منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   إرشـاد الأدعـيــة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=16)
-   -   هل يجوز الدعاء على الأمة بالهلاك والإهلاك والإغراق ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1701)

ناصرة السنة 15-02-2010 02:45 PM

هل يجوز الدعاء على الأمة بالهلاك والإهلاك والإغراق ؟
 
شيخنا الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسأل الله العلي القدير أن ينفعك بعلمك وينفع به غيرك
هذا من حبنا لك في الله

وبعد
كثر شيخنا الفاضل في الآونة الأخيرة الدعاء على الأمة بالهلاك والإهلاك والإغراق وما شابه ذلك من أناس من بني جلدتنا
فهذا يدعو على هذا القطر بالزلزال
وهذا يدعو على هذا القطر بالطوفان
وهذا يدعو على هذا القطر بالتسونامي
واللائحة طويلة
مثلا سمعت من أحدهم
ليت الزلزال الذي ضرب الصين ضرب المغرب
هل لمثل هاته الأدعية موجب من الشرع خصوصا انهم يستدلون بدعاء نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام على قومه
أو دعاء موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام على فرعون وقومه

هل يجوز للناس مثل ما يجوز للأنبياء

يستدلون كذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الاحزاب الذين حاصروا المدينة
وكذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم على كفار قريش
فماذا عن قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
(ï´؟لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُون) ï´¾ (آل عمران: 128).

ما حكم مثل هذه الأدعية
وأي شيء الأفضل هل الدعاء على العصاة بالهلاك
أم من الأفضل الدعاء بالهداية للعصاة
وماذا عن الدعاء على الظلمة كيف يكون الحال معهم
هل الدعاء بالهلاك أم الدعاء بالاقتصاص منهم بمثل ظلمهم
أم بلوغ درجة الإحسان معهم والدعاء لهم بالهداية


وأخيرا إن كان هذا من الاعتداء في الدعاء
كيف التعامل مع من يدعو بمثل هذه الأدعية

وجزاك الله خيرا


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، ولك بمثل ما دعوت .
وأحبك الله الذي أحببتني فيه .

لا يجوز الدعاء على عموم المسلمين .
وهذا فيه عِدّة محذورات ، منها :

أولاً : أن الداعي يُشعر بِتزكية نفسه وعمله ! فكأنه يُزكِّي نفسه ويُزكِّي عمله ، وبحيث ينظر إلى الناس مِن عُلوّ .

ثانيا : أن هذا القول قد ينطوي تحته الغِلّ على المسلمين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصح لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم . رواه الإمام أحمد وابن ماجه والدارمي من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .
ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
ورواه أحمد من حديث أنس رضي الله عنه وزاد في آخره : فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم .

قال ابن عبد البر : فأما قوله : " ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن " ، فمعناه : لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبدا ، يعني : لا يَقْوى فيه مَرض ولا نِفاق إذا أخلص العمل لله ولزم الجماعة وناصح أولي الأمر . اهـ .

ثالثا : أن هذا من باب قول القائل : " هَلَك الناس " ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إذا قال الرجل هلك الناس ، فهو أهلكهم . رواه مسلم .

قال الإمام النووي رحمه الله : رُوي أهلكهم على وجهين مشهورين : رفع الكاف وفتحها ، والرفع أشهر ... ومعناها أشدهم هلاكا ، وأما رواية الفتح فمعناها : هو جعلهم هالكين ، لا أنهم هلكوا في الحقيقة ، واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم ؛ لأنه لا يعلم سرّ الله في خلقه . قالوا : فأما من قال ذلك تحزّنا لِمَا يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمْر الدِّين فلا بأس عليه . انتهى .

وفي هذا المعنى قال أبو الدرداء رضي الله عنه : لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يَمْقُت الناس كلهم في ذات الله ، ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتا .

وفي هذا المعنى مقال بعنوان :
اكسر مجدافك
http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=2435

رابعا : أن الدعاء للمسلمين بالهداية والصلاح والرَّدّ الجميل هو الْمُتعيِّن ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للكفار بالهداية فضلا عن المسلمين .
فقد قَدِم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إن دوسا عَصت وأبَت ، فادعُ الله عليها . فقيل : هلكت دوس . قال : اللهم اهدِ دَوسًا وأتِ بهم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لأحمد : قال أبو هريرة رضي الله عنه : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، فقلت : هلكت دوس ! فقال : اللهم اهدِ دَوسا وائتِ بها .
وهذا الحديث بوّب عليه الإمام البخاري : باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألّفهم .
قال العيني في شرح هذا التبويب : أي : هذا باب في بيان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين بأن الله يهديهم إلى دين الإسلام .
قوله : " ليتألفهم " تعليل لدعائه بالهداية لهم ، وذلك أنه يدعو لهم إذا رَجَا منهم الإلفة والرجوع إلى دين الإسلام ، وقد ذكرنا أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على حالتين :
إحداهما : أنه يدعو لهم إذا أمِن غائلتهم ورَجَا هدايتهم .
والأخرى : أنه يدعو عليهم إذا اشتدت شوكتهم ، وكَثُر أذاهم ، ولم يأمَن مِن شَرهم على المسلمين . اهـ .

وهذا القول الفصل في الدعاء على الكفار والمشركين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا على المشركين ، ودعا لهم بالهداية .
فقد قيل لِرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ادع على المشركين ، قال : إني لم أبعث لعّانا ، وإنما بُعثت رحمة . رواه مسلم .

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبائل مِن العرب ، فقال : اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ . رواه البخاري ومسلم .

ولِكُلّ مَقام مقال .

ومن باب الدعاء على المشركين الذين كثُر أذاهم وعظُم خطرهم على المسلمين دُعاء عمر رضي الله عنه على كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن دِين الله ، ويُكذِّبُون رُسُل الله ، ويُقاتلون أولياءه .
فقد كان عمر رضي الله عنه يدعو بهذا الدعاء : اللهم العن كفرة أهل الكتاب ؛ الذين يصدون عن سبيلك ، ويُكذِّبون رُسلك ، ويقاتلون أوليائك . اللهم خالف بين كلمتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين . رواه عبد الرزاق والبيهقي .

خامسا : أن هذا خِلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربّه أن لا يُهلِك أمته جميعا .
قال عليه الصلاة والسلام : سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة ؛ سألت ربي أن لا يُهلِك أمتي بالسَّنة ، فأعطانيها ، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغَرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها . رواه مسلم .

كما أن مِن هديه عليه الصلاة والسلام أنه يدعو للناس بالهداية كما تقدّم .

سادسا : أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ، يشدّ بعضه بعضا ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، وجَعَل عليه الصلاة والسلام المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كَمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
ومن لازِم ذلك أن يشعر المسلم بِما عليه إخوانه ، وأن يضع نفسه موضعهم ، فيتوجّع لِمُصابهم ، ويحزن لِمَا يطرُقهم ؛ لا أنه ينقض عُرى تلك الأخوة فيدعو على إخوانه المسلمين بالهلاك وأسباب العذاب .

سابعا : أن هذا خِلاف سبيل المؤمنين ، فإن الأئمة والخطباء يدعُون للأئمة بالنجاة مِن الفتن والكوارث ، وأن يرفع الله البلاء عن الأمة ، وأن لا يُؤاخذها بِذنوب عُصاتها .
فكيف يُدعَى على الأمة أن يأخذها الله ، وأن يُؤاخذها على ذنوبها بِمثل تلك الكوارث والزلازل ؟!

والكلام في مثل هذا يطول ..

أما ما ستدلّوا به من دُعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، مثل دعوة نوح عليه الصلاة والسلام أو دعوة موسى عليه الصلاة والسلام ؛ فهذا ينقصه الفقه في الاستدلال !
لأن دعوات أولئك الأنبياء على أقوامهم إنما كان بعد أن أمضوا ألأعمار الطويلة والسنين المديدة في دعوة أقوامهم ، ومع ذلك لا يُقابلونهم إلاّ بأقبح الرَّدّ ، وهذا معلوم من قوم نوح ، فقد دعاهم تسعمائة وخمسين عاما ، ونوّع لهم في طُرق الدعوة وأساليب الخطاب ، كما قال تعالى عن نوح : (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) ، وأمَرَهم بالاستغفار ، واخبرهم بِموعود الله إذا ما فعلوا ذلك ، فقال : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)، فلمّا استنفد جميع الوسائل وسَلك الطّرق المختلفة في دعوتهم ، فلم يزدهم ذلك إلاّ فرارا ! حينها دعا على قومه ، وهذا موافق لِمَا سبق نقله عن العيني في الدعاء على الكفار والدعاء لهم .
وكذلك دعوة موسى عليه الصلاة والسلام لم تكن إلاّ بعد أن فرعون ومن معه ، وأقام عليه الْحُجج والبيِّنَات ، فَدعا عليهم .
ومع ذلك فالأنبياء إنما يفعلون ذلك بِوحي من الله . هذا من جهة .
ومن جهة ثانية ، فإن نُوحًا عليه الصلاة والسلام اعتبر تلك الدعوة تعجيلا لِدعوته ، فإن الناس إذا أتوا يوم القيامة إلى الأنبياء من أجل فصل القضاء أتوا آدم ، فيقول : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سَمَّاك الله عبدا شكورا ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول : إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري .. الحديث . رواه البخاري ومسلم .

ومن جهة ثالثة ، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام كان رحيما ، ولذلك خبّا دعوته لأمّته ، وليس عليها !
فقال عليه الصلاة والسلام : لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها ، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة . رواه البخاري ومسلم .

ومن جهة رابعة ، فإن دعوات بعض الأنبياء على أقوامهم من شرع مَن قَبْلَنا ، وقد جاء في شرعنا ما يُخالِفه ، وهو دعاؤه عليه الصلاة والسلام للناس بالهداية ، خاصة من لم يَستطِر شرّه .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : سأل أهلُ مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يُنحّي الجبال عنهم ، فيزدَرِعوا ! فقيل له : إن شئت أن تَستأني بهم ، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أُهْلِكوا كما أَهْلَكْتُ مِن قبلهم . قال : لا ، بل أستأني بهم ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآَيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى .
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

ومن جهة خامسة ، فإن دعوة من دعا من الأنبياء على قومه يُقابِلها دعوة من دعا من الأنبياء لِقومه .
فليس الدعاء عليهم بأوْلَى من الدعاء لهم .

وسبق :
ما صحة الدعاء: اللهم عليك باليهود ومَن هاودهم ، والنصارى ومَن ناصرهم
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2850


والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم


الساعة الآن 03:31 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى