منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم العقـيدة والـتوحيد (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=5)
-   -   قال لي شخص بأن من فعل كبيرة فهو خالد في النار فبماذا أرد عليه ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6249)

ناصرة السنة 08-03-2010 08:31 PM

قال لي شخص بأن من فعل كبيرة فهو خالد في النار فبماذا أرد عليه ؟
 
لقد قال لي شخص بأن من فعل كبيرة فهو خالد في النار ودليله قوله تعالى : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون } . سورة البقرة آية 81
فبماذا أرد عليه ؟
http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب

لا بُـدّ أن يُعلم أن من قال في شيء من تفسير كلام الله دون أن يكون من أهل العلم ولا من المتأهّلين له فقد قال على الله بغير علم .
وخطورة القول على الله بغير عِلم معلومة ، وغاية في الخطورة ، إذا قد قرن الله القول بغير عِلم بالشِّرك ، فقال : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )


وكان السلف يكرهون أن يتكلّموا في تفسير القرآن لما فيه من الخطورة .
قال الشعبي : أدركت أصحاب عبد الله بن مسعود وأصحاب علي وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن . قال : وكان أبو بكر يقول : أي سمـاء تظلني ، وأي أرض تقلني ، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم . رواه ابن أبي شيبة .

وقال عمر رضي الله عنه وهو على المنبر ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا
ثم قال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر !
وما زلّ من زلّ من بعض الفرق إلا نتيجة القول على الله بغير عِلم .

وهذا الذي قال لك هذا القول قد أخطأ من جهتين :

الأولى : أنه قال في القرآن برأيه .
الثانية : أنه قال بقول الخوارج الذين يقولون بأن صاحب الكبيرة خالد مُخلَّد في النار .

وأما الجواب عما قاله فمن ثلاثة أوجه :

الوجه الأول :أن أهل السنة يُفرِّقون بين الخلود في النار وبين التأبيد .
ولهذا وجه في اللغة .
فإن الخلود هو المكث الطويل .
ألا ترى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لما قال لقومه : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ

فلما أجابوه ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ

لما أخبروه أنهم لن يدخلوا لم يكن هذا نفياً على التأبيد ، فجاءت المراجعة ( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

فأجابوا هذه المرّة بالنفي المؤبّد (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ

فلما جاء النفي بالتأبيد دعا ربه أن تتم المفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين .

فأنت تلحظ أن هناك فرقاً بين قولهم : ( لَنْ نَدْخُلَهَا
وبين قولهم : ( لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا

هذا هو الوجه الأول .

وأما الوجه الثاني :فسياق الآيات يدلّ على المقصود .
فالآية التي قبل هذه تتحدّث عما قالته اليهود : ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )
ثم قال جوابا عن قولهم : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ


والوجه الثالث :أن ذلك خاص بمن كفر بالله ، وأن المقصود بالخطيئة هنا الكفر ؛ لأن الخطاب لليهود .
فقد روى ابن جرير في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ، أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
وقال مجاهد في قوله : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) قال : شِركاً .

وقال أبو وائل في قوله : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) قال : الشرك بالله .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : من عمل سيئة ، وأحاطت به خطيئته ، وهو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة ، بل جميع أعماله سيئات ، فهذا من أهل النار . اهـ .

وهذا الذي ليس عنده مثقال ذرّة من إيمان .

نسأل الله السلامة والعافية .

ومثل الآية السابقة قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ


فالربا كبيرة من كبائر الذنوب ، وفاعلها لا يخلد في النار
والجواب عن الإشكال الذي قد يرد على بعض الأذهان من وجوه أيضا

من الوجه الأول : وأنه فرق بين الخلود وبين التأبيد .

الثاني : أن هذا محمول على من استحلّ الربا ، بدليل التعليل في قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا

ومن استحلّ ما حرم الله فقد كفر .

فليست كل آية ورد فيها ذِكر الخلود في النار يقتضي أن فاعل ذلك الفعل كافر ، بل هذا من باب الوعيد .
كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ

وهذا ليس معناه الخلود الأبدي في النار .
بل معناه طول المكث فيها .

ويُقال مثل ذلك في قوله تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا

فقتل النفس المؤمنة من كبائر الذنوب ولا يقتضي ذلك خلوده الأبدي في النار .
بل هذا جنس عذابه ، ومع ذلك هو تحت مشيئة الله ، إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له .

وهنا :
هل يُخلّد القاتل في نار جهنّم حتى لو تاب ؟؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18962

هل نقول للناس إن القاتل مخلد في النار ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18963

سؤالي يتعلق بجرائم القتل وإزهاق الأرواح ، فهل لقاتل النفس مِن توبة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=11030


والله تعالى أعلى وأعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض



الساعة الآن 07:42 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى