ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم إتيانهما ؟
لدي سؤال حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل تندلق أقطاب بطنه في النار و يدور عليها كما يدور الحمار في الرحى فيسأله أهل النار : ألم تكن تأمرنا بالمعروف و تنهانا عن المنكر ، قال بلى و لكن كنت آمركم بالمعروف و لا آتيه و أنهاكم عن المنكر و آتيه . وقرأت (أنه يجب على من اقترف المحرمات أن ينهي عنه وإن كان يعملها) . وكنت قد سمعت بأنه يجب مثلاً على الأب الذي يدخن أن ينهى ابنه عن التدخين مع كون تركه للتدخين أولى وأفضل . سؤالي ألا ينطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذُكِر في المثال الأول والمثال الثاني ؟ إن كان هناك فرق أرجو التوضيح ؟ لأني لم استطع فهم هذه المسألة . جزاكم الله خيرا http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيراً في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يُؤتى بالرجل يوم القيامة فَـيُلْقَى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرَّحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ! مالَكَ ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه . ولا تعارض بين هذا ، وبين ما قرره علماؤنا من وُجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حق المقصِّرين . قال سعيد بن جبير : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عـن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ، ولا نَهى عن منكر . وقال الحسن البصري لمُطرِّف بن عبد الله : عِـظْ أصحابك ، فقال : إني أخاف أن أقول ما لا أفعل ، قال : يرحمك الله ! وأيُّـنا يفعل ما يقول ؟ ودّ الشيطان أنه قد ظفِرَ بـهذا فلم يأمر أحد بمعروف ، ولم يَنْهَ عن منكر . ولو لم يعظِ الناس مَنْ هو مذنبُ *** فَمَنْ يعظ العاصين بعد محمدِ - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن حجر : ولو كان الآمر مُتَلَبِساً بالمعصية ، لأنه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف ، ولا سيما إن كان مُطاعاً ، وأما إثمه الخاص به فقد يغفره الله له ، وقد يؤاخذه به ، وأما من قال : لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وَصْمَة ، فان أراد أنه الأولى ؛ فَجَيِّد ، وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره ، ثم قال الطبري : فان قيل : كيف صار المأمورون بالمعروف في حديث أسامة المذكور في النار ؟ والجواب : أنهم لم يمتثلوا ما أُمِرُوا به ، فَعُذِّبوا بمعصيتهم ، وعُذِّب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه . اهـ . ويُحمل حديث أسامة على المستهتر المتهتّك ، الذي يتظاهر أمام الناس بالصلاح فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وإذا خلى بمحارم الله انتهكها ، كما في حديث ثوبان : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً ، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله صِفْهم لنا ، جَلِّهم لنا ، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ؟ قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها . رواه ابن ماجه . فهذا في حق المتهتّك المتظاهر بالصلاح . ولذلك جاء في حديث أسامة : " فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ! مالَكَ ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه " . فهذا يُوضّح المقصود ، وانه كان يأمرهم بالمعروف ، ولا يأتيه ، وكان ينهاهم عن المنكر ، ويأتيه . ولو كان هذا أمامهم لما سألوه : مالَكَ ؟ لأنه لو كان ظاهراً أمامهم ما احتاجوا إلى سؤال . وإنما سألوا عن أمر خفي عليهم . فاتفق معنى هذا الحديث مع حديث ثوبان ، في أن الذي لا ينفعه الأمر والنهي هو المتهتِّك الذي إذا خَلى بما حرّم الله انتهكه ، جاعلا الله أهون الناظرين إليه . والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 06:13 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى