المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحديث الـ 230 في أصْل الرَّمَل


راجية العفو
13-03-2010, 10:09 PM
الحديث الـ 230 في أصْل الرَّمَل

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا : إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ

فيه مسائل :

1= قوله : " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ "
في رواية لمسلم : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مكة .
وفي رواية للبخاري : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ . أي : أن هذا كان في سنة 7 هـ ، وذلك في عُمرة القضاء .
قال العيني : قوله : " لِعَامِه الذي اسْتَأمَن " وهو عام الحديبية . اهـ .
والمقصود العام الذي يَلِيه ؛ لأنه صُدّ عن البيت عام الحديبية .

2= قوله : " ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ "
في رواية لمسلم : قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ، ولَقُوا منها شِدّة ، فجلسوا مما يلي الْحِجْر . وأمرهم النبي ﷺ أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرُّكنين ، لِيَرَى المشركون جَلَدَهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زَعَمْتُم أن الْحُمّى قد وَهَنَتْهم ؟ هؤلاء أجْلَد مِن كذا وكذا !

3= وهَنَتْهم : أي : أضعفتهم .
قال الفرّاء وغيره : يُقال : وَهَنَتْه الْحُمّى وغيرها وأوْهَنَته ، لُغَتان . نقله النووي .

4= قوله : " أَنْ يَرْمُلُوا " بِضمّ الميم .
الرَّمَل : الإسراع في المشي .
قال ابن عبد البر : وَأَمَّا الرَّمَلُ فَهُوَ الْمَشْيُ خَبَبًا يَشْتَدُّ فِيهِ دُونَ الْهَرْوَلَةِ ، وَهَيْئَتُهُ أَنْ يُحَرِّكَ الْمَاشِي مَنْكِبَيْهِ لِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ فِي مَشْيِهِ. هَذَا حُكْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَشْوَاطِ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ طَوَافَ دُخُولٍ لَا غَيْرَهُ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَشْوَاطِ تَتِمَّةَ السَّبْعَةِ فَحُكْمُهَا الْمَشْيُ الْمَعْهُودُ .
هَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ ، أَنَّ الرَّمَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَافٍ مِنْ طَوَافِ الدُّخُولِ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ دُونَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَغَيْرِهِ . اهـ .
قال العلماء : الرَّمَل : هو أسْرَع الْمَشْي مع تَقارُب الْخُطَا ، وهو الْخَبَب . أفاده النووي .
قال : فالرَّمَل والْخَبَب بمعنى واحد ، وهو إسْراَع المشي مع تَقارب الْخُطا ، ولا يَثِب وَثبا ، والرَّمَل مُستحب في الطوفات الثلاث الأوَل من السبع ، ولا يُسَنّ ذلك إلاَّ في طواف العمرة ، وفي طواف واحد في الحج . اهـ
قال ابن حجر : الرَّمَل : بِفَتح الراء والميم ، هو الإسراع . وقال ابن دُريد : هو شَبِيه بِالْهَرْوَلة ، وأصله أن يُحَرِّك الماشي مَنْكِبَيه في مَشْيِه . اهـ .
ومَن لم يستطع الرَّمَل مِن أجل الزحام فلا يُشرع له تحريك مَنْكِبَيه .
قال النووي : لو لم يمكنه الرَّمَل بِقُرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تَباعَد عنها ، فالأَوْلى أن يَتباعَد ويَرْمل ؛ لأن فَضيلة الرَّمل هيئة للعبادة في نفسها ، والقُرب مِن الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها ، فكان تقديم ما تَعلّق بنفسها أولى . اهـ .

5= قوله : " الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ " يعني : مِن طواف القُدُوم . وهي التي يُشرع فيه الرَّمَل .
قال ابن عبد البر : الرَّمَلُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَافٍ مِنْ طَوَافِ الدُّخُولِ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ دُونَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَغَيْرِهِ .
وقال النووي في شرح حديث ابن عمر – الآتي – : تَصريح بِأن الرَّمل أوّل ما يُشْرَع في طواف العمرة ، أو في طواف القدوم في الحج .

6= قوله " وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ " لأنهم لا يَظهرون حينئذ للمُشْركين، وتقدّم أن في رواية لمسلم: فجلسوا مما يلي الْحِجْر . يعني : المشركين .
وفي رواية للبخاري : وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ .
وقُعيقعان جبل .
والْحِجْر يقع شمال الكعبة ، وهو جُزء منها ، وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة مِن جهة الميزاب ، إلاّ أن الجالس في جهته لا يَرى مَن هو بين الركنين : الركن اليماني والحجر الأسود . فلذلك لم يُشرَع فيه إسراع في الْمَشْي .

7= مشروعية إرهاب العدوّ وإخافته .
قال ابن حجر : ويُؤخَذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم ، ولا يُعَدّ ذلك مِن الرياء المذموم . اهـ .
وإظهار قوّة الأبدان مع قوّة الإيمان . ومِثله مِشية الخيلاء في الحرب .
قال الشوكاني : واخْتِيَال الرّجُل بنفسه عند القتال مِن الخيلاء الذي يُحبه الله ، لِمَا في ذلك مِن الترهيب لأعداء الله ، والتنشيط لأوليائه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لَمّا رآه يختال عند القتال : إن هذه مِشية يُبغِضها الله ورسوله إلاَّ في هذا الموطِن .

8= شفقته صلى الله عليه وسلم بِأمّته عامة ، وبأصحابه خاصة .
و "الإبقاء" بِكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرّفق والشفقة . قاله ابن حجر .

9= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟
قال بن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة لِـيُري المشركين قوته . رواه البخاري ومسلم .
قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري .
فالْحُكم بَاقٍ وإن ارتفعت عِلّته .
ومثله الهرولة بين العَلَمين في السّعي بين الصفا والمروة . وأصله مِن سعي أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
قال ابن عبد البر : الْعُلَمَاء اخْتَلَفُوا فِي الرَّمَلِ : هَلْ هُوَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا ، أَمْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَاجِبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ ذَهَبَتْ وَزَالَتْ ...
فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بن رَاهْوَيْهِ :
أَنَّ الرَّمَلَ سُنَّةٌ لِكُلِّ قَادِمٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَطْوَافِ الْأُوَلِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ الرَّمَلُ بِسُنَّةٍ ، وَمَنْ شَاءَ فَعَلَهُ ، وَمَنْ شاءَ لَمْ يَفْعَلْهُ .

10= قول : " يثرب "
جواز حكاية أقوال الكفار ، ولا يقتضي مُوَافَقَتهم عليها .

والله تعالى أعلم .

شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم