المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هي الأسباب التي تتحقق بها كفاية الله لعبده؟


محب العلماء
28-10-2016, 03:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم شيخنا الجليل
يقول الله تعالى (أليس الله بكاف عبده )
ما هي الاسباب والاشياء التي يجب أن يفعلها المؤمن
والتي تتحقق بها كفاية الله لعبده ؟
جزاكم الله خيرا

عبد الرحمن السحيم
29-10-2016, 09:39 PM
الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

كِفايَة الله لِعبده بِحسب قوّة وصِدق توكّله على الله .
قيل لِحَاتم الأصَمّ : على ما بَنيت أمْرك هذا مِن التوكل ؟ قال : على أربع خِلال :
عَلِمْتُ أن رِزقي لا يأكله غيري ، فلَستُ اهتمّ له ، وعَلِمْتُ أن عَملي لا يَعمله غيري ، فأنا مَشغول به ، وعَلِمْتُ أن الموت يأتيني بَغتة ، فأنا أبادِره ، وعَلِمْتُ أني بِعَين الله في كل حال ، فأنا مُستَحيي منه . رواه أبو نعيم في " الحلية " والبيهقي في " شُعب الإيمان " .

ومَن توكّل على الله كَفَاه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) قال الإمام السمعاني : أي : يَثِق بالله ، ويُفوّض أمْرَه إليه . اهـ .
قال الربيع بن خثيم في قوله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) : مِن كُل ما ضَاق على الناس . ذَكره البخاري .

قال ابن القيم : التوكل على الله نَوعَان :
أحدهما : تَوكُّلٌ عليه في جَلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية ، أو دَفع مَكرُوهاته ومصائبه الدنيوية .
والثاني : التّوكّل عليه في حُصول ما يُحبه هو ويَرضاه مِن الإيمان واليقين والجهاد والدعوة إليه .
وبين النوعين مِن الفَضل ما لا يُحصيه إلاّ الله ، فَمَتى تَوكّل عليه العبد في النوع الثاني حقّ تَوكّله كَفَاه النوع الأول تَمَام الكِفاية ، ومتى تَوَكّل عليه في النوع الأول دون الثاني كَفَاه أيضا لكن لا يكون له عاقبة الْمُتَوكِّل عليه فيما يُحبّه ويَرضَاه . فأعظَم التوكل عليه : التوكل في الهداية ، وتَجريد التوحيد ، ومُتابَعة الرسول ، وجهاد أهل الباطل ؛ فهذا تَوَكّل الرُّسُل وخَاصة أتبَاعِهم . اهـ .

ولذا جاء الأمر بالتوكّل والحثّ عليه أكثر ما جاء الأمر بالطهارة ، ومِن الأمر بالصيام وبالحج .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد أمَر الله بالتوكّل في غير آية أعظم مِمَّا أمَر بالوُضُوء والغُسْل مِن الْجَنَابة ، ونَهَى عن التَّوكل على غير الله ، قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) . اهـ .

وقد يَقع الخلل في التوكّل حتى يقع صاحِبه في الشرك .
قال ابن رَجب في " كلمة الإخلاص " : وَرَد إطلاق الشِّرك على : الرِّياء ، وعلى الْحَلِف بغير الله ، وعلى التوكّل على غير الله والاعتماد عليه . اهـ .

ولَمّا صَدق الأنبياء والصالحون في توكّلهم على الله كَفاهم الله عَزّ وَجَلّ .

نامَ نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ، وعَلَّق سَيفه بِتلك الشجرة ، جاءه رجل من المشركين ، فاخْتَرَط السيف ثم قال : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهُ - كما في الصحيحين - فَمَنعه الله بِثقته به وتَوَكّله عليه .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : " حَسبُنا الله ونِعم الوَكيل " قَالَها إبراهيم عليه السلام حين أُلْقِي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . رواه البخاري .

وكَفَى الله نَبِيّه صلى الله عليه وسلم وصاحِبه شرّ المشركين حينما وَقفوا على باب الغار ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ رواه البخاري ومسلم .

ومَن قرأ آخر آيتين مِن سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه ، ومَن قرأ آية الكرسي في ليلة حَفِظه الله .
قال ابن بطال : إذا كان مَن قرأ الآيتين مِن آخر سورة البقرة كَفَتَاه ، ومَن قرأ آية الكرسي كان عليه مِن الله حافظ ، ولا يَقْرَبه شيطان حتى يُصبح ؛ فما ظَنّك بِمَن قَرأها كلها مِن كفاية الله له وحِرزه وحِمايته مِن الشيطان وغيره ، وعظيم ما يُدّخَّر له مِن ثوابها ؟ . اهـ .

وقد ذَكَر الإمام القرطبي أنه هَرَب أمام العدو وانحاز إلى ناحية عنه . قال : فلم ألْبَث أن خَرج في طَلبي فارِسان وأنا في فضاء مِن الأرض قاعد ليس يَسترني عنهما شي ، وأنا أقرأ أول سورة " يَس " وغير ذلك مِن القرآن ، فَعَبَرا عليّ ثم رَجَعا مِن حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر : هذا دَيبلة ، يَعنون شيطانا ! وأعْمَى الله عز وجل أبصارهم فلم يَرَوني ، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك . اهـ .

وكِفايَة الله لِعبده بِحسب تَقواه .
قال الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)

قال سهل بن عبد الله في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) ، قال : مَن يَتّق الله في دَعواه فلا يَدّعِي الْحَوْل والقوّة ، ويَتَبَرّأ مِن حَوْلِه وقُوّته ، ويَرجِع إلى حَوْل الله وقُوّته (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، قال : لا يَصحّ التّوكّل إلاّ لِمُتَّقٍ ، ولا تتم التقوى إلاّ لِمُتَوكِّل ؛ لقوله تعالى : (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . رواه أبو نُعيم في " حلية الأولياء " .

ومَن حَفِظ الله حَفِظه الله ؛ لأن الجزاء مِن جِنس العَمل .

فالتفريط في الحفظ والحماية والكفاية إنما يَقع مِن قِبَل العبد نفسه .

ومَن صَدَق في توكّله وتقواه لَم يَخَف إلاّ الله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وبعض الناس يقول : يا رب إني أخافك وأخاف من لا يخافك .
وهذا كلام ساقط لا يجوز ، بل على العبد أن يخاف الله وحده ، ولا يخاف أحدا ، فإن مَن لا يَخاف الله أذل مِن أن يُخَاف ، فإنه ظالِم ، وهو مِن أولياء الشيطان ، فالخوف منه قد نَهَى الله عنه .
وإذا قيل : قد يؤذيني ، قيل : إنما يؤذيك بتسليط الله له ، وإذا أراد الله دَفع شَرِّه عنك دَفَعه ، فالأمر لله ، وإنما يُسَلَّط على العبد بذنوبه ، وأنت إذا خِفت الله فاتَّقَيته وتوكَّلت عليه كَفَاك شَرّ كل شَرّ ، ولم يُسلِّطه عليك ، فإنه قال : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، وتسليطه يكون بسبب ذنوبك وخَوفك منه . فإذا خِفْت الله وتُبْت مِن ذنوبك واستغفرته لم يُسَلَّط عليك ، كما قال : (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) .

وسبق الجواب عن :
كيف يكون الإنسان مُتوكِّلاً على الله حقًّا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16648

ما علاج اليأس والإحباط في الإسلام ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14698

الْتِفاتَة قَلب ( خُطبة عن التوكل )
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13891

والله تعالى أعلم .