الحديث الـ 254 في جَمْع الصلاتين بمزدلفة
الحديث الـ 254 في جَمْع الصلاتين بمزدلفة
وعنه قال : جَمَع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بِجَمْع , لكل واحدة منهما إقامة ، ولم يُسبّح بينهما , ولا على إثر واحدة منهما . فيه مسائل : 1= " وعنه " أي : عن ابن عمر رضي الله عنهما ، إذ هو صحابي الحديث السابق . 2= جَمَع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بِجَمْع ، فيه مشروعية الْجَمْع بمزدلفة ، بل هو السنة للحاج . وروى الترمذي أن ابن عمر صلى بِجَمْع فجمع بين الصلاتين . ثم قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم ؛ لأنه لا تُصلَّى صلاة المغرب دون جَمْع ، فإذا أتى جَمْعًا - وهو المزدلفة - جَمَع بين الصلاتين بإقامة واحدة ، ولم يتطوع فيما بينهما ، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم ، وذهب إليه ، وهو قول سفيان الثوري قال سفيان : وإن شاء صلَّى المغرب ثم تعشّى ووضع ثيابه ثم أقام فصلى العشاء . وقال بعض أهل العلم : يَجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين ؛ يؤذّن لصلاة المغرب ويُقيم ويُصلي المغرب ، ثم يقيم ويصلى العشاء ، وهو قول الشافعي . اهـ . قال ابن المنذر : وأجمع العلماء على ذلك ، ثم اختلفوا في من صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة . قال مالك : إن كانت به عِلّة أو بدابته أجزأه ، وإن لم يكن به عِلّة لم تجزئه ويُعيد . وقال أبو يوسف والأوزاعي : تُجزئه . وقال الشافعي : إن أدرك نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاّهما دون المزدلفة . وقال ابن عبد البر : واختلفوا فيمن صلى الصلاتين المذكورتين قبل أن يَصِل إلى المزدلفة : فقال مالك : لا يصليهما أحدٌ قبل جَمْع إلاّ مِن عُذر ، فإن صلاهما مِن غير عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق . وقال الثوري : لا يصليهما حتى يأتي جَمْعا ، وله السعة في ذلك إلى نصف الليل ، فإن صلاهما دون جَمْع أعاد . واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم حين قيل له : الصلاة قال : الصلاة أمامك . يعني بالمزدلفة . ومذهب أبي حنيفة في ذلك نحو قول الثوري وقال أبو حنيفة : إن صلاّهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة ، وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة . وقال ابن بطال : وحُجّة من أجاز الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم جَعل وقت هاتين الصلاتين مِن حين تغيب الشمس إلى آخر وقت العشاء الآخرة ، وجَعَل له إن شاء أن يصليهما في أول وقتهما ، وإن شاء في آخره ، فأوقات الصلوات إنما هي محدودة بالساعات والزمان ، فمن صلاّهما بعد غروب الشمس بِعرفة أو دون المزدلفة ، فقد أصاب الوقت ، وإن ترك الاختيار لنفسه في الموضع ، والصلاة لا تبطل بالخطأ في الموضع إذا لم يكن نجسا ؛ ألاَ ترى أن مَن صلاّهما بعد خروج وقتهما بالمزدلفة ممن لم يَصل إلى المزدلفة إلاّ بعد طلوع الفجر أنه قد فاته وقتهما ، فلا اعتبار بالمكان . 3= " بِجَمْع " أي : مُزدلفة ، وسُمّيت كذلك ؛ إما لاجتماع الناس فيها ليلة العيد ، أو لأن الناس يَجْمعون الصلاة فيها . وقيل غير ذلك . وهي مُزدلفة ، ويُقال : المزدلفة . قال القرطبي في " المفهم " : وَسُمِّيت المزدلفة بذلك ؛ لاقتراب الناس بها إلى منى بعد الإفاضة من عرفات ، والازدلاف : القُرب ، يقال : ازدلف القوم ؛ إذا اقتربوا . وقال ثعلب : لأنها مَنْزِلة قُربة لله تعالى . وقال الهروي : سُمِّيت بذلك : لازدلاف الناس بها . والازدلاف : الاجتماع . وقيل : سُمِّت بذلك : للنُّزول بها بالليل . وزُلف الليل : ساعاته . 4= لا تُتشرط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين ، ولا بأس بتفريقهما ، والأفضل أن يُوالَى بينهما . ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال : دَفَع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن عرفة فَنَزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يُسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة ، فقال : الصلاة أمامك ، فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في مَنْزِله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يُصَلّ بينهما . قال الباجي : وقوله : " فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره ، ثم أقيمت العشاء فصلاّها " يريد - والله أعلم - تعجيل صلاة المغرب عند الوصول ، أو قبل أن يُعدّ كل إنسان مكان نَزوله ، فلما صلى المغرب اتسع الوقت للعشاء ، فذهب كل إنسان إلى تعيين مكان نزوله وإناخة بعيره به ، وتعشى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك - على رواية ابن مسعود - ليتمم كل إنسان ما يحتاج إليه مِن إناخة بعيره والتخفيف عن راحلته . قال أشهب : يَحطّ عن راحلته بعد المغرب إن شاء ، وإن لم يكن بها ثقل ، فإن ذلك قريب لا تفاوت فيه بين الصلاتين ، وليس ذلك بعمل مشروع بين الصلاتين فيعتبر، وإنما هو مباح مُوسّع فيه . اهـ . روى البخاري عن عمرو بن خالد ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول : حج عبد الله [يعني : ابن مسعود] رضي الله عنه ، قال : فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعَتَمَة أو قريبا من ذلك ، فأمَر رَجُلا فأذّن وأقام ، ثم صلّى المغرب وصَلّى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فَتَعَشّى ، ثم أمَر - أُرَى رجُلا - قال عمرو : لا أعلم الشك إلاّ من زهير - فأذّن وأقام ، ثم صلى العشاء ركعتين . قال ابن حجر : أُرى بضم الهمزة ، أي : أظن . وقد بَيّن عمرو وهو بن خالد شيخ البخاري فيه أنه مِن شيخه زهير . اهـ . وفَهِم بعض أهل العِلْم أن ذلك ليس جَمْعا بين الصلاتين ؛ لأنه أذّن وأقام لكل صلاة ، وهذا خلاف ما فهمه الإمام البخاري ، فقد بوّب : باب مَن أذن وأقام لكل واحدة منهما . قال ابن حجر : أي : مِن المغرب والعشاء بالمزدلفة . اهـ . وروى أبو داود أن عليًّا رضي الله عنه كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تُظلِم، ثم يَنْزِل فيصلي المغرب ، ثم يدعو بِعَشَائه فيتعشى ، ثم يصلي العشاء ، ثم يَرتَحل ويقول : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يَصنع . 5= قوله : " لكل واحدة منهما إقامة " اخْتُلِف في الأذان والإقامة ؛ فالأكثر على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الصلاتين بمزدلفة بأذان واحد وإقامتين؛ إقامة لصلاة المغرب ، وإقامة لصلاة العشاء . وقال بعض أهل العلم : يَجْمَع بين الصلاتين بإقامة واحدة . كما ذَكَره الترمذي . ويُقابِل هذا القول ما تقدّم عن ابن مسعود رضي الله عنه : فأمَر رجلا فأذّن وأقام ، ثم صلّى المغرب وصَلّى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشّى ، ثم أمَر - أُرى رجُلا - فأذّن وأقام . وهو ما فهمه الإمام البخاري ، فقد بوّب : باب مَن أذن وأقام لكل واحدة منهما . قال ابن حجر : أي : مِن المغرب والعشاء بالمزدلفة . اهـ . قال ابن بطّال : اختلف العلماء في الأذان والإقامة لهاتين الصلاتين ؛ فروى ابن القاسم عن مالك أنه يُؤذِّن ويُقيم لكل صلاة ، على ظاهر حديث ابن مسعود ، وقد رُوي مثله عن عمر بن الخطاب . وذهب ابن الماجشون وأحمد بن حنبل وأبو ثور إلى أنه يَجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، واختاره الطحاوي ، وذكر عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بأذان واحد وإقامة واحدة ، خلاف قولهم في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة . 6= قوله : " ولم يُسبّح بينهما ، ولا على إثر واحدة منهما " يُسبِّح : أي : يتنفّل . وتنفّل ابن مسعود رضي الله عنه بعد المغرب ، كما تقدّم ، وهو عند البخاري . 7= قوله : " ولا على إثر واحدة منهما " أي : لم يتنفّل بعد المغرب ولا بعد العشاء ، وهذا من باب التأكيد ؛ لأن قوله : " ولم يُسبّح بينهما " يقتضي أنه لم يتنفّل بعد صلاة المغرب . واخْتُلِف في مطلق النافلة ، وفرّق العلماء بين مطلق النافلة وبين السنن الرواتب . قال ابن حجر : نقل النووي - تبعا لغيره - أن العلماء اختلفوا في التنفُّل في السفر على ثلاثة أقوال : المنع مطلقا ، والجواز مطلقا ، والفَرْق بين الرواتب والْمُطْلَقَة ، وهو مذهب ابن عمر ، كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال : صحبت ابن عمر مِن المدينة إلى مكة وكان يُصلّي تطوعا على دابته حيثما توجهت به ، فإذا كانت الفريضة نزل فصلّى . وأغفلوا قولا رابعا ، وهو الفَرْق بين الليل والنهار في الْمُطْلَقَة . اهـ . 8= مَن صلّى العشاء جَمْعا ، فإن له أن يُصلّي صلاة الوتر بعد ذلك ؛ لأن الوقت بعد الْجَمْع يكون وقت الصلاة الثانية . قال ابن قدامة رحمه الله : وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويُوتر قبل دخول وقت الثانية ؛ لأن سُنّتها تابعة لها ، فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته . وقال أيضا : والنهي عن الصلاة بعد العصر مُتَعَلّق بِفِعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أُبِيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفُّل ، وإن لم يُصَلّ أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند مَن يمنع الصلاة بعد العصر . اهـ . والله تعالى أعلم . شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 09:51 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى