المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحديث الـ 231 في مَشروعية الرَّمَل


راجية العفو
13-03-2010, 10:29 PM
الحديث الـ 231 في مَشروعية الرَّمَل

عَنْ عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاثَة " أشواط " .

فيه مسائل :

1= في رواية للبخاري : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ .
وفي رواية للبخاري : سعى النبي ﷺ ثلاثة أشواط ، ومَشَى أربعة في الحج والعمرة .
وبوّب عليه البخاري : باب الرَّمَل في الحج والعمرة .

وفي رواية للشيخين : كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ .
في رواية لمسلم : كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يَقدم فإنه يَسعَى ثلاثة أطواف بالبيت ، ثم يمشي أربعة ، ثم يُصلّي سَجْدَتَيْن ، ثم يطوف بين الصفا والمروة .
وقوله : " ثم يُصلّي سَجْدَتَيْن " أي : رَكعَتين ، ويُطلَق على الركعة : سَجْدَة .

2= روايات الصحيحين " يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ" ، ليس فيهما " ثلاثة أشْوَاط " .
وعلى هذا إما أن تكون هذه رواية وَقَف عليها المصنف في واحدة مِن روايات الصحيح ، وإما أن يكون اعتمد على " الْجَمْع بين الصحيحين " للحُميدي ، أو يكون مِن باب تلفيق الروايات .
والأول أرجح ؛ فإن ابن بطال ذَكَرَها في شرحه للبخاري . والخلاف يسير .

3= قوله : " إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ " قال النووي : الاستلام هو المسح بِاليَدِ عليه . اهـ .
وفيه تسمية الْحَجَر الأسود بـ " الرُّكْن " وبـ " الركن الأسود " ، ويُقال له مع الركن اليماني : الرُّكْنَين اليمانيين " مِن باب التغليب .

4= هل يُشرع الرَّمَل في جميع الأشواط الثلاثة الأولى ، أو يمشي بين الركنين ، كما في حديث ابن عباس السابق ؟
في حديث جابر في وَصْف حَجّة النبي صلى الله عليه وسلم : " حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فَرَمَل ثلاثا ومشى أربعا " رواه مسلم . وفي رواية له : رَمَل الثلاثة أطواف مِنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ .
وفي رواية لحديث ابن عمر هذا : رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاثًا ، وَمَشَى أَرْبَعًا. رواه مسلم .
قال النووي : فيه بَيَان أن الرَّمَل يُشْرع في جميع المطاف مِن الْحَجَر إلى الْحَجَر ، وأما حديث ابن عباس ... قال : " وأمَرهم النبي ﷺ أن يَرْمُلوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرَّكنين " ؛ فمَنسُوخ بالحديث الأول ؛ لأن حديث ابن عباس كان في عُمرة القضاء سنة سَبْع ، قبل فتح مكة ، وكان في المسلمين ضَعف في أبْدَانهم ، وإنما رَمَلُوا إظهارا للقُوّة ، واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الرَّكُنين اليمانيين ؛ لأن المشركين كانوا جُلُوسا في الْحِجْر ، وكانوا لا يَرونهم بين هذين الركنين ، ويرونهم فيما سِوى ذلك ، فلما حج النبي صلى الله عليه و سلم حجة الوداع سَنة عَشر رَمَل مِن الْحَجَر إلى الْحَجَر ، فوَجَب الأخذ بهذا المتأخِّر . اهـ .

5= قال النووي : فيه إثبات طواف القدوم ، واستحباب الرّمَل فيه ، وأن الرَّمَل هو الْخَبَب .

6= قال ابن عبد البر : واختلفوا في أهل مكة إذا حَجوا هل عليهم رَمَل أم لا ؟ فكان ابن عمر لا يَرى عليهم رَملا إذا طافُوا بِالبيت . اهـ .
وقال ابن قدامة : وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ . وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَرْمُلْ . اهـ .

والسبب أنه ليس لهم طَواف قُدُوم ؛ لأنهم مِن " حاضِري المسجد الحرام " .

7= لا يُشرع الرَّمَل للنساء .
قال النووي : اتفق العلماء على أن الرَّمَل لا يُشرع للنساء ، كما لا يُشرع لهن شِدّة السعي بين الصفا والمروة . ولو ترك الرَّجُل الرَّمَل حيث شُرع له فهو تارِك سُنة ، ولا شيء عليه . اهـ .
وسبب عدم مشروعية الرَّمَل للنساء ؛ لأنه أسْتَر لهن .

8= ولا يُشرع الرَّمَل في طواف الإفاضة .
قال الإمام النسائي : ترك الرَّمَل في طواف الإفاضة .
ثم روى بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ لم يَرمل في السبع الذي أفاض فيه.
والحديث رواه أبو داود وابن ماجه . وصححه الألباني .
وسبق في شرح الحديث الذي قَبْلَه التفصيل في هذه المسألة .

9= إطلاق كلّ مَن وَصْفَيّ " الطواف والسعي " على الطواف بالبيت وعلى السعي بين الصفا والمروة ، فتقول : سَعَيت بين الصفا والمروة ، أو طُفتُ بينهما ، وبالأول جاءت السنة ، وبالثاني جاء القرآن ، في قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) .

10= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟
نعم ، ففي حديث ابن عمر في وصف حجة الوداع : " ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ , وَمَشَى أَرْبَعَةً "
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة لِـيُري المشركين قُوّته. رواه البخاري ومسلم .
قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري .
فالْحُكم باقٍ وإن ارتفعت عِلّته .
ومثله الهرولة بين العَلَمين في السعي بين الصفا والمروة . وأصله من سعي أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
وسبق في شرح الحديث الذي قَبْلَه التفصيل في هذه المسألة .

والله تعالى أعلم .

شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم