منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسم الخُطب المنبرية (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=44)
-   -   خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13828)

نسمات الفجر 06-10-2015 07:57 PM

خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق)
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ميَّزَ أولياءَهُ عَنْ أَعْدَائهِ ، ورَفَعَ شَأنَ المؤمنينَ ، وَوَضَعَ الكافرينَ .

أمَّا بَعْدُ :
فَقَدْ جَاءَ الإسلامُ والناسُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِهَذَا الْدِّينِ القويمِ ، فانقسمتِ الخليقةُ إلى مُؤمِنٍ وكافِرٍ ، فَلَيْسَ ثَمَّ إلا إسلامٌ صَحيحٌ أو كُفرٌ صريحٌ .
فَلَمّا هاجَرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينةِ وضَرَبَ الدِّينُ بَجِرَاْنِهِ ، شَرِقَ أُناسٌ بالإسلامِ ، فَتَسَتّروا بِاسْمِ الْمِلّةِ ، وأبْطَنُوا الكُفرَ ، وأشاعُوا الفسَادَ بِحُجّةِ الإصْلاحِ .
فَجَاءتِ الآياتُ الكثيرةُ في بيانِ أحوالِ المنافقينَ ؛ فَذَكَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى أقوالَ المنافقينَ وأحْوالَهم وخَبايَا نفوسِهِمْ حَتَّى ذَكَرَ اللهُ حَرَكاتِهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) .

وآذى المنافِقونَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَفْسِهِ وعِرضِهِ ، وآذوا المؤمنينَ والمؤمناتِ .
مَـرَّ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ ، فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ ، خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ، ثُمَّ قَالَ : لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ وَقَفَ ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ : أَيُّهَا الْمَرْءُ ، لاَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا ، فَلاَ تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ : اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا ، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ ، قَالَ : فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ : أَيْ سَعْدُ ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ ؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ، قَالَ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَاصْفَحْ ، فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ ، شَرِقَ بِذَلِكَ ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ . رَوَاهُ البخاريُّ ومُسْلِمٌ .

المنافِقونَ : لَم يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَشْرَفُ الْخَلْقِ وأزكاهُمْ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) .
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْكَ فِي الصَّدَقَاتِ .
وقَالَ ابنُ كثيرٍ : يَقُولُ تَعَالَى: (وَمِنْهمْ) أَيْ: وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ (مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ : يَعِيبُ عَلَيْكَ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ إِذَا فَرَّقْتَهَا، وَيَتَّهِمُكَ فِي ذَلِكَ ، وَهُمُ الْمُتَّهَمُونَ الْمَأْبُونُونَ . اهـ .

وَيَتَكَرَّرُ المشهَدُ ، ويستمرُّ الإيذاءُ : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) .
قَالَ ابنُ عطيةَ : رُويَ عَنِ ابنِ عباسٍ وجماعَةٍ مَعَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقولِهِمْ : " هُوَ أُذُنٌ " ، أَيْ : يَسْمَعُ كُلَّ ما يُنْقَلُ إليه عَنَّا، ويُصغِي إليهِ ويَقْبَلُهُ ؛ فَهَذَا تَشَكٍّ مِنْهُم وَوَصْفٌ بِأنَّهُ يَسوغُ عِنْدَهُ الأباطيلُ والنمائمُ . اهـ .
بَلْ آذَوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عِرضِهِ ، وذلك حِينَمَا طَعَنَ المنافِقونَ في عِرضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتِّهامِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، حَتَّى قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا ، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. كَمَا فِي الصحيحينِ .
" وَمَعْنَى مَنْ يَعْذِرُنِي : مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إِنْ كَافَأْتُهُ عَلَى قَبِيحِ فِعَالِهِ وَلا يَلُومُنِي" .

وَلَمْ يَرضَ المنافِقونَ عَنْ خِيارِ المؤمنينَ ، وَلا سَلِمَ مِنْهُمْ المؤمنونَ ..
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

في الصحيحينِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا ، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلاَّ رِئَاءً . فَنَزَلَتْ (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ) .
قَالَ ابنُ كثيرٍ : وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ: لا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ عَيْبِهِمْ وَلَمْزِهِمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ ، حَتَّى وَلا الْمُتَصَدِّقُونَ يَسْلَمُونَ مِنْهُمْ ، إِنْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَالٍ جَزِيلٍ قَالَوا : هَذَا مُرَاء ، وَإِنْ جَاءَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قَالَوا : إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا . اهـ .

وسَعَى المنافِقونَ إلى التفريقِ بينَ المؤمنينَ ، والتضييقِ عَلَى المؤمنينَ حَتَّى يَتَفَرَّقُوا (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) .
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لأَصْحَابِهِ : لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .

ونَشَرَ المنافِقُونَ الفَسَادَ في الأرضِ ، زاعِمِينَ أنَّهُمْ هُمُ المصلِحونَ !
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالَوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) .

أيُّها الْمُؤمنونَ :
إنَّ النِّفَاقَ قَدْ ظَهَرَ واستشرى ، وتَدَثَّرَ بِهِ كُلُّ زِنديقٍ !
قَالَ حذيفةُ بنُ اليمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إنَّ المنافقينَ اليوم شرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانُوا يومئِذٍ يُسِرُّونَ واليومَ يَجْهَرُونَ .

الْمُنافِقُونَ : اتّخذوا القَيناتِ سِلاحا ، والمعازفَ وسيلَةً .. واللذةَ والنشوةَ غايةً وهَدَفا ! فَالغايةُ عِنْدَهُمْ تُسوِّغُ الوسيلَةَ !
غِنَاءٌ وَغَانِيَةٌ !
واخْتِلاطٌ وسُفورٌ !
واحتِفَالٌ ومَهرَجَانٌ !
وتِلكَ - لَعَمْرُ اللهِ - أسلِحَةُ إبليسَ! لإفسادِ وإضلالِ بني آدَمَ !
فَهؤلاءِ - كَمَا يَقولُ ابنُ القيِّمِ - : "نُوّابُ إبليسَ في الأرضِ ، وَهُمُ الذينَ يُثَبِّطُونَ النَّاسَ عَنْ طَلَبِ العِلْمِ والتفقُّهِ في الدِّينِ ، فَهَؤلاءِ أضرُّ عَلَيْهِمْ مِنْ شياطينِ الجِنِّ ، فَإنَّهُم يَحُولُونَ بينَ القلوبِ وَبَيْنَ هُدَىَ اللهِ وطَرِيقِهِ . اهـ .

تَتَجارَى بِهِمُ الأهواءُ ؛ إنْ أَسَاءُوا حَلَفُوا الأيمانَ المغلَّظَةَ : إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا .
(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

وإنْ أَحْسَنُوا ظَاهِرًا ، مَلئوا الدُّنيا ضَجِيجا رِياءً وسُمعةً ..
شَبَّهَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشاةِ الْمُتَرَدِّدَةِ الْحَائِرَةِ لا تَدْرِي لأَيِّ فَرِيقٍ تَتْبَعُ ، فقال : مَثَلُ الْمُنَافِقِ ، كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ ، تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً . رواه مسلم .

المنافِقُونَ : يَمِيلُونَ مع الرِّيحِ حيثُ مَالَتْ ، وتُسيِّرُهُم المصَالِحُ والأهواء .
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) .
(وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ؟

ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ .
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مذبذبين، يَعْنِي: الْمُنَافِقين مُتَحَيِّرِينَ بَينَ الإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، فَلا هُم مَعَ الْمُؤمنِينَ ظَاهرا وَبَاطنا ، ولا هُم مَعَ الْكفَّار ظَاهرا وَبَاطنا، بل ظَوَاهِرُهُم مَعَ الْمُؤمنِينَ ، وبَوَاطِنُهُم مَعَ الْكَافرين ، وَمِنْهُم مَن يَعْتَرِيهِ الشَّكُ ، فَتَارَةً يمِيلُ إِلَى هَؤُلاءِ ، وَتارَةً يمِيلُ إِلَى هَؤُلاءِ .

المنافِقُونَ : يَتَلفّظونَ بِالكُفْرِ ، وَيَنْطِقُونَ بِالزَّنْدَقَةِ ، ويَكتبونَ كُلَّ سُوءٍ .. ويدَّعُونَ الإيمانَ !

" وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ، أَيْ: عَلَى دِينكِم وشريعتِكُم وطريقَتِكُم ، وَما هُمْ مِنْكُمْ " . كَمَا قَالَ البغويُّ .
قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ مُنَافِقًا , وَإِنِّي لأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِي الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ ابنُ أبي شَيبَةَ .
سورةُ التوبةِ سُمِّيَتِ " الفاضِحَةُ " التي فضَحَتِ المنافقينَ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِيهَا ذِكْرُ قبيحِ أفعالِهم ، وَسَيِّئِ صِفاتِهِمْ ، ومُسارَعتِهِمْ إلى الأيمانِ ، فَتَكَرَّرَ في السورةِ (وَمِنْهُمْ) ..
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ سُورَةِ بَرَاءَةٌ ، فَقَالَ: تِلْكَ الْفَاضِحَةُ ، مَا زَالَ يَنْزِلُ : وَمِنْهُمْ ، وَمِنْهُمْ ، حَتَّى خِفْنَا أَلاَّ تَدَعَ أَحَدًا .
المنافِقونَ : إن دُعوا إلى الجهادِ والعملِ لِدِينِ اللهِ ، قَالَوا : إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ . وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .

يُغْلِظُونَ للمؤمنينَ ، ويُلِينُونَ الْجَانِبَ لِلْكافرينَ
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) .

إن تَكَلَّمُوا أوْ كَتَبوا فَسُيُوفُ ألْسِنتِهِم مُصلَتَةٌ على العُلماءِ والصالِحين ، وإن ذَكَرُوا الكفّارَ نَافَحُوا عن إخوانِهِم .. (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ..


الثانية :
الحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ كَمَا يَنْبَغِي لجلالِ وَجْهِهِ وعظيمِ سلطانِه، الحمدُ للهِ عددَ خَلْقِهِ وزِنَةَ عرشِه ومِدَادَ كِلِمَاتِه، الحمدُ للهِ حَتَّى يَرضَى والحمدُ للهِ مِنْ بَعْدِ الرضا .
فُأوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ .

أمَّا بَعْدُ :
فَلِلهِ .. ما أشدَّ بَلاءَ أولئكَ الأدْعِيَاءِ ، وما أعْظَمَ خَطَرَهُم على الإسلام .
قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
وَقَدْ هَتَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَسْتَارَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَشَفَ أَسْرَارَهُمْ فِي الْقُرْآنِ ، وَجَلَّى لِعِبَادِهِ أُمُورَهُمْ ، لِيَكُونُوا مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِهَا عَلَى حَذَرٍ ، وَذَكَرَ طَوَائِفَ الْعَالَمِ الثَّلاثَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ؛ فَذَكَرَ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَرْبَعَ آيَاتٍ، وَفِي الْكُفَّارِ آيَتَيْنِ ، وَفِي الْمُنَافِقِينَ ثَلاثَ عَشْرَةَ آيَةً ، لِكَثْرَتِهِمْ وَعُمُومِ الابْتِلاءِ بِهِمْ ، وَشِدَّةِ فِتْنَتِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ ، فَإِنَّ بَلِيَّةَ الإِسْلامِ بِهِمْ شَدِيدَةٌ جِدًّا ، لأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونُ إِلَيْهِ ، وَإِلَى نُصْرَتِهِ وَمُوَالاتِهِ ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، يُخْرِجُونَ عَدَاوَتَهُ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّهُ عِلْمٌ وَإِصْلاحٌ ، وَهُوَ غَايَةُ الْجَهْلِ وَالإِفْسَادِ .
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ مَعْقِلٍ لِلإِسْلامِ قَدْ هَدَمُوهُ ؟! وَكَمْ مِنْ حِصْنٍ لَهُ قَدْ قَلَعُوا أَسَاسَهُ وَخَرَّبُوهُ ؟ وَكَمْ مِنْ عَلَمٍ لَهُ قَدْ طَمَسُوهُ ؟ وَكَمْ مِنْ لِوَاءٍ لَهُ مَرْفُوعٍ قَدْ وَضَعُوهُ ؟! وَكَمْ ضَرَبُوا بِمَعَاوِلِ الشُّبَهِ فِي أُصُولِ غِرَاسِهِ لِيَقْلَعُوهَا ؟! وَكَمْ عَمَّوْا عُيُونَ مَوَارِدِهِ بِآرَائِهِمْ لِيَدْفِنُوهَا وَيَقْطَعُوهَا ؟!
فَلا يَزَالُ الإِسْلامُ وَأَهْلُهُ مِنْهُمْ فِي مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ ، وَلا يَزَالُ يَطْرُقُهُ مِنْ شُبَهِهِمْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ سَرِيَّةٍ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُصْلِحُونَ (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
اتَّفَقُوا عَلَى مُفَارَقَةِ الْوَحْيِ ، فَهُمْ عَلَى تَرْكِ الاهْتِدَاءِ بِهِ مُجْتَمِعُونَ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ، (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) ، وَلأَجْلِ ذَلِكَ (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) .
دُرِسَتْ مَعَالِمُ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يَعْرِفُونَهَا ، وَدَثَرَتْ مَعَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يَعْمُرُونَهَا ، وَأَفَلَتْ كَوَاكِبُهُ النَّيِّرَةُ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَلَيْسُوا يُحِبُّونَهَا ، وَكَسَفَتْ شَمْسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ ظُلَمِ آرَائِهِمْ وَعُقَدِهَا فَلَيْسُوا يُثْبِتُونَهَا ، خَلَعُوا نُصُوصَ الْوَحْيِ عَنْ سُلْطَانِ الْحَقِيقَةِ ، وَعَزَلُوهَا عَنْ وِلايَةِ الْيَقِينِ ، وَشَنُّوا عَلَيْهَا غَارَاتِ التَّحْرِيفِ بِالتَّأْوِيلاتِ الْبَاطِلاتِ ، فَلا يَزَالُ يَخْرُجُ عَلَيْهَا مِنْ جُيُوشِهِمُ الْمَخْذُولَةِ كَمِينٌ بَعْدَ كَمِينٍ . اهـ .


الساعة الآن 09:16 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى