الحديث الـ 252 في وُجوب طواف الوداع
الحديث الـ 252 في وُجوب طواف الوداع
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ , إلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ . فيه مسائل : 1= قوله : " أُمِرَ النَّاسُ " الآمِر هو النبي صلى الله عليه وسلم . قال النووي : قول الصحابي : أُمِرنا بكذا ، ونُهينا عن كذا ، أو أُمِرَ الناس بكذا ، ونحوه ؛ فَكُلّه مرفوع ، سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم بعد وفاته . وقال أيضا : إذا قال الصحابي : السُّنة كذا ، أو : مِن السُّنة كذا ، فهو في الْحُكم كَقَوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذا . هذا مذهبنا ومذهب المحدِّثين وجماهير السلف والخلف ، وجعله بعضهم موقوفا ، وليس بشيء . اهـ . أي : جَعَله بعضهم مِن قول الصحابي ، وهذا القول ليس بشيء . 2= الأمْر محمول على الوجوب ، لهذا الحديث ، ولِحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها ، وهو الحديث السابق . قال الإمام الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا يَصدرّن أحدٌ مِن الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ، فإن آخر النسك الطواف بالبيت . ثم قال : وبهذا نقول ، وفي أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تَنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يُفسد حجا ، والحج أعمال متفرقة ، منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه ، وذلك الإحرام ، وأن يكون عاقلا للإحرام ، وعرفة ، فأي هذا ترك لم يُجْزه عنه حجه . ومنها : ما إذا تركه لم يَحِلّ مِن كُلّ إحرامه ، وكان عليه أن يعمله في عمره كُله ، وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذي يَحِلّ به إلاّ النساء ، وأيهما ترك رَجع مِن بلده ، وكان محرما مِن النساء حتى يقضيه . ومنها : ما يُعمل في وقت ، فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بَدَله ، وعليه الفدية، مثل المزدلفة والبيتوتة بمنى ورمى الجمار . ومنها : ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ، ولو لم يرجع لزمه الدم ، وذلك مثل الميقات في الإحرام ، ومثله - والله أعلم - طواف الوداع . اهـ . وقال ابن عبد البر : إن كانت الحائض قد طافت قبل أن تَحيض جاز لها بالسُّنة أن تَخْرُج ولا تُوَدِّع البيت ، ورُخِّص ذلك للحائض وحدها دون غيرها . وهذا كله أمْر مجتمع عليه من فقهاء الأمصار ، وجمهور العلماء عليه لا خلاف بينهم فيه . وقال النووي : هذا دليل لِوجوب طواف الوداع على غير الحائض ، وسقوطه عنها . 3= مَن تَرَك طواف الوداع مِن أهل الآفاق فعليه أن يرجع ليطوف ، وإلاّ لزمه دم ، ما عدا الحائض واخْتَلَفُوا في رُجوع مَن تَرَك طواف الوداع . قال ابن عبد البر : وجُمْلة قول مالِك فيمن لم يَطُف للوداع : أنه إذا كان قريبا رَجع فطاف لِوداع البيت ، وإن بَعُد فلا شيء عليه . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يَرْجِع إلى طواف الوداع ما لم يبلغ المواقيت ، فإن بَلَغَها ولم يرجع فعليه دم . وقال سفيان الثوري والشافعي : مَن لم يَطُف الوداع فعليه دم إن يغدو ، وإن أمكنه الرجوع رجع . وهو قول الحسن البصري والحكم وحماد ومجاهد ، كلهم يقولون : عليه دم . وثبت عن بن عباس أنه قال : " مَن نَسِي مِن نُسُكِه شيئا فليهرق دما " ولا خلاف أن طواف الوداع من النسك . اهـ . 4= هذا الأمر مُختَصّ بالحج دون العمرة ، لقوله : " أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ " وفي رواية لمسلم : كان الناس ينصرفون في كل وَجْه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت . فلو لم يكن من الناسك لم يُلْزَم به الحاج . وهذا القول منه عليه الصلاة والسلام إنما كان في حجة الوداع ، ولم يأمُر النبي صلى الله عليه وسلم مَن اعتمر أن يَطوف للوداع . وهذا يردّ قول مَن قال إن هذا القول منه عليه الصلاة والسلام كان في حجّة الوداع ، فيشمل الحج والعمرة . لأنه لو كان يشمل العمرة لأمَر النبي صلى الله عليه وسلم عائشةَ أن تطوف طواف وداع لِعُمرتها ، وقد اعتمرت بعد الحج ، ولم تطُف بعد عمرتها طواف وداع . ويدلّ على أن طواف الوداع خاص بالحج دون العُمرة : ما رواه الإمام الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا يَصدرّن أحدٌ مِن الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ، فإن آخر النسك الطواف بالبيت . والشاهد قوله : " لا يَصدرّن أحدٌ مِن الحاج " ، فخَصّ الحاج بذلك دون المعتمر . ويُنظر تفصيل هذه المسألة في كتاب " مُشكل المناسك " لشيخنا د. إبراهيم الصبيحي رحمه الله وغفر له . 5= قوله : " خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ " هذا التخفيف مُسْقِط للوجوب ، ومُسقِط للإثم والكفارة . قال النووي : هذا دليل لوجوب طواف الوداع على غير الحائض ، وسقوطه عنها ، ولا يلزمها دم بتركه ؛ هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة . اهـ . 6= " آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ " لا يُفهَم مِنه أنه لو اشترى أو بات أنه يلزمه إعادة طواف الوداع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا . رواه البخاري ومسلم . ومعلوم أن طواف الوداع مِن النُّسُك على الصحيح مِن أقوال أهل العلم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : لا ينفرن أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت . فإذا كان يَجوز له أن يُقيم ثلاثة أيام بعد انتهاء نُسُكِه ، فلا يُمنع مِن إقامة أو مَبِيت أو شراء ، سواء للتجارة أو لغيرها . قال ابن عبد البر : وإنما أرخص رسول الله للمهاجر أن يُقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا ، يعني : لقضاء حاجاته . اهـ . وقال القرطبي : فَجَعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام ؛ لتقضية حوائجه ، وتهيئة أسبابه ، ولم يحكم لها بحكم المقام ، ولا في حيز الإقامة . اهـ . ولأنه عليه الصلاة والسلام بات بالأبطح عند خروجه مِن مكة . وكذلك فعل عمر رضي الله عنه . كما في الموطأ . ولأنه عليه الصلاة والسلام أذِن لعائشة أن تأتي بِعمرة بعد قضاء الحج . فلم يكن آخر عهد عائشة رضي الله عنها بالبيت ، بل بالصفا والمروة ، وعُفي عن ذلك لكونه شيئا يسيرا . ومِن هنا قال العلماء بجواز تأخير طواف الحج والسعي إلى قبيل أن ينفر الحاج . 7= لا يجب على أهل مكة طواف وداع ؛ لأن الوداع على أهل الآفاق ، ولأن أهل الآفاق هُم الذين ينفِرون مِن مكة بعد انقضاء الحج ، وفي الحديث : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت . 8= إذا أخّر طَوَاف الإفاضة ، ثم جَمَعه مع طواف الوداع في طواف واحد أجزأه على الصحيح ، ولو كان بعده سعي الحج ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لعائشة رضي الله عنها أن تعتمر ، مع أن آخر عهدها سيكون بالسعي ، وليس بالطواف بالبيت . قال أبو الوليد الباجي : مَنْ أَفَاضَ بَعْدَ النَّحْرِ وَاتَّصَلَ خُرُوجُهُ بِإِفَاضَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وَدَاعٍ ؛ لأَنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ يُجْزِئُ عَنْهُ ، وَيَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ . اهـ . وقال ابن قدامة : إن أخَّر طواف الزيارة ، فطافه عند الخروج ، ففيه روايتان : إحداهما ، يُجزئه عن طواف الوداع ، لأنه أُمِر أن يكون آخر عهده بالبيت ، وقد فَعَل ... وعنه ، لا يُجزئه عن طواف الوداع ؛ لأنهما عبادتان واجبتان ، فلم تُجْزِ إحداهما عن الأخرى ، كالصلاتين الواجبتين . والله تعالى أعلم . شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 05:44 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى