8. ما هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في ملبسه ومأكله وأموره كلها ؟
الجواب :
الجواب عن هذا يحتاج إلى كُتُب !
وقد أُلِّفَت فيه كُتب ، مثل : كُتب الشمائل ، والخصائص ، والسِّيرة ، وهَديه عليه الصلاة والسلام .
والذي يَجْمَع ذلك كله : أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتكلَّف مَعْدوما ، ولا يَرُدّ موجودا ، إلاّ أن يكون لا يَشتهيه ، أو لا يَحِلّ لنا .
قال ابن القيم رحمه الله : كان هديُه صلى الله عليه وسلم، وسيرتُه في الطعام ، لا يردُّ موجودًا ، ولا يَتَكَلَّف مَفقودًا ، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ مِن الطيبات إلاّ أكله ، إلاَّ أن تَعافَه نفسُه ، فيتركَه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قطُّ ، إن اشتهاه أكله ، وإلاَّ تَرَكه ، كما تَرَك أكل الضَّبِّ لَمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ، ولم يُحَرِّمه على الأُمَّة ، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر .
وأكل الحلوى والعسل ، وكان يُحبهما ، وأكل لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الْحُبارى ، ولحم حِمار الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر ، وأكل الشِّواء ، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشَرِب اللبنَ خالصًا ومَشُوبًا ، والسَّويق ، والعَسل بالماء ، وشَرِب نَقيع التمر ، وأكل الخَزِيرَة ، وهي حَسَاء يُتَّخَذ مِن اللبن والدقيق ، وأكل القِثَّاء بالرُّطَبِ ، وأكل الأَقِطَ ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالْخَلّ ، وأكل الثريد ، وهو الخبز باللحم ، وأكل الخبز بالإِهالة ، وهى الوَدَك ، وهو الشحم الْمُذَاب ، وأكل مِن الكَبِدِ المَشوِيَّةِ ، وأكل القَدِيد ، وأكلَ الدُّبَّاء المطبوخةَ، وكان يُحبُّها ، وأكلَ المسلُوقةَ ، وأكلَ الثريدَ بالسَّمْن ، وأكلَ الجُبنَ ، وأكلَ الخبز بالزيت ، وأكل البطيخ بالرُّطَبِ ، وأكل التمر بِالزُّبْدِ ، وكان يُحِبه ، ولم يكن يَردُّ طَيِّبًا ، ولا يتكلفه . اهـ .
وأما مَلْبسه عليه الصلاة والسلام ، فقد كان يُحِبّ التجمُّل عليه الصلاة والسلام .
رأى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه حُلّة سِيراء عند باب المسجد ، فقال : يا رسول الله لو اشتريت هذه ، فَلَبِسْتها يوم الجمعة ، وللوَفْد إذا قَدِمُوا عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة . رواه البخاري ومسلم .
وذلك لأنها كانت مِن حرير .
ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتكلَّف في مَلبَسه ، فقد يخرُج إلى الصلاة بالثوب الذي نام به عليه الصلاة والسلام .
قالت عائشة رضي الله عنها : كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخرج إلى الصلاة ، وإن بُقَع الماء في ثوبه .وفي رواية لمسلم : لقد كنتُ أفْرُكه مِن ثَوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرْكًا ، فيُصَلِّي فيه . رواه البخاري ومسلم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحِبّ التيمُّن ويُعجبه ، وهو استخدام اليد اليمنى في الأخذ والعطاء ، وتقديم اليمين حتى في القَدَم عند الانتعال .
ومَن أراد الاستزادة ، فليرجِع إلى :
كتاب " الشمائل " ، للترمذي
وكِتاب " زاد المعاد في هَدْي خير العباد " ، لابن القيم .
والله تعالى أعلم .
9. والله المستعان أصبحنا في زمن الإخوة الأشقاء يتخاصمون على توافه الحياة الدنيا الزائلة ; ولأن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم صالحة لأي زمان ومكان , فهل تحدثنا عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتاه متخاصمان ؟ وما رسالتك لهؤلاء الإخوة المتخاصمين ؟
الجواب :
لَمّا جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا صلاة الفجر معه ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف ، فتعرضوا له ، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، ثم قال : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ فقالوا : أجل يا رسول الله ! قال : فأبشروا وأمّلوا ما يسركم ، فو الله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم . رواه البخاري ومسلم .
الفقر غَالِبًا لا يُغيّر النفوس
بينما الطغيان مُرْتَبط بِالغِنى ، كما قال تعالى : (كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ( 6 ) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) .
ولم تكثر الخصومات إلاّ حينما فُتِحَت الدنيا على الناس ، فقد سَمِعْنا عن تلاعن بعض الإخوة وتخاصُمهم في المقبرة ، وهم لم يَنْفُضُوا التراب عن أيديهم بعد دَفْن والِدهم !
وكان مِن هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم السعي إلى إصلاح ذات البين ، والحثّ على إصلاح ذات البين ، والترخيص في ارتكاب مفسدة صُغْرَى لأجل مصلحة كُبرى ، وهي إصلاح ذات البين .
واحتُمِل في سبيل التئام القلوب وإصلاح ذات البين ما لم يُحتمل في غيرها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا . رواه البخاري ومسلم .
زاد مسلم : قال ابن شهاب : ولم أسمع يُرخص في شيء مما يقول الناس كَذِب إلاَّ في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
وإنما جاز الكذب في إصلاح ذات البين لِمَا فيه مِن جَمْع الكلمة ووِحدة الصف ، وائتلاف القلوب .
قال الشيخ ابن سعدي : والصدق مصلحته خَالِصة ، والكَذِب بِضِدِّه ، ولهذا إذا تَرَتَّب على أنواع الكذب مَصلحة كُبرى تَزيد على مَفْسَدته ، كَالْكَذِب في الْحَرَب ، وفي الإصلاح بين الناس، فقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لِرُجْحَان مَصْلَحَته . اهـ .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على جمع القلوب ، وعلى إصلاح ذات البين .
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقْتَتَلُوا حتى تَرَامَوا بالحجارة ، فأُخْبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نُصْلِح بينهم . رواه البخاري .
بل إنه عليه الصلاة والسلام تأخّر عن صلاة الجماعة من أجل الإصلاح بين المتخاصِمِين .
روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر ، فقال : أتصلي للناس ، فأُقِيم ؟ قال : نعم ، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة ، فتخلّص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس - وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته - فلما أكثر الناس التصفيق الْتَفَتْ فَرَأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه ، فحمد الله على ما أمَره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ذلك ، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف ، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى . الحديث .
ولَمَّا تَمّ نَعيم أهل الجنة نَزَع الله ما في صدورهم من أسباب العداوة والبغضاء ثم أثبت لهم الأخوة فقال ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) .
قال ابن القيم رحمه الله - وهو يذكر أسباب انشراح الصَّدْر - :
ومنها - بل مِن أعظمها - : إخراج دَغَل القلب مِن الصفات المذمومة التي تُوجِب ضِيقه وعذابه، وتَحُول بينه وبين حصول الـبُرء ، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تَشْرح صَدره ، ولم يُخْرِج تلك الأوصاف المذمومة مِن قَلبه لم يَحْظَ مِن انشراح صَدْره بِطائل ، وغايته أن يكون له مادّتان تَعْتَورَان على قَلْبه ، وهو للمادَّة الغالبة عليه منهما . اهـ .
والله تعالى أعلم .
10.الدنيا ممر لا سكن للأبد , فما أجمل أن نعيش فيها عيش الغرباء لا نهنأ بنوم ولا زاد حتى نلقى وجه الله الكريم , فما هو عيش الغرباء ؟
الجواب :
عيش الغرباء لا يعني أن يزهد الإنسان في الدنيا ، ولا أن يُحرِّم طيِّبَات ما أحل الله له ، ولا أن يَحْرِم نفسه مِن لذائذ الدُّنيا ؛ فقد تقدَّم أن مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يردُّ موجودًا ، ولا يَتَكَلَّف مَفقودًا .
وفَرْق بين أن يأكل الإنسان مِن الطيِّبَات ، وبين أن يتوسَّع في الْمُباحات ، تَوسُّعًا يشغله ويُلهيه عن القُرُبات .
وعيش الغرباء يعني أن يَصلح الإنسان إذا فَسَد الناس ، وأن يثبُت إذا اضطرب الناس ، وأن لا يَمِيل مع الرِّيح حيث مالَتْ !
قال جَابِر رضي الله عنه : مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَقَدْ مَالَتْ بِهِ إِلاَّ ابْنُ عُمَرَ .
وقالتْ عَائِشَة رضي الله عنها : مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ .
وفي الحديث : بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ . رواه مسلم .
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده : طوبى للغرباء . فقيل : مَن الغُرَباء يا رسول الله ؟ قال : أناس صَالِحُون في أناس سوء كثير ، مَن يَعْصِيهم أكثر ممن يُطِيعهم . رواه الإمام أحمد .
والغُرباء الذين يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يَروه ، ويستمسكون بِسُنّته عند فساد الناس .
حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جُمُعَةَ ، قَالَ : تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، قَالَ : فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا ؟ أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي . رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
قال القرطبي في تفسيره : وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدِّين وتَمَسَّكُوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشَّرّ والفِسق والْهَرْج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء ، وزَكَتْ أعمالهم في ذلك الوقت كما زَكَتْ أعمال أوائلهم ، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء" . اهـ .
والغُرباء الذين يَسْتَمْسِكُون بِحبْل الله ، ويَلْزَمون العبادة ؛ لأن فيها النجاء .
قال عليه الصلاة والسلام : الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ . رواه مسلم .
قال ابن رجب : وسَبب ذلك أن الناس في زمن الفِتن يَتَّبِعُون أهواءهم ولا يرجعون إلى دِين ، فيكون حالهم شَبيها بِحَال الجاهلية ، فإذا انفرد مِن بينهم مَن يَتَمَسَّك بِدِينه ويَعبد ربه ويَتَّبِع مَرَاضيه ، ويجتنب مَسَاخِطه ؛ كان بِمَنْزِلة مَن هَاجَر مِن بَين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، مُؤمِنًا به مُتَّبِعًا لأوَامِره ، مُجْتَنِبًا لِنَواهيه . اهـ .
والله تعالى أعلم .
منقول من شبكة مشكاة الإسلامية