منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   شرح أحاديث عمدة الأحكام (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=52)
-   -   الحديث الـ 255 في الْمُحْرِمِ يأْكلُ مِمّا صاده غير الْمُحرِم (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16445)

نسمات الفجر 26-08-2018 05:41 AM

الحديث الـ 255 في الْمُحْرِمِ يأْكلُ مِمّا صاده غير الْمُحرِم
 
الحديث الـ 255 في الْمُحْرِمِ يأْكلُ مِمّا صاده غير الْمُحرِم

بابُ الْمُحْرِمِ يأْكلُ مِن صيدِ الحلالِ
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حَاجّا ، فَخَرَجُوا مَعَهُ ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ - فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ - وَقَالَ : خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ , حَتَّى نَلْتَقِيَ ، فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلاَّ أَبَا قَتَادَةَ فَلَمْ يُحْرِمْ . فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ، ثُمَّ قُلْنَا : أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ , وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا ، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا , أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا ؟ قَالُوا : لا . قَالَ : فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا .
وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَ : هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ . فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ , فَأَكَلَ مِنْهَا .

فيه مسائل :

1= هذا الحديث في بابِ الْمُحْرِمِ يأْكلُ مِن صيدِ الحلالِ ، أي : ما حُكم أكْل الْمُحرِم - الذي حَرُم عليه الصيد – مما صادَه غير الْمُحرِم ، وهو المراد بِقوله : الْحَلال ، أي : الْمُحِلّ الذي لم يُحرِم بِحَجّ ولا بِعُمْرَة .

2= فيه أنه يَحْرُم على الْمُحْرِم صيد البَرّ .
قال الله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)

3= المقصود بالصيد هنا : صَيْد البَرّ ، لأن صَيْد البَحْر لا يَحرُم على الْمُحرِم صيده بِنَصّ الآية : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) .
ويجوز لِغير الْمُحرِم صيد الصّيْد ما لم يَدخُل الْحَرَم ؛ فالصّيْد إذا دَخَل الْحَرَم حَرُم صَيْده ، وحرُم تنفيره مِن الْحَرَم .
قال ابن قدامة : صَيْدَ الْحَرَمِ حَرَامٌ عَلَى الْحَلالِ وَالْحَرَامِ .
وتقدّم هذا في الحديث الـ 223 في حُرمة مكة .

4= كان هذا في عُمرة ، ولم يَكن في حَجّة النبي صلى الله عليه وسلم .
ففي رواية لمسلم : أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ : فَأَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ غَيْرِي ، قَالَ : فَاصْطَدْتُ حِمَارَ وَحْشٍ ، فَأَطْعَمْتُ أَصْحَابِي وَهُمْ مُحْرِمُونَ ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْبَأْتُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ فَاضِلَةً فَقَالَ : كُلُوهُ ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ .

5= الْجَمْع بين روايات الحديث : أنه قال : كُلُوه ، وأنه عليه الصلاة والسلام أكَلَ مِنه ، وأنه أذِن لهم في الأكل ، وأكَل تَطييبا لِنفُوسِهم ، وتأكِيدا لِطِيبِه وحِلِّه .

6= قوله : " فَقَالَ : مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا , أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا ؟ قَالُوا : لا . قَالَ : فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا " .
لَو أعان الْمُحْرِم غير الْمُحْرِم ، ولو بالإشارة ، لم يَجُز له أن يَأكُل منه .

7= يُؤكِّد هذا المعنى قول أبي قتادة في رواية : والقوم مُحْرِمُون وأنا غير مُحْرِم ، فأبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا ، وأنا مشغول أخصِف نعلي ، فلم يُؤذِنوني به ، وأحَبّوا لو أني أبْصَرْته ، والْتَفَتّ فأبْصَرته ، فَقُمْتُ إلى الفَرَس فأسْرَجْته ، ثم رَكِبت ونَسِيت السّوْط والرّمح ، فقلت لهم : نَاوِلُوني السّوط والرّمح ، فقالوا : لا والله ، لا نُعِينك عليه بِشيء ، فغَضِبت فَنَزَلتُ فأخذتهما ، ثم رَكِبْتُ فَشَدَدت على الْحِمَار فَعَقَرْته . رواه البخاري ومسلم .
فالْمُحرِمون لم يُشِيروا إلى الصيد ، ولم يُعِينوا غير الْمُحرِم بشيء .

8= شِدّة امتثال الصحابة رضي الله عنهم ، ونجاحهم في امتحان الإيمان بالغيب ، وتَرْك ما تُحبّه نفوسهم امتثالا لأمْر الله تبارك وتعالى .
قال الله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
بينما أخْفَق اليهود في امتحان الإيمان بالغيب ، وامتثال الأمر في الصيد .
قال الله عَزّ وَجَلّ : (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) .

9= مَوْضِع الصّيْد :
في رواية لِمسلم : حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ ، فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ .
قال النووي : ( القاحة ) بالقاف وبالحاء المهملة المخففة ، هذا هو الصواب المعروف في جميع الكتب ، والذي قاله العلماء مِن كل طائفة ، قال القاضي : كذا قَيّدها الناس كلهم ... وهو وادٍ على نحو مِيل مِن السّقيا ، وعلى ثلاث مَرَاحِل مِن المدينة .

10= فيه جواز مُجاوَزَة الميقات مِن غير إحْرَام لِمَن لَم يَنْو الحج ولا العُمرة .
وهذا سبق في شرح الحديث الـ 226 في دخول مكة مِن غير إحرام .

11= الْجَمْع بين ما في هذا الحديث وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفِعلا في أكْل الْمُحرِمِين مِن صَيْد البَرّ ، والامتناع عن أكل صَيْد البَرّ كما في حديث الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه :
وهو أنه يجوز للْمُحْرِم أن يَأكُل مما لم يُصَد لأجْله ، ولا أعان عليه ، ولا أمَر به ؛ وأنه إنما يَحْرُم عليه مِن صَيْد البَرّ ما صِيد لأجْله ، أو أعان عليه ، أو أمَر به .
ولا يجوز للْمُحرِم أن يَأكُل ما صِيد لأجْله ، أو أعان عليه ، أو أمَر به .
قال النووي : ما صَادَه الْمُحْرِم أو صَادَه له حَلال بِأمْرِه أو بِغير أمْرِه أو كان مِن الْمُحْرِم فيه إشارة أو دَلالة أو إعانة بِإعارة آلة أو غيرها ؛ فَلَحْمُه حَرَام على هذا الْمُحْرِم ، فإن صَادَه حَلال لِنَفْسه ولم يَقْصد الْمُحْرِم ثم أهْدَى مِنه للمُحْرِم أو بَاعَه أو وَهَبه ؛ فهو حَلال للمُحْرِم أيضا .
هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وداود .

12= وذَهَب جماعة مِن أهل العِلْم إلى تَحريم صيد البحر على الْمُحرِم عموما
قال ابن عبد البر :
والعلماء مُجْمِعُون على أن قَتْل الْمُحْرِم للصّيد حَرَام ، وعليه جَزاؤه ، وأكْله عليه حَرَام .
وهُم مُخْتَلِفُون فيما صَادَه الْحَلال : هل يَحِلّ للمُحْرِم أكْله ، على أقوال :
أحدها : أن أكْل الصَيد حَرام على الْمُحْرِم بِكُلّ حال ، على ظاهر قول الله عَزّ وَجَلّ : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) لم يَخصّ أكْلاً مِن قَتْل .
والثاني : أنّ ما صَادَه الْحَلال جاز لمن كان حَلالاً في حِين اصْطِياده مُحْرِما دون مَن كان مُحْرِما مِن ذلك الوقت وقت اصطياده .
والثالث : أنّ ما صِيد لِمُحْرِم بِعَينه جاز لِغَيره مِن الْمُحْرِمِين أكْله ، ولم يَجُز ذلك له وَحْده .
والرابع : أنّ ما صِيد لِمُحْرِم لم يَجُز له ولا لغيره مِن الْمُحْرِمِين أكْله .
وقال آخرون : لَحْم الصّيد مُحَرّم على الْمُحْرِمِين على كل حال ، ولا يجوز لِمُحْرِم أكْل صَيْد البَتّة على ظاهر عموم قوله عزّ وجَلّ : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) ... وكذلك كان علي بن أبي طالب وابن عمر لا يَرَيَان أكْل الصّيْد للمُحْرِم ما دَام مُحْرِمًا .

والله تعالى أعلم .

شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


الساعة الآن 02:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى