منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم المقـالات والـدروس والخُطب (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=41)
-   -   ارْحَم لِتُرْحَـم (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11872)

نسمات الفجر 27-10-2013 11:34 PM

ارْحَم لِتُرْحَـم
 
لَمّا كان الجزاء مِن جِنْس العَمَل ، وكان جزاء الإحسان إحسانا ؛ كان أقرب الناس إلى رحمة الله الذين يَرْحَمون الْخَلْق ، والْمُحْسِنين الذين يُحسِنون إلى الناس .
قال الله عَزّ وَجَلّ : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) .
قال ابن جرير في تفسيره : يَقُولُ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمُ الَّذِينَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّتَهُ . اهـ .

وقال سبحانه وتعالى : (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .
قال مطر الوَرَّاق : تَنَجَّزوا مَوعُود الله بطاعته ، فإنه قَضَى أن رحمته قَريب مِن المحسنين .

فَمَتى ما استقام الإنسان على طاعة الله ، بِفِعْل أوامِره وتَرْك نواهيه ؛ فهو مِن المحسنين .
قال ابن كثير في تفسير الآية : أي: إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين ، الذين يَتَّبِعُون أوَامِره ويَتْرُكُون زَوَاجِره . اهـ .

" فالْمُحْسِنون لهم البشارة مِن الله بِسَعادة الدنيا والآخرة ، وسَيُحْسِن الله إليهم كما أحسنوا في عبادته ولِعِبَادِه " قاله الشيخ السعدي في تفسيره .

ودُخول الجنة مَرهون بِرحمة الإنسان للخَلْق .

وفي الحديث : لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا . أَفَلاَّ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ عَلَيْهِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كُلُّنَا رَحِيم . قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خَاصَّتَهَ ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ . رواه النسائي في الكبرى والحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : والذي نفسي بيده لا يضع الله رَحمته إلاَّ على رحيم . قالوا : يا رسول الله كُلنا يَرحم . قال : ليس بِرَحمة أحدكم صاحبه . يَرْحَم الناس كافة . رواه أبو يعلَى والبيهقي في " الشُّعَب " .

ويدخل في هذا رَحمة البهائم العجماوات ، حتى يَرْحَم الإنسان الْهِرّ والكلَب !
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ، فَقَالَ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ، فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ . رواه البخاري ومسلم .

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا كان يمشي بِطَرِيقٍ فَوَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ على الطريق فأخَّره ، فَشَكَرَ الله له ، فَغَفَرَ له . كما في الصحيحين .

وحتى يَرْحَم الشاة وهو يُريد ذَبْحها
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، أو قال : إني لأرحم الشاة إن أذبحها ، فقال : والشاة إن رحمتها رحمك الله . رواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفْرَد " ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وفي الحديث ألآخر : مَن رَحِم ولو ذَبيحة رَحِمَه الله يوم القيامة . رواه البخاري في " الأدب المفْرَد " ، وحسّنه الألباني .

وما ذلك إلاّ لِمَا قام في قلوبهم مِن تعظيم الْخالِق والرحمة بالْخَلْق .

قال أنس رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالعيال ، وكان له ابن مُسْتَرْضَع في ناحية المدينة ، وكان ظِئره قَيْنًا ، وكُـنّا نأتيه ، وقد دَخَّن البيت بإذخرٍ ؛ فَيُقَبِّله ويَشُمّه . رواه البخاري في " الأدب المفْرَد " ، وصححه الألباني .

ولَمّا أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ : إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ . رواه البخاري ومسلم .


وأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ ومعه صبي ، فجعل يَضُمّه إليه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أترحمه ؟ ق ال : نعم . قال : فالله أرحم بك منك به ، وهو أرحم الراحمين . رواه البخاري في " الأدب المفْرَد " ، وصححه الألباني .

فَمَن أراد أن يُرْحَم فَلْيَرْحَم ..

وفي الحديث : الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

وفي الحديث الآخَر : ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، واغْفِرُوا يُغْفَر لَكم . رواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفْرَد " ، وصححه الألباني . وقال شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : إسناده حسن .

ومَن لا يَرْحَـم لا يُرْحَـم .

لَمَّا قَدِم الأقرع بن حابس فأبْصَر النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل الْحَسَن ، فقال : إن لي عشرة من الولد ما قَـبَّلْتُ واحدًا منهم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه مَن لا يَرحم لا يُرْحَم . رواه البخاري ومسلم .

وفيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة عُذِّبَت في هِرّة سَجَنَتْها حتى ماتت ، فَدَخَلَتْ فيها النار ، لا هي أطعمتها وسَقَتْها إذْ حَبَسَتها ، ولا هي تركتها تأكُل مِن خشاش الأرض . رواه البخاري ومسلم .

ولا تُنْزَع الرحمة إلاَّ مِن قَلْب شَقِيّ

قال عليه الصلاة والسلام : لا تُنْزَع الرحمة إلاَّ مِن شَقي . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .

وقَدِم ناس مِن الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أتُقبِّلون صبيانكم ؟!
فقالوا : نعم .
فقالوا : لكنا والله ما نُقبِّل !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَأَمْلِك إن كان الله نَزَع منكم الرحمة ؟! رواه البخاري ومسلم .

فَكُن كما شئت ، يكُن الله لك كما كُنْت لِعبادِه ..
قال ابن القيم : ومَن عامَل خَلْقَه بِصِفة عَامَلَه الله تعالى بِتِلك الصِّفَة بِعينها في الدنيا والآخرة ، فالله تعالى لِعَبْدِه على حسب ما يكون العَبْد لِخَلْقِه . اهـ .

و " هل جزاء مَن أحسن في عِبادة الخالق ونَفْع عبيده ، إلاَّ أن يُحْسن إليه بالثواب الجزيل ، والفوز الكبير ، والنعيم الْمُقِيم ، والعَيش السليم ؟ " كما قال الشيخ السعدي في تفسيره .

كتبه الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


الساعة الآن 11:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى