المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قول الله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ......."


ناصرة السنة
16-02-2010, 02:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا الفاضل

اود السؤال عن تفسير لهذه الآية

' وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ '

وكذلك السؤال عن 'ويكون' التي بالاحمر بالآية ولماذا جاءت منصوبة وهي عائدة او معطوفة على ماذا ؟؟؟ برجاء التوضيح بورك فيك واحسن الله اليك

اذا بالامكان اعرف مكانها بالاعراب ؟؟؟

بورك فيكم واحسن الله اليكم

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

هذه الأمة هي الأمة الوسَط ، وهي خير الأمم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ . رواه البخاري ومسلم .
والمقصود بالوسط هنا هو الْخِيَار ، أي : أنها خير الأمم ، فكما أن رسولها خير الرسل ، فهي خير الأمم ، ولذلك تشهد على الناس ولا يشهد الناس عليها ، ولا يشهد عليها إلاّ رسولها صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح البخاري من حديث أَبِي سَعِيد رضي الله عنه قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : لا ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيّ ، فَيَقُولُ لِنُوح : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) . وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ .
قال ابن حجر : وَحَاصِل مَا فِي الآيَة الامْتِنَان بِالْهِدَايَةِ وَالْعَدَالَة . اهـ .
وقال ابن عاشور في تفسيره : والآية ثناء على المسلمين بأن الله قد ادَّخَر لهم الفضل ، وجعلهم وسطاً بما هيأ لهم من أسبابه في بيان الشريعة بيانا جَعَل أذهان أتباعها سالمة مِن أن تَرُوج عليهم الضلالات التي راجت على الأمم . اهـ .

وأما قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) ، فهذا في شأن القِبْلَة الأولى حيث صلّى النبي صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلى بيت المقدِس .
وفي صحيح البخاري من حديث الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ أَول صلاة صَلاّهَا صَلاةَ الْعَصْرِ ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) .
وفي رواية له : وَكَانَتْ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ .
واليهود هم المعنيون بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) .

وقوله تعالى : (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)
قال ابن كثير : يقول تعالى : إنما شرعنا لك - يا محمد - التوجّه أوّلاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حالُ من يَتَّبعك ويُطيعك ويستقبل معك حيثما توجهتَ مِمَّن ينقلب على عَقبَيْه ، أي : مُرْتَدّاً عن دينه (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً) أي : هذه الفِعْلة ، وهو صَرف التَّوَجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس ، إلاَّ على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنُوا بتصديق الرسُول ، وأنَّ كلَّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرْية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويَحكم ما يُريد ، فََله أن يُكَلِّف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمْر أحدث لهم شكًّا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق . اهـ .

وأما الإعراب فـ
قال القرطبي : قوله تعالى : (لِتَكُونُوا) نُصب بِلام كَي ، أي : لأن تكونوا . اهـ .
و ( يَكُونَ) معطوفة على (لِتَكُونُوا) ، فنُصِبت لأجل ذلك .

وقال ابن عاشور في تفسيره : وقوله : (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ) علة لجَعْلِهم وسطا ، فإن أفعال الله تعالى كلها منوطة بِحِكَم وغايات ، لِعِلْمِه تعالى وحِكْمَته .
وقوله : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) معطوف على العِلّة ، وليس علة ثانية ؛ لأنه ليس مقصودا بالذات ، بل هو تَكميل للشهادة الأولى . اهـ .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد