علي اللي رفض البيعةوأعوانه ، وحزب أبي بكر وعمر وأتباعهم ؟
ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟

الـردّ :
في هذا السؤال إساءة أدب في حق عليّ رضي الله عنه .
كيف ؟
يَزعم هذا الرافضي أن عليا رضي الله عنه لم يُبايع أبا بكر رضي الله عنه .
فهل خَرَج عليّ عن إجماع المسلمين ؟
وهل قَبِل عليّ رضي الله عنه أن يأخذ سَبِيّة مِن سَبايا بني حنيفة كما تقدّم ، ليُناقِض نفسه ؟
فالرافضة تزعم أن عليا رَفَض بيعة أبي بكر ، وعليّ قبِلها بقوله وفِعله .
والرافضة تُسيء إلى عليّ رضي الله عنه في قولها هذا .
كيف يُنسب هذا إلى عليّ ؟
هل يُتصوّر أن يعيش عليّ على هامش الحياة ؟
ولا يأخذ بِحقِّه ومعه أتباع - كما يَزعم هذا المتسائل - بقوله : (حزب علي اللي رفض البيعةوأعوانه) .
أيرضى الأسد الضرغام والشجاع الصنديد بمثل هذا الموقف ؟
لو كان من أطراف الناس ، أو ممن لا يُؤبَـه له ، لربما قِيل ذلك في حقِّـه .
أما في حقّ أبي الحسن فهذا القول مَنْقَصَة في حقِّـه .
ومثل هذا الزعم والْمَنْقَصَة زعم الرافضة أن عُمر رضي الله عنه كَسَر أضلاع فاطمة رضي الله عنها !
فأين أبا الحسن رضي الله عنه ليأخذ بثأره وحقِّـه ؟
إن ضعفاء الناس لا يَرضون بهذا فكيف يَرضى به عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
وكيف يُتصوّر أن عمر رضي الله عنه الذي تزوّج أم كلثوم بنت عليّ ثم يكسر أضلاع أمِّها ؟
هذا غير مُتصوّر على الإطلاق .

وأما شُبهة الرافضي هذه ، وهي ما أخبر الله عنه من شأن المنافقين في قوله تبارك وتعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) .
فالجواب في نفس الآية .
كيف ؟
لقد قال الله تعالى لِنبيِّـه صلى الله عليه وسلم : ( لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ، فَمَا علِم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إلاّ القليل .
ولذا كانت أسماء المنافقين تَخْفَى على الصحابة رضي الله عنهم ، ومَن عُلِم منهم ، فقد مات ، كعبد الله بن أُبي ، فإنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومَن عَلِمه النبي صلى الله عليه وسلم فقد أعْلَم به أمين سِرِّه : حُذيفة رضي الله عنه ، ولذا كان عمر رضي الله عنه يسأله : هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . فيقول : لا ، ولا أُزكّي أحدا بعدك .
وقد أخفى الله أسماء المنافقين لِحِكم عديدة ، منها :
أنه أدعى للتوبة من النِّفاق ، وقد تاب بعض المنافقين .
أن الله يَبتلي المؤمنين بالمنافقين .
أن المنافق يُعامَل في الدنيا مُعامَلة المؤمن .
فالمنافقون ما كانوا يَسْتَعلِنون بالنِّفاق على رؤوس الأشهاد ، ولذا لَمّا سُئل حذيفة رضي الله عنه : يا أبا عبد الله النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله ؟ فَضَرَب بيده على جبهته وقال : أوّه ! وهو اليوم ظاهر ! إنهم كانوا يَسْتَخفونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وَلَمّا قال رجل : اللهم أهلك المنافقين . قال حذيفة : لو هَلَكُوا ما انْتَصَفْتُم مِن عدوكم !
ولما قيل للحَسن البصري : يا أبا سعيد اليوم نِفَاق ؟ قال : لو خَرجوا مِن أزقة البصرة لاسْتَوحَشْتُم فيها !

وهذا يدل على استخفاء المنافقين .

فهذا السؤال الذي أورده ليس في محلّه .
وليس في هذا السؤال سوى سوء الأدب مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأما قوله : ( ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟)
فلم يُبايِع أحدٌ من الناس أحدًا مِن المنافقين !
وهو يَقصد ومَن بايَع هؤلاء المنافقون !

قال الرافضي :
السؤالالحادي عشر:
أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز أن من يقتل مسلما مؤمنا فنصيبه جهنم ، وأنه ملعون ، ومع ذلك فالتاريخ يخبرنا أن 70800 مسلم قتل في معارك الجمل وصفين ؟ فما هو مصير القتلة هنا ؟

الـردّ :
وهذا سوء أدب آخر مع عليّ رضي الله عنه ، فإن علياً رضي الله عنه ممن قاتَل في تلك المعارِك .
فالواجب التّرضّي عن الصحابة وعدم الخوض فيما شَجَر بينهم ، وقد تقدّم سبب ذلك والتفصيل فيه .
وقد رأيت الرافضي في هذه الاعتراضات يُورِد الآيات بالمعنى ، وهذا لا يجوز ، وهو خلاف التأدّب مع الله .

وأبسط رَدّ على هذا السؤال الذي أورده :
أن الله أثبت الإيمان للقاتِل والمقتول ، فقال : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) فأثبَت الإيمان للطائفتين .
وأبته النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : يضحك الله إلى رَجُلَين يَقْتُل أحدهما الآخر يَدْخُلان الجنة ، يَقاتِل هذا في سَبيل الله فيُقْتَل ، ثم يَتوب الله على القَاتِل ، فيُسْلِم فيُقاتِل في سبيل الله عز وجل، فيُستشهد . رواه البخاري ومسلم

وأما آية النساء : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) فهي على سبيل التهديد والزّجر ، ألا ترى أنه إذا جاءك شخص يُريد أن يَقتُل آخرا أنك تزجره وتُهدِّده ، وتقول له : إن الله تَوعّد القاتِل بالنار والغضب واللعنة .
وفي آية النساء ذِكر الجزاء ، وليس من شرط الجزاء أن يَقع ، ولا من شرط العقوبة الإيقاع .
فإن الله يغفر لمن يشاء ما دون الشِّرك ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) .
ونحن نعتقد أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم اجتهدوا في هذا الأمر ، فَمَن أصاب فَلَه أجران ، ومَن أخطأ فَلَه أجر ، ومَن وَقع في أعراضهم فَعَليه وِزر .
كما أننا لا نعتقد العصمة في الصحابة ولا في العلماء كما تدّعيه الرافضة في الأئمة ، بل يَزعمون أن الأئمة يعلمون الغيب ، وأنهم يَعلمون متى يموتون !
ففي الكافي ( 1/ 258 ) بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ ، وَأَنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ إِلا بِاخْتِيَار مِنْهُمْ
ثم روى الكليني بإسناده عَنْ أَبِي بَصِير قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) : أَيُّ إِمَام لا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّة لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ !
ثم عقد الكليني باباً في كتابه الكافي ( 1 / 260 ) الذي هو أصح كتب الرافضة فقال :
بَابُ أَنَّ الأئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ وَ أَنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ !

إذا كان هذا في حق الأئمة في اعتقاد الرافضة ، فماذا بقي في عِلم الله ؟!
وأي غيب أثبت الله أنه لا يَعلمه إلا هو ؟
أليس الله هو القائل عن نفسه : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ؟
وهو القائل : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْء عَدَدًا ) .
فهل الغيب الذي لا يَعْلَمه إلاّ الله ، والذي اختصّ بِعِلمه سبحانه وتعالى ، هو الذي يَعلمه الأئمة ؟
وهل الغيب الذي لا يُظهر عليه أحدا إلاّ مَن ارتضى مِن الرُّسُل ، فعلّمهم ما يَحتاج إليه الناس ، ليس محجوبا عن الأئمة ؟!
إن الأئمة لم يَدّعوا ذلك لأنفسهم ، وإنما ادّعاه من انتسب إليهم - زورا وبهتانا - .

والله المستعان .
قال الرافضي :
السؤال الثاني عشر :
من بين ال 124000 نبي المرسلين من الله لهداية البشر .. هل هناك أي دليل يثبت أن ما تركه هؤلاء الأنبياءذهب صدقة ؟
ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟
وإذا كانت نساءالنبي من أهل البيت كما يقول السنة فالصدقة عليهم حرام !

الـردّ :
أولاً : هذا العدد ما مَصدره ؟ وما صحة القول به ؟!
ثانياً : هل هناك دليل على أن ما تَرَكه هؤلاء الأنبياء أُعطِيَ لورثتهم ؟
فعلى سبيل المثال : سليمان عليه الصلاة والسلام له أكثر من مائة زوجة .. فأين هو الدليل على أن ما تَرَكه سليمان عليه الصلاة والسلام قُسِم على وَرَثته ومِن بينهم زَوجاته ؟
وقول الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) فإن سليمان وَرِث العِلم والحِكمة والنبوّة .
فإن قلتَ : وَرِثَ كل شيء .
قلنا لك : أين الدليل على ذلك ؟
ثم إن كان كما قلت : فأين بقية ورَثة داود عليه الصلاة والسلام ؟
وفي " الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين " للسيد عبد الله شُبّر ( مُفَسِّر رافضي ) أن أبناء داود تِسعة عشر .
وهذا التفسير مِن التفاسير المعتمدة لدى الرافضة .
فهل يُمكن أن يرِث سليمان دُون بَقية أبناء دَاود ؟
فإن قُلتم : لا .
قلنا : هذا هو الحق ، وهو مُتّفق عليه ، من أن الأنبياء لا يُورَثُون .
وإن قُلتم : نَعم .
فأنتم محجوجون باحتجاجكم !
فأنتم تزعمون أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورِثنه دون ابنته !

أما نحن فنعتقد أن ما تركه الأنبياء لا يُورَث لقوله عليه الصلاة والسلام : لا نُورَث ما تَرَكْنَا فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .

قال ابن كثير : قال الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) ، أي : وَرِثَه في النبوة والملك ، وليس المراد وَرِثَه في المال ، لأنه قد كان له بَنون غيره ، فما كان لِيُخَصّ بالْمَال دُونهم ، ولأنه قد ثبت في الصحاح مِن غير وجه عن جماعة مِن الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نُورَث ، ما تَركنا فهو صَدقة . وفي لفظ : نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث . فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تُورَث أموالهم عنهم كما يُورَث غيرهم ، بل يكون أموالهم صدقة مِن بعدهم على الفقراء والمحاويج ، لا يَخُصُّون بها أقرباؤهم ؛ لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم مِن ذلك ، كما هي عند الذي أرْسَلَهم واصطفاهم وفَضّلَهم . اهـ .

فأتوا بخبر واحد يُفيد أن نَبِيًّا مِن الأنبياء وَرِثه ورثتُه كما يَتوارث الناس .

وقول الرافضي : (ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟ )
فالجواب عنه :
أن عائشة رضي الله عنها لم تَستأثر بِشيء مِن إرثه صلى الله عليه وسلم .
فإن الرافضة يقولون : لِمَاذا بَقِيت عائشة في بيتها ؟ فهم يَزعمون بذلك أنها ورثته !
وهذا ليس بصحيح من وجهين :
الوجه الأول : أن عائشة ما كانت تَتَصَرّف في حُجرتها ، وما كان لها ذلك ، وقد دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهل يُمكن أن تتصرفّ في حُجرة دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يُمكن أن تُوهَب تلك الحجرة ؟
هذا ليس بِمُتَصَوّر عَقْلاً .
الوجه الثاني : أن بقاء عائشة رضي الله عنها في حُجرتها لا يعني أنها مَلكتها ولا أنها وَرِثتها ، وإنما أُقِرّتْ عليها وعلى البقاء فيها إلى أجل ، ثم خَرَجَت منها لَمّا دُفِن فيها عمر رضي الله عنه .
وهذا يؤكِّد على قوله عليه الصلاة والسلام : ما تَرَكْنَا فهو صدقة .
فعائشة رضي الله عنها كسائر الناس في ذلك ، بل هي أولى الناس أن يُقَرّ في تلك الحجرة .
ولذا فإن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يُدفَن في تلك الحجرة ، لا لأنها تملكها ، وإنما تأدُّبًا مع أم المؤمنين رضي الله عنها .
ثم هي حجرة صغيرة ، كانت إذا نامَت فيها لم يَبْق للنبي صلى الله عليه وسلم مُتّسَعا للسجود .
فلو كانت عائشة رضي الله عنها أُعطِيتْ نَصيبها مِن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت تُعْطَى حُجرة دُفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بل لو كان ميراث النبي صلى الله عليه وسلم قُسِم على زوجاته - كما يزعم الرافضي - لَمَا رضيَتْ بتلك الحجرة الصغيرة ، ومما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم أرض فَدَك .
فهل صح عند أهل السنة أو عند الرافضة أن أبا بكر أو عمر قَسَمَا فَدَك بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا
والدليل على ذلك ما رواه البخاري من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَدْن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقـة ؟
وإنما يتشبّث الرافضة بالقشّـة !
وهي زعمهم أن عائشة أُقِرّت في حُجرتها فهذا يعني أنها وَرِثتها !
وهذا خلاف الحقيقة .
ولا يَجوز أن تُوَرَّث عائشة ولا غيرها حُجرة دُفِن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يُورِدون استئذان عُمر أن يُدفَن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع صاحبه ، وهذا هو الآخر ليس فيه مُسْتَمْسَك ، فإن عمر رضي الله عنه تأدّب مع أمِّـه فاستأذنها .
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : لا يَقْتَسِم وَرَثَتي دِينارًا ، ما تَرَكْتُ بعد نَفَقة نِسائي ومئونة عامِلي ، فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .

رد مع اقتباس