عرض مشاركة واحدة

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : محب السلف المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي
قديم بتاريخ : 04-10-2015 الساعة : 06:36 PM

قال الرافضي :
السؤال السابع عشر:
إن كتب أهل السنة مليئة بالأحاديث عن رسول الله(ص) والتي يرويها عمر وعائشة وابن عمر وأبو هريرة بينما لا نجدها تحوي إلاالقليل القليل من الأحاديث التي يرويها علي وفاطمة والحسن والحسين الذين تربوا فيأحضان النبي ورأوه أكثر مما رآه غيرهم ؟
ما السبب ... هل عدم وجود طريق صحيح إليهم ؟
طيب نسال لماذا لم يوجد هذا الطريق الصحيح ... هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غيرالثقاة ... ولماذا لم يرو ثقاتهم عن أئمة أهل البيت اللاحقين الذين عاصروا البخاري ومسلم إلا القليل ... هل كانت روايات أهل البيت لا تعجب حفاظ السنة!

الـردّ :
بل أهل السنة يَروون عن أئمة آل البيت .
والمسألة تحتاج إلى تفصيل :

أولاً :
ليس المقياس هو القُرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو البُعد ، ولا تقدّم الإسلام أو تأخّره ، وإنما المقياس التفرّغ لهذا الشأن ، والتحديث بما سَمِع .
فعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان يَكتب الأحاديث ، وله صحيفة معروفة بالصحيفة الصادقة ، وشهِد له أبو هريرة بكثرة الأحاديث ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب . رواه البخاري .
وجاء عن عبد الله بن عمرو أنه تفرّغ للعبادة وانقطع لها ، ولهذا لم يُكثر التحديث .
وخبره في الصحيحين .
وجاء عن غير واحد ممن كَتَبوا أنهم أحرقوا تلك الصُّحُف ، وأمَروا الناس أن يعتمِدوا على حِفظهم ..
إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل الراوي أكثر أو أقل من غيره في الرواية .
وعلى سبيل المثال :
أحاديث أبي بكر رضي الله عنه قليلة ، وذلك لاشتغاله بأعباء الخلافة ، وبحروب الردّة .
وخالد بن الوليد قليل الحديث جداً ، وذلك لاشتغاله بالجهاد والمرابَطة .
وعُمر أيضا ليس من المكثرين .
ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ! ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يَتلو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) إلى قوله ( الرَّحِيمُ ) إن إخواننا من المهاجرين كان يَشغلهم الصّفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشبع بطنه ، ويَحْضُر ما لا يحضرون ، ويَحفظ ما لا يَحفظون . رواه البخاري ومسلم .

ثانياً :
الحسن رضي الله عنه وُلِد في السنة الثالثة والحسين رضي الله عنه في السنة الرابعة من الهجرة ، فعلى هذا تكون أعمارهم دون العاشرة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقريبا قُرابة سَبع وست سنوات ، وهم يُعدّون من صغار الصحابة .
ولذلك لما قال أبو الحوراء السعدي للحسن بن علي : ما تَذْكُر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أذكر أني أخذت تَمْرَة مِن تَمْر الصدقة فألقيتها في فمي ، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر . رواه الإمام أحمد .

ثالثاً : بالنسبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن الحقيقة أن مَروياته عند أهل السنة أكثر مِن مَروياته عند الرافضة !
قَلِّب الكافي مثلا تجد أن الرواية عن جعفر الصادق - مثلا - أكثر من الرواية عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقلّب الكافي فلا تكاد تجد رواية عن الحسن بن عليّ رضي الله عنه إلاّ نادرا .
وأما كتب أهل السنة ففي مسند الإمام أحمد فقط لِعليّ رضي الله عنه (819) حديثا بالمكرر .
ولعليّ رضي الله عنه في مسند بَقيّ بن مخلد (586) حديثا .
وله رضي الله عنه في الكُتُب الستة (322) حديثا .
واتفق البخاري ومسلم على (20) حديثا ، وانفرد البخاري بـ (9) ومسلم بـ (15) حديثا .
يقول الدكتور علي الصِّلابي : ويُعتبر أمير المؤمنين عليّ أكثر الخلفاء الراشدين رواية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا راجع إلى تأخّر وفاته عن بقية الخلفاء ، وكثرة الرواة عنه . اهـ .
وأما سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها فلم تُعمّر طويلا بل توفّيت بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، عاشَتْ أربعا أو خمساً وعشرين سنة .
ولذلك قَلَّتْ مروياتها ، وأحسب أن مروياتها عند أهل السنة أكثر منها عد الرافضة !

ولكي تعرف أن أهل السنة لا يتحيّزون ضد آل البيت ، بل هم محل تقدير ، أن في مسند الإمام أحمد - وهو يُعتبر من أضخم الموسوعات الحديثية - المجلد الأول منه لأحاديث الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان ) والمجلّد الثاني كاملا لأحاديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فبلغت أحاديث الخلفاء الثلاثة (561) حديثا ، في حين بلغت أحاديث علي بن أبي طالب (819) حديثا .

فهل بعد هذا يُـتّهم أهل السنة أنهم لا يَروون عن آل البيت ؟!
وهم يَروون لعليّ رضي الله عنه أكثر من ثلاثة من الخلفـاء !!

رابعاً : آل البيت ليسوا محصورين بِعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كما أن ذرية الحسين ليست محصورة في الباقر - كما تقدّم - .

ويكاد يكون عُمدة أهل السنة في التفسير حبر الأمة وتُرجمان القرآن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعني ابن عباس رضي الله عنهما .
وهو لا يُعتبر عُمدة في التفسير عند الرافضة ، بل العُمدة في الأئمة المعصومين - زعموا - !
وانظر إلى مرويات ابن عباس رضي الله عنهما في كُتب السنة أو في كُتب التفسير تجد أنها ليست بالقليلة بل هي كثيرة جدا .
ومسند ابن عباس ( 1660) حديثا ، وله في الصحيحين (75) وانفرد البخاري له بـ (120) ومسلم بـ (9) .
ولابن عباس في تفسير ابن جرير الطبري (5809) روايات .

خامساً :
قول الرافضي : (هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غيرالثقاة) ؟
فالجواب في كُتُب الرافضة ، مِن أن بعض مَن صَحِب أئمة آل البيت كانوا كذلك .
وإليك بعض ما جاء فيها :
جابر بن يزيد الجعفي :
روى الكشّي في معرفة أخبار الرجال عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ، فقال : ما رأيته عند أبي قطّ إلاّ مرة واحدة ، وما دَخَل عليّ قطّ .
وجابر الجعفي هذا رافضي يُقال في كُتب الرافضة أنه روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !!

مفضّل بن عمر :
روى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول للمفضل بن عمر : يا كافر ! يا مشرك ! مالك ولابني ؟ يعني إسماعيل بن جعفر .
وقد نبّـه الكشي على أن المفضل بن عمر كان يكذب على جعفر الصادق يستأكل الناس .

أبو بصير الليث المرادي :
روى الكشي عن أبي يعفور قال : خرجنا من السواد نطلب دراهم لنحجّ ، ونحن جماعة ، وفينا أبو بصير المرادي قال : قلت له : يا أبا بصير اتق الله وحجّ بِمالِك ، فإنك ذو مال كثير . فقال : اسكت ! فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتَمَل عليها بِكسائه !
وكان يقول عن جعفر الصادق : أظنّ صاحبنا ما تكامل عقله !

زرارة بن أعين :
في رجال الكشي عن الإمام الصادق أنه قال في حقّ زرارة : زرارة شرّ من اليهود والنصارى !
وفي المصدر المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام : لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة .
وفي كتاب الرجال للكشي وتنقيح المقال للمامقاني في عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، فلما خرجت قلت : إن لقيته لأسألنه غدا ، فسألته من الغد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات . فلمّا خَرَجْتُ ضَرَطْتُ في لحيته ، وقلت : لا يُفْلِح أبدا .
وزرارة هذا من أكثر الرواة في كُتب الرافضة !
فقد ذكر الخوئي أن مرويات زرارة تبلغ 2490 موردا ، كما في كتاب رجال الشيعة للزرعي .

بريد بن معاوية العجلي :
روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لعن الله بريدا وزرارة .

فهذه نماذج ممن كانوا يَلْتَفّون حول بعض الأئمة من آل البيت ، فهذا سبب واضح من أسباب قلّة الرواية عنهم .

وهؤلاء ممن كَذَب على الأئمة خاصة على جعفر الصادق ، ويكفي أن جابر الجُعفي روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !
ومع ذلك يقول عنه أبو عبد الله : ما دَخَل عَلَيَّ قـطّ .

وأما عند أهل السنة فإن هؤلاء الأئمة محلّ تقدير وإجلال ، وقد رووا عنهم بخلاف ما يُوهمه كلام هذا الرافضي !

قال الرافضي :
السؤالالثامن عشر :
إذا كان أبو بكر هو الأفضل بعد النبي لقربه من النبي فلماذا لم يختاره النبي يوم آخى بين المسلمين في الوقت الذي نراه آخى نفسه مع علي !؟

الـردّ :
تقدّم قوله عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر رضي الله عنه : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي .
ومعلوم أن القول أبلغ مِن الفعل .
ومع ذلك فإننا نُثبت فضل عليّ وفضل أبي بكر ، ولا يمتنع عقلا ولا شرعا أن يكون هذا له فضائل وهذا له فضائل .
بل قد يقول قائل : أيهما أفضل مَن زَوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتا واحدة مِن بناته أوْ مَن زَوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتين مِن بناته ، زَوَّجه الأولى فلمَّا ماتت زوّجه الثانية ؟
والجواب : من زوّجه ابنتيه أفضل ممن زوّجه بنتا واحدة . وهو كذلك عند أهل السنة .
ونحن لا نُفضِّل بين الصحابة ولا بين الأنبياء على وجه يُنتقَص فيه آخر ، وإنما نذكر فضل هذا وفضل هذا .
ولا نغمط أحـدًا حقّـه .

قال الرافضي :

السؤالالتاسع عشر :
أن السيدة فاطمة بنت النبي ماتت بعد النبي بستة أشهر ، بينما مات أبو بكر بعد النبي بسنتين ونصف وعمر في وقت لاحق بعده ولكن بالرغم من تأخر موتهما عن موت فاطمة إلا أننا نجدهما دفنا إلى جانب النبي في الوقت الذي لم تنل فاطمة ابنه النبي التي غضبها من غضب النبي هذا المكان كقبر لها ؟
فهل هي التي أوصت أن تدفن بعيدا عن أبيها ؟
إذا كان الجواب لا ، فهل هناك من منع دفنها بجانب أبيها ؟
وما السر في دفنها ليلا وعدم حضور أبو بكر وعمر لدفنها .. مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازةأي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟
لقد ماتت ابنة سيد البشر فمن حضر جنازتها ؟

الـردّ :
هذا القول فيه حق وباطل .
أما الحق فإن فاطمة رضي الله عنها ماتت بعد أبيها بستة أشهر .
وأما الباطل فهو الإيحاء بمنع دفن فاطمة إلى جوار أبيها .
ومثله ما ترويه الرافضة مِن مَنْع دَفْن الحسن إلى جوار جدّه صلى الله عليه وسلم .

وهنا يُقال للرافضي : وهل أوصت فاطمة رضي الله عنها أن تُدفَن إلى جوار أبيها ورُفِضتْ هذه الوصية ؟

وهل كانت هناك عداوة - كالتي يَحْمِلها الرافضة - بين آل أبي بكر وآل البيت ؟
الجواب : لا
ثم إن أبا بكر اسْتَرْضَى فاطمة في آخر حياتها ، فرضيَت عنه ، وقد تقدّم هذا .
فـ فاطمة رضي الله عنها رضِيَتْ عن أبي بكر والرافضة رَفَضتْ أن تَتَرَضّى عن أبي بكر !
صاحبة الشأن رَضِيَتْ ، ومَن ليس له شأن يَسُبّ ويَلْعَن !
هذا والله مِن العَجب العُجاب !

وتقدّم فيما سبق بيان القول الفصل في غضب فاطمة رضي الله عنها ، الذي هو مِن غضب أبيها صلى الله عليه وسلم .
وفي الوقت الذي نَرى الرافضة يستعظمون غَضَب فاطمة رضي الله عنها ، لأن غضبها مِن غَضَب أبيها صلى الله عليه وسلم ، نَجِدْهم يَسْتَهِينُون بِغَضَبِه صلى الله عليه وسلم ، إذ يَسُبُّون زَوج ابنتيه رقية وزينت ، وهُنّ أخوات فاطمة الزهراء رضي الله عنهن جميعا . بل يَسُبّون زوجاته وصحابته .
فلماذا يُتحاشى غَضَب الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ولا يُتحاشى هناك ؟! هذا على افتراض أن غَضَب فاطمة كان بِحَقّ ، وعلى افتراض استمراره .
فالذي يسب ويلعن عثمان رضي الله عنه هو سابّ للنبي صلى الله عليه وسلم ومُؤذ له ، فالنبي صلى الله عليه وسلم زوّجه بنتا بعد أخرى .
أكان يَخْفَى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حال عثمان ؟
فهبوا أنه خَفي عليه ، فهل يَخفى على مَن لا تخفى عنه خافية سبحانه وتعالى ، العَالِم بِحَال عثمان ومآله بعد ذلك ؟
فهل وَجَدتْ الرافضة في مصاحفها أن الله غضَب على عثمان بعد أن رضي عنه ؟!
وهل وَجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم زوّج ابنتيه لِمَلْعُون ؟
حاشَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصَاهِر من لا يُرضى دينه وخُلُقه ، وحاشا عثمان رضي الله عنه أن لا يكون كذلك .

وفي الصحيحين أن فاطمة رضي الله عنها لَمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ، ولم يُؤذِن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لِعلي مِن الناس وَجْه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر عليّ وُجوه الناس فالْتَمَس مُصَالَحَة أبي بكر ومُبايعته . كما تقدّم .

فهذا يدل على أن عليًّا رضي الله عنه هو الذي دَفَنها ليلاً ، ولم تُوصِ هي رضي الله عنها بشيء ، لا مِن جِهة دَفنها إلى جوار أبيها ، ولا مِن جِهة دَفنها ليلاً .

وقد تكون وفاتها في آخر النهار أو في الليل فَكَرِه عليٌّ أن يؤذِن أبا بكر ، كما كَرِه الصحابة أن يُؤذِنوا النبي صلى الله عليه وسلم في مَوت الذي كان يَقُمّ المسجد .

وقد يكون ذلك لَمَا وقع أول الأمر مِن خلاف حول ما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلاّ أن هذه الرواية تدل على رُجوع عليّ رضي الله عنه ومُبايعته لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها

ونحن لا ندّعي العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلٌّ يؤخذ مِن قوله ويُتْرَك .

ومما يَردّ على هذا الرافضي من أن فاطمة لم تُقبَر إلى جِوار أبيها صلى الله عليه وسلم ، أن أبا بكر لم يَعلَم أصْلاً بِوَفَاتهِا ، وأن عليًّا دَفَنها بِلَيل .
فلو كان عَرَض على عائشة أن يَدفنها إلى جوار أبيها صلى الله عليه وسلم ، هل كان هذا يخفى على أبي بكر رضي الله عنه ؟

ثم إن فاطمة رضي الله عنها كانت مَحَلّ تقدير عند عائشة رضي الله عنها .
روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحدًا كان أصدق لَهْجَة مِن فَاطمة ، إلاّ أن يكون الذي وَلدها .
فلا يُتصوّر بعد هذا أن تكون عائشة تمنع فاطمة مِن أن تُقبَر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم .

أما دَفن أبي بكر وعُمر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قد أجاب عنه إمام مِن أئمة آل البيت ، وهو زين العابدين رضي الله عنه ، وقد سُئل : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فأشار بِيدِه إلى القبر ثم قال : لمنْزِلَتهما مِنه الساعة.

وأشار إليه الإمام عليّ رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : وُضِعَ عُمر على سَريره فَتَكَنَّفَه الناس يَدعون ويُصلون قَبْل أن يُرفع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلاَّ رَجُل آخِذ مِنكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر وقال : ما خَلَّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله بِمِثل عَمَله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يَجْعلك الله مع صاحبيك ، وحَسِبت إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذَهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودَخَلْت أنا وأبو بكر وعُمر ، وخَرَجْت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري ومسلم .

أما قوله : ( مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازةأي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟ ) .
فهذا ليس بصحيح ، فالخليفة الذي ينوء بأعباء الخلافة لا يُكلّف بِحُضُور جنَازة كل مسلم .
وفاطمة رضي الله عنها دُفِنت ليلاً .

ومما رأيته يُروى في كُتب الرافضة زعمهم أن الحسن أوصى أن يُدفَن إلى جوار جدّه ، ويزعمون أن عائشة رضي الله عنها رَفَضَتْ ذلك .
وهذا غير صحيح لا مِن حيث الرواية ولا مِن حيث الدراية .
فهذه الرواية التي رواها الكليني في الكافي رواية مُنقطِعة وفيها مجاهيل ، فهو يَروي - كعادته - بإسناده عن ( عِدّة من أصحابنا ) وهذا يُعتبر مِن رِواية المجاهيل . فمن هم هؤلاء الأصحاب عنده ؟
وفي الإسناد :
علي بن إبراهيم ، وهو القُمِّي ، وهو شيخ الكليني ، والرافضة مختلفون في توثيق القُمِّي .
هارون بن الجهم يُخالف في حديثه .

ثم إنه من رواية أبي جعفر ، وأبو جعفر يَروي عن الحسن مُرْسَلاً ، أي لم يَلْقَ الحسن .
فالحسن رضي الله عنه توفِّي سنة 49 أو 50 أو 51 هـ على أقوال في وفاته .
وأبو جعفر الباقر وُلِد ولد سنة ست وخمسين (56) وتوفِّي سنة 114 هـ .
فعلى هذا يكون الباقر لم يَرَ الحسن أصلاً .
فالحسن على أكثر الأقوال توفي سنة 51 هـ ، والباقر وُلِد سنة 56 هـ
أي أن بين وفاة الحسن وبين ولادة الباقر خمس سنوات .
فالرواية على هذا لا تَصِحّ مِن عدّة وُجوه .

هذا لو سلمنا بِقَبُول الكافي أصلاً !
أما إذا لم نُسَلِّم به ، فالرواية أصلا لا تُناقش هذه المناقَشة .
وإنما قرّرت هذا التقرير من باب التنـزّل مع الخصم .
فالكافي يحتاج إلى إثبات عدالة الكليني أوّلاً .
ثم عدالة رُوَاة الرافضة .
وتقدّم الكلام على أشهر رواة الرافضة في الكافي وغيره .

قال الرافضي :

السؤال العشرين :
إن التاريخ يخبرنا بأن قريش طردت بني هاشم والمؤمنين بالنبيفي أوائل الدعوة من مكة إلى شعاب أبي طالب حيث بقوا لثلاث سنين هناك يعانونالصعوبات .. أين كان أبو بكر وعمر خلال تلك الفترة إذا ما فرضنا أنهم من أوائلالمسلمين كما يدعي مخالفي مذهب أهل البيت ؟
لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة !
إذا كانوا في مكة فلما لم يقدما للنبي المساعدة يومها ؟
وإذا كانا لايستطيعان الوصول إلى شعب أبي طالب فهل هناك أي دليل تاريخي يثبت أنهماقدما شيئاللمسلمين بطريقه أو بأخرى في تلك الأيام وخصوصا أن قريش منعت التعامل والتزاوج معالنبي وبني هاشم .

الـردّ :

أولاً : أهل السنة لا يُعتَبرون مِن مُخالِفي آل البيت ، بل هم مِن مُوافقيهم .
وتقدّم قبل قليل أن مُسْنَد الإمام عليّ رضي الله عنه أكثر مِن مُسند ثلاثة من الخلفاء قبله ، في أشهر المسانيد لدى أهل السنة ، وهو مُسنَد الإمام أحمد بن حنبل .

ثانياً : كان هذا الحصار الآثم الظالِم ضد بني هاشِم وبني المطّلب .
قال الإمام البيهقي : وحين بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة آذاه قَومه وهَمُّوا به ، فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مُسْلِمهم وكافِرهم دونه ، وأبَوا أن يُسْلِموه ، فلما عَرَفت قريش أن لا سبيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم معهم اجتمعوا على أن يَكْتُبُوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب : أن لا يُنْكِحُوهم ولا يَنْكِحُوا إليهم ، ولا يُبَايعوهم ولا يَبْتَاعُوا منهم ، وعَمِد أبو طالب فأدخلهم الشعب ، شعب أبي طالب في ناحية من مكة ، وأقامت قريش على ذلك مِن أمرهم في بني هاشم وبني المطلب سنتين أو ثلاثا .

وهذا الحصار كان بعد قوّة الإسلام وفُشُوّه وانتشاره .
وكان ذلك بعد إسلام حمزة رضي الله عنه وبعد إسلام عُمر رضي الله عنه .
قال الإمام ابن كثير : وقال ابن هشام عن زياد عن محمد بن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نَزَلُوا بَلَدًا أصَابُوا مِنه أمْنًا وقَرَارًا ، وأن النجاشي قد مَنَعَ مَن لجأ إليه منهم ، وأن عُمَر قد أسلم فكان هو وحمزة مع رسول الله وأصحابه ، وجعل الإسلام يَفْشُو في القبائل ، فاجتمعوا وائتمروا على أن يَكتبوا كتابا يَتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم ، ولا يَبيعوهم شيئا ولا يَبتاعوا منهم . اهـ .

وهذا يدل على تَقدّم إسلام عُمر رضي الله عنه .
بل كان عُمر رضي الله عنه من أسباب قوّة المسلمين .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِـزّة منذ أسلم عمر . رواه البخاري .

وأما إسلام أبي بكر فلا يشك عاقل مُنصِف أنه أوّل مَن أسْلَم مِن الرِّجال .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يَدفَع عن النبي صلى الله عليه وسلم ويُدافِع عنه ما استطاع .
روى البخاري من طريق عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صَنَعَ المشركون بِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فَوَضَع رِدَاءه في عُنُقه فَخَنَقَه به خَنْقًا شَديدا ، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات مِن ربكم ؟

ثالثاً : أبو بكر رضي الله عنه عانَى كما عانى غيره في تلك الفترة ، بل لعله عانّى أشدّ مُعاناة .
ويدل على ذلك أنه لَمّا ابْتُلِي المسلمون في مكة واشتدّ البلاء خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجِرا قِبَل الحبشة حتى إذا بَلَغ بَرْك الغِماد لقيه ابن الدّغِنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسِيح في الأرض فأعْبُد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يَخْرُج ولا يُخْرَج ، فإنك تَكسِب المعدوم ، وتَصِل الرَّحِم ، وتَحْمِل الكَلّ ، وتَقْرِي الضيف ، وتُعِين على نوائب الحق ، فأنا لك جار . فارْجِع فاعْبُد ربك ببلادك ، فارْتَحَل ابن الدغنة ، فَرَجع مع أبي بكر ، فطاف في أشراف كفار قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخْرُج مثله ولا يُخْرَج . أتُخْرِجُون رَجُلاً يَكْسِب المعدوم ، ويَصِل الرحم ، ويَحْمِل الكَلّ ، ويَقْرِي الضيف ، ويُعين على نوائب الحق ؟! فأنْفَذَتْ قريش جِوار ابن الدغنة ، وآمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة : مُـرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فَلْيُصَلّ ، وليقرأ ما شاء ، ولا يُؤذينا بذلك ، ولا يَسْتَعْلِن به . فإنا قد خَشينا أن يَفْتِنَ أبناءنا ونساءنا . قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فَطَفِق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يَسْتَعْلِن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بِفِناء داره وبَرز ، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فيتَقَصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يُعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دَمْعه حين يقرأ القرآن ، فأفْزَع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرْسَلُوا إلى ابن الدغنة ، فَقَدِم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجَرْنا أبا بكر على أن يَعْبد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بِفِناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يَفْتِن أبناءنا ونساءنا ، فأتِه فإن أحب أن يَقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أَبَى إلاّ أن يُعْلِن ذلك فَسَلْهُ أن يردَّ إليك ذمتك فإنّـا كرهنا أن نُخْفِرَكَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد عَلِمْت الذي عَقَدْت لك عليه ، فإما أن تَقْتَصِر على ذلك ، وإما أن تَرُدّ إلِيّ ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفِرت في رَجل عَقَدْت له . قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

وَتعرّض أبو بكر رضي الله عنه لأشدّ أنواع التعذيب حتى شارَف على الهلاك .
قال ابن كثير : وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله جالس ، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضُرِبوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ، ووُطِئ أبو بكر وضُرِب ضَرْبًا شَديدا ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فَجَعَل يَضْرِبه بِنَعْلَين مَخْصُوفَتين ويحرفهما لوجهه ، ونَـزَا على بطن أبي بكر حتى ما يُعرف وَجهه مِن أنفه ، وجاء بنو تَيم يتعادون فأجْلَت المشركين عن أبي بكر ، وحملت بنو تَيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه مَنْزِله ولا يَشُكُّون في مَوته ، ثم رجعت بنو تَيم فدخلوا المسجد ، وقالوا : والله لئن مات أبو بكر لَنَقْتُلَنّ عُتبة بن ربيعة ، فرجعوا إلى أبي بكر فَجعل أبو قحافة وبنو تَيم يُكَلِّمُون أبا بكر حتى أجاب فتكلم آخر النهار ، فقال : ما فَعل رسول الله ؟ فمسُّوا منه بألسنتهم وعَذَلُوه ، ثم قاموا ، وقالوا لأُمِّـه أم الخير : انظري أن تُطْعِميه شيئا ، أو تَسْقيه إياه . فلما خَلَتْ به ألَحَّتْ عليه ، وجعل يقول : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : والله مالي علم بصاحبك . فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه . فَخَرَجَتْ حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله . فقالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله ، وإن كنت تُحبِّين أن أذهب معك إلى ابنك ؟ قالت : نعم . فَمَضَت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دَنِفَـا ، فَدَنَتْ أم جميل وأعْلَنَت بالصِّياح ، وقالت : والله إن قومًا نَالُوا هذا منك لأهل فِسْق وكُفر ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم . قال : فما فعل رسول الله ؟ قالت : هذه أمك تسمع . قال : فلا شيء عليك منها . قالت : سالِم صَالِح . قال : أين هو ؟ قالت : في دار ابن الأرقم . قال : فإن لله عَليَّ أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله . فامْهَلَتَا حتى إذا هَدأت الرِّجْل وسَكن الناس ، خَرَجَتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأكبّ عليه رسول الله فَقَبَّلَـه ، وأكَبّ عليه المسلمون ورَقَّ له رسول الله رِقَّةً شديدة ، فقال أبو بكر : بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلاَّ ما نال الفاسِق مِن وَجهي ، وهذه أمي بَرَّة بِوَلَدها ، وأنت مبارك فادْعها إلى الله ، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار . قال : فدعا لها رسول الله ودعاها إلى الله ، فأسْلَمَتْ ، وأقاموا مع رسول الله في الدار شهرا ، وهم تسعة وثلاثون رجلا ، وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضُرِب أبو بكر ، ودعا رسول الله لعمر بن الخطاب أوْ لأبي جهل بن هشام ، فأصبح عمر ، وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسْلَمَ عُمر يوم الخميس ، فَكَبَّر رسول الله وأهل البيت تكبيرة سُمِعَتْ بأعلى مكة .



فقول الرافضي : ( لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة ! )

فالجواب عنه أن المقاطعة كانت لبني هاشم وبني المطّلب ، كما تقدّم .
كما أن قبيلة تيم ( قبيلة أبي بكر ) ليست كما وَصَف الرافضي ( لا وَزن لها ) بل لها وَزن حتى أنها هَدّدتْ عند تعذيب أبي بكر رضي الله عنه بِقَتْل عُتبة بن ربيعة ، ومَن هو عُتبة ؟
إلاَّ أن قوّة قريش وجبروتها وسطوتها ومكانتها عند العَرَب بالإضافة إلى قرابتها ببني هاشم وبني المطّلب جَعَلت الناس يُحجِمون عن مـدّ يد المساعدة لبني هاشم وبني عبد المطّلب حينما حُصِروا .
وقد عَلِمتَ أن أبا بكر رضي الله عنه تعرّض للتعذيب من قِبَل بعض صناديد قريش ، وتعرّض للمضايقة حتى هَمّ بالخروج من مكة حتى ردّه ابن الدّغنة .
يقول الدكتور مهدي رزق الله : ونَالَ أبا بكر رضي الله عنه نَصيبه مِن الأذى ، حتى فكّر في الهجرة إلى الحبشة فِرَارًا بِدِينِـه . اهـ .

كما أن تلك المقاطَعة ليس فيها تفاصيل دقيقة إذ لم تكن العَرَب تُعنى بالتوثيق والكتابة والتقييد للأحداث .
يقول الدكتور مهدي رزق الله : لم يَرِد ذِكر هذه المقاطَعة بِتَفْصِيل في الصِّحاح . اهـ .

وأنت لو تأمّلت في كتاب الله فَضْلاً عن السنة لوجدّتَ كثيرا مِن الأحداث لا يَرد لها تفاصيل دقيقة .
فَعَلى سبيل المثال قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وقد لبِث في السجن بِضع سنين ، ومع ذلك لم يَرِد تفاصيل ماذا عَمِل في تلك السنوات .
بل في قصة نوح عليه الصلاة والسلام وقد لبِثَ في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاما ، لم يَرد ذِكر تفاصيل ماذا عَمِل في تلك السنين ، والفائدة حاصلة في الإشارة ، والعِبْرَة مُتحقّقة بسياق هذا القَدْر من قصّته .
فالذي يَطلب تفاصيل دقيقة لِمَا حَدَث في سنوات تلك المقاطَعة لن يَجِد تلك التفاصيل الدقيقة ، بحيث تتناول ماذا عمِل فلان ، وماذا قال فلان .

وبقي أن نُذكِّر القارئ الكريم المنصف بشيء من فضائل أبي بكر رضي الله عنه .
فإنه قدَّم نفسه وماله في سبيل الله ، وفي سبيل نُصرة رسول الله وحمايته .
ولذا حفِظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصَّنِيع .
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عَاصِبًا رأسه بِخِرْقَـة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنَّ عليَّ في نفسه وماله مِن أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت مُتَّخِذًا مِن الناس خليلا لاتَّخَذْت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدُّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
وهذا فيه إشارة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم إلى فضل أبي بكر مع ما تقدّم من صريح العبارة في رضاه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ، وأمره له أن يَؤمّ الناس .

ولَمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة أتى إلى أبي بكر رضي الله عنه ظُهرا ، ولم يأتِ إلى غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أشعرت أنه قد أُذِن لي في الخروج ؟ قال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصحبة . قال : يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج ، فَخُذ إحداهما . قال : قد أخذتها بالثمن . رواه البخاري .
وتقدّم أن أبا بكر لَمّا خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة احتمل أبو بكر مَالَه كله معه ، خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه .

ولَمّا حَثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة وأمر بها ، جاء أبو بكر رضي الله عنه بمالِه كلّه ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبْقَيت لأهلك ؟ قال : أبْقَيتُ لهم الله ورسوله . رواه أبو داود والترمذي .

ولَمّا قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَن أنفق زوجين في سبيل الله نُودي من أبواب الجنة : يا عبدَ الله هذا خَير ، فمن كان مَن أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ، ومَن كان مِن أهل الجهاد دُعي مِن باب الجهاد ، ومَن كان مِن أهل الصيام دُعي مِن باب الريان ، ومَن كان مِن أهل الصدقة دُعي مِن باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله ما على مَن دُعي مِن تلك الأبواب مِن ضرورة ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم . رواه البخاري ومسلم .

ولَمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تَبِع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلاَّ دَخَل الجنة . رواه مسلم .

قال ابن حجر في الإصابة : وأخرج أبو داود في الزهد بِسَنَد صحيح عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال : أسْلَم أبو بكر وله أربعون ألف درهم . قال عروة : وأخبرتني عائشة أنه مات وما تَرَك دِينارا ولا دِرهما .
وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه : أسْلَم أبو بكر وله أربعون ألفا ، فأنفقها في سبيل الله ، وأعْتَق سَبعة كُلّهم يُعَذَّب في الله ؛ أعتق بلالا وعامر بن فهيرة وزنّيرة والنهدية وابنتها وجارية بني المؤمل وأم عُبيس .

وقال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " :
ومناقب أبي بكر رضي الله عنه كثيرة جدا ، وقد أفرده جماعة بالتصنيف ، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قَدْر مُجَلّدة . ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى : ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فإن المراد بِصَاحِبه أبو بكر بلا نِزَاع ، إذ لا يعترض لأنه لم يتعين ، لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة عامر بن فهيرة وعبد الله بن أبي بكر وعبد الله بن أريقط الدليل ، لأنا نقول : لم يصحبه في الغار سوى أبي بكر ، لأن عبد الله بن أبي بكر استمر بمكة وكذا عامر بن فهيرة ، وإن كان ترددهم إليهما مدة لبثهما في الغار استمرت لعبد الله من أجل الإخبار بما وقع بعدهما ، وعامِر بِسبب ما يقوم بغذائهما مِن الشِّياه ، والدليلُ لم يَصحبهما إلاّ مِن الغار ، وكان على دِين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر ، وقد قيل إنه أسْلَم بعد ذلك . وثبت في الصحيحين مِن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهما في الغار : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ والأحاديث في كَونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ، ولم يَشْركه في هذه المنقبة غيره . اهـ .

وروى الإمام أحمد والحاكم - وصححه - عن عليّ رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر : مع أحدكما جِبريل ، ومع الآخر ميكائيل ، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ويكون في الصفّ .

وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل . قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : فقلت : مِن الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم مَن ؟ قال : عمر بن الخطاب . فَعَدَّ رِجَالاً .

وهذه إشارات لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد أطال ابن عساكر في تاريخ دمشق في ذِكر فضائله رضي الله عنه .

والله تعالى أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
صفر 1426 هـ
وتمت الإضافة والتصحيح في صفر 1431 هـ


رد مع اقتباس