منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   شرح أحاديث عمدة الأحكام (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=52)
-   -   الحديث الـ 256 في الْمُحْرِمِ يَمْتَنِع مِن أَكْلِ ما صَادَه غير الْمُحرِم (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16446)

نسمات الفجر 26-08-2018 05:44 AM

الحديث الـ 256 في الْمُحْرِمِ يَمْتَنِع مِن أَكْلِ ما صَادَه غير الْمُحرِم
 
الحديث الـ 256 في الْمُحْرِمِ يَمْتَنِع مِن أَكلِ ما صَادَه غير الْمُحرِم

عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارا وَحْشِيّا ، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ – فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِي ، قَالَ : إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : " رِجْلَ حِمَارٍ " .
وَفِي لَفْظٍ " شِقَّ حِمَارٍ " .
وَفِي لَفْظٍ " عَجُزَ حِمَارٍ ".
وَجْه الحديث : أنه ظَنّ أنه صِيد لأجله ؛ والْمَحْرِم لا يأكل ما صِيد لأجْلِه .

فيه مسائل :

1= قال النووي : فيه جواز قبول الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم بِخِلاف الصّدَقَة .
وفيه أنه يُستحب لمن امتنع مِن قبول هدية ونحوها لِعُذر أن يَعتذر بذلك إلى الْمُهْدِي تَطييبًا لِقَلْبِه . اهـ .

2= فيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن كَرِيم خُلُق ، وعظيم سَجَايا ، ومُراعاة نفوس أصحابه .

3= فيه إطلاق الكُلّ وإرادة البَعْض ، فالصّعب بن جثّامة رضي الله عنه لم يُهْدِ الحمار الوحشيّ كله للنبي صلى الله عليه وسلم، فقوله : " إنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارا وَحْشِيّا " يُبيِّنه ما جاء في الروايات : رِجْل ، شِقّ ، عَجُز .

4= امْتِناع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكْل ما صادَه غير الْمُحرِم مِن أجْل الْمُحرِم يدلّ على أنه يَحرُم على الْمُحرِم أكْل ما صِيد لأجْلِه ، ومِن باب أوْلى : يَحْرُم عليه ما صادَه الْمُحرِم بِنفسه .

5= ما صَادَه الْمُحرِم بِنفسه لا يَخْلُو مِن حالَيْن :
إما أن يَكون أمْسَكه ولا زال الصيد حَيًّا .
وإما أن يَكون صادَه وقَتَله .
فما أمْسَكه ولا زال حَيًّا ؛ فهذا يجب عليه إطلاقه .
وإن كان قَتَله ؛ فهذا يَحرُم أكْله ، وتجب فيه الفِدْيَة .
قال ابن قدامة : لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَاصْطِيَادِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ
وقال أيضا : وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً ، يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الْحَكَمُ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ : لا بَأْسَ بِأَكْلِهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ .
ثم ذَكَر ابن قدامة اخْتِياره ، فقال :
وَلَنَا ، أَنَّهُ حَيَوَانٌ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَمْ يَحِلَّ بِذَبْحِهِ كَالْمَجُوسِيِّ ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ ، وَفَارَقَ غَيْرَ الصَّيْدِ ، فَإِنَّهُ لا يُحَرَّمُ ذَبْحُهُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلالُ .

6= يَحرُم صيد الْحَرَم ؛ وسواء في ذلك حَرَم مكة أو حَرَم المدينة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاّ لِعَلْفٍ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ . رواه مسلم .
وكان أَبو هُرَيْرَةَ رضيَ اللّهُ عنه يَقُولُ : لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن بطّال : فالإذعار والتنفير هو أقل ما يُنْهَى عنه مِن أمْرِ الصيد ، وما فوقه مِن الأذى للصيد وقتله أكثر مِن الإذعار . اهـ .

وذَكَر ابن عبد البر : قول شُرَحْبِيل بن سَعْدٍ : أَصَبْتُ طَائِرًا بِالْمَدِينَةِ ، فَرَآنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَانْتَزَعَهُ مِنِّي ، فَأَرْسَلَهُ .
وقَالَ شُرَحْبِيل بن سَعْد : أَتَانَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ نَلْعَبُ فِي حَائِطٍ لَهُ وَمَعَنَا فِخَاخٌ نَنْصِبُ بِهَا، فَصَاحَ بِنَا وَطَرَدَنَا وَقَالَ : أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ صَيْدَهَا ؟ يَعْنِي الْمَدِينَةَ.
وعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَجَدَهُ قَدِ اصْطَادَ طَائِرًا يُقَالُ لَهُ : نُهَسٌ فِي الأَسْوَافِ قَالَ : فَأَخَذَهُ مِنِّي فَأَرْسَلَهُ وَضَرَبَنِي ، وَقَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا ؟ يَعْنِي الْمَدِينَةَ .
قَالَ مَالِكٌ : تَحْرِيمُ الصَّيْدِ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ ، وَتَحْرِيمُ الشَّجَرِ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ .

وتحريم قَتْل صيد المدينة هو مذهب جمهور أهل العلم .
قَالَ الإمام مَالِكٌ : لا يُقْتَلُ الْجَرَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْحَلالُ مِنْ صَيْدِ الْمَدِينَةِ .
وقال ابن عبد البر : اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ الصَّيْدَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لا يَجُوزُ .
وقال ابن قدامة : وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا . وَبِهَذَا قَالَ مَالِك ، وَالشَّافِعِيُّ .
وقال النووي : يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهِ .

7= الْمُحرَّم على الْمُحرِم : صَيْد البَرّ ، كما تقدّم في الحديث السابق .

8= هل يَحرُم إذا صِيد لأجْل الْمُحرِم ؟
قال ابن قدامة في هذا الحديث : وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ أَكْلِهِ .
وَلأَنَّهُ صَيْدٌ حَلالٌ ، فَأُبِيحَ لِلْحَلالِ أَكْلُهُ ، كَمَا لَوْ صِيدَ لَهُمْ .
وَهَلْ يُبَاحُ أَكْلُهُ لِمُحْرِمٍ آخَرَ ؟
ظَاهِرُ الْحَدِيثِ إبَاحَتُهُ لَهُ ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : " صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلالٌ ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ " .
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ صَيْدٌ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : كُلُوا .
وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ ، وَقَالَ : إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي .
وَلأَنَّهُ لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ ، فَحَلَّ لَهُ كَمَا لَوْ صَادَهُ الْحَلالُ لِنَفْسِهِ .

9= " وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ " هُما مَوْضِعَان بين مكّة والْمَدينة .

10= فيه أن الصَّعْب بن جَثَّامَة رضي الله عنه لم يَصِد الصّيد في الْحَرَم ، ولا وهو مُحرِم .

11 = تأثير النّيّة في العَمَل .
فإذا صاد غير الْمُحْرِم الصيد مِن أجْل الْمُحْرِم ؛ حَرُم عليه أكْله .
وإن صادَه لِنفسه ؛ لم يَحرُم على الْمُحْرِم أكْله .

والله تعالى أعلم .


شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


الساعة الآن 04:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى