عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : جوزي أبو عثمان المنتدى : اكتب سؤالك هنا
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-10-2016 الساعة : 05:28 PM

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .

هذا الذي يجب أن يعتقِده المسلم : أن الله قادِر على كل شيء ، وأنه سبحانه وتعالى يَخْلق متى شاء ، وأنه فعّال لِمَا يُريد .
قال الإمام البغوي في تفسير قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) لا يُعجزه شيء يُريده ، ولا يَمْتَنِع منه شيء طَلَبه . اهـ .
وقال الحافظ ابن كثير : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) أي : مَهمَا أراد فِعله ، لا مُعقّب لِحُكمه ، ولا يُسأل عمّا يَفعل ؛ لِعَظَمته وقَهرِه وحِكْمته وعَدْله . اهـ .

وأما قول الشيخ الفاضل : (ولو خلا من الفعل في أحد الزمَانَين لم يكن فعَّالاً) المقصود أنه قادِِر على الفعل في كل وقت ، حتى قبل أن يَخلُق الْخَلْق حين لم يكن شيء قَبله أو معه .
وهو معنى قول شيخنا العلامة عبد الرحمن البرّاك : هو الخالق والخلاّق ولو لَم يَخْلُق . اهـ .

وقال الإمام الطحاوي : ليس منذ خَلق الْخَلْق استفاد اسم الْخَالِق ، ولا بإحداثه البريّة استفاد اسم الباري .
قال ابن أبي العز في شرحه : ظاهر كلام الشيخ رحمه الله أنه يَمنع تسلسل الحوادث في الماضي ، ويأتي في كلامه ما يَدلّ على أنه لا يَمنعه في المستقبل ، وهو قوله : " والجنة والنار مَخلوقتان لا تَفنَيان أبدا ولا تَبِيدَان " وهذا مذهب الجمهور ، كما تقدم . ولا شك في فَساد قول مَن مَنع ذلك في الماضي والمستقبل ، كما ذهب إليه الْجَهْم وأتباعه ، وقال بِفَناء الجنة والنار ...
فإنه سبحانه لم يزل حيًّا ، والفعل مِن لَوازم الحياة ، فلم يَزل فاعِلا لِمَا يُريد ، كما وَصَف بذلك نفسه ، حيث يقول : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) . اهـ .

وقد بيّن ابن القيم رحمه الله ذلك أوضَح بَيَان ، فقال :
وقوله : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) دليل على أمور :
أحدها : أنه تعالى يَفعَل بإرادته ومَشيئته .

الثاني : أنه لم يَزل كذلك لأنه لم يزل كذلك ، لأنه ساقَ ذلك في مَعرِض المدح والثناء على نفسه ، وأن ذلك مِن كماله سبحانه ، ولا يَجوز أن يكون عادِمًا لهذا الكمال في وَقت مِن الأوقات . وقد قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . ولَمّا كان مِن أوصاف كَمَالِه ونُعوت جلاله لم يكن حادِثا بعد أن لم يكن .

الثالث : أنه إذا أراد شيئا فَعَلَه ، فإن " مَا " موصولة عامة ، أي : يَفعل كل مَا يُريد أن يَفْعَله ، وهذا في إرادته المتعلِّقة بِفِعلِه . وأما إرادته المتعلقة بِفِعل العَبد فتلك لها شأن آخر ؛ فإن أراد فِعل العبد ولم يُرد مِن نفسه أن يُعينه عليه ويَجعله فاعلا لم يُوجد الفعل ، وإن أراده حتى يُريد مِن نفسه أن يَجعله فاعلا . وهذه هي النكتة التي خَفِيت على القدرية والجبرية ، وخَبَطُوا في مسألة القَدَر ، لِغَفْلَتِهم عنها ، فإن هنا إرادَتين ؛ إرادة أن يَفعل العبد ، وإرادة أن يَجعله الربّ فاعلاً . وليستا متلازمتين وإن لزم من الثانية الأولى من غير عكس فمتى أراد من نفسه أن يُعين عبده وأن يَخلق له أسباب الفعل فقد أراد فعله ، وقد يريد فِعله ولا يُريد من نفسه أن يَخلق له أسباب الفعل ، فلا يوجد الفعل .
فإن اعتاصَ عليك فَهْم هذا الموضع وأشكل عليك فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم حاكِيا عن ربه قوله للعبد يوم القيامة : " قد أردت مِنك أهوَن مِن هذا وأنت في صُلْب أبيك : أن لا تُشرك بي شيئا " ولم يقع هذا المراد ، لأنه لم يُرد مِن نفسه إعانته عليه وتوفيقه له .

الرابع : أنّ فِعلَه وإرادته مُتلازِمان ، فمَا أراد أن يَفعله فَعَله ، وما فَعَلَه فقد أراده ، بِخِلاف الْمَخْلُوق ؛ فإنه يُريد ما لا يَفعَل ، وقد يَفعَل ما لا يُريد . فما ثَمّ فَعّال لِمَا يُريد إلاّ الله وَحده .

الخامس : إثبات إرادات مُتعَدّدة بِحسب الأفعال ، وأنّ كُل فِعل له إرادة تَخصّه ، هذا هو المعقول في الفِطر ، فشأنه سبحانه أنه يُريد على الدوام ، ويَفعَل ما يُريد .

السادس : أنّ كُل ما صَلح أن تتعلّق به إرادته جازَ فِعله ، فإذا أراد أن يَنْزِل كُلّ ليلة إلى سَمَاء الدنيا ، وأن يَجيء يوم القيامة لِفَصل القضاء ، وأن يُرِي عباده نفسه ، وأن يَتَجَلّى لهم كيف شاء ، ويُخاطِبهم ، ويَضحك إليهم ، وغير ذلك مما يريد سبحانه - لَم يَمتَنع عليه فِعله ، فإنه تعالى فَعّال لِمَا يُريد . وإنما تتوقف صِحّة ذلك على إخبار الصادِق به ، فإذا أخبر وَجَب التصديق به ، وكان رَدّه رَدًّا لِكَماله الذي أخبر به عن نفسه ، وهذا عين الباطل ، وكذلك إذا أمكن إرادته سبحانه مَحو ما شاء وإثبات ما شاء أمكن فعله ، وكانت الإرادة والفعل مِن مُقتضيات كَمَاله الْمُقَدَّس . اهـ .

وأما كلام شيخ الإسلام رحمه الله في تسلسل الحوادث ؛ فإنه يَردّ بِذلك على الفلاسفة
فإنه قال رحمه الله في " درء تعارض العقل والنقل " :
والمقصود هنا أن هؤلاء المتكلِّمين الذين جَمَعوا في كلامهم بين حق وبين باطل ، وقابَلُوا الباطل بباطل ، ورَدّوا البدعة ببدعة ، لَمَّا نَاظُرُوا الفلاسفة وناظَرُوهم في مسألة حدوث العالم ونحوها ، استطال عليهم الفلاسفة لَمّا رَأوهم قد سَلَكوا تلك الطريق ، التي هي فاسدة عند أئمة الشرع والعقل ، وقد اعترف حُذّاق النظّار بِفسادها ، فظن هؤلاء الفلاسفة الملاحدة أنهم إذا أبْطَلوا قَول هؤلاء بامتناع حوادث لا أوّل بها ، وأقاموا الدليل على دَوام الفعل ، لَزِم من ذلك قِدَم هذا العَالَم ، ومُخالَفة نصوص الأنبياء .
وهذا جهل عظيم ، فإنه ليس للفلاسفة ولا لغيرهم دليل واحد عقلي صحيح يُخالِف شيئا مِن نصوص الأنبياء .
وهذه مسألة حدوث العالَم وقِدَمه ، لا يَقدر أحدٌ مِن بني آدم يُقيم دليلاً على قِدَم الأفلاك أصلاً ، وجميع ما ذكروه ليس فيه ما يدل على قدم شيء بعينه من العالم أصلاً ، وإنما غايتهم أن يَدلّوا على قِدَم نوع الفعل ، وأن الفاعل لم يَزل فاعلاً ، وأن الحوادث لا أوّل لها ، ونحو ذلك مما لا يَدل على قِدَم شيء بِعَينه مِن العالَم ، وهذا لا يُخالِف شيئا من نصوص الأنبياء ، بل يُوافِقها .
وأما النصوص المتواترة عن الأنبياء بأن الله خَلَق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأن الله خالِق كل شيء ، فكل ما سِواه مَخلوق كائن بعد أن لم يَكن ، فلا يُمكن أحدا أن يذكر دليلاً عقليا يُناقِض هذا .
وهذه مسألة حدوث العالَم أعظم عُمَد الفلاسفة فيها التي عَجز المتكلِّمون عن حَلّها ، ليس فيها ما يَدلّ على قِدَم شيء مِن العالَم أصلاً ، ولهذا كان ما أقامه الناس مِن الأدلة على أن كل مَفعول فهو مُحدَث كائن بعد أن لم يَكن . اهـ .

وقال ابن أبي العز : والقول بأن الحوادث لها أوّل ، يَلزم منه التعطيل قَبْل ذلك ، وأن الله سبحانه وتعالى لم يَزل غير فاعِل ثم صار فاعلا .
ولا يَلزم مِن ذلك قِدَم العالَم ، لأن كل ما سِوى الله تعالى مُحدَث مُمكِن الوجود ، مَوجود بإيجاد الله تعالى له ، ليس له مِن نفسه إلاّ العَدَم ، والفقر والاحتياج وصف ذاتي لازِم لكل ما سوى الله تعالى ، والله تعالى واجِب الوجود لِذَاته ، غني لِذَاته ، والغنى وَصف ذاتي لازِم له سبحانه وتعالى . اهـ .

والله تعالى أعلم .


رد مع اقتباس