المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحديث الـ 121 في اعتزال المسجد لمن وُجِدتْ به الروائح الكريهة


راجية العفو
23-03-2010, 11:28 PM
شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 121 في اعتزال المسجد لمن وُجِدتْ به الروائح الكريهة

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا ، ولِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ ، وَأُتِيَ بِقِدْر فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُول ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحاً , فَسَأَلَ ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ ، فَقَالَ : قَرِّبُوهَا . إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه . فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ : كُلْ ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي .

في الحديث مسائل :

1= سبب ورود الحديث يُوضّح الحديث
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال : من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس . رواه مسلم ، وسيأتي مزيد بيان لحديث جابر في الحديث الذي يليه .
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : لم نَعْدُ أن فُتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة : الثوم ، والناس جياع ، فأكلنا منها أكلا شديدا ، ثم رحنا إلى المسجد ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح ، فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد . فقال الناس : حُرِّمت حُرِّمت ، فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحلّ الله لي ، ولكنها شجرة أكره ريحها . رواه مسلم .
فهذا يدل على أنهم أكلوها عن حاجة وجوع شديد ، ومع ذلك نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قُربان المسجد في هذا الحال .

2= قوله : " فَلْيَعْتَزِلْنَا ، ولِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ " هل يدل على عدم وُجوب صلاة الجماعة ؟
أو يدلّ على أن آكل الثوم أو البصل أو الكراث معذور ، ومُعفى من حضور الجماعة ؟
الجواب :
لا هذا ولا ذاك !
بل هو من باب العقوبات الشرعية ، فالذي تُوجد منه هذه الروائح يُطرَد من المسجد !
قال عمر بن الخطاب – في خطبته – : ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين : هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَد ريحهما من الرجل في المسجد أمَرَ بِهِ فأُخرِجَ إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً . رواه مسلم .
ومثله مَنْع المنافِق والمثبِّط والْمُرْجِف من الخروج للجهاد ، ليس من باب عُذر هؤلاء ، وإنما هو من باب العقوبات الشرعية .
قال تعالى : ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَة مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ) .
فإن هذا ليس من باب العُذر بدليل قوله تعالى بعد ذلك مباشرة : ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) .
فهذه عقوبات
ولا يُتصوّر أن أحداً يُطرَد من المسجد ، ثم يكون هذا من باب العُذر .

3= إذا أكل أحد من هذه البقول لِعُذر ، كالجوع أو المرض ، فهل يُعذر ويُؤمر بالصلاة في بيته ؟
روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال : أكلت ثوما ، فأتيت مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سُبِقتُ بركعة ، فلما دخلت المسجد وَجَدَ النبي صلى الله عليه وسلم ريح الثوم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها - أو رِيحه - فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله والله لتعطيني يدك . قال : فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري ، فإذا أنا معصوب الصدر . قال : إن لك عُذرا . وصححه الألباني .
وحُمِل هذا العُذر على أكل الثوم ، لا على حضور الصلاة في المساجد ، إذ سيأتي في الحديث الذي يليه أن الملائكة تتأذّى من ذلك .

4= يُلحَق بها كل ما له رائحة كريهة
قال المازري : وألْحَق الفقهاء بالروائح أصحاب المصانِع : كالقصّاب والسَّمّاك . نقله ابن الملقِّن .
وقال ابن حجر : وقد ألْحَقَ بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة ، كالفجل .

5= هل يُلحَق بها الدُّخان ؟
يُلحق بها من باب أولَى ، لأن هذه مع نفعها مُنِع من أكلها لمن يلزمه حضور الجماعة ، ويُطرَد من المسجد من وُجِدت منه رائحتها ، فكيف بكريه الرائحة مع شديد الضرر ؟!
لا شك أنه بالمنع أولَى .

6= هل النهي عن قُربان مسجده صلى الله عليه وسلم أو هو عام ؟
هو عام
ففي رواية لمسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر : من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يأتين المساجد .

7= قوله : " وَأُتِيَ بِقِدْر "
أُتِيَ : يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

8= قوله : " خَضِرَاتٌ " قال ابن التين : وضُبِطَ في بعض الروايات بفتح الضاد وضم الخاء . نقله العيني .

9= قوله : " مِنْ بُقُول " جَمْع بَقْلة ، ويُجمَع على بَقْل وبُقُول ، وهو يُطلق على النبات الصغير الذي يؤكل ورقه ، كالكراث ونحوه .

10= قوله : " قَرِّبُوهَا . إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه "
قرِّبُوها : أمر إرشاد منه صلى الله عليه وسلم . والمعنى قرِّبوها ، يعني إلى بعض أصحابه .
وفي رواية : إلى بعض أصحابه كان معه .
وهو أبو أيوب رضي الله عنه ، فيما ذَكَره العيني .

11= قوله عليه الصلاة والسلام : " كُلْ ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي " هل يدلّ على جواز أكل الثوم والبصل أو الكراث ، وحضور الجماعة ؟
الجواب : لا
وإنما كان الذي في القدر كراث مطبوخ ، فوَجَد له صلى الله عليه وسلم ريحاً ، فامتنع من أكله لأنه يُناجِي الْمَلَك ، بخلاف غيره .
ولو كان ثوما أو بصلاً ، فقد يؤذن في أكله لمن لا تلزمه الجماعة ، أو لمن يحتاج إليه من جوع ، أو لمن لا تحضره جماعة ، كالذي يأكله بعد العشاء ، ويأكل بعده ما يُذهب ريحه .

والله تعالى أعلم .



كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم