المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل أُنزِل القرآن مرتبا مثل ترتيب المصحف الآن ؟


نسمات الفجر
27-02-2010, 12:33 AM
هل القرآن أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مرتبا مثل ترتيب المصحف الآن ؟ وهل عثمان - رضي الله عنه - لم يقُم بجمعه ؟
وما الدليل على ذلك ؟

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب:
القرآن أُنزِل على النبي صلى الله عليه وسلم مُنجّما - يعني مُفرّقا - في ثلاث وعشرين سنة ، على الصحيح .
وترتيب الآيات توقيفي ، بمعنى أنه من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان عليه الصلاة والسلام إذا نزلت آية أو آيات قال : ضعوا آية كذا في سورة كذا .
فلا يجوز تغيير مواقع الآيات وسياقها بخلاف السور ، فإن ترتيب السور وقع فيه الخلاف بين الصحابة أنفسهم ، وهذا يدلّ على أنهم لا يرون ترتيب السور توقيفياً .

ومن هنا وقع الخلاف في جواز الإخلال بترتيب السور في القراءة في الصلاة ، ولم يقع الخلاف في ترتيب الآيات، فترتيب الآيات متفق عليه ، وهو محلّ إجماع ، بخلاف ترتيب السور .
وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بسورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران ، كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه . وهذا يدلّ على أن ترتيب السور ليس توقيفيا .

قال الإمام النووي رحمه الله : ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها أو خالف المولاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز ، وكان تاركاً للأفضل ، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه ؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حِكمة الترتيب . اهـ .
ولم ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مُرتّبا كترتيبه الآن في المصحف ، وإنما كانت الآيات تنزل من السورة الواحدة في أوقات متفرِّقة ، ثم تُجمع آيات السورة حسب توجيه النبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث توضع الآية في السورة التي هي منها .
قال السيوطي رحمه الله : فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة .
وقال أيضا : الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي ، لا شبهة في ذلك ، وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين . انتهى .
وقال مكي وغيره : ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة .
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار : ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا .
كما أن معارضة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن كل رمضان ، ومعارضته له مرتين في العرضة الأخيرة كانت لأجل تثبيت القرآن وإحكامه ، فيبقى المُحْكَم ويُثبت ، ويُترك ما نُسخت تلاوته فلا يُثبت .
قالت عائشة رضي الله عنها فيما ترويه عن فاطمة رضي الله عنها : إن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين ، وأنه عارضه الآن مرتين . رواه مسلم .
وهذا يؤكِّد على ترتيب الآيات في السور ، إذ المعارضة تقتضي أن يكون هناك عرض وقراءة . ومما يدلّ على ترتيب آيات القرآن قول أحد كتاب الوحي ، وهو زيد بن ثابت رضي الله عنه : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع . رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وابن حبان .

وأما جمع القرآن فقد مرّ بثلاث مراحل
قال الحاكم في المستدرك بعد أن ذَكَر قول زيد بن ثابت - السابق - : وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، فقد جُمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جُمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق ، والجمع الثالث هو في ترتيب السورة كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين .

وقوله : جُمِع بعضه ) أي بعض ما كان مُتفرِّقاً . وقوله في ترتيب السورة ، أي ترتيب السور في المصحف .
وروى البخاري أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده . قال أبو بكر رضي الله عنه : إن عمر أتاني ، فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بِقُرّاء القرآن ، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن ، فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن .
قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر .
قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه .
قال زيد : فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن .
قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ؟
قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه .

وروى البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يُغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ،
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق .
قال ابن شهاب وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) فألحقناها في سورتها في المصحف .
قال ابن التين وغيره : الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان : أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته ، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدّى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض ، فخُشِي من تفاقم الأمر في ذلك فَنَسَخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لِسُوَرِه . اهـ من فتح الباري .

فعثمان رضي الله عنه وحّد المصاحف بحيث لا يقع الخلاف بين المسلمين ولا تحصل الفُرقة . وكان ذلك باتفاق الصحابة رضي الله عنهم
قال عليّ رضي الله عنه : لا تقولوا في عثمان إلا خيرا ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ مِنّا .
ومما يدلّ على أن الصحابة رتبوا الآيات في السور بحسب الترتيب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم به ما رواه البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنه قال : قلت لعثمان بن عفان ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) قال : قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال : يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه .
فهذه الآية هي الآية ( 243 ) من سورة البقرة وهي ناسخة للآية ( 240 ) ، والناسخ يكون نزوله بعد المنسوخ أما هذه الآية فترتيبها خلاف النزول ، وهذا يدلّ على أن النزول توقيفي لا مجال فيه للرأي ، ولذلك وقف عثمان رضي الله عنه مع الآية حيث وُضِعت .
قال الزرقاني في مناهل العرفان عن هذا الحديث : فهذا حديث أبلج من الصبح في أن إثبات هذه الآية في مكانها مع نسخها توقيفي لا يستطيع عثمان باعترافه أن يتصرف فيه لأنه لا مجال للرأي في مثله . اهـ .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد