إشكال حول حديث (ومطعمه ومشربه وملبسه حرام) وبين استجابة الله لدعاء المشركين
 

سماحة فضيلة المعلم الفاضل الكريم الشيخ الدكتور عبد الرحمن السحيم رضي الله عنه و رفع قدره
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه عن المسافر الأشعث الأغبر الذي يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب يا رب و مطعمه و مشربه و ملبسه حرام .
هل هذا يعني أن الكافر لا يستجيب الله له فإذا كان كذلك كيف الجمع بينه و بين استجابة الله تعالى للمشركين كما في كتابه ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء و تنسون ما تشركون ) و قوله سبحانه (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ، وقال تعالى : ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل و جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار )
و قوله سبحانه (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً)
فإذا قلنا أن الذي في الحديث ليس بكافر لأن في الحديث أن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين أليس من باب أولى أن يستجاب هذا المسافر العاصي كما استجاب للكافرين كما هو في كتاب الله؟
نرجو التوضيح أسال الله لسماحتكم من كل خير سأل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أعوذ بالله لكم من كل شر استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه و سلم
مع خالص الشكر و الدعاء لكم لما سمحتم به خاصة لي الله يرضى عليك و على من أحبك

http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

إنما استُجِيب للمشركين لَمّا أخْلَصوا في حال الاضطرار ، وقد أخبر الله عنهم أنهم إذا وقعوا في الشدائد أخْلَصوا وتَركوا شِركهم ، كَقَوله تعالى : (دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقوله : (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) ونحوها مِن الآيات .
ولو أصَرّوا على شِركهم لم يُستَجب لهم .
وكذلك الأمر بالنسبة للمسلم ، إذا وقع في حال اضطرار ودعا الله اسْتُجِيب له .
وكذلك بالنسبة لِدعوة المظلوم ، فإنه يُستجاب له .
ففي الحديث : دعوة المظلوم مُستجابة ، وإن كان فاجِرًا ، فَفُجُوره على نَفسه . رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة ، وقال المنذري في الترغيب: رواه أحمد بإسناد حسن . وقال الهيثمي في المجمع : رواه أحمد والبزار بنحوه ، وإسناده حسن . وقال الحافظ في الفتح : وإسناده حَسن . اهـ .
وفي إسناده أبو معشر ، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي ، وهو ضعيف .
وله شاهد مِن حديث أنس مرفوعا : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافِرا ؛ فإنه ليس دونها حجاب . رواه أحمد وابن معين في تاريخه ، وفي إسناده عبد الرحمن بن عيسى أبو عبد الله الأسدي ، وهو مجهول . والحديث أوْرَده الألباني في صحيح الجامع .
وقال عليه الصلاة والسلام : ثَلاَثَةٌ لا تُرَدّ دَعْوَتُهُمْ - وذكر منهم - : وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَام ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ ، ويَقُولُ الرّبّ وعِزّتِي لأنُصُرَنّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : اعمل لله كأنك تراه ، واعدد نفسك مع الموتى ، وإياك ودعوات المظلوم ؛ فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان .

وأما ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فهو محمول على أحد أمرين :
الأول : أن الداعي مُقيم على تناول الحرام بِكُلّ صُوَره ، مُصِرّ عليه ، لذلك جاء في آخر الحديث : " فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك ؟ " .
الثاني : أن ما في الحديث مِن أحاديث الوعيد ، والتي يُشدَّد فيها على المسلم لكي يرتدع ويَنْزَجِر .
وقد لا يُشدد فيها على الكافر ، لسببين :
الأول : لأن ما تُوعِّد به في الآخرة أشدّ .
والثاني : لأن الكُفر أعظم مِن كُلّ ذَنْب .

ومثال هذا : التشديد على المسلم في الكسب الحرام ، وعدم الأكل مِن مال المسلم الذي يتكسب مِن الحرام .

وهنا :
كيف الجمع بين حديث " لا يدخل الجنة لحم نَبَت مِن سُحت" وبين أكل الرسول طعام اليهود ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12676

حكم من يساعد الظالم على الظلم ويزين له الباطل
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16300

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم