المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باب الغسل من الجنابة ، وموجبات الغُسل


راجية العفو
12-03-2010, 08:56 PM
شرح أحاديث عمدة الأحكام
باب الغسل من الجنابة


لما ذكر المصنف رحمه الله المذي وبيّن أنه لا يوجب الغسل ، ذكر بعد ذلك باب الغسل وذكر فيه تسعة أحاديث .

وهنا مسائل :
1 = تعريف الغُسُل
الغُسُْل - بضمّ الغين ، وضم السين وسكونها - ، وهو يختلف عن الغَسْل ، فالغُسل في البدن ، والغَسل في الأعضاء وفي غيرها ، كالثياب ونحوها .

والغُسل هو :
إفاضة الماء على الشيء لغة .
وشرعا : تعميم البدن بالماء بنية معتبرة .

2 = تعريف الجنابة
الجنابة لغة مأخوذة من البعد ، ومنه قوله تعالى : ( والجار الجُنُب ) أي البعيد الذي ليس بقرابة .
وقيل في سبب تسمية الجُنُب جُنُباً :
- أنه مُجانب للطهارة
- ومُجانب للعبادة .
- وقيل : لأنه جانب امرأته ، أي خالطها ، وهو الغالب في الجنابة .
- وقيل : لأن الملائكة تجتنب الجُنب وتبتعد عنه .

وكلها معاني واردة في اللغة .

والأقرب للتعريف الاصطلاحي أنه مُجتنب للعبادات ، وأن الملائكة تجتنب الجُنب ولا تقربه ، كما ثبت بذلك الحديث .
قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ بالخلوق ، والجُنُب إلا أن يتوضأ . رواه أبو داود ، وهو في صحيح الجامع .

والجُنُب هو من أصابته الجنابة ، بأحد موجباتها .

3 = ما يُمنع منه الجُنب ؟
يُمنع الجُنب الذي يستطيع الاغتسال من :
أ - الصلاة ، وتقدّم في الحديث الثاني : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ . والجنابة حدث أكبر .
فلا يجوز للمسلم أن يُصلي وهو جُنب مع القدرة على استعمال الماء ، فإن عجز عن استعماله أو كان استعمال الماء يضرّ به فإنه يتيمم ويُصلي .
ب - الطواف بالبيت ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم .

ومما يُمنع منه الجُنب عند بعض العلماء :
قراءة القرآن
ودخول المسجد
أما قراءة القرآن ؛ ففيها بحث مستقل سبق نشرُه .
وأما دخول الجنب أو الحائض للمسجد ؛ فلم يدلّ دليل صحيح صريح على المنع .

ولذا قالت أم عطية رضي الله عنها : أمَرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِج في العيدين العواتق وذوات الخدور ، وأمر الحيض أن يعتزلن مَصلى المسلمين . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : ويعتزلن مُصلاّهم .
مع حضورهن للمُصلّى ، فهذا الاعتزال إنما هو اعتزال للصلاة .
ونقل ابن حجر رحمه الله عن ابن المنير رحمه الله أنه قال : الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وَهُنّ لا يُصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال ، فاستحب لهن اجتناب ذلك . اهـ .
فالحائض تشهد العيد وتدخل المصلى ، ولكنها لا تقف في صف المُصلِّيات .

وهنا فائدة :
وهي هل دلّ الدليل على منع الحائض من دخول المسجد ؟
والجواب : لا ، إلا أن يُخشى أن تلوّث المسجد .
وما وَرَد في النهي عن دخول الحائض المصلّى ؛ فإما غير صحيح ، وإما غير صريح .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لمّا حاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم .
والقاعدة : لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
ولم يقُل لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تدخلي المسجد ، وإنما نهاها عن الطواف بالبيت حتى تطهر .
ولذا لما قالت أم عطية رضي الله عنها : سمعته يقول : يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ، ويعتزل الحيض المصلى . قالت حفصة رضي الله عنها : فقلت : آلحيض ؟ فقالت : أليس تشهد عرفة وكذا وكذا .
يعني أنها تحضر تلك المواطن ، ولا تُمنع منها .
ويستدل بعض العلماء على منع الجنب من دخول المسجد بقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ )
فهذا فيما يتعلق بِقُربان الصلاة لا بِدُخول المساجد ، فالآية واضحة في نهي المؤمنين عن أداء الصلاة في تلك الأحوال لا عن دخول المساجد .
قال البغوي : وجوّز أحمد والمزني المكث فيه (يعني في المسجد) ، وضعف أحمد الحديث ؛ لأن راويه (أفْلَت) مجهول ، وتأوّل الآية على أن (عَابِرِي سَبِيل) هم المسافرون تُصيبهم الجنابة ، فيتيممون ويُصلّون ، وقد رُوي ذلك عن ابن عباس . انتهى .
وقال ابن المنذر : يجوز للجنب المكث في المسجد مُطلقا .

وأما حديث : لا أُحلّ المسجد لحائض ولا لجُنُب . فقد رواه أبو داود ، ومدار إسناده على جسرة بنت دجاجة ، وهي مقبولة ، أي عند المتابعة .
وقال البخاري في التاريخ الكبير عنها : عندها عجائب .
ولذا قال الحافظ عبد الحق : هذا الحديث لا يثبت .

فبَقِي الجُنب والحائض على البراءة الأصلية مِن عدم المنع من دخول المساجد
وعلى البراءة الأصلية مِن عدم التنجّس ، ويدلّ عليه حديث الباب .
خاصة إذا كان هناك مصلحة مِن دخول الجُنب أو الحائض المسجد ، كتعلّم عِلم ، أو حضور موعظة .

وقد أدخل النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال وكان مشركا ، أدخله إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وربطه في سارية من سواري المسجد ، ثم أسلم فيما بعد ، والحديث في الصحيحين .

فإذا كان المشرك لا يُمنع من دخول المسجد لوجود مصلحة ، فالمسلم الذي أصابته الجنابة أو المسلمة التي أصابها الحيض أولى أن لا يُمنعوا .

قال الإمام النووي رحمه الله : الأصل عدم التحريم ، وليس لمن حرّم دليل صحيح صريح .

ويُنظر تمام المنة للشيخ الألباني رحمه الله .

كما أن الجُنب لا يُمنع من الصيام .

4 = موجبات الغُسل
1 - التقاء الختانين .
والمقصود به : - تغييب حشفة الذَّكر في فرج المرأة ، ولو لم يُنزل المنيّ .
والمقصود الحشفة هو رأس الذَّكَـر ، وسيأتي الكلام عليه .

2 - الاحتلام
والنائم الذي يجد الأثر لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى : أن يستيقظ ويرى بللاً في سراويله ، ويكون قد رأى في منامه أنه احتلم ، فهذا يجب عليه الغسل
الثانية : أن يجد بلاً يسيراً ويتيقّن أنه ليس بمني ، فهذا ليس عليه سوى غسل سراويله والوضوء .
الثالثة : أن يستيقظ ويجد بللاً ولا يذكر احتلاماً ، فهذا يجب عليه الغسل .

وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما . قال : يغتسل . وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا . قال : لا غسل عليه ، فقالت أم سليم : هل على المرأة ترى ذلك شيء ؟ قال : نعم إنما النساء شقائق الرجال . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .

تنبيه :
قد يخرج المني من غير لذّة ، أو يخرج من غير دفق ، فهذا فساد ، وليس على من أُصيب به غُسل ، وإنما عليه الوضوء ، حكمه حكم سلس البول .
ولذا فإن قولهم عن المني الموجب للغسل : أن يخرج دفقاً بِلذّة ، هذا ضابط دقيق .

3 - خروج المني دفقاً بلذّة .
وإنما أفردته لأنه قد يكون بغير جماع ولا احتلام ، كمن يُمارس العادة السرية السيئة .

4 - الموت ، فيجب تغسيل الميت عدا الشهيد ، والصحيح أن هذا لا يُقال عنه أنه موجب للغسل ؛ لأنه لا يتعلق بذمة الميت تكليف ، وإنما يجب على أولياءه أو من حضره .
5 - الحيض
6 - النفاس - وسيأتي الكلام عليهما في باب الحيض -
7 - إسلام الكافر عند جماعة من العلماء .
8 - تغسيل الميت عند بعض من أهل العلم .
9 - غُسل يوم الجمعة عند جمع من أهل العلم .
والصحيح أن إسلام الكافر لا يوجب الغسل
وتغسيل الميت كذلك لا يُوجب الغسل
وإنما يُستحب الغُسل لهذه الأشياء الثلاثة المذكورة .
وما الصارف للوجوب فيها إلى الاستحباب ؟
أما إسلام الكافر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر كل من أسلم بالغُسل ، ولو كان واجبا لما جاز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وأما غسل الميت فقد ورد فيه الأمر بالاغتسال منه . قال عليه الصلاة والسلام : من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ .
وحُمل هذا على الندب والاستحباب لفعل الصحابة رضي الله عنهم ولقولهم
فإن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إني صائمة ، وإن هذا يوم شديد البرد ، فهل عليّ من غسل ؟ فقالوا : لا . رواه الإمام مالك .
ولحديث بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ، ومنا من لا يغتسل .
قال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح .

وأما غُسل الجمعة ، فقد صرفه عن الوجوب صوارف منها :
قوله عليه الصلاة والسلام : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل . رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع .

ومن الأغسال المستحبة :
1 - عند الإحرام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله واغتسل . رواه الترمذي .
2 - عند دخول مكة . روى عن نافع أن بن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى ، حتى يصبح ويغتسل ، ثم يدخل مكة نهارا ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله . رواه البخاري ومسلم .
3 - في كل سبعة أيام مرة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده . رواه البخاري ومسلم .
- واستحب بعض العلماء الاغتسال لكل اجتماع يجتمعه الناس ، كالعيدين .
وبناء على ما تقدّم فإن غُسل الجمعة مسنون .
وغُسل من غسّل ميتاً كذلك .
وغُسل الكافر إذ أسلم كذلك أيضا .


كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم