شرح عمدة الأحكام .. ح 146 في وقت الأضحية
شرح عمدة الأحكام – ح 146 في وقت الأضحية
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ , فَقَالَ : مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا ، وَنَسَكَ نُسُكَنَا ، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ , وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلا نُسُكَ لَهُ . فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ - خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاةِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي ، فَذَبَحْتُ شَاتِي , وَتَغَدّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاةَ . قَالَ : شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَإِنَّ عِنْدَنَا عِنَاقاً هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتُجْزِي عَنِّي ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ . فيه مسائل : 1= قوله : " : خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ " هذه هي السنة ، أن الصلاة يوم العيد قبل الخطبة ، وسبق سياق بعض أقوال أهل العلم في الحديث الذي قبله . في رواية للبخاري عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَال : خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ ، لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ ، فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ . قَالَ : اجْعَلْهَا مَكَانَهَا ، أَوْ قَالَ : اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ . وفي رواية للبخاري ومسلم : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ . فهذه الروايات تدلّ على أن المراد بـ " يَوْم النَّحْرِ " هو يوم العيد ، وكان ذلك في المدينة النبوية . 2= يوم الأضحى ، أي : يوم عيد الأضحى . قال ابن السِّكِّيت : وسُمِّيَت الأضحى بجمع أضحاة ، وهي الشاة التي يُضَحّى بها . اهـ . 3= الأضحية : نقل الجوهري في " الصحاح " قول الأصمعي: وفيها أربع لغات : أُضْحِيَّة ، وأُضْحِيَة، والجمع أضاحى، وضَحِيَّة على فعيلة ، والجمع ضحايا، وأضحاة والجمع أضحى كما يُقال أرطاة وأرطى . وبها سُمّي يوم الاضحى . قال الفراء: الأضحى تُؤنَّث وتُذَكَّر . اهـ . وقال الراغب : وتسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه السلام : مَن ذَبح قبل صلاتنا هذه فَلْيُعِد . اهـ . 4= الأضحى يُذكّر ويُؤنّث قال ابن قتيبة : والأضحى يُذَكّر ويؤنث ؛ فمن أنّـثَه جَعله جَمْع أضحاه ، وهي الذبيحة ، ومَن ذَكّره ذَهب إلى اليوم . اهـ . 5= قوله عليه الصلاة والسلام : " مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا ، وَنَسَكَ نُسُكَنَا ، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ " ، فيه دليل على أن الصلاة هي الْحدّ الفاصل في وقت ذبح الأضحية ، وأنه لا يجب حضور الخطبة والاستماع إليها ، لهذا ولقوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني . فقد أذِن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالانصراف لِمن شاء ، وهذا دالّ على عدم وُجوب حضور الخطبة والاستماع إليها ، فيجوز فيها يسير الكلام ، وكَرِه غير واحد من السلف الكلام فيها أيضا . 6= العِبرة بِصلاة الإمام . وجمهور أهل العلم على أن الأضحية لا تجوز قبل الصلاة . فلو صلّى الإمام في البلد ، وتأخّر بعض الأئمة ، فالعبرة بِصلاة الإمام ، ومثله صلاة الإمام في الجامع الكبير في البلد . وفي رواية لمسلم قال البراء بن عازب رضي الله عنه : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : لا يَذْبَحَنّ أحَدٌ حتى يُصَلِّي . وفي رواية : من ضَحَّى قبل الصلاة فإنما ذَبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين . فَعَلى هذا تَصِحّ ذبيحته ولو لم يُصَلّ صلاة العيد ؛ لأن المقصود إيقاع الذبيحة بعد الصلاة . 7= اخْتُلِف في انتهاء وقت الأضحية على خمسة أقوال : القول الأول : إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة . القول الثاني : إلى غروب الشمس ثاني أيام التشريق ، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة . وعلى هذا القول فالذبح يوم العيد ويومين بعده . القول الثالث : في يوم النحر ، وهو يوم العيد . القول الرابع : في بقية شهر ذي الحجة . القول الخامس : عشرة أيام . والقول الأول هو الراجح ، ودليله قوله عليه الصلاة والسلام : أيام التشريق أيام أكل وشُرب . رواه مسلم . وعند أحمد وأبي داود والنسائي : أيام التشريق أيام أكل وشُرب وذِكْر الله عز وجل . وفي رواية : أيام مِنى ... وأصرح منه قوله عليه الصلاة والسلام : كل أيام التشريق ذَبح . رواه الإمام أحمد . وقال ابن حجر : أَخْرَجَهُ أَحْمَد لَكِنْ فِي سَنَده اِنْقِطَاع ، وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرِجَاله ثِقَات . وصححه الألباني . ومعلوم أن أيام التشريق هي أيام مِنى ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد . 8= حُكم الذبح في ليالي أيام التشريق . نَقَل ابن الملقِّن عن جمهور أهل العلم الجواز مع الكراهة . وقال ابن حجر : وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تُشْرَع لَيْلا كَمَا تُشْرَع نَهَارًا إِلاَّ رِوَايَة عَنْ مَالِك وَعَنْ أَحْمَد أَيْضًا . اهـ . 9= قوله عليه الصلاة والسلام : " وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلا نُسُكَ لَهُ " أي : لا تُجزي عنه في الأضحية . وسيأتي حُكم الأضحية في الحديث الذي يلي هذا الحديث ، وهو حديث جُندب رضي الله عنه . 10= المقصود بـ " الـنُّسُك " ، وقوله : نسكت شاتي . المقصود به الذَّبْح ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ، وفي هذا ردّ على من ذبح تَقرّبًا لِغير الله ، والآية صريحة في أن من ذَبَح لِغير الله فقد أشْرَك . 11= العبرة هنا بِخصوص السبب لا بِعموم اللفظ ، وهذا عكس القاعدة : العِبرة بِعُموم اللفظ لا بِخصوص السبب . فإن الْحُكم هنا مُختصّ بأبي بُردة رضي الله عنه في أن الجذعة تُجزي عنه . 12= قوله رضي الله عنه : " وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي " ، فيه جواز أن يكون في البيت الواحد أكثر من أضحية ، إلاّ أن السلف كَرِهوا ذلك إذا كان على سبيل المباهاة ، وذلك لأن الشاة الواحدة تُجزئ عن الرجل وعن أهل بيته . روى الترمذي عن عطاء بن يسار أنه قال : سألت أبا أيوب الأنصاري : كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان الرجل يُضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويُطعِمون حتى تَباهى الناس فَصَارَت كَمَا تَرَى . 13= إطلاق الغداء على الأكل أوّل النهار ، وعلى السحور أيضا . ففي رواية الطبراني أن أبا بُردة رضي الله عنه ذَبَح بِسَحَر . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام عن السحور : هَلُمّ إلى الغداء المبارَك . رواه أبو داود والنسائي . 14= اسْتَدَلّ به الإمام البخاري على أن الأكل يوم الأضحى يكون بعد الصلاة ، وهذا ما يُفهَم من تبويبه رحمه الله ، فإنه عَقَد بَابًا قال فيه : " بَاب الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ" . ثم أعقبه بـ " بَاب الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ" ، ثم روى بإسناده حديث البراء هذا . وقد دلّ عليه حديث بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَغدو يوم الفطر حتى يأكل ، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته . رواه الإمام أحمد . وحسّنه الأرنؤوط . 15= قوله رضي الله عنه : " وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " فيه إشارة إلى تحريم صوم يوم العيد ؛ لإقراره عليه الصلاة والسلام له على ذلك ، وقد جاء مُصرَّحًا به في أحاديث أخرى . 16= قوله عليه الصلاة والسلام : " شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ " فيه : أن المأمورات إذا وقعت على خِلاف مُقتضى الأمر لم يكن الجهل عُذرًا فيها ، بِخلاف الْمَنْهِيّات ، كما قال ابن الملقِّن ، ولذلك فرّقوا بين المأمورات والمنهيات . وأن وقوعها على غير الوجه المأمور به لا يُحرِّمها ؛ لأنها ذُبِحت على اسم الله . 17= وفيه أيضا التفريق بين ما ذُبِح بِنيّة الـنُّسُك وبين ما ذُبِح لغيرها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " إنما هو لَحْم قدّمته لأهلك " ، وأن الـنُّسُك لا بُدّ أن تحصل فيه المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم . 18= العناق : الأنثى من المعز . وفي رواية : جذعة من المعز . وفي رواية : عناق لَبَن . أي : أنها صغيرة ترضع من أمها . قاله ابن حجر . 19= قوله رضي الله عنه : " فَإِنَّ عِنْدَنَا عِنَاقاً هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتُجْزِي عَنِّي ؟ " فيه أنه قد تقرر عنده معرفة السنّ الذي يُجزئ في الأضحية ، وهو في الإبل ما تمّ له خمس سنين ودَخَل في السادسة ، ومن البقر ما لها سَنَتان وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ ، وفي الضأن " مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَدَخَلَ فِي السَّابِعِ " ، والـ " ثَنِيُّ الْمَعْزِ إذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ " ، كما قال ابن قدامة . قال ابن قدامة : جَذَعَةَ الضَّأْنِ تُجْزِئُ فِي الأُضْحِيَّةِ ، بِخِلافِ جَذَعَةِ الْمَعْزِ . اهـ . 20= قوله عليه الصلاة والسلام : " وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ " تَجْزِي : غير مهموز ، وهو في جميع الطرق والروايات : تَجْزِي : بِفتح التاء . ومعناه : لن تَقْضِي ، ومنه قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) . والله تعالى أعلم . كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 01:25 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى