ما حكم إيمان المقلد ؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد يقول القرطبي ، رحمه الله ، في تفسير قوله تعالى : (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) : "قال ابن عطية : أجمعت الأمة على إبطال التقليد في العقائد ، وذكر فيه غيره خلافا كالقاضي أبي بكر بن العربي وأبي عمرو عثمان بن عيسى بن درباس الشافعي . قال ابن درباس في كتاب الانتصار له : وقال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد وهو خطأ لقوله تعالى : (إنا وجدنا آباءنا على أمة) ، فذمهم بتقليدهم آبائهم وتركهم اتباع الرسل ، كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبرائهم وتركهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه ، ولأنه فرض على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به ، وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسنة" وقد أشكل علي هذا القول ، إذا ما قرر أن إيمان المقلد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، وإن لم يعمد إلى الأدلة النظرية والعقلية طالما كان إيمانه جازما ، مستوفيا للشروط التي أقرها أهل السنة والجماعة ، وبدا لي هذا القول وكأنه يميل إلى رأي الأشاعرة الذين يقولون بأن أول واجب على العبد هو النظر ، أو القصد إلى النظر ، كما ذهب إلى ذلك الجويني ، رحمه الله ، أو حتى الشك ، كما هو مذهب المعتزلة ، فكيف التوفيق بين هذين الأمرين ، وأعتذر على الإطالة ، وجزاكم الله خيرا . الجواب : وجزاك الله خيراً أما ابن عطية فهو أشعري المعتقد ، وأما القرطبي فهو مُضطرب ، فهو يسلك جادة السلف في الغالب ، إلا أنه يوجد عنده بعض التأويل في بعض آيات الصفات . ولعل المقصود بِذمّ التقليد هنا ما أشار إليه فيما نَقَله " فَذَمَّهم بتقليدهم آباءهم ، وتركهم اتِّباع الرُّسُل ، كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءهم ، وتركهم اتِّباع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه ، ولأنه فرض على كل مكلف تَعلّم أمر التوحيد والقطع به ، وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسنة " فهذا هو المذموم ، أي التقليد الأعمى ، الذي يُترك لأجله الكتاب وتُترك لأجله السنة . وصحيح أن أول واجب على المكلّف هو تعلّم التوحيد ، ولذلك قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله : أول واجب على العبيد *** معرفة الرحمن بالتوحيد وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ : وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : إنك تأتي قوما أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله . وفي رواية : " أن يُوحِّدُوا الله " وهذا التوحيد هو أول واجب على المكلف . اهـ . وأما مسألة التقليد في أصول الدِّين فقال ابن حجر رحمه الله : وقيل الأصل في هذا كله المنع من التقليد في أصول الدين ، وقد انفصل بعض الأئمة عن ذلك بأن المراد بالتقليد أخذ قول الغير بغير حجة ، ومن قامت عليه حجة بثبوت النبوة حتى حصل له القطع بها ، فمهما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان مقطوعا عنده بِصِدْقِـه ، فإذا اعتقده لم يكن مُقَلِّداً ، لأنه لم يأخذ بقول غيره بغير حجة ، وهذا مستند السلف قاطبة في الأخذ بما ثبت عندهم من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الباب . اهـ . فَبَان بهذا المقصود من ذم التقليد في أصول الدِّين ، وأنه ترك اتِّباع الدليل إذا استَبَان بِحجّة أنه مُقلِّد أما عامة الناس فيكفي في حقِّهم تقليد العلماء ، ولذلك كان أهل العلم لا يُلزِمون عامة الناس بما يَلتزِم به طلبة العلم والعلماء ، فيما يتعلّق بالأسماء والصِّفَات ، ودقائق المسائل التي قد لا تُحيط بها عقولهم ، فيكون تحديثهم ببعض ذلك فتنة ، كما قال عبد الله بن مسعود : ما أنت بِمُحَدِّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة . رواه مسلم في المقدِّمة . والله تعالى أعلم . المجيب فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 04:11 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى