المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يجوز هزّ الرأس عند قراءة القرآن ؟


نسمات الفجر
15-02-2010, 06:17 AM
السؤال :
نلاحظ أن قراء القرآن في بعض البلاد الإسلامية يهزون رؤوسهم عند القراءة
فهل يجوز هذا ؟

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب:
أعانك الله .

ليس لهذا أصل في الشرع ، وإنما هو مما أحدثته المتصوِّفَة . والتمايل عند قراءة القرآن أو سماعه ، أو حتى الصَّعْق ؛ ليس له أصل في عَمل السَّلَف .
والأصل أن قارئ القرآن يتأثَّر بما يقرأ .
قال تعالى واصِفا حال المؤمنين إذا قرءوا القرآن : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .
قالت أسماء بنت أبي بكر : كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تدمع أعينهم ، وتقشعر جلودهم عند سَمَاع القرآن . قيل لها : إن أقواما اليوم إذا سَمِع أحدهم القرآن خَـرَّ مَغْشِيا عليه . فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
وقال ابن سيرين : بيننا وبين هؤلاء الذين يُصْرَعُون عند قراءة القرآن أن يُجْعَل أحدهم على حائط بَاسِطًا رِجْليه ، ثم يَقْرأ القرآن كله ، فإن رَمَى بِنَفْسِه فهو صَادِق !

قال ابن كثير في تفسير الآية : أي هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار ، لِمَا يَفهمون منه مِن الوَعد والوعيد ، والتخويف والتهديد ، تَقْشَعر منه جلودهم من الخشية والخوف ، (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) لِمَا يرجون ويؤمِّلون مِن رحمته ولُطْفِه . اهـ .

وقال تعالى في وصف المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
وقال عزّ وجلّ : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) .
قال ابن كثير : أي : لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهِين عنها بل مُصْغِين إليها ، فَاهِمِين بَصِيرين بِمَعانيها ؛ فلهذا إنما يعملون بها ، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومُتَابَعَة لغيرهم .
وذَكَر ابن كثير أن مِن أدب الصحابة مع القرآن أنهم كانوا إذا سَمِعوا " تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ، ثم تَلِين مع قلوبهم إلى ذكر الله ، لم يكونوا يتصارخون ، ولا يَتَكَلَّفُون ما ليس فيهم ، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ؛ ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة " . اهـ .

وأخبر الله تبارك وتعالى عن المؤمنين أن سماعهم للقرآن يزيدهم خُشُوعًا ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) .

وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فما تحرّك ابن مسعود حال قراءته ، وما زاد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلاّ خشوعا ، فإن ابن مسعود قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم من أول سورة النساء حتى إذا بَلَغ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) قال لي : كُـفّ ، أو أمسِك . فرأيت عينيه تذرفان . رواه البخاري ومسلم .

ثم إن التمايل خِلاف الأدب ، وخِلاف حال الخاشِع لِسماع القرآن ولِتلاوته وتدبّره .
قال سهل بن عبد الله : لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده .
قال القرطبي : هذا هو الخشوع المحمود ؛ لأن الخوف إذا سكن القلب أوْجَب خُشُوع الظاهر ، فلا يملك صاحبه دَفْعَه فََتَرَاه مُطْرِقا مُتَأدِّبا مُتَذَللا ، وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك ، وأما المذموم فتكلفه والتباكي ، ومطأطأة الرأس ، كما يفعله الجهال ، لِيُرَوا بِعَين البر والإجلال ، وذلك خِدع مِن الشيطان ، وتَسْويل مِن نَفْس الإنسان .

وقال النووي فيما يُسْتَحَبّ للقارئ في غير الصلاة :
ويجلس مُتَخَشِّعًا بِسكينة ووَقار ، مُطْرِقا رأسه ، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه ، كَجُلُوسِه بَيْن يَدَي مُعَلِّمِه ؛ فهذا هو الأكمل . اهـ .

والله أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد