المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحديث الـ 227 في دخول مكة


راجية العفو
13-03-2010, 06:37 PM
الحديث الـ 227 في دخول مكة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ , مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ , وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى .

فيه مسائل :

1= قوله : " دَخَلَ مَكَّةَ "
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم لَمّا جاء إلى مكة دَخَلها مِن أعلاها ، وخَرج مِن أسفلها . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ ، وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ .
قال ابن عبد البر : هكذا يَرْوُون فيهما ، الأولى بالفتحة ، والثانية بالضّمة . اهـ .

وكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ . رواه البخاري ومسلم .

وحديث ابن عمر – هذا – أوْلَى أن يكون حديث الباب لِعلاقته بالحج أكثر مِن حديث عائشة ، إذ هو في دخول النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، كما جاء مُصرَّحًا به .

2= كَداء
قال ابن بطال : وإذا فتحت الكاف مِن كَدَاء مُددت ، وإذا ضممتها قَصَرْت . وقد قيل : كُدى بالضم هو أعلى مكة . وقيل : بل كَداء بفتح الكاف أعلى مكة ، وهو أصح .
قال الباجي : الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ هِيَ كَدَاء بِفَتْحِ الْكَافِ ، وَاَلَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ .
وقال ابن الأثير : وكَداء بالفتح والْمَدّ : الثنية العليا بمكة مما يَلي المقَابِر ، وهو الْمُعَلاّ ، وكُدى بالضم والقصر : الثنية السفلى مما يلي باب العمرة . اهـ .
وذَكَر النووي أن كَداء هي الثنية التي بأعلى مكة ، وكُدى وهي التي بأسفل مكة .
وقال : وَأَمَّا " كُدَيّ " بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْيَاء فَهُوَ فِي طَرِيق الْخَارِج إِلَى الْيَمَن ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي شَيْء ، هَذَا قَوْل الْجُمْهُور .
وقال ابن رجب : وذُو طُوى : يُروى بضم الطاء وكِسرها وفتحها ، وهو وادٍ معروف بمكة بين الثّنِيّتَين ، وتُسمّى أحداهما : ثَنِيّة الْمَدَنِيّين ، تُشرِف على مقبرة مكة ، وثنية تهبط على جبل يسمى : الحصحاص ، بحاء مهملة وصادين مهملين . اهـ .
وقال الزرقاني : كَداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منوّن . وقيل : لا يُصرَف على إدارة البقعة للعلمية والتأنيث .

3= اخْتُلِف في فعله صلى الله عليه وسلم ، هل هو مقصود ؟ وهل هو سُـنّـة ؟
قَالَت عَائِشَة : نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ . رواه مسلم .
وقَالَ أَبُو رَافِعٍ : لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ ﷺ أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى ، وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ ، فَجَاءَ فَنَزَلَ . رواه مسلم .
وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدًا ، وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ . رواه البخاري .

ويُفهَم من تبويب البخاري أنه يَرى سُنّيّته ، فقد عقد بابًا قال فيه : بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ ؟ وقبله : بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ ؟
قال المهلب : أما دخوله عليه السلام مرّة مِن أعلى مكة ومرّة مِن أسفلها ، فإنما فَعله ليُعَلِّم الناس السَّعة في ذلك ، وأن ما يمكن لهم منه فمُجزئ عنهم ، والله أعلم .
قال ابن بطال : ألاَ تَرى أن عُروة كان يفعل ذلك ؟ . اهـ .

4= " الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ " :
قال القاضي عياض : الثنية هي الطريق في الجبل .
قال النووي : وَأَصْل الثَّنِيَّة : الطَّرِيق بَيْن جَبَلَيْنِ .
وقال النووي في شرح حديث ابن عمر : قَوْله : " الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ " هِيَ بِالْمَدِّ ، وَيُقَال لَهَا الْبَطْحَاء وَالأَبْطَح ، وَهِيَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّب ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّة يَنْحَدِر مِنْهَا إِلَى مَقَابِر مَكَّة . اهـ .

5= " وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى " تقدّم قول ابن الأثير : الثَّنيَّة السُّفلى ما يَلِي باب العُمْرة .
وفِعله صلى الله عليه وسلم ذلك قيل : إنه وقع اتِّفاقا . وقيل : لأنه أسمح في الخروج ، كما سبق .

و " قِيلَ : إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ ﷺ هَذِهِ الْمُخَالَفَة فِي طَرِيقه دَاخِلا وَخَارِجًا تَفَاؤُلا بِتَغَيُّرِ الْحَال إِلَى أَكْمَل مِنْهُ ، كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيد ، وَلِيَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ ، وَلِيَتَبَرَّك بِهِ أَهْلهمَا . قاله النووي .
وقال العيني : وقيل : لِيِتَبَرّك به كل مَن في طريقته ويدعو لهم . وقيل : ليغيظ المنافقين بظهور الدِّين وعِزّ الإسلام . وقيل : ليُري الّسعة في ذلك . وقيل : فَعَله تفاؤلا بتغير الأحوال إلى أكمل منه ، كما فعل في العيد ، وليشهد له الطريقان . اهـ .

6 = هل يَتقَصّد الحاج خاصة الْمَشَقَّـة طَلبًا لِزيادة الأجر ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ : " الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ " لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى الإِطْلاق ... وَلَوْ قِيلَ : " الأَجْرُ عَلَى قَدْرِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ وَفَائِدَتِهِ" ، لَكَانَ صَحِيحًا .
وقال : قَدْ يَكُونُ الْعَمَلُ الْفَاضِلُ مُشِقًّا ، فَفَضْلُهُ لِمَعْنَى غَيْرِ مَشَقَّتِهِ ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَشَقَّةِ يَزِيدُ ثَوَابَهُ وَأَجْرَهُ ، فَيَزْدَادُ الثَّوَابُ بِالْمَشَقَّةِ ، كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ بُعْدُهُ عَنْ الْبَيْتِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَكْثَرَ : يَكُونُ أَجْرُهُ أَعْظَمَ مِنْ الْقَرِيبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ : " أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك "؛ لأَنَّ الأَجْرَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ فِي بُعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَبِالْبُعْدِ يَكْثُرُ النَّصَبُ، فَيَكْثُرُ الأَجْرُ، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ ... فَكَثِيرًا مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ ، لا لأَنَّ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ مَقْصُودٌ مِنْ الْعَمَلِ ؛ وَلَكِنْ لأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ . اهـ .

وأمّا قوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها : وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ - قَالَ – نَفَقَتِكِ . رواه البخاري ومسلم . فهذا مما يأتي تَبَعًا لا تَقصّدا للمَشَقّة .
قال النووي : هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ ، وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ وَكَذَا النَّفَقَةُ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ليس ذلك هو المقصود الأول بالأمر الشرعي، وإنما وقع ضِمْنًا وتَبَعًا

والله تعالى أعلم .

شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم