منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم السنـة النبويـة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=24)
-   -   كيف نجمع بين الحديث " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم " وبين الآية (خذوا زينتكم) ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14582)

نسمات الفجر 02-06-2016 07:24 AM

كيف نجمع بين الحديث " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم " وبين الآية (خذوا زينتكم) ؟
 

كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم . وبَيْن قوله تعالى : (خُذُوا زِينتكم عند كُل مسجد) ؟

http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gifالجواب :

لا تعارُض بين الآية والحديث ؛ فالآية نَزَلَت ابتداء في الأمر بِسَتْر العورة .

قال ابن عَبَّاسٍ رضيَ اللّهُ عنهما : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ ، فَتَقُولُ : مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا ؟ تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا ، وَتَقُولُ : الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) رواه مسلم .

والعبرة بِعموم اللفظ ، وقد أُمِرْنا بأخْذِ الزينة عند الصلاة ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَة سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ . رواه أبو داود وابن ماجه ، وصححه الألباني .
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم : لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيهِ مِنْهُ شَيْءٌ . رواه البخاري ومسلم .

وروى الطحاوي في " شرح معاني الآثار " مِن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كَسَا نَافِعًا ثَوْبَين ، فقام يُصَلى في ثَوب وَاحد ، فَعَاب عليه ، وقال : احْذَر ذلك ، فإنَّ الله أحق أن يُتَجَمَّل له .

وروى البيهقي من طريق أيوب عن نافع قال : تَخَلَّفْتُ يوما في عَلَف الرِّكَاب ، فدخل على ابن عمر وأنا أصلى في ثوب واحد ، فقال لي : ألَم تُكْس ثوبين ؟ قلت : بلى . قال : أرأيت لو بَعَثْتُك إلى بعض أهل المدينة أكنت تذهب في ثوب واحد ؟ قلت : لا . قال : فالله أحق أن يُتَجَمَّل له أمِ الناس ؟

وجاء عبد الكريم أبو أُمَية إلى أبى العالية وعليه ثياب صُوف ، فقال أبو العالية : إنما هذه ثياب الرهبان ! إن كان المسلمون إذا تزاوروا تَجَمَّلُوا . رواه البخاري في " الأدب المفرد " .

قال ابن أبي ليلى : أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مِن أصحاب بَدر وأصحاب الشجرة إذا كان يوم الجمعة لَبِسُوا أحْسَن ثيابهم ، وإن كان عندهم طِيب مَسّوا منه ، ثم راحوا إلى الجمعة .

فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب تعظيم شعائر الله ، فلا تُؤتَى المساجد إلاّ بِرَائحة طَيبة زكية ، ولباس نظيف ساتر - وسواء في ذلك الكبار والصغار - ، لا أن يأتي الْمُصَلِّي إلى المسجد وكأنه خارج إلى الدكان أو داخل غُرفة نَومه !
ولذلك نُهي الْمُصلِّي أن يأتي إلى المسجد بروائح كريهة ، سواء كانت رائحة ما أكَل وبقيَت في فَمه ، أو رائحة العرق في ثيابه أو في بَدَنه .

قال الإمام القرطبي في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) :
دَلّت الآية على لباس الرفيع من الثياب والتجمل بها في الجمع والأعياد وعند لقاء الناس ومزاورة الأخوان . قال أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجمّلوا .
وقال :وقد اشترى تميم الداري حُلّة بألف درهم كان يصلي فيها ، وكان مالك بن دينار يلبس الثياب العدنية الجياد ، وكان ثوب أحمد بن حنبل يُشترى بنحو الدينار . اهـ .

وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) : وَلِهَذِهِ الآيَةِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ، يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلاةِ، وَلا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ . اهـ .

والتجمّل والتنظّف مما يُمْدَح به !
قال المقَّري في " نفح الطيب " : وأهْل الأنَدلس أشَدّ خَلْق الله اعْتِنَاء بِنَظَافَة مَا يَلْبِسُون ومَا يَفْرِشُون وغير ذلك، مِمَّا يَتَعَلَّق بِهم ، وفيهم مَن لا يَكُون عِنده إلاَّ مَا يَقُوته يَومه فَيطْويه صَائمًا ، ويَبْتَاع صَابُونًا يَغْسِل بِه ثِيَابَه! ولا يَظْهَر فيها سَاعة على حَالة تَنْبُو العَيْن عنها . اهـ .

فالحديث لا يعني أن الإنسان لا يتجمَّل مُحتجّا به ؛ لأن معنى الحديث : أن نَظَر الله عزَّ وَجَلّ إنما هو إلى القلوب التي هي مَحَلّ الأعمال . فـ "مُجَازَاتُهُ وَمُحَاسَبَتُهُ إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ على ما في الْقَلْبِ دُونَ الصُّوَرِ الظَّاهِرَةِ " كما قال النووي .
فلو كان الإنسان دَميما أو به عاهة ، لم تضرّه تلك العاهة ولا الدمامة ، إذا عَمِل الصالحات ؛ لأن الصورة الظاهرة غير معتبرة ، هذا فيما لا صُنْع للإنسان فيه من الصورة الظاهرة ، أمَّا مَا للإنسان فيه عَمَل ، مثل : إعفاء لِحيته والأخذ مِن شاربه ، فإنه مُؤاخذ عليه ، مَجْزِيّ به ؛ لأنه مأمور فيه ومنهي ، مأمور بإعفاء لحيته ، مَنْهِيّ عن حَلْقِها ، مأمور بِحَفّ شاربِه ، ومثله أيضا : ما يتعلق باللباس فيما أُمِر به الإنسان ، أو نُهِي عنه ؛ فإنه مؤاخذ عليه ، مَجزِيّ به .

وما ضَرّ ابن مسعود رضيَ اللّهُ عنه دِقّـة ساقيه !
كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ ، وكَانَ دَقِيق السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ . رواه الإمام أحمد ، وقال الأرنؤوط : صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن .

وحتى في نَظَر العقلاء والحكماء ، لا ينظرون إلى الصورة الظاهرة فحسب ، بل ينظرون إلى ما في قَلْبِ الرَّجل، وما ينطوي عليه ، فقد كانوا يقولون : المرء بأصْغَرَيه : قلبِه ولِسانه .

وكنت ذكرت أمثلة هنا :
ما الذي رفع قدرهم ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5285

وسبق في الزينة :
خذوا زينتكم ..
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7705

وهنا :
ما حُـكم صلاة الرجُل إذا لبس البرمودا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13004

هل يجوز لبس البيجامة في الصلاة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1877


وفي شرح عُمدة الأحكام :
شرح الحديث الـ 120 في ستر الكتف في الصلاة
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7948&

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم



الساعة الآن 04:10 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى