المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا نسبت امرأة العزيز لنفسها السوء ولم تذكر الشيطان ودوره؟


راجية العفو
09-02-2010, 12:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الكريم
في سورة يوسف عليه السلام قالت امرأة العزيز : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

لماذا نَسبت لنفسها السوء ولم تذكر الشيطان ودوره
وفي آية أخرى أشار يعقوب عليه السلام للشيطان دون النفس الأمارة بالسوء
(قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
حتى يوسف عليه السلام عندما عفا عن إخوته قال من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبينهم
ما السر في ذلك ؟
وأيهما أقوى داعي النفس أم الشيطان ؟
وهل هناك كتب تنصحون بها تعني بتفسير مثل هذه الأمور وبيان الإعجاز في وجود كلمة بدل أخرى
وجزاكم الله خيرا

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif



الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا

جواب امرأة العزيز كان اعتذارا ، وهي قد اعترَفَتْ بِما عَمِلت ، وكانت أنْكرته سابقا ، فإنها قالت : (الآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ثم قالت : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي) .
وقالت ذلك ونسَبَتْه إلى نَفْسِها لأنه رَمَتْه بالتّهمة في أول الأمر ، حيث قالت : (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) !
فأرادتْ تأكيد ذلك ، وتأكيد براءة يوسف عليه الصلاة والسلام وأنها لا تُبرّئ نفسها .

وأما خَطَر الشيطان فهو أعظم مِن خَطَر الـنَّفْس ، ولذا فإن الله شَرَع الاستعاذة بالله مِن الشيطان بِثلاث صِفات ، فقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ) مِن أي شيء ؟ (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) .
بينما ما يتعلّق بالإنسان نفسه وبالهوام ، قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) مِن أي شيء ؟ (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِق إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِد إِذَا حَسَدَ) .
قال الرازي في تفسير سورة الناس ما نصّه :
واعلم أن هذه السورة لَطيفة أخرى ، وهي أن الْمُسْتَعَاذ به في السورة الأولى مَذكور بِصِفة واحدة ، وهي أنه رب الفلق ، والْمُسْتَعَاذ مِنه ثلاثة أنواع مِن الآفات ، وهي الغَاسِق ، والنفاثات ، والحاسد . وأما في هذه السورة فَالْمُسْتَعَاذ بِه مَذْكُور بِصِفَات ثَلاثة ، وهي الرَّبّ ، والْمَلِك والإله ، والْمُسْتَعَاذ مِنه آفَة واحِدة ، وهي الوسوسة ، والفَرْق بَيْن الْمَوْضِعَين أن الثناء يَجِب أن يَتَقَدَّر بِقَدْر الْمَطْلُوب ، فالمطلوب في السورة الأولى سَلامة الـنَّفْس والبَدن ، والمطلوب في السورة الثانية سَلامة الدِّين ؛ وهذا تنبيه على أن مَضَرَّة الدِّين وإن قَلَّت أعظم مِن مَضَار الدنيا وإن عَظُمَت ، والله سبحانه وتعالى أعلم . اهـ .

وأما الكُتُب التي تُبيّن في هذا الباب الاختلافات ، ويتم مِن خلالها التنبيه على الفروق الدقيقة ، حتى في اختلاف الحروف في بعض المواضع في القرآن ، كَما يكون الفرق بين الواو والفاء ، وبين الزيادة والنقصان وغير ذلك ، فمنها :
" درّة التَّنْزِيل وغرّة التأويل ، تأليف : الخطيب الإسكافي"
و" البرهان في مُتَشَابه القرآن " ، تأليف : محمود الكِرماني .
و " كَشْف الْمَعَاني في الْمُتَشَابِه والْمَثَاني " ، تأليف : ابن جماعة .
و"التعبير القرآني" ، تأليف : د. فاضِل السَّامُرائي .
ونظرات لغوية في القرآن الكريم ، تأليف : د . صالح العايد .

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد