عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 731  
كاتب الموضوع : عبد الرحمن السحيم المنتدى : منتـدى الحـوار العـام
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-06-2018 الساعة : 06:02 AM

سَيِّد الْخَلْق : البشير النذير ، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم


مِن آياته ومُعجِزاته (28)


قال ابن كثير :

القَول فيما أُوتِي سليمان بن داود عليه السلام :
قال الله تعالى : (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) .


وأمّا تسخير الرِّيح لِسُليمان ؛ فقد قال الله تعالى في شأن الأحزاب : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) ، وقد تقدم في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُّورِ .


وثبت في " الصحيحين " : " نُصِرْتُ بِالرُّعْب مَسِيرة شَهْر " . ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قَصَد قِتال قوم من الكفار ، ألْقَى الله الرُّعبَ في قلوبهم منه قبل وُصوله إليهم بِشَهر ، ولو كان مَسِيره شهرا ، فهذا في مقابلة : (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) ، بل هذا أبلغ في التمكين والنصر والتأييد والظَّفَر ، وسُخِّرَت له الرِّياح تَسوق السَّحَاب لإنزال المطر الذي امْتَنّ الله به حين استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غير ما موطن .


وقال أبو نعيم : فإن قيل : فإن سُليمان سُخِّرت له الرّيح فسَارت به في بلاد الله ، وكان غدوها شهرا ورَواحها شهرا . قيل : ما أعطي محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأكبر ؛ لأنه سَارَ في ليلة واحدة مِن مكة إلى بيت المقدس مَسيرة شهر ، وعُرِج به في مَلكوت السماوات مَسيرة خمسين ألف سنة في أقل مِن ثُلث ليلة ، فَدَخل السماوات سماء سماء ، ورأى عجائبها ، ووقف على الجنة والنار ، وعُرِض عليه أعمال أُمّته ، وصَلى بالأنبياء وبملائكة السّماوات ، واختَرَق الْحُجُب ، وهذا كله في ليلة . فأيّمَا أكبر وأعجب ؟!


وأما تَسخِير الشياطين بين يديه [أي : سليمان] تَعمل ما يشاء مِن مَحَاريب وتَمَاثِيل وجِفَان كَالْجَوَاب وقُدُور رَاسِيات ؛ فقد أنزل الله الملائكة المقرّبين لِنُصْرة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في غير ما مَوْطِن : يوم أُحُد ، وبَدر ، ويوم الأحزاب ، ويوم حُنين . وذلك أعظم وأبْهَر وأجلّ وأعلى مِن تسخير الشياطين .


وفي " الصحيحين " مِن حَديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عِفْرِيتًا مِن الجن تَفَلّت عليّ البارحة - أو كَلِمَة نَحْوَهَا - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ، قَالَ : " ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوَثَّقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " .


وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ " مَرَدَةُ الْجِنِّ ". فَهَذَا مِنْ بَرَكَةِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ .


وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَحَذَّرُوهُمْ مُخَالَفَتَهُ ؛ لأَنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الإِنْسِ وَالْجِنِّ ، فَآمَنَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْجِنِّ كَثِيرَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَوَفَدَتْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ وُفُودٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ " الرَّحْمَنِ " ، وَخَبَّرَهُمْ بِمَا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ مَنِ الْجِنَانِ ، وَمَا لِمَنْ كَفَرَ مِنَ النِّيرَانِ ، وَشَرَعَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ وَمَا يُطْعِمُونَ دَوَابَّهُمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبَرُ .


وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هَا هُنَا حَدِيثَ الْغُولِ الَّتِي كَانَتْ تَسْرِقُ التَّمْرَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيُرِيدُونَ إِحْضَارَهَا إِلَيْهِ فَتَمْتَنِعُ كُلَّ الامْتِنَاعِ ؛ خَوْفًا مِنَ الْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ افْتَدَتْ مِنْهُمْ بِتَعْلِيمِهِمْ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ الَّتِي لا يَقْرَبُ قَارِئَهَا الشَّيْطَانُ .
وَالْغُولُ هِيَ : الْجِنُّ الْمُتَبَدِّي بِاللَّيْلِ فِي صُورَةٍ مُرْعِبَةٍ .


وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هَا هُنَا حِمَايَةَ جِبْرِيلَ لَهُ عليه الصلاة والسلام ، غَيْرَ مَا مَرَّةٍ مِنْ أَبِي جَهْلٍ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي السِّيرَةِ ، وَذَكَرَ مُقَاتَلَةَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ .
وَأَمَّا مَا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُلَيْمَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ كَمَا كَانَ أَبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ ، فَقَدْ خَيَّرَ اللَّهُ عَبْدَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا أَوْ عَبْدًا رَسُولا ، فَاسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَاضَعَ ، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولا . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ .


وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْصِبَ الرِّسَالَةِ أَعْلَى ، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم كُنُوزَ الأَرْضِ فَأَبَاهَا ، قَالَ : " وَلَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الأَرْضِ ذَهَبًا ، وَلَكِنْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا " . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَدِلَّتِهِ وَأَسَانِيدِهِ فِي " التَّفْسِيرِ " وَفِي السِّيرَةِ أَيْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .


قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : فَإِنْ قِيلَ : سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَفْهَمُ كَلامَ الطَّيْرِ وَالنَّمْلَةِ .
قِيلَ : قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِكَلامِ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَرُغَاءِ الْبَعِيرِ وَكَلامِ الشَّجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَا وَالْحَجْرِ ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَاسْتِجَابَتِهِ لأَمْرِهِ ، وَإِقْرَارِ الذِّئْبِ بِنُبُوَّتِهِ ، وَتَسْخِيرِ الطَّيْرِ لِطَاعَتِهِ ... وَمَا فِي مَعْنَاهُ .

رد مع اقتباس