المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيفية الجمع بين هاتين الآيتين


ناصرة السنة
24-02-2010, 01:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شيخنا الفاضل عبد الرحمن السحيم هذه رسالة وصلت من خلال بريد الموقع من أحد الأخوة يقول فيها :
كيف الجمع بين قوله تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) وبين قوله ( ولا تزكوا أنفسكم ) ..الآية

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لا تعارض بين الآيتين أصلا .

فالتزكية تنقسم إلى قسمين :
قسم مطلوبٌ ، وهو ممدوحٌ شرعاً ، وهو تزكية النفس وتطهيرها من الذنوب والآثام ، وتنقيتها من شوائب العبودية لغير الله ، والتعلّق بسوى مولاها ، وهذا الذي قال فيه الحق سبحانه : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا )
وكان مِنْ دعائه صلى الله عليه وسلم أنه يقول : اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها . أنت وليها ومولاها . كما في صحيح مسلم .
فدلّ هذا الحديث على طلب تزكية النفس ، وسؤال الله التوفيق لتزكية النفس ؛ لأن تزكية النفس سبيل للفلاح .

وقسمٌ ممنوعٌ شرعاً ومنهيٌ عنه ، وهو تزكية النفس ومدحها ، والإعجاب بالعمل ، وحبُّ المدح بما ليس في الشخص ، فإن الله ذمّ الذين يُحبُّون أن يُحمَدُوا بما لم يفعلوا كما في قوله تعالى : ( لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَة مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وهذا النوع من التّزكية هو الذي قال فيه عز وجل : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )
ولَمَّا ذَكَرَ تبارك وتعالى الكبائر وأمر باجتنابها قال : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )
فنهى سبحانه وتعالى عن تزكية النفس إذ هو سبحانه أعلم بالمتقين ، فلا يمدح العبدُ نفسه بأنه من المتقين ، وقد كان سلف هذه الأمة يذمّون أنفسهم ، ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم ، ويعملون العمل ويجتهدون فيه ، ويخافون أن يُردّ عليهم .
قال أبو الوازع قلت لابن عمر : لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم ، فغضب وقال : إني لأحسبك عراقيا ! وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه ؟!
قال أبو المليح قال رجل لميمون : يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم . قال : أقبل على شأنك ! ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم .
وكانوا يتّهمون أعمالهم ، ويخشون أن تُردّ عليهم لتقصيرهم فيها مع اجتهادهم .

وأما التحدّث بِنِعم الله فليس فيه تزكية ، إلاّ إذا زعم الإنسان أ ما آتاه الله كان لِصلاحه وفضله ! كما قال الله عزَّ وَجَلّ : (فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)
وهذا كما يقول بعض الناس : قد عَلِم الله نيتي ! أو يقول : اللهم عاملني على قدر نيتي !
ومن هذا الباب ما يزعمه بعض الناس أنه حصّل ذلك بِخبرته ! أو بذكائه ونحو ذلك !

وسبق :
التحدث بالنعمة، وتفسير (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?p=5258

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد